شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"يضربني زوجي، وفي المستشفى أدّعى أنني وقعت عن الدرج"... العلاقات المعنفة في تركيا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأربعاء 20 يوليو 202210:51 ص

ترفض بعض الفتيات قرار الزواج من مغتربين أو يرفض أهلهن ذلك اعتقاداً منهم أن الفتاة لا يحميها من زوجها سوى أهلها، فهم السند، وإن لم يكن لها أهل في الغربة، فسيفعل بها زوجها ما شاء، مهما كانت سمعته جيدة بين الناس، إلا أن الواقع يروي قصصاً مشابهة لتلك الاعتقادات، فللغربة قوانين غير عادلة في بعض الأحيان.

ذلك يعود إلى كون الرجل الطرف الأقوى أمام زوجته في معظم الحالات، فهو المعيل والمتصرف في شؤون البيت. 
وقد أدت ظروف  البلدان العرب المضطربة إلى هجرة ونزوح الكثير من العائلات والأسر الصغيرة إلى تركيا، التي أصبحت لهم ملاذاً من ظروف بلادهم المتوترة وغير المستقرة، فبعضهم طابت لهم المعيشة وبعضهم وجدوا الفرصة ليُفعلوا زر التحكم بزوجاتهم من خلال العنف لفظياً، وجسدياً، ونفسياً.
بحث رصيف22 عن إجابات للأسئلة التالية:

هل المرأة المغتربة البعيدة عن أهلها وليس لديها سند، تتعرض للتعنيف في تركيا؟ لماذا تصمت إذا تعرضت؟ وكيف يمكن لها أن تحمي نفسها على الأقل "نفسياً" في هذا الحال؟ ولمن تلجأ؟ وعلى ماذا ينص القانون التركي في حال تعرضت المرأة إلى العنف؟ 

هروب سري إلى سوريا

أسماء حسن، فتاة سورية في الثانية والعشرين من عمرها، تزوجت في الرابعة عشرة وأنجبت ولدين، تقول عن تجربة تعرضها للتعنيف: "حين تزوجت في صغري ذهبت مباشرة إلى تركيا، لأقطن في بيت مشترك أنا وزوجي وأخوه وزوجته، كنت أنا وهي نتلقى ضرباً مبرحاً من زوجيْنا على كل شاردة وواردة، كان أغلب الضرب الذي أتلقاه من زوجي على الرأس مباشرة، وفي المرة الأخيرة وقعت مغمى علي من شدة الضرب على الرأس، وفي المستشفى أدعى أنني وقعت عن الدرج".
"كان أغلب الضرب من زوجي على رأسي مباشرة، وفي المرة الأخيرة وقعت مغمى علي من شدة الضرب، وفي المستشفى أدعيت أنني وقعت عن الدرج". أسماء حسن، 22 عاماً، سورية تقيم في تركيا. 

تتابع بشيء من الشعور بالأسى:" بعدما علم أهلي بوضعي عقب فترة طويلة من الصمت، ثاروا وأقسموا أن يعيدوني إليهم في سوريا بأي طريقة ممكنة، وكان هذا بعد ترتيب تهريب لم يعلم به زوجي، فهربت ومعي أولادي، وحين وصلت وقام أهلي بعلاجي على نفقتهم الخاصة تبين أني بحاجة إلى عملية جراحية في الدماغ وإلا فقدت البصر مع الوقت".
تقول لرصيف22 عن أحوالها مع أهلها بعدما استقبلوها هي وأولادها:" أول الأمر كان هناك ترحيب واحتواء لي ولأولادي ثم مع الوقت لم يعد يحتمل أهلي نفقات علاجي والنفقة المعيشية لأولادي، فقاموا بإرجاعهم إلى تركيا، وأصبحت وحيدة أسيرة لآلام جسدي وبانتظار عملية جراحية" 

المرأة معرضة للتعنيف ما دامت محاطة بمجتمع ذكوري

هدى سائد، 33 عاماً، فلسطينية مقيمة في إسطنبول تقول عن العنف ضد المرأة المغتربة: "المرأة معنفة دوماً ما دامت في مجتمع ذكوري، إن لم يكن العنف جسدياً فهو لفظي، فمادام أهلها بعيدين عنها، فإن مطرقة الزوج في معظم الحالات هي الإحكام والتضييق عليها وعلى تحركاتها، بداعي الخوف عليها من الشارع والمجتمع الجديد".
"سيقولون لها دوماً هذه الأشياء عادية وتحدث بين الأزواج، وسيبقى ما يفعله الزوج بحقها (عادياً) إلى أن يتمادى ويعتدي عليها فتموت حينها ألف مرة". هدى سائد، 33 عاماً، فلسطينية في إسطنبول.

تضيف: "هذا الحال الذي تتقلص معه حريتها وتتقيد خياراتها في الخروج وتكوين علاقات جيرة أو صداقة، يخنقها نفسياً ويزيد من الضغط النفسي عليها وتزداد المشاكل مع زوجها الذي لا يتفهمها فتزيد الطين بلة، لتتلقى التجريح النفسي و"المعايرة" بالحال في الوطن والمعيشة عند الأهل، لهذا تصمت".
توضح أسباب الصمت الذي تلجأ له أكثر: "لماذا قد تقول المرأة إنها تأذت نفسياً من كلام زوجها وتجريحه لها؟ سيقولون لها دوماً هذه الأشياء عادية وتحدث بين الأزواج، وسيبقى ما يفعله الزوج بحقها عادياً إلى أن يصبح مرئياً، حين يتمادى ويعتدي عليها فتموت حينها ألف مرة".

قررت أن أشكوه للشرطة التركية

ريما خالد، امرأة عراقية تقيم في إسطنبول، 34 عاماً، تعرضت للعنف الجسدي واللفظي أمام أطفالها، تسرد لرصيف22 تجربتها: "عندما تعرضتُ للضرب من زوجي، سكتّ في بادئ الأمر فقد كان يشتمني ويشتم الأطفال أيضاً، لأنه هو الذي ينفق علينا جميعاً، وإذا أبديت أي ردة فعل معارضة أجد منه ضرباً أعنف خاصة أنه عصبي المزاج".
تتابع عن الوقائع التي حدثت لها: "عندما انهال علي بالضرب وتعرضت للكسور، قررت أن أشكوه إلى الشرطة وطلبت منهم استبعاده عن المنزل، فأبعدوه وقامت منظمة (السوسيال) بمراقبة البيت الذي أقيم فيه وأطفالي، وتأتي الموظفة من وقت إلى آخر لتتأكد من الجيران إذا كان زوجي يأتي إلى البيت أم لا".
"شكوته إلى الشرطة، فأبعدوه وقامت منظمة (السوسيال) بمراقبة البيت، فتأتي الموظفة من وقت إلى آخر لتتأكد من الجيران إذا كان زوجي يأتي إلى البيت أم لا". ريما خالد، 34 عاماً، عراقية في إسطنبول

وتنهي حديثها بصوت مخنوق:" وأخيراً أشعر ببعض الاطمئنان والراحة التي يشوبها الأسى والأسف على الحال الذي يعيشه الأطفال، فهم أيضاً ارتاحوا من أجواء التوتر والضغط النفسي التي كان يسببه والدهم في البيت" 

كيف يحمي القانون التركي النساء المعرضات للتعنيف؟

الأستاذ خالد ولو، محامٍ ومستشار قانوني، في إسطنبول، يبين لرصيف22 الوضع القانوني التركي للمرأة الُمعنَفة: "القانون التركي يقوم بحماية المرأة من جميع أشكال العنف. فمثلاً في حال قام الرجل بضرب المرأة أو شتمها أو تهديدها تستطيع طلب الحماية، فيتم إبعاد الرجل عنها وعن المنزل ويبقى الأطفال مع الأم. الاستبعاد يكون حسب طلب الزوجة من 15 يوماً حتى 30 يوماً قابلة للتمديد، وبدون محكمة ويوقع الرجل على تعهد بذلك، في حال خرق هذا التعهد يُسجن من 15 يوماً حتى ثلاثة أشهر ويتم تنبيهه إلى ذلك...".
ويوضح أساليب الحماية: "أيضاً في حال طلبت المرأة الحماية ولا تريد البقاء في منزلها، تقدم الدولة الحماية لها ولأطفالها فيتم نقلها إلى مركز خاص تتوفر فيه جميع الخدمات مع طعام وماء، أما العنف ضد الفتيات تحت سن 18 واللواتي يتم تزويجهن من قبل أهلهن فتقوم الدولة بأخذهن ورعايتهن والحكم على الزوج وعلى أب وأم البنت بالسجن من 6 إلى 16 سنة، لأن تزويج القاصرات ممنوع إلا بطلب رسمي".
"عندما ترفع المرأة دعوى طلاق، يحق لها البقاء في المنزل وإبعاد الزوج، وتُمنح حضانة الأولاد، بالإضافة إلى النفقة، وأيضاً طلب الطلاق وطلب نصف أملاك الزوج". الأستاذ خالد ولو، محامٍ ومستشار قانوني، إسطنبول.

وإذا ما أرادت المرأة الطلاق من زوجها فيقول خالد: "في حال رفعت المرأة ضد الرجل دعوى طلاق فيحق لها البقاء في المنزل وإبعاد الزوج، وتُمنح حضانة الأولاد، بالإضافة إلى نفقة لها ولهم، وطلب تعويض مادي ومعنوي وهو ما يعني المهر المؤخر، وأيضاً طلب الطلاق الذي تتم الموافقة عليه بعد مدة يحددها القاضي، وهو يتضمن طلب نصف أملاك الزوج إذا وجدت لديه أملاك".
وعن أشكال العنف الأكثر شيوعاً في تركيا يعددها : "الضرب، الشتم، التحقير، التهديد، المعاملة السيئة، الهجر، عدم كفايتها مادياً إذا كانت ربة منزل، تزويجها في السن غير القانونية تحت 18، حرمانها من أطفالها، التشهير بها واتهامها بعرضها". أما عن عدد القضايا التي يقوم بحلها شهرياً فيقول: "المعدل الشهري  على الأقل هو خمس قضايا تقريباً بمواضيع الضرب والحرمان من الأولاد والتشهير...". 
ويوضح تفاصيل أبرز القضايا التي استعصت عليه ولم يجد لها حلاً لدى القانون التركي: "حالياً توجد امرأة متزوجة من شخص، ولا تملك الكِمليك (بطاقة الهوية القانونية في تركيا). يقوم الزوج بحبسها في البيت، ورغم تقديم شكوى للشرطة، إلا أن الشرطة في بعض الأحيان تعمل عكس القانون بحجة عدم وجود هوية تركية،  لذلك لم يستجب لها القانون وما زالت تعاني من ظلم زوجها كما تقول".
ويقول عن حالة أخرى:" هناك حالة طلق الرجل فيها زوجته قبل خمس سنوات تاركاً ثلاثة أطفال، بعدها تزوجت الزوجة من آخر وقامت بتربية الأطفال والاعتناء بهم مع الزوج الجديد. طليقها القديم ينشر صورها على فيسبوك وهو يطالب بالأولاد ويشهر بها، وهو غير موجود في تركيا للتعامل معه قانونياً، لأنه في الريف الشمالي لسوريا وهو مستمر بالتشهير بها حتى الآن ولا يوجد حل!".

الاستقلالية هي أول خطوة باتجاه وقف العنف

وعن تأثير العنف الواقع على المرأة المغتربة تقول د. سلمى المفتي، اختصاص علاج نفسي- المملكة العربية السعودية: "تعتبر المرأة المغتربة حالة خاصة، فهي وحيدة في مجابهة مجتمع غريب عنها وعما نشأت عليه، وفي حال كونها دون أهل وسند، فإنها تتكئ على زوجها عاطفياً، لكي تستمد منه الشعور بالأمان، وتبتعد عن مشاعر الوحدة القاسية التي تفرضها غربتها".
وتتابع: "في بعض الحالات يعتبر اعتماد المرأة على زوجها باباً مشرعاً لبعض الأزواج ليعتدوا على زوجاتهم، بضمان أن لا أحد سيعلم من أهلها بالحادثة في مجتمع غريب، لا يسأل عنها فيه أحد، وهكذا يتوالد العنف وقد تتسع دائرته مع الأيام ويكون الضرر الواقع على المرأة أشد وأبلغ".
وعن كيفية حماية المرأة لنفسها بنفسها من التعنيف: "البدء بالاستقلالية العاطفية عن الزوج، وحب النفس، ووضع الحدود وتوضيحها للزوج وتعلم كيفية قول لا، من خلال تنمية الشخصية وصقلها. وقد يبدو هذا صعباً في البداية لكنه أول الطريق". 
الجدير بالذكر أنه وفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2019 (OECD) يبلغ معدل العنف ضد المرأة في تركيا 38 بالمائة، وتتعرض أربع من كل 10 نساء لعنف من الذكور في حياتهن. 
تظهر بيانات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي "نسبة النساء اللواتي تعرضن للعنف الجسدي و / أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن".
وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة، تعد تركيا الدولة التي تشهد أعلى معدلات العنف ضد المرأة بين دول أوروبا ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وأعضاء مجموعة العشرين.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image