شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
جميل أن يقول الجمهور

جميل أن يقول الجمهور "إسّا" بدلاً من "هسا"... عن حفل "أحلى من برلين" في عمّان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الثلاثاء 19 يوليو 202209:23 ص

تعرفت إلى الفنان الفلسطيني فرج سليمان، مثل أغلب جمهوره الأردني، من خلال أغنية "إسا جاي"، وتفاصيل تلك الأغنية التي ما يزال يلعبها الأردنيون/ ات من رابط حفلته في فلسطين، وهو يقول: "المقطع الجاي أغنية..."، ويوضح أن صديقه (الفنان عامر حليحل) الذي كتبها لم يكمل الأغنية، واستبدل ما لم يكتمل بمقطع: "تيرا را تيرا تيرا را".

حضرت حفلة "أحلى من برلين"، لفرج سليمان، التي أحياها على المدرج الروماني في العاصمة عمّان يوم الجمعة الماضي، 15 تمّوز/ يوليو 2022 والذي نظّمه "مسرح البلد"، ورأيي في الحفل سأضمّنه لاحقاً في هذه المدونة، لكن قبلها أريد أن أتحدث عن علاقتي الافتراضية بسليمان، والتي "بتوجع الراس" مثل أسئلته التي تدور في رأسه في أغنيته "في أسئلة براسي". هذا الشخص لم يسبق أن "ريّح بالي" في كل مرة قررت فيها أن أحضر له حفلةً. يكفي أنني استيقظت فجر يوم حفلته وأنا أشعر بوعكة صحية!

"حتى لو مرضت رح أروح"، هذا ما كان يدور في رأسي وأنا أتناول مسكّناً لآلام جسدي صبيحة حفل فرج سليمان.

وأنا أتناول المسكن بعد أن استيقظت فجراً وأنا أشعر بأنني متعبة، كان كل ما يدور في ذهني هو السؤال عما إذا كانت ستتحسن صحتي لأنني "لازم" أحضر حفلة فرج سليمان. الموضوع أكبر من أنني متشوقة إلى حضور حفلته بصراحة. الموضوع له علاقة بتجربة حدثت معي في العام 2019، وسببت لي "وجع في الرأس" وفي القلب أيضاً، وأيضاً بسبب الفنان سليمان!

قصّة شخصية 

في صيف 2019، كانت هناك حفلة له في عمّان، سمعت عن ترتيباتها مسبقاً وقررت من دون رمشة تفكير أنني لن أحضرها، بسبب ظروف قاهرة تمثلت في مرض والدتي رحمها الله في تلك الفترة، لكن اعتذاري عن حضور الحفل لم يعتقني، إذ اتُّهمت من أشخاص مقربين بأنني حضرت الحفلة في أثناء مرض والدتي، وذلك الاتهام جعلني أدافع عن نفسي طوال ثلاثة أعوام أثبتُّ فيها بكل الطرق كذب ذلك الادّعاء الذي قهرني... قهرني جداً!

عندما سمعت أن لسليمان حفلةً جديدةً في المدرج الروماني، أكاد أجزم أنني أول من حجز تذكرةً لحضور حفله، ليس فقط حباً لسليمان وأغانيه، بل إثباتاً لكل من اتهمني مسبقاً بأنني حضرت حفلته. نعم كلانا، أنا ومن اتهموني، متساوون اليوم بصرف النظر عن اختلاف الوقت والموعد ودقّته، وكلّ منا يستطيع أن يقول: "غادة حضرت حفلة لفرج سليمان".

مدهش كان الحفل بكل تفاصيله: فرج سليمان، والفرقة الموسيقية، والمكان، والجمهور، وجيل الجمهور، وهو ما كان مؤشراً مبشراً إذ كان أغلبهم من جيل الثانوية وطلاب الجامعة. مؤشر مبشّر بوجود جيل يحمل ذوقاً مميزاً في الأغنية والموسيقى

"حتى لو مرضت رح أروح"، هذا ما كان يدور في رأسي وأنا أتناول مسكّناً لآلام جسدي صبيحة حفل فرج سليمان، وبالفعل حرصت على أن أداوي نفسي طوال اليوم، وبعد أن تأكدت من أن صحتي تحسنت كثيراً، هممت واتجهت إلى المدرج الروماني وتعمدت أن أتصور هناك صورةً كتبتُ عليها: "هاي القصة الي اخترعوها/ القصة أحلى من الحقيقة"، مثلما قال سليمان في أغنية "في أسئلة براسي"، بالرغم من أن القصة كانت أبشع من الحقيقة، وفق تجربتي.


الآن سأتحدث عن الحفل...

مدهش كان الحفل بكل تفاصيله: فرج سليمان، والفرقة الموسيقية، والمكان، والجمهور، وجيل الجمهور، وهو ما كان مؤشراً مبشراً إذ كان أغلبهم من جيل الثانوية وطلاب الجامعة. مؤشر مبشّر بوجود جيل يحمل ذوقاً مميزاً في الأغنية والموسيقى.

من أسباب أن الحفل كان مدهشاً، فرج سليمان نفسه الذي لفت سلوكه انتباهي في أكثر من زاوية، إذ دخل إلى المسرح بصحبة فرقته، وهذا سلوك من النادر جداً أن يحدث، إذ غالباً ما تدخل الفرقة قبل عشر دقائق تقريباً من دخول المغنّي. دخل معهم بكل سلاسة إلى درجة أنك تضطر إلى البحث عنه، وتأكدت أن هذا هو فرج عندما جلس على كرسي البيانو الخاص به.

جميل جداً أن تسمع لهجة فلسطينيي الـ1948 تصدح بين مدرجات المدرج الروماني وتحت سماء عمّان وفي أطراف الأحياء الشرقية

لفت انتباهي وانتباه بعض الجمهور ممن سمعت ملاحظاتهم وهم يجلسون خلفي، تواضعه الزائد عن الحد، إذ معروف للجمهور الأردني تكراره لعبارة "عيدها عيدها" في أغلب الأغاني في الحفلات، وهو ما قاموا به في حفل فرج سليمان. اللافت أنهم في كل مرة قالوا فيها "عيدها" مع انتهاء أغنية، كان على الفور "يعيدها"، وهذا سلوك آخر قلّما وجدته لدى مطربين آخرين، إذ ربما يحققون مطلب الإعادة مرةً في أقصى تقدير، وليس في كل مرة كما فعل فرج!

لم يقف سلوك فرج اللبق عند هذا الحد، إذ وصل إلى تجاوز الجانب الأمني للحفلة! فلأن مجموعةً من الجمهور طلبت رفع صوت هندسة الصوت، قام فرج وبكل عفوية بالطلب من الجمهور أن ينزل إلى الساحة السفلية، بالرغم من أنها كانت محاطةً بحواجز ويقف حولها رجال أمن، وبالفعل هذا ما حدث، وحدث من دون حدوث أي شغب! فلياقته تخجلك من أن ترتكب أي خطأ.

اللافت أنهم في كل مرة قالوا لفرج سليمان فيها "عيدها" مع انتهاء أغنية، كان على الفور "يعيدها"، وهذا سلوك آخر قلّما وجدته لدى مطربين آخرين، إذ ربما يحققون مطلب الإعادة مرةً في أقصى تقدير

"المقطع الجاي أغنية"؛ هكذا استهلّ، كما العادة، فرج، أغنية "إسا جاي"، ومن وحي ذكائه أيضاً عرف حب جمهوره الأردني للافتتاح بهذه الأغنية تحديداً. جميل جداً الشعور بأن تسمع أردنيين/ ات يلفظون كلمة "إسا"، بدلاً من "هسا"، مثلما يقولون. جميل جداً أن تسمع لهجة فلسطينيي الـ1948 تصدح بين مدرجات المدرج الروماني وتحت سماء عمّان وفي أطراف الأحياء الشرقية. هذا ما لمسته خلال الحفل وهذا ما جعلني أتأكد من أن حضور حفل لفرج سليمان خطوة في الاتجاه الصحيح، بصرف النظر عن صعوبتها، على الأقل بالنسبة إليّ.

انتهى الحفل الذي غنّى فيه فرج أغاني ألبومه الجديد "أحلى من برلين"، من كلمات الكاتب مجد كيّال، بكل لطافة وسلاسة، على عكس يومي في بدايته، الذي بدأ بوعكة صحية عارضة. قررت بعد انتهاء الحفل أن أقرأ وجع الرأس الذي يصيبني في حفلات فرج من خلال فكرة أن الشخص عليه أن يتعب قبل وصوله إلى مبتغى يطيّب النفس والخاطر، مثل أغنيته التي تحيي القلب والنظر "قلبي في آخر الليل"، فقلبي الذي استيقظ خائفاً في فجر حفلته من عدم التمكن من الحضور، وقلبي الذي تألم قبل ثلاثة أعوام من "تهمة" لم أرتكبها، مثل قلبه في فجر أغنيته حين يقول:

"قلبي ع وجه الفجر

بيركب بسكليت الخيال

بيطلع ع سطح بيوت قديمة

وبيخلع أبواب السؤال."



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image