على جري عادتي الصباحية، كنت أتصفح قائمة الأخبار في العديد من المواقع والصحف المصرية، حين وجدت خبراً رائجاً بقوة عن "سلامة غشاء بكارة" طالبة المنصورة المنحورة، نيرة أشرف، مع تأكيدٍ بأن تقرير الطب الشرعي أثبت أن غشاءها لا يعاني من أي تمزقات، سواء جديدة أو قديمة.
في حقيقة الأمر، استوقفني الخبر الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، وأصابني بالاشمئزاز، والغضب، والشفقة أيضاً، على جثة الفتاة التي ذُبحت في وضح النهار على مرأى من الجميع ومسمعهم. سألت نفسي كثيراً: ما دخل غشاء بكارتها في الجريمة البشعة التي تعرّضت لها؟
لكن، لنتماشَ مع "الحقائق" الموجودة والمفروضة، ونطرح السؤال الأهم: ماذا لو تبيّن أن غشاء بكارتها ممزقاً، هل كان سيتحول مجرى القضية وتصبح نيرة فتاةً مجرمةً وساقطةً تستحق الذبح؟
لكن، لنتماشَ مع "الحقائق" الموجودة والمفروضة، ونطرح السؤال الأهم: ماذا لو تبيّن أن غشاء بكارتها ممزقاً، هل كان سيتحول مجرى القضية وتصبح نيرة فتاةً مجرمةً وساقطةً تستحق الذبح؟
وهل يبرر "فقدان العذرية" قتل الفتيات في الشوارع؟ ولنفترض أن المجني عليها امرأة "غير عذراء"، أو "لا تلتزم" بمعايير المجتمع الأبوي، فهل "تستحق" هذه المرأة تمزيق جسدها باسم "الحب"؟
سرعان ما تذكرت أن الخبر يمسّ فتاةً شرقيةً، أي ينبغي أن تكون "عفيفةً" و"عذراء"، حتى يتعاطف معها المجتمع ويرونها ضحيةً، لذا أكاد أجزم أن المجني عليها إن لم يكن "غشاء بكارتها سليماً"، لكان الرأي العام تعاطف مع القاتل، ووجد له آلاف المبررات، مثلما يحدث في مجتمعات عربية من جرائم قتل النساء على أيدي أهاليهن أو أزواجهن في ليلة الزفاف، بسبب عدم "نزف العروس" عند ممارسة الجنس مع زوجها، بما يستدعي "الثأر للشرف" في مجتمعات لا تزال تعدّ غشاء البكارة الدليل المادي الوحيد على "الشرف".
مع ذلك، ساهم خبر سلامة الغشاء في عودة التعاطف من العديد من رواد السوشال ميديا مع نيرة، بعدما كانوا قد تعاطفوا مع القاتل، محمد عادل، إذ تساءلوا: لماذا قتلها طالما أنها كانت "فتاةً شريفةً"؟
لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن الغريب هو تعليقات عدد من المحامين في مصر الذين أكدوا خلالها أن إثبات "عذرية" نيرة سوف يثبت حكم الإعدام على القاتل، وكأن "عدم سلامة" غشاء بكارة المقتولة دليل مادي ينجو به القاتل من فعلته
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن الغريب هو تعليقات عدد من المحامين في مصر الذين أكدوا خلالها أن إثبات "عذرية" نيرة سوف يثبت حكم الإعدام على القاتل، وكأن "عدم سلامة" غشاء بكارة المقتولة دليل مادي ينجو به القاتل من فعلته.
والآن، بعد أن حاولت التعبير عن شحنة الغضب والاشمئزاز في داخلي، ما زلت أردد السؤال نفسه: ماذا لو كان غشاء بكارتها "ممزقاً"؟
فلنتخيل معاً -أو ربما من الأفضل ألا نفعل- السيناريو الذي كان سيدور، والأقاويل التي كانت ستتردد، والاتهامات التي كانت سوف توجَّه إلى المجني عليها، كي يذبحها المجتمع مرةً ثانية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...