تعتبر منيرة المهدية واحدة من أشهر مطربات مصر، خلال النصف الأول من القرن العشرين. سُطرت العديد من المقالات حول حياتها ورحلتها الفنية المثيرة، كما وثّقت سيرتها الباحثة د. رتيبة الحفني، في كتاب بعنوان السلطانة منيرة المهدية والغناء في مصر قبلها وفي زمانها (2002)، وكتاب مسرح منيرة المهدية تحقيق ودراسة د. سامي عبد الحليم، إلى جانب دراسة رصينة عنها أعدّها المؤرخ المسرحي د. سيد إسماعيل، ضمن فصول كتابه مسيرة المسرح في مصر 1900 – 1935، الجزء الأول فرق المسرح الغنائي (2003)، كما أصدر مركز الهلال للتراث الصحفي عدداً خاصاً عنها بمناسبة مرور خمسين عاماً على رحيلها، وغيرها من الفصول والدراسات التي تضمنتها بعض الكتب.
منيرة المهدية من محفوظات المهندس كمال عزمي
إذن لا داعٍ لحديثي عن سيرتها أو أبرز المحطات في حياتها الفنية مجدداً، لكن مؤخراً صدر عنها كتاب بعنوان مذكرات منيرة المهدية من إعداد الباحثة د. عزة كامل، عن سلسلة كتاب اليوم، التابعة لمؤسسة أخبار اليوم، في 127 صفحة من القطع المتوسط، فكان لا بد من الوقوف عند أبرز ما جاء في فصوله.
مذكرات منيرة المهديّة كتاب جديد يحاول كشف جوانب خفية من حياة واحدة من أشهر نجوم الطرب في بدايات القرن العشرين
غلاف كتاب مذكرات منيرة المهدية
منيرة المهدية والتحرر من المتخيل الذكوريّ
تقول المؤلفة في مقدمة الكتاب: "أردت من هذا الكتاب أن أنفض الغبار عن ما استقر في ذهن الكثيرين من المصريين من الآراء العامة المؤسفة الشائعة عن منيرة المهدية، كمغنية تغني الأغاني الخفيفة أو الخليعة، فهي عند كثيرين مطربة الفجور والانحلال الأخلاقي، وتدبير المؤامرات ضد الفنانين والفنانات، خصوصاً أن السيرة الذاتية التي يتضمنها هذا الكتاب، هي مذكرات صغيرة في عدد صفحاتها، نُشرت في مجلة البوليس عام 1958 على مدار أربع حلقات، وهي بذلك لا تعكس أدق التفاصيل لمسيرة منيرة المهدية ورحلتها الفنية الغنية والإنسانية، ومواقفها الوطنية وروحها المغامرة الوثابة، فوجدت نفسي غارقة في البحث عن حياتها ومواقفها وأغانيها من خلال المجلات والصحف الفنية والمقالات التي عاصرت منيرة المهدية وما بعدها، ومشاهدة فيديو لها مع المذيعة النابهة أماني ناشد، بعد حصولها على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من الرئيس جمال عبد الناصر في الستينيات، من أجل إعطاء صورة معمقة وحية وحقيقية عن حياة منيرة المهدية، التي ربما قد أغفلتها المذكرات. لقد أطاحت منيرة المهدية بتقاليد المجتمع المصري التقليدية عرض الحائط، إذ حطمت عرش الذكورية والقيود الصارمة أمام احتراف النساء الفن منذ ظهورها على المسرح متحدية كل القيود المجتمعية".
ينقسم الكتاب في مجمله إلى ثلاثة أجزاء؛ يتضمن الأول جولة في حياتها الفنية الممتدة، مع التركيز بشكل أساسي حول الدور الوطني الذي لعبته منيرة خلال ثورة 1919، من خلال المسرحيات الغنائية التي قدمتها والأغنيات التي أنشدتها، بينما يتضمن الفصل الثاني مقتطفات من الصحف والدوريات حول حياتها وعروضها المسرحية، أما الفصل الأخير فيتضمن المذكرات التي نوّهت عنها الكاتبة في المقدمة على مدار أربع حلقات.
يثير كتاب مذكرات منيرة المهدية الصادر مؤخراً الارتباك، سواء فيما يخص إخراجه وغياب صور ضوئي للمذكرات نفسها، أو فيما يخص دقة المعلومات التاريخيّة
بالرغم من كون هذه المذكرات وثيقة نادرة، فإنها للأسف الشديد أغفلت العديد من المحطات الفارقة في مسيرة منيرة. فقد ركّزت على الجوانب الشخصية لمنيرة، ودور الحسد في حياتها، وتربيتها للحيوانات، وصداقاتها الوطيدة مع كبار رجال الدولة، والاجتماعات السياسية التي كانت تُعقد في عوامتها على ضفاف النيل، ورحلاتها داخل مصر وخارجها. أما المواقف الفنية فكانت شحيحة، ودارت أغلبها حول أغنيات الطفولة والوصول إلى القاهرة، والغناء في المقاهي والصالات وتشجيع الشيخ سلامة حجازي لها، وتعاونها مع بديع خيري، وذكرياتها مع صالح عبد الحي ومحمد عبد الوهاب. وكم كنت أتمنى من مؤلفة الكتاب أن تحرر المذكرات وتضيف لها الهوامش، وتوضح للقراء تاريخ نشر كل حلقة ورقم العدد، فالحلقات تبدو وكأنها حلقة واحدة مع فقرات جانبية، كما أن الصفحات خلت من إرفاق صورة ضوئية ممسوحة من الحلقات كوثيقة أساسية، خصوصاً أن عنوان الكتاب هو "مذكرات منيرة المهدية".
تواريخ لابد من ضبطها
برنامج حفلة افتتاح محطة الاذاعة اللاسلكية للحكومة 1934
لكن ما ينبغي التوقف عنده يخصّ بعض المعلومات التي وردت بالكتاب بخصوص ريادة منيرة المهدية، فالمؤلفة كتبت: "لم يكن الغناء والطرب هو كل مسيرة منيرة المهدية، فقد قدر لها أن تكون أول مطربة تغني في الإذاعة المصرية حفلات وأسطوانات، أول امرأة مصرية مسلمة تتحدى القواعد الذكورية وتعتلي خشبة المسرح في مصر والوطن العربي، وأول مغنية تقوم بتسجيل أسطوانات غنائية...". فإذا توقفنا عند الفقرة السابقة، سنلاحظ العديد من المعلومات الخاطئة المتداولة إلى يومنا هذا. فمطربتنا منيرة المهدية لم تكن أول مطربة تغني في الإذاعة اللاسلكية الحكومية المصرية عند افتتاحها في 31 أيار/ مايو 1934، حيث يشير برنامج حفل الافتتاح إلى أن الصوت النسائي الوحيد الذي شارك يومها كانت كوكب الشرق أم كلثوم.
منيرة المهدية لم تكن أول مطربة تغني في الإذاعة اللاسلكية الحكومية المصرية عند افتتاحها في 31 أيار/ مايو 1934، إذ يشير برنامج حفل الافتتاح إلى أن الصوت النسائي الوحيد الذي شارك يومها كانت كوكب الشرق أم كلثوم. كذلك لم تكن منيرة أول امرأة مصرية مسلمة تعتلي خشبة المسرح في مصر
غلاف كتاب مسرحية الملكة بلقيس
كذلك لم تكن منيرة أول امرأة مصرية مسلمة تعتلي خشبة المسرح في مصر. فالمؤرخ المسرحي د. سيد علي إسماعيل أوضح في كتاب "الملكة بلقيس" تأليف لطيفة عبد الله، وتحقيقه ضمن سلسلة نصوص مسرحية، أن السيدة لطيفة عبد الله هي أول ممثلة ومؤلفة مسرحية مصرية مسلمة تزاول التمثيل، حيث عثر المؤرخ على أول خبر نُشر عنها كممثلة عام 1891، وكانت من بين أعضاء "جوق السرور" لصاحبه ميخائيل جرجس.
أما المعلومة الأخيرة المتعلقة بكونها أول مغنية تقوم بتسجيل أسطوانات، وعلى الأرجح أن المؤلفة تقصد الأسطوانات الحجرية لا الشمعية، فالباحث في التراث الموسيقي مصطفى سعيد يشير إلى أن أول تسجيلات الأسطوانات الحجرية في مصر كان في عام 1903، وفيه سجلت نظيرة سلطان وفاطمة البقَّالة وبمبا العوادة وغيرهن من النساء، وفي الغالب جاء ترتيب منيرة بعد رقم 20، لأنها سجلت في الفترة ما بين كانون الأول/ ديسمبر 1905 أو كانون الثاني/ يناير 1906، ويمكن الرجوع إلى مختارات من هذه التسجيلات المبكرة ضمن إصدار "عصر العوالم" لمؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية ببيروت.
كنت أتمنى أيضاً أن تتم مراجعة النصّ المكتوب، لأنه احتوى على العديد من الأخطاء الإملائية في الأسماء، منها على سبيل المثال لا الحصر، المخرج الإيطالي "ماريو فولير" والصواب هو ماريو فولبي، وبما أن الكتاب حول رائدة من رائدات الغناء والتمثيل في مصر خلال القرن العشرين، فكان يفضل أن يتضمن الكتاب ملحقاً بأهم التسجيلات الغنائية التي سجّلتها منيرة خلال حياتها الفنية، إلى جانب مجموعة من الصور التي تضيء مراحل مختلفة من حياتها.
يجب القول إن الملاحظات الواردة في المقال لا تقلل أبداً من الجهد الذي بذلته الباحثة في الحديث عن هذه المطربة والدور الذي لعبته في الحياة الفنية والسياسية في مرحلة فارقة من التاريخ المصري الحديث.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون