شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"نزهة النفوس"... رحلة نانسي منير مع سلاطين الطرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 25 يوليو 202210:00 ص

"نزهة للنفوس" واستراحة للخاطر، عنوان ألبوم الموسيقية نانسي منير وموجزه أيضاً. في خطٍّ مغاير عن السائد ومعشَّق بين الماضي والحاضر، تمشي ابنة الاسكندرية مشرِّعةً آلاتها على الخيال وعلى الآخر كما هي مدينتها، فتضيء أصدافاً موسيقية منسية من التراث الموسيقي المصري.

سبعة مغنين تعود أمجادهم إلى بدايات القرن العشرين التي شهدت نهضة موسيقية انتعش فيها المسرح الغنائي، على يد رواد مثل سلامة حجازي ثم سيد درويش، اتجاه غنائي تأثر بالطابع الأوروبي وأدخل تقنيات جديدة على الموسيقى والأغنية المصرية.

من ناحية أخرى، كانت الأغنية الشرقية المصرية الخالصة تسير في تطورها، حيث نضج "الدور"، وهو قالب غنائي مصري بدأ منتصفَ القرن التاسع عشر، وانتعش قالب "الطقطوقة" وبدأ يسيطر على الأغنية المصرية، وهي بمثابة الأب الروحي للأغنية الحديثة في القرن العشرين. ذلك ما ورد في كتاب "الموسيقى الشرقية" لكامل الخلعي.

لمع اسم منيرة المهدية في غناء الطقطوقة والمواويل، فنالت ألقاباً عدة، سلطانة الطرب، أميرة الطرب، مطربة مصر. كانت المفتاح الذي ولجت به نانسي منير تلك الفترة، وصولاً لمغنين آخرين غير معروفين في الذاكرة الجمعية رغم قيمتهم الفنية والإنسانية الرفيعة.

فقررت إزاحة الغبار عنهم ومشاركتهم تجربة موسيقية تردّ لهم بعض الاحترام. صالح عبد الحي، فاطمة سرّي، عبد اللطيف البنا، زكي مراد، حياة صبري، منيرة المهدية، نعيمة المصرية، لكل منهم حكاية فنية وإنسانية تستأهل أن تصل للجمهور وأن تصل أصواتهم وأغانيهم الفائضة بالمشاعر الشفافة والصادقة، تقول نانسي.

تستحضر نانسي منير أولئك المغنين بصورهم وحكاياتهم وطاقتهم وأغانيهم أيضاً، ترافقها بموسيقى عزفتها بعفوية وحبّ كبيرين، فكانت النتيجة لقاء فنياً ونزهة للنفوس عامرة بالمعلومات والنشوة الموسيقية، ليس بعيداً عن المسرّة التي كانت تقدمها منيرة المهدية يوماً في قهوتها التي حملت اسم الألبوم "نزهة النفوس".

أغان لسبعة مغنين تعود أمجادهم إلى بدايات القرن العشرين بحكاياتهم وطاقتهم وأغانيهم، ترافقها بموسيقى عزفتها بعفوية وحبّ كبيرين... "نزهة المفوس" ألبوم الموسيقية نانسي منير الأخير

مساحة للخيال

بدأت نزهة نانسي منير خلال ورشة مع المغنية كاميليا جبران عام 2016، سمعت فيها صوت عبداللطيف البنا وموسيقى أخرى من تلك الحقبة. بدأت تبحر في تلك المقامات والأبعاد الموسيقية المختلفة، "سمعت أغاني كثيرة من تلك المرحلة، حاولت فهم المغنين والسياق التي أطلقت به أغانيهم، كان هدفي التعلم والحفظ، ثم بدأت العزف مع أغانيهم".

بعد سنوات من التجريب والعزف مع الأغاني بدأت تنفيذ ألبومها بشكل رسمي. محاولات لخلق حوار بين المغنين وبين مقطوعات موسيقية تعزفها نانسي، لتتشكل فيما بعد مساحة خيالية معلقة بين الماضي والحاضر، لا تنتمي للزمن بقدر انتمائها للنص الذي أبدعته الموسيقية السكندرية وفاضت عليه بالكثير من المشاعر.

نجحت ابنة البحر باصطياد الفجوات الصوتية التي تخللت الأغاني، كان سببها انخفاض الترددات الصوتية التي كانت تلتقطها أجهزة التسجيل قديماً، "ما أعطاني مساحةً للالتفاف حول الموسيقى في الهاي إن أو البيز أو التريبل، الموسيقى العربية كانت وقتها قائمة على فكرة الميلودي أو الخطوط اللحنية للأغنية، بينما تقوم الموسيقى الحديثة على فكرة الهارموني أي التناغم والتواؤم بين الألحان، هذا سبب آخر كي أتفاعل مع تلك الموسيقى التراثية، سواء بالهارموني أو الكاونتر بوينت أو المساحة الصوتية المفتوحة".

صالح عبد الحي، فاطمة سرّي، عبد اللطيف البنا، زكي مراد، حياة صبري، منيرة المهدية، نعيمة المصرية، لكل منهم حكاية فنية وإنسانية تستأهل أن تصل للجمهور وأن تصل أصواتهم وأغانيهم الفائضة بالمشاعر الشفافة والصادقة

استخدمت نانسي آلات موسيقية عديدة، بشكل يوضح جماليات الأصوات وأدائها. حرصتْ على التوازن بينها وبين توزيعاتها التي خرج جزء كبير منها بشكل عفوي، ليكون المنجز لوحةً موسيقية سوريالية نسجت من خيوط شفافة قديمة ومعاصرة، بشكل لا يمر على المسامع مروراً عادياً.

يعزز تلك اللوحة مكساج الصوت الذي نفذه المهندس أدهم زيدان، تقول: "كان منفتحاً وتعامل مع الصوت بمنطق غير واقعي وغير تقليدي، فكانت النتيجة مساحة للقاء، ليست فيزيائية وليست صورة للنوستالجيا أو للمستقبل، بل مساحة خيالية نشأت بذرتها الأولى في قلبي ووجداني قبل أن تترجم في الألبوم".

مسرح وموسيقى وحكاية

على ضفة قريبة، وخلال وضع رتوشها الأخيرة على الألبوم، بدأت نانسي منير العمل على عرض مسرحي موسيقي توثيقي، بتشجيع من الموسيقي المصري موريس لوقا وإنتاج شركة "سمسارة". العرض يحمل اسم الألبوم "نزهة النفوس"، ويقدم بعض أغانيه رفقة مقاطع فيديو توثق أجزاء من حياة وأعمال المغنين.

فضاءات موسيقية عديدة تسبح فيها نانسي منير مع آلاتها الكثيرة التي تجمعها بها صحبة متينة كما تقول، الأمر الذي جعل من تجربتها قطعة فنية متكاملة لا تشبه سواها

فرجة مسرحية مميزة في الفكرة والمعالجة، لاقت قبولاً جماهيرياً منذ عرضها الأول على خشبة مسرح معهد الموسيقى العربية بداية العام الجاري. المفارقة أن المعهد استضاف أول مؤتمر للموسيقى العربية سنة 1932 وقد غاب عنها المغنون السبعة، لتحيي نانسي منير أسماءهم في ذات المكان بعد حين.

كان العرض تحدياً، واجهته العازفة السكندرية بمساندة الموسيقيين وفريق العمل، اتكأت على خبرة المخرجة ليلى سليمان في بناء العرض، مع بروفاتٍ مكثفة نفذها الموسيقيون الذين عزفوا مع الأغاني بالانسجام الذي حققه الألبوم. كان منهم يسرى الهواري ومنير ماهر منير وأحمد أمين.

يحضر التوثيق في العرض ليكمّل سرد الحكاية، تبدؤه منيرة المهدية في عوامتها، أجزاء من حوارات وإعلانات لحفلاتها كتب على بعضها "اذكروها كلما غرد البلبل وناح الكروان". يشاركها صالح عبد الحي، مطرب الموشحات وأحد أقطاب الموسيقى الكلاسيكية وقتها، وعبد اللطيف البنا، الذي وصل بصوته الرقيق لقلوب الناس الملتهبة بنار الحرب العالمية الأولى وقتها.

يتخلل العرض سرد يؤديه عمرو حسني وزينب مجدي من مذكرات فاطمة سري، المغنية التي عانت في زواجها وإثبات نسب ابنتها. أيضاً تحكى قصة المطربة حياة صبري، ملهمة سيد درويش وسلواه التي تخلّت عن الغناء وعن فرقتها واسمها في ذروة مجدها، وجاورت قبر ابنها الضابط الشهيد. عاشت في مدفنه باسم أم جميل إلى حين وفاتها ودفنها قربه.

بيت فني تشرّبت فيه نانسي منير الموسيقى منذ طفولتها، فصارت هي الطريق والحلم والهدف، أو كما يقول ألبرت أنشتاين: "أنا أفكر عادةً بالموسيقى، أعيش أحلام يقظتي في الموسيقى، أرى حياتي بمصطلحات الموسيقى"

تكتمل الرؤية البصرية لعرض "نزهة النفوس" بالإضاءة التي خلقها المصمم سعد سمير بحساسية عالية وفهم عميق للنص، فجعل الجمهور يدخل العرض وكأنه في عالم مختلف، مساحة مختلفة فيها الحكاية والأغنية والمشاعر،  يرويها الضوء واللون إضافة إلى العناصر المسرحية الأخرى، تقول نانسي منير.

تعبّر عن امتنانها للتجربة كاملة وللتواصل مع أشخاص مهنيين وصادقين طوال رحلتها مع نزهة النفوس التي أثرت في حياتها وفي مشوارها الموسيقي.

عن نانسي منير

التنوع والجدّة أكثر ما يميز تجارب نانسي منير الموسيقية، سبق "نزهة النفوس" مشاريع موسيقية مشكّلة، كالجاز والميتال، شاركتها مع موسيقيين ومغنيين من مصر والعالم، كان منهم شيرين عمرو وأيمن مسعود ودينا الوديدي.

حتى في تلقيها الموسيقى، تتحرك بوصلتها نحو المغاير والجديد، تسمع الموسيقى القادمة من بقاع مختلفة، تحلل نسيجها الصوتي وبناءها.

"مايثير فضول ويشدني للعمل الموسيقي العناصر وتشابك الأصوات، الحوار بين الآلات والمساحة المشغولة بينها، الهارموني وتنقل الألحان بين الآلات، كل ذلك يخلق من الموسيقى صورة وحياة كاملة مليئة بالدهشة والشغف. هذا الأمر يقودني إلى حب الموسيقى في المسرح والأفلام لأنه عالم مستقل بذاته، بعيداً عن كونه بسيطاً أو مركباً".

الموسيقى التصويرية تركت فيها نانسي منير بصمتها أيضاً، أعمال عديدة كان آخرها فيلم "يوم الحداد الوطني في المكسيك" للمخرج خيري بشارة. عن التجربة تقول: "الموسيقى التصويرية تعطيني فرصة لأتلون وأخرج من إطار الأنا، فأصنع من الموسيقى مساراً موازياً لرؤية المخرج البصرية، تساعد المتلقي على الدخول في تفاصيل عالمه، تجمّله دون أن تطغى على باقي عناصر الفيلم".

فضاءات موسيقية عديدة تسبح فيها نانسي منير مع آلاتها الكثيرة التي تجمعها بها صحبة متينة كما تقول، الأمر الذي جعل من تجربتها قطعة فنية متكاملة ولا تشبه سواها، شارك في نسجها المناخ العائلي الموسيقي، بين أخٍ عازف ومنتجٍ موسيقي، ووالدَين يغنيان في كورال الكنيسة ويسمعان موسيقى مختلفة من أنحاء العالم.

بيت فنيّ تشرّبت فيه نانسي الموسيقى منذ طفولتها، فصارت هي الطريق والحلم والهدف، أو كما يقول ألبرت أنشتاين: "أنا أفكر عادةً بالموسيقى، أعيش أحلام يقظتي في الموسيقى، أرى حياتي بمصطلحات الموسيقى".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image