في عام 1932، انعقد مؤتمر الموسيقى العربية الأول بالقاهرة، والذي استدعى خلاله الملك فؤاد الأول كوكبة من ألمع الموسيقيين والعلماء حول العالم، بهدف الحفاظ على تراث الموسيقى الشرقية، والتباحث في سبل تطويرها.
اشترك في أعمال المؤتمر وفود من الفنانين العرب: "جوقة زرياب تلمسان" الحاج العربي بن صاري (الجزائر)، "جوقة عندليب الرافدين" محمد القبانجي (العراق)، "جوقة وديع صبرا" (لبنان)، "جوقة سلطان الرباب" عمر فائض الجعيدي (المغرب) ، "جوقة أحمد الأوبري" وسليم الحنفي (سوريا) و"جوقة أمير الرباب" محمد غانم (تونس). كما غنّى الشيخ درويش الحريري تراث موشحات القرن التاسع عشر، وداود حسني ومحمد نجيب وعزيز عثمان، أدوار المدرسة الخديوية على تخت معهد الموسيقى الشرقي.
وأدى محمد البحر أدوار والده سيد درويش، إلى جانب ألوان من الموسيقى الشعبية تمثلت في جوقتي محمد العربي وأنوسة المصرية. شاركت "جوقة الحاج طه أبو مندور" بالطبل والمزمار البلدي، إلى جانب غناء عرب الفيوم والزار.
أرشيف مجلة الدنيا المصورة 1930
ولأول مرة تم تسجيل مقاطع من الذِكر الليثي بواسطة الطريقة الصوفية البدوية، وأنشدت الطريقة الصوفية المصرية المولوية السَماع المولوي، واختارت الكنيسة القبطية تراتيل المعلم ميخائيل جرجس البتانوني وطقوس "الكنيسة المعلقة" في حي بابل بمصر القديمة. سجلّت حينها شركة جرامافون 360 قالباً موسيقياً من الأسطوانات الحجرية أثناء جلسات المؤتمر. وأخيراً صدر عن المؤتمر كتاب "مؤتمر الموسيقى العربية" عبر المطبعة الأميرية البولاقية عام 1933.
لمع اسم محمد عوض العربي خلال أعمال مؤتمر الموسيقى العربية الأول بالقاهرة عام 1932، وجاء اختياره مع جوقة المعلم حسن محمد، لأداء ألوان من الغناء البلدي الذي تأثر بالفنون الراقية بالقاهرة، وكذلك الغناء الريفي
أعمال مؤتمر الموسيقى العربية الأول
لمع اسم محمد عوض العربي (1941) خلال أعمال مؤتمر الموسيقى العربية الأول بالقاهرة عام 1932، وجاء اختياره مع جوقة المعلم حسن محمد، لأداء ألوان من الغناء البلدي الذي تأثر بالفنون الراقية بالقاهرة، وكذلك الغناء الريفي. وطالما نوّه الموسيقار فريد الأطرش أنه تعلّم الكثير من فن العربي وطريقته في الأداء. كان العربي شغوفاً بفن الصوت منذ طفولته، أما والده فكان يعنّفه كثيراً بسبب عشقه للغناء.
كتالوج مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة 1932
في إحدى الليالي لم يستطع النوم، فظل حتى الصباح مستيقظاً ومر بمنزلهم صبي يقود جملاً محملاً بالبطيخ، ويغنّي بطريقة تفيض بالشجن والحنان. كان يردد مقطعاً يقول فيه: "يا حلوة ياللي جمالك سباني". فظل يركض وراءه في الحواري، وأقسم منذ تلك الليلة أن يعمل بالغناء، فهجر المنزل، وأخذ يطوف البلاد من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، بينما والده يطارده، وكلما سنحت له فرصة نهره وأراد أن يبعده عن الغناء دون تردد. لكن والده أصبح فيما بعد من كبار مشجعيه ومحبيه بعد أن ذاع صيته في البلاد.
وضع العربي نظاماً صارماً لأفراد فرقته يسيرون عليه، فأحياناً يكون الناياتي قريباً منه، وأحياناً أخرى يسيرون على إيقاع التصفيق الخاص. أما عندما تكون الفرقة في حضرة الكبار والوجهاء فإنهم يجلسون القرفصاء، بحيث يكون المطرب مواجهاً لحامل الأرغول وبجانبهما الناياتي. كان العربي يعتمد بشكل كبير على مساعده عواد القليوبي، وسجّل مجموعة من الأسطوانات التجارية لصالح الشركات؛ اقترب عددها من المائة. كان أجره عندما بدأ بتعبئة الأسطوانات عشرة جنيهات إلى أن تضاعف، حسب ما نقرأ في حوار معه بمجلة الدنيا المصورة في 15/1/1930.
طالما نوّه الموسيقار فريد الأطرش أنه تعلّم الكثير من فن محمد العربي وطريقته في الأداء. كان العربي شغوفاً بفن الصوت منذ طفولته، أما والده فكان يعنّفه كثيراً بسبب عشقه للغناء
تشجيع الكبار
حظي العربي بتشجيع من كبار رجال المجتمع، مثل البرنس محمد علي، عدلي باشا وسعد باشا زغلول. فكان سعد زغلول هو من أطلق عليه لقب "مطرب الشعب" بعد أن سمعه وهو يؤدي أدواراً وطنية. كما حظي بدعم رجال نادي الموسيقى الشرقي، وعلى رأسهم مصطفى بك رضا، الذي استمع إليه في منزل البرنس محمد علي، ومن وقتها ظل يدعوه بانتظام للمشاركة في حفلات النادي الرسمية.
كان أعضاء النادي ينادوه بأبي عباس؛ نسبة إلى ابنه الأكبر. كان العربي من ألمع مطربي إحياء الموالد، فكان أجره يصل إلى خمسين جنيهاً عن الليلة الواحدة. تمنّى طوال حياته بأن تكون هناك نقابة للمغنيين البلدي تجمعه مع زملائه. أفردت له الإذاعة الحكومية مساحة للغناء، خصوصاً في العام 1938، حيث غنَّى موال "يا قاصد الحج يا طالع جبل عرفات".
موال في الإذاعة عام 1938_أرشيف عامر ندروس
هجر محمد العربي منزله، وأخذ يطوف البلاد من شرقها إلى غربها بينما والده يطارده، وكلما سنحت له فرصة نهره وأراد أن يبعده عن الغناء دون تردد. لكن والده أصبح فيما بعد من كبار مشجعيه ومحبيه بعد أن ذاع صيته في البلاد
يشير عبد المنعم الجداوي في مقالة عنه بمجلة الكواكب في 30/10/1956 إلى أنه لم يكن مطرباً عابراً بل نجح في التأثير فيمن حوله من مطربين، وعلى رأسهم جميعاً: سيد درويش الطنطاوي، لبيب أحمد وكذلك محمد العربي الصغير الذي انشق عن فرقته وأنشأ لنفسه فرقة خاصة أسوة به، إلى جانب تأثيره البالغ في الموسيقار فريد الأطرش فيما يتعلّق بطريقة أداء المواويل البلدية. في أواخر أيامه أُصيب بألم في الصدر دخل على إثره مستشفى الأمراض الصدرية وخرج منه، لكنّه بعد عدّة أشهر عاوده المرض مجدداً ففارق الحياة.
أخيراً في عام 1955، قامت شركة (Smithsonian Folkways Records) الأميركية بإطلاق إصدارها الثالث من ألبوم (Music of World's Peoples) والذي جمع مختارات من أغنيات الشعوب حول العالم، فضم إحدى القطع الغنائية التي سبق وأن سجلها محمد العربي لصالح شركة بيضافون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...