شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
يهودٌ حموا أنفسهم بالقرآن... قصص من

يهودٌ حموا أنفسهم بالقرآن... قصص من "جنيزة القاهرة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 8 أغسطس 202210:00 ص

كلمة جنيزة تعني حرفياً بالعبرية "الدفن/الدفن/الإخفاء"، كما يُمكن استخدامها للدلالة على مصطلح أكثر توسّعاً قليلاً لتعبّر عن "مكان الدفن"، وتحديداً المكان المخصّص لحفظ الورق المهترئ من الكتابات المقدّسة، وتحديداً صفحات التوراة.

الغرض الأساسي لدفن تلك الأوراق هو أنها كُتبت باللغة العبرية المقدّسة، والتي يجب أن تكرّم وتُحفظ من أي عبث، لذا عاملها اليهود كما يعاملون الموتى وذلك عبر دفنها في غرفة مغلقة.

وتتربّع "جنيزة القاهرة" على عرش آثار تلك الممارسات اليهودية العتيقة، بعدما عُثر -في نهاية القرن التاسع عشر- على قرابة ثلاثة أرباع مليون صفحة مخطوطة حُفظت داخل إحدى غُرف كنيس يهودي يعود إلى القرون الوسطى، يُعرف باسم كنيس ابن عزرا Ben Ezra.

قدّمت تلك الأوراق شبه المهترئة وصفاً تفصيلياً لأشكال حياة اليهود في عهود بالغة القدم، فبعض هذه الأوراق يرجع تاريخها إلى القرن الـ11 وتنتهي أحدثها عند القرن الـ13، وتحتوي -بخلاف الكتب- على مراسلات تجارية وشخصية وسجلات محاكم وعقود زواج وطلاق وعرائض ناقشت كيفية التعامل مع القادة المسلمين لمصر (شهدت تلك الفترة الأيام الأخيرة لدولة الفاطميين ونشأة الدولة الأيوبية).

قرابة الثلاثة أرباع مليون صفحة مخطوطة حُفظت داخل إحدى غُرف كنيس يهودي يعود إلى القرون الوسطى... "جنيزة القاهرة" تتربّع على عرش آثار الممارسات اليهودية العتيقة

مخطوطة قرآنية ضمن محتويات جنيزة القاهرة

وفي فترة زمنية تالية، أُلحقت بمحتويات "جنيزة القاهرة" بعض آلاف الوثائق الاجتماعية اليهودية التي عُثر عليها في نواح متفرّقة من القاهرة، إحداها في البساتين التي ظلّت لفترة قريبة المقابر الرئيسية لسكان عاصمة مصر.

تبدأ تلك الوثائق بفترة حُكم أحمد بن طولون لمصر سنة 882م، والذي خصّص قطعة من أرض تلك المنطقة لتكون مقابر لليهود المصريين، وبجوار موتاهم دفن اليهود كميات كبيرة من وثائقهم الحياتية داخل حوش عائلة موصيري. وفي عام 1914م، وبفضل اليهودي المصري يعقوب موصيري، الذي موّل جهود باحثين أوروبيين نقّبوا عن الجنيزة المخبوءة في هذا المكان، ونقلوا قرابة 4 آلاف وثيقة إلى الجامعة العبرية في القدس.

وفي هذا الوقت من تاريخ العصور الوسطى، أدّت مصر دوراً كبيراً في التجارة الدولية، وفي قلبها العاصمة الفسطاط (بقيت الفسطاط مركزاً إدارياً هامّاً للدولة المصرية حتى بعد قدوم الفاطميين وبناء "القاهرة")، وهو الرخاء الذي استفاد منه الكثير من قاطنيها، وعلى رأسهم التجّار اليهود الذين عاشوا فترة ذهبية دلّ عليهم الزخم الكبير من التعاملات التجارية الذي وثّقته مخطوطات ابن عزرا، ذلك الكنيس الذي سمحت الدولة الإسلامية بإقامته في عاصمتها، ما جعله شاهداً على أحداث جسام تدفعنا لتشبيه اكتشاف مخطوطاته -من حيث الأهمية المعرفية- بمقبرة توت عنخ آمون في التاريخ الفرعوني، فكلاهما كانا حدثين فارقين في تعميق معرفتنا بتاريخ الحضارة التي يمثّلها.

الأوراق شبه المهترئة التي وجدت في "جنيزة القاهرة" قدّمت وصفاً تفصيلياً لأشكال حياة اليهود في عهود بالغة القدم، فبعض هذه الأوراق يرجع تاريخها إلى القرن الـ11 وتنتهي أحدثها عند القرن الـ13

مخطوطة قرآنية ضمن محتويات جنيزة القاهرة

وبالرغم من الاحتفاء اليهودي البالغ بمحتويات تلك الأوراق، باعتبارها مصدراً أنثروبولجياً هامّاً على حقبة للتاريخ اليهودي، فإن فوائد مخطوطات الجنيزة لم تُزد معرفتنا بحياة اليهود وحدهم، وإنما بالمسلمين أيضاً.

يقول الباحث اليهودي شلومو جوتيني Shelomo Goitein مقاله "جنيزا القاهرة كمصدر لتاريخ الحضارة الإسلامية"، إنه على الرغم من أن تلك الوثائق كتبها اليهود، إلا أنها بشكل عام تعطينا قصصاً عن حجم تشابك العلاقات الدينية بين المسلمين واليهود خلال ممارستهم حياتهم العادية كتجّار وحرفيين.

وهو نفس ما أكّد عليه أستاذ الحضارة اليهودية أبراهام أودوفيتش ABRAHAM UDOVITCH، في كتابه "الشراكة والربح في العصور الوسطى للإسلام"، والذي بيّن فيه أن وثائق الجنيزا أكدت أن كثيراً من التجار اليهود كانوا يتّبعون أحكام الفقه الإسلامي المتعلّقة بالممارسات التجارية خلال أعمالهم اليومية، لا بقوة الدولة الجبرية وإنما امتصاصاً لمعاملات جيرانهم وزبائنهم المسلمين.

إن اليهود المتدينين اهتّموا بقراءة آراء بعض أقطاب الصوفية المسلمين، وتحديداً في مقالاتهم المرتبطة بالعلاقة المباشرة مع الله، والتي لم يجدوا حرجاً من الاستئناس بها رغم كتابتها على أيدي مسلمين، وبلغ بهم درجة الإعجاب بهذا الفقه الصوفي حدّاً دفعتهم لتخليده في معابدهم الكنسية

مخطوطة قرآنية ضمن محتويات جنيزة القاهرة

نماذج للوثائق الإسلامية في جنيزة اليهود

بعض تلك الوثائق شهدت تقاطعاً بين التاريخين اليهودي والإسلامي معاً، كشفت محاسن محمد الوقاد عن بعضها في بحثها "ثلاث وثائق مملوكية من جنيزة القاهرة"، يهمّنا منها وثيقة تعود إلى القرن الـ14م/8هـ حملت تعليمات من رئيس الطائفة اليهودية في مصر، رابي يهوشوع، إلى بعض حاخاماته، يأمرهم فيها بمساعدة اليهود الفقراء على سداد الجزية المفروضة عليهم بأمر الحاكم، وقدرها 250 درهماً.

أما الوثيقة الثانية فكُتبت عام 684ه/1285م وحكت قصة أحد اليهود الذي كان يعمل في بلاط السُلطان الناصر محمد بن قلاوون. غضب السُلطان على عامله اليهودي فعزله عن منصبه، وهو ما دفع العامل إلى الاستعانة بأحد أقاربه من أثرياء اليهود، والذي كان على علاقة وثيقة بالقاضي فخر الدين بن لقمان، صاحب دار "ابن لقمان" التي أُسر فيه الملك الفرنسي لويس التاسع. توسّط لقمان لدى السُلطان الناصر فأعاد اليهودي إلى منصبه مُجدداً.

وهو ما يفسّر عبارات الإطراء التي كالتها الوثيقة بحق فخر الدين الذي وصفته بأنه "فخر القضاة"، تقول: "يعلم المجلس السامي أننا مضينا في خدمة فخر القضاة، دام ظله واجتمعنا به في دار الإمارة، وأنعم في حقنا بما لا يُمكن وصفه، بعدما كتب كتاباً إلى مولانا السُلطان الملك الناصر عزّ نصره وأنعم في حقنا إنعام عظيم".

لماذا امتلك اليهود المصريون مخطوطات قرآنية في بيوتهم؟

أيضاً شملت الجنيزة وثائق إثبات تسليم الضرائب للدولة، والالتماسات التي وجّهها كبار الطائفة إلى الحكّام الفاطميين والأيوبيين، وكذلك بعض النصوص الصادرة عن المحاكم الإسلامية.

كما تضمّنت محتويات الجنيزة، واحدة من أكثر المخطوطات تميُّزاً على الإطلاق، وهو رق نادر يُلخّص حالة التمازج التي عاشها اليهود والمسلمون معاً في ذلك العصر. آلت ملكية هذا الرق ليهودي مسح الحروف العربية التي كُتبت عليه سابقاً ليوثّق عليه لاحقاً شؤونه وكلماته بالعبرية.

رقّ يحمل اللغتين العربية والعبرية معًا، يحمل الجانب الآخر كتابة باللغة العبرية فوق بقايا حروف عربية ممسوحة

في هذا العصر كانت الرقوق تصنّع من جلد الحيوانات حتى تكون قابلة للمسح وإعادة الاستخدام مُجدداً توفيراً للنفقات.

لحُسن الحظ لم يوفّق المالك الجديد اليهودي للرق في مسح كافة الحروف العربية من عليه، فطالعنا ذلك المشهد النادر لنصّ يهودي حياتي وفي خلفيته أطلال باهتة لحروف عربية نجى منها ذلك الدعاء البديع "الحمد لك، وحيداً في مجدك، مشهوراً في تفردك، قديراً على كل مخلوق".

مثل تلك الوثائق وغيرها، عكست الأوضاع الاجتماعية لليهود في ظل تلك الفترة، والتي مكّنتهم من العيش بحرية كبيرة وقُدرة على التجارة وتنظيم شؤونهم بأنفسهم، لدرجة حولتهم إلى ما يُشبه "الدولة داخل الدولة"، بحسب تعبير المؤرّخ اليهودي شلومو جويتين في معرض تعليقه على المخطوطات.

رقّ يحمل اللغتين العربية والعبرية معًا، هنا نطالع جانبه  وتظهر فيه بقية الحروف العربية التي لم تُمسح

يقول جوشوا برومباخ Joshua Brumbach في ورقته الأكاديمية "ماذا تستطيع جنيزة القاهرة أن تخبرنا عن الحياة اليهودية في ظل الإسلام؟"، إنه بسبب ارتفاع أسعار الورق فإن اليهود -وبقية أهل العصر- اعتادوا تدوير استعمال الورقة الواحدة قدر الإمكان، وهو ما كان يدفعهم لاقتناء فرمانات الدواوين الإسلامية وفتاوى المحاكم، لأنها كانت تُكتب في أوراق طويلة تُمكّن المستخدم الثاني لها من الاستفادة من حجمها الكبير في التدوين.

قد يكون هذا التبرير منطقياً في حالة "الفرمانات" و"الفتاوى"، لكن ماذا عن القرآن وأقوال رجال الصوفية، لماذا اقتناها اليهود، ولماذا حافظوا عليها، ولم يمسحوها ليكتبوا عليها بالعبرية كما فعلوا ببقية المخطوطات؟

كشف لنا الباحث درة زسوم في بحثه "قصص صوفية في جنيزة القاهرة"، أن بعض المخطوطات الإسلامية التي احتفظ بها اليهود ووصلتنا، اشتملت على أقوال لأبو يزيد البسطامي وأبو الحسين النوري المعروف بالبغوي، وكلاهما من أقطاب الصوفية الكبار، اللذين عاشا في القرن الـ3هـ، والذي يتوفق ميلادياً مع السنين من 816م وحتى 913م، وهي الفترة الزمنية التي بدأت عندها مخطوطات الجنيزة.

مخطوطة قرآنية ضمن محتويات جنيزة القاهرة

وبحسب البحث، فإن اليهود المتدينين اهتّموا بقراءة آراء بعض أقطاب الصوفية المسلمين، وتحديداً في مقالاتهم المرتبطة بالعلاقة المباشرة مع الله، والتي لم يجدوا حرجاً من الاستئناس بها رغم كتابتها على أيدي مسلمين، وبلغ بهم درجة الإعجاب بهذا الفقه الصوفي حدّاً دفعتهم لتخليده في معابدهم الكنسية.

هذا عن كُتب المتصوفة، أما عن القرآن فتقول الباحثة في الدراسات الإسلامية بجامعة كامبريدج، مجدولين كونولي Magdalen Connolly في بحثها "مسح لمخطوطات القرآن في جنيزة القاهرة"، إن علماء الآثار عثروا على قرابة 35 مخطوطة قرآنية في حجرة الكنيس اليهودي. وجود تلك المخطوطات فتح الباب لسؤال هام: لماذا امتلك اليهود المصريون مخطوطات قرآنية في بيوتهم؟

الاستقراء الدقيق لتلك المخطوطات قد يُساهم في حل إجابة ذلك السؤال، فبعض تلك المخطوطات القرآنية ارتكز موضوعها على تعامل المسلمين مع غير المسلمين، وهو ما انطبق على بعض الآيات التي خطّها اليهود في وثائق، مثل: "لكم دينكم ولي دين" (سورة الكافرون)، و" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب" (سورة الحجرات)، وبحسب مجدولين فإن المعاني التي تقدّمها تلك الآيات تشكّل فائدة كبيرة ليهودي يعيش في مجتمع مسلم، يرغب في معرفة رأي دين الأغلبية في التعامل معه بصفته عضو أقلية يهودية.

كما أن بعض الآيات القرآنية الأخرى استخدمها اليهود للتبرُّك عبر تلاوتها في حضور المرضى والموتى، وكثيراً ما كانت تُستخدم على شكل تعويذات تُطوى عدّة مرات ثم تُنقل من شخص لآخر لحمايته من الأذى.

وفي ورقة بحثية أخرى عن ذات الموضوع، قالت مجدولين، إن وجود أجزاء من القرآن في كنيس ابن عزرا يؤكد أن بعض أفراد الجالية اليهودية انخرطوا في ممارسة بعض العلوم المتعلّقة بالقرآن، والتي قد يكون منها التمرين على الترجمة من اليهودية إلى العربية، أو الكتابة بالخط العربي، وكلها كانت أنشطة جالبة للرزق في ذاك الزمان.

لماذا حافظ اليهود عليها؟

في أبحاثها الممتدة حول تلك التفصيلة من تاريخ "جنيزة القاهرة"، فسّرت مجدولين إقبال بعض اليهود على اقتناء مخطوطات القرآن في بيوتهم، لكنها لم تستطع فهم سبب احتفاظ اليهود بمخطوطات إسلامية، تقول "لا يُوجد سبب واضح لقيامهم بهذا الفعل، فهي ليست نصّاً عبرانيّاً ولا تملك أي قيمة مقدّسة".

ما عجزت مجدولين عن فكّ طلاسمه، نجح في حلّه أستاذ الحضارة اليهودية في جامعة برنستن مارك كوهين Mark R Cohen، في أطروحته "الجنيزا الإسلامية والجنيزة القاهرية الجديدة"، بعدما اعتبر أن السر وراء ذلك هو أن يهود تلك العصور جمعوا في بيوتهم أوراقاً مختلفة تراكمت أكواماً داخل بيوتهم؛ فلقد اعتادوا إعادة استخدام الأوراق لأنها كانت غالية الثمن، وهو ما كان يدفعهم لاستخدام أوراق حافلة بالكتابات الإسلامية لتجريب الحبر أو لجعلها مسوّدة لرسالة ما، وهذه الأوراق المستعملة هي التي عثرنا عليها اليوم ضمن أوراق الجنيزا.

فلقد كان اليهود حينما ينظّفون بيوتهم من تلك الأوراق، كانوا يحملون الأكوام -بما تشتمل عليه من كتابات يهودية وإسلامية- إلى الكنيس ليدفنوها بشكل جماعي، بدلاً من استنزاف الكثير من الوقت والجهد في فرز كل تلك الأوراق.

فيما قدّم لنا الباحث درة زسوم تفسيراً مغايراً تماماً، وهو أن اليهود طبّقوا على الأوراق العربية قواعدهم بشأن النصوص العبرية، فأي مخطوطة حملت اسم الله، لم يبتلعوا التخلُّص منها بأي وسيلة، لذا اعتادوا دفن أوراقهم التي حملت طيّاتها الاسم المقدّس عبرية كانت أو عربية، وهو السبب الذي اتّفق معه فيه الدكتور جهلان إسماعيل الباحث في الجنيزا خلال حديثه لرصيف22.

الجنيزا الإسلامية

ووفقاً لأطروحة مارك كوهين، فإن دفن أوراق الحياة اليومية على طريقة "الجنيزة" في العصور القديمة لم يكن نشاطاً قاصراً على اليهود فقط، بل امتدَّ إلى المسلمين أيضاً الذين مارسوا نفس السلوك ولو لم يكن على نطاق واسع كاليهود.

أول مَن أثار تلك النقطة هو أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة العبرية جوزيف سادان Joseph Sadan، الذي كان أول من تحدّث عنها في ثمانينيات القرن الماضي، بعدما اكتشف رأياً فقهياً عثمانياً يعود للقرن الـ17، يشرح فيه المسلمون كيفية التعامل مع نُسخ القرآن الممزقة، معدّداً أساليب متباينة، كالحرق والطمس والغسل والقطع والدفن في تجويف مغلق ومحمي، وهو ما يذكّرنا كثيراً بـ"جنيزة القاهرة" المدفونة في معبد ابن عزرا.

لم تقتصر آراء سادان على مجرد الاجتهادات العلمية، وإنما دعّمتها عدة اكتشافات عثرت على "مخبوءات مستندية" إسلامية في عدة أماكن، منها "جنيزة المسجد الأموي" التي احتوت على صفحات من القرآن وقطع دبية ووثائق حياتية مدنية تتعلّق بالبيع والشراء وإبراء الدين، وضمّت أيضاً بعض الرسائل الشخصية. عقب تعرُّض المسجد الأموي لحريق عام 1893م نُقلت تلك الوثائق إلى إسطنبول، وتظهر الآن ضمن معروضات متحف الفنون الإسلامية والتركية الكائن في ميدان السلطان أحمد.

بالمثل، عُثر على أكثر من جنيزة إسلامية في جامع القيروان الكبير، وكذا جامع صنعاء الكبير الذي أخفى لعقود قرابة 15 ألف مخطوطة إسلامية اجتماعية عن الأعين، ولم تكن لتظهر لولا القيام ببعض أعمال الترميمات في المبنى.

أيضاً، فإنه خلال عام 1987م وبينما كان يرمم أحد المهندسين سقف مكتبة تمتلكها عائلة الخالدي المقدسية، عُثر على مئات الأوراق المهترئة التي تضمّنت وقائع اجتماعية عدة. فلقد احتوت "جنيزا الخالدي" على مئات الوثائق الرسمية والشخصية بعضها تعود إلى عصور ما قبل الخلافة العثمانية.

وفي حديثه لرصيف22، نفى الدكتور جهلان إسماعيل الباحث في الجنيزا وتراث يهود مصر، اعتماد مسلمي العصور الوسطى طريقة الجنيزة لحماية مقدّساتهم الورقية، بعدما أكّد أن الطريقة المعتمدة لتخلُّص المسلمين من أوراقهم المقدّسة هي الحرق، أما ما عُثر عليه من مجموعات ورقية حياتية فلا تُعدُّ جنيزا وإنما كانت تُجمّع في هذه الأماكن تمهيداً لحرقها، لكن لم يتمكّن أصحابها من تنفيذ تلك المهمة لسبب أو لآخر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image