شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في محبة

في محبة "روبي" والشباب دائم التجدًّد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 24 يوليو 202205:33 م

شلة من الطلبة تجتمع كل يوم بعد إنتهاء اليوم الدراسي، وتنطلق وسط جحافل من المراهقين إلى المقهى المواجه للمدرسة، لمشاهدة قنوات الأغاني ومطربات الفيديو كليب اللاتي يرقصن بملابس مثيرة.

المقهى دائما عامر برواده، نفس الوجوه التي لا تتغير، يجلس الموظفون في الركن الأيمن، تعرفهم من ملابسهم وكمية الأوراق والأقلام التي وضعوها أمامهم على الطاولة بجوار الشاي بعد يوم عمل شاق. إلى اليسار طاولتان، يجلس عليهما كبار السن ممن خرجوا على المعاش ووجدوا في لعبة الشطرنج الملاذ والمهرب من الملل. بجوارهم مكتب المعلم صاحب المقهى، يجلس عليه في فترة النهار ابنه الشاب يدير شؤون المقهى ويرحب بالزبائن، ويحث العمال على السرعة في نزول الطلبات "المشاريب" وهو الوحيد الذي يحق له الإمساك بـ"الريموت كنترول" والتنقل بين القنوات.

كان مكان الطلبة أمثالي هو الصف الأول والثاني. نجلس أمام شاشة التلفزيون مباشرة، وكان ابن صاحب المقهى يعرف غايتنا من الجلوس وهي مشاهدة قنوات الأغاني.

كان الشاب لطيفاً، بمجرد قدومنا يقوم بتغيير قناة الأفلام إلى الأخرى التي لا تتوقف عن بث الأغاني، تظهر اللبنانية نانسي عجرم وهي تقول بدلال مُبالغ "أخاصمك آه أسيبك لا... بحبك آه". كانت آهات نانسي التي لا تعد ولا تحصى تجعلني أنسى كل شيء، حتى مشروب العنَّاب البارد الذي كان ساخناً يخرج منه البخار قبل أن تغني.


بعد آهات نانسي، تأتي تهديدات مواطنتها التي لا تقل فتنة هيفاء وهبي التي تطلقها ضد صديق رجب، كانت هيفاء تتمايل وترقص ونراقب كل حركاتها باهتمام، في الوقت نفسه لم نكن نجلس صامتين، ولكن ننخرط في نقاش جاد حول أيهما أكثر جمالاً وجاذبية، بعضنا يقول أن جمالهما طبيعي، بينما فريق آخر يتهم الأول بالسذاجة ويؤكد أنه لا يخلو من عمليات التجميل، كان نقاشاً محترماً وحضارياً لم يتطور إلى حد الضرب بكراسي المقهى، لأننا ندرك العاقبة، وقوة ابن صاحب المقهى وعماله، ولكن لم يخل النقاش المتحضر من اشتباكات بسيطة بالأيدي، ينتج عنها بعض الإصابات الخفيفة في الوجه والرقبة، ويتخللها بعض الألفاظ البذيئة التي تليق بمراهقين قاهريين.

كل يوم أجلس على نفس المقهى، أشاهد مطربات الفيديو كليب، أنتظر اليوم الذي ستأتي فيه من توحد صفوف المراهقين، وتنبذ الفرقة بينهم حتى نجتمع على قلب مراهق واحد على حبها، في الوقت نفسه كانت هي من بعيد تستعد للقيام بالمهمة

ثم جاءت روبي

كل يوم أجلس على نفس المقهى، أشاهد مطربات الفيديو كليب، أنتظر اليوم الذي ستأتي فيه من توحد صفوف المراهقين، وتنبذ الفرقة بينهم حتى نجتمع على قلب مراهق واحد على حبها، في الوقت نفسه كانت هي من بعيد تستعد للقيام بالمهمة: فتاة بملامح مصرية، تشبه في جمالها ملكات الفراعنة بصفتها الحفيدة الصغرى لهن، والدلوعة "آخر العنقود"، التي ولدت في المنيرة بالقاهرة.


تشبه ملامحها العادية كل الفتيات اللاتي تقابلهن يومياً، ولكنها تختلف عنهن في "الدلع". فيها شيء غريب، يشبه المغناطيس، يجذب عيون الجميع ناحيتها. "روبي صناعة محلية مصرية مائة بالمائة"، كما وصفها الكاتب الشاب الراحل البراء أشرف، في تدوينته الشهيرة "ستة أسباب للحنين إلى روبي"، في عام 2010. ويعد البراء أجمل من كتب عن روبي بكل حب. وكما قال، فكل شيء في روبي محلي الصنع، حتى اسمها "رانيا حسين محمد توفيق"، الذي لو كشفنا عنه في سجلات المواليد، لوجدنا مئات المصريات يحملن الاسم نفسه رباعياً، وإن اشتهرت بالاسم الذي اختاره لها المخرج الراحل يوسف عندما اختارها للمشاركة في بطولة فيلم "سكوت حَ نصوَّر"، بعد ظهورها في مشاهد قليلة في فيلمي "حسن وعزيزة – قضية أمن دولة"، عام 2000 وبعده "فيلم ثقافي" في 2001.


كل هذا لم نكن نعرفه عندما تعرفنا إلى روبي للمرة الأولى وهي تتمايل بدلال "بلدي"، يختلف تماماً عن هيفاء ونانسي على شاشة تلفزيون المقهى، راقبنا بدهشة وافتتان تلك الفتاة السمراء التي رقصت وغنت فأربكت قلوب الجالسين ووحَّدتها.

كان ظهورها في ذلك الوقت بمثابة ثورة كبرى ضد التقاليد التي يفرضها المجتمع على الفتيات في نفس عمرها خاصة في الملابس، إذ لم يكن أينا يتخيل أن يرى فتاة مصرية ترتدي بدلة رقص وتمشي بها في الشارع، حتى لو كان الشارع في براغ عاصمة جمهورية التشيك. لكن فعلتها روبي في أغنية "إنت عارف ليه" التي تحمل توقيع المخرج الذي أعاد اكتشافها، والصاعد بقوة تقنيات التصوير الجديدة التي عاد بها من الولايات المتحدة: شريف صبري، الذي بات أحد المهندسين البصريين للحزب الوطني الحاكم وخاصة جمعية جيل المستقبل التي تتبع الشاب الطامح إلى حكم مصر وقتها جمال مبارك.


كان حديث السياسة وقتها بعيداً جداً، ولا نعرف عن شريف صبري إلا أنه مخرج أغاني روبي، التي ما أن تظهر على الشاشة، حتى يعم الصمت المقهى حيث "لا صوت يعلو فوق صوت روبي"، بينما تخرج أنفاس الدخان من "الشيشة"، تتطاير في الهواء بحرية تشبه حريتها، وتتمايل بخفة مع حركاتها، وما بها من "الميوعة والدلع".

كانت روبي توزع البهجة "دليفري" بنفسها لكل شخص حتى باب قلبه، فرضت سيطرتها على القلوب وكأنه لا يجب أن نحب غيرها، عنيدة هزمت بسمارها الجميلات ذوات البشرة البيضاء والعيون الملونة، ووقفت صامدة في وجه طوفان مطربات الكليبات "ماريا ومروى ونجلا وبوسي سمير" لا ينازعها أحد في الخفة. وبقيت روبي التي خلقت لأجلها "الكاريزما"، وتربعت على عرش قلوب الجميع تعبث بها كيفما تشاء.

كانت روبي توزع البهجة "دليفري" بنفسها لكل شخص حتى باب قلبه، فرضت سيطرتها على القلوب وكأنه لا يجب أن نحب غيرها، عنيدة هزمت بسمارها الجميلات ذوات البشرة البيضاء والعيون الملونة

كثير من الجدل والحب

حالة من الجدل صاحبت ظهورها خاصة بعد كليب "ليه بيداري" بدايتها الحقيقية في الشهرة.

قامت الدنيا ولم تقعد. ولاقت هجوماً ضارياً من كل حدب وصوب، لا حديث في المدينة إلا عن روبي التي تحاول إفساد الشباب، ما تبعه من رفض لما تقدمه من أغاني في التجمعات العائلية، بينما نبيه الوحش المحامي يقيم دعوى قضائية ضد نقيب المهن الموسيقية حسن أبو السعود لموافقته على منحها عضوية النقابة، وينجح الوحش في استصدار حكم بشطب عضويتها، فيما يمنعها حراس الأمن بجامعة بني سويف من الدخول إلى كلية الحقوق حيث دراستها وتلاقي هجوماً ضارياً من وسائل الإعلام. بل تخطى جدل روبي الحدود المصرية ومنعت من الغناء في سوريا بقرار من نقيب الموسيقيين السوريين وقتها صالح عبيد في قرار شمل اللبنانيات "نانسي وإليسا وهيفاء" متهماً إياهم بـ"التلوث الأخلاقي".

كنت أتابع كل تلك الأخبار في الجرائد ولا أملك أن أكتب لهم "روبي لم تأت لتثير جدلاً، بل جاءت لتنشر البهجة والسعادة في الأرض".

"مين اللي ميحبش روبي؟"

ملأ أسم روبي الدنيا شرقاً وغرباً، ذات مرة في منتصف عام 2006، وأثناء عودتي من المدرسة، ذكر اسم روبي داخل سيارة الميكروباص ضمن ثرثرة جماعية. كانت السيدات يتحدثن عن ملابسها القصيرة ورقصها المثير في الكليبات، ويصمنها بأنها "عادية" لا يميزها عن غيرها شيء" دون أن ينتبهن أن هذا أحد أسرار تميزها. لم يقطع حديثهن سوى صوت سيدة أربعينية تجلس في الكنبة الأخيرة جاء ليعلن كلمة الصدق والحق وهي تمازحهن بقولها "البنت بصراحة تتحب... نغشة ودمها خفيف".

أما بالنسبة للرجال من تخطوا سن الأربعين في ذلك الوقت، فلم ينبهر أيهم بجمال روبي، كان ميزان الجمال يميل حيث العيون ملونة والبشرة البيضاء، بينما المراهقات يحببنها، لكنهم يخفين هذا الحب، وربما يجلسن في غرفة نوم إحداهن بعد غلق الباب ويتراقصن على "بقالي ليالي بنادي حبيبي ما جالي... لا ريحلي بالي و لا داري باللي جرالي"، يرون فيها الفتاة التي تشبههن، وتقرب منهن الأمل في أن يكون مثيرات ومحبوبات. روبي كانت تعني لهن المتمردة والجريئة محطمة كل التابوهات، بينما للشباب هي بكل صدق فتاة أحلامهم وأحلى ما في النوستالچيا؛ نحب عيونها التي تضحك عندما تضحك وهي من علامات خفة الظل، نعشق ملامحها الهادئة، نحفظ أغانيها الخفيفة حتى لو لم تكن على نفس الوزن والقافية، فكيف لهذا الكائن "الروبي" أن يحصل على كل هذا القدر من الحب؟

روبي التي أحبها الجميع

لسنوات، ابتعدت روبي عن الغناء، وتركت نفسها للتمثيل الذي أبدت فيه موهبة لافتة في الكوميديا والتراجيديا حظت بالتقدير النقدي، خاصة بعد دورها القصير المركب في مسلسل سجن النساء، ودورها اللافت خفيف الظل في فيلم "يوم مالوش لازمة". لكنها كانت تدرك مدى اشتياق جمهورها الأول من الشباب وشريكها في النجاح والعمر الذي عرفها مطربة، فعادت ي العام 2021 إلى الغناء، بألبوم "حتة تانية"، وواصلت فيه الغناء الخفيف المرح ذي الإيقاعات الراقصة، لتنجح لها أغنية "هوبّا" التي ما أن تغنيها في حفلاتها وهي ترقص بدلال، حتى تطير "الهوبا" الأخيرة من عقل أبناء جيلها.


تتغير السنون، وحالة الانبهار بروبي في كل عمل تقدمه سواء أغنية أو فيلم أو مسلسل ثابتة لا تتزحزح، حتى في أحدث أغانيها "نمت ننه" التي أحدثت ضجة يعود قدر كبير منها إلى كلمات عزيز الشافعي، تبقى روبي دائماً عظيمة في ظهورها، حتى وعندما تظهر كعاملة في "مصبغة" ترتدي "الكارينا" الاخضر وفوقه "البادي" الأحمر علي "جيبة تايجر"، وتضع فوق شعرها "الإيشارب". تبقى هي الجميلة من دون مجهود والتي لا تحتاج إلا حركات بسيطة مصحوبة بهزة من كتفها، لتلهيك عن ذلك المخبول الذي"نام ننه" وتركها.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image