بإنتاجٍ فني غزير، لا تزال العديد من أعماله تنتظر التسجيل وأخرى تنتظر رؤية النور، الملحن وعازف البيانو الفلسطيني فرج سليمان، تسحره المدن وتلهمه لينتج المزيد من الأعمال الفنية، مغرم ومدافع عن الموسيقى الآلاتية، ويعمل على نشر حبِّها بين الجمهور الذي يتابعه بشغفٍ، وساهم مؤخراً في تمويل تسجيل ألبومه الأخير.
سليمان المولود في 1984 في بلدة الرامة في الجليل الأعلى، شمال فلسطين، وعاش فيها كل طفولته، وانتقل للعيش إلى القدس ثم حيفا لمدةٍ تزيد عن الـ 15 عاماً، ويسكن حالياً في باريس، عاصمة الفن، في إقامةٍ فنيةٍ لمساعدته على التفرّغ لمشاريعه الفنية والترويج والتسويق لأعماله أكثر، وإدارة حفلاته وعروضه الفنية.
يحب سليمان التنوّع، فعمل في المسرح والسينما وأنتج 4 ألبومات موسيقية، أحدها لم يُسجّل بعد، وألبوماً غنائياً، حدث ذلك عن طريق الصدفة، عندما أُعجب ببيتٍ شعري كتبه صديقه الشاعر عامر حليحل فلحّنه، وخرجت منه أغنية "إسّا جاي" غير مكتملة الأبيات، حيث غناها في إحدى الحفلات، لتأتي مطالبات بكتابة بقية القصيدة لاستكمال الأغنية، ومن ثم تعاون مع شعراء آخرين ليكتمل الألبوم الذي حمل عنوان "البيت الثاني"، والذي صدر خلال العام 2019.
"لا أخشى من التجربة، أعمالي الموسيقية متنوعة بين الصولو، ومع العود والترامبات، وبعضها مع الإيقاع، كما أن التجربة الغنائية كانت مختلفة تماماً عما قدّمته سابقاً"، قال فرج في حديثٍ خاص لرصيف22.
أمّا عن الألبوم الخامس أوضح سليمان: "حصلت مشاكل تقنية قبل التسجيل، ثم انتقلت للعمل على المشروع الذي يليه، ونسيته، وهو مشروع مكون من 14 مقطوعة، أحبه الجمهور من خلال العروض التي أقدمها وهو غني موسيقيّاً، وأتمنى أن أسجّله قريباُ".
لم ينس سليمان الأطفال من أعماله، فأصدر ألبوماً غنائياً للأطفال بعنوان "قلبي غابة" عام 2017، بالتعاون مع الموسيقية الفلسطينية رنين حنّا والكاتب الفلسطيني مجد كيّال، ويفكر في خوض هذه التجربة مجدداً قريباً، كما جمعه مشروع "الباشق" بصديقه عامر حليحل، الذي قرأ نصوص الشاعر الفلسطيني طه محمد علي على موسيقى فرج سليمان.
يضيف سليمان: "هناك العديد من المقطوعات التي لم تُسجّل، بما يقارب ثلاثة أو أربعة ألبومات، لم أقم بتسجيلها بعد، مثل مشروع الكباريه الذي شاركت فيه كملحن وعازف وممثل وراقص مع مسرح "خشبة" الفلسطيني في حيفا".
"أنا وزياد رحباني لدينا نفس المنخار"
أفصح سليمان بأنه يفضل العمل لوحده موسيقياً لأن دائماً تكون لديه رؤية للعمل قبل أن يبدأ فيه، وإنه يشعر بأن العمل مع موسيقيين آخرين قد يخرج بأكثر من لحن ولا تناسق بين الأفكار، متحججاً بالمثل الشعبي: "إذا كثروا الطباخين خربت الطبخة".
مشيراً إلى إنه يرحب بالتعاون مع شعراء ومغنيين وموسيقيين آخرين ليعزفوا موسيقاه، ولكنه تابع: "مريح أكثر أن أعمل لوحدي موسيقياً، لست ضد التعاون ولكن لدي تخوّفات"،
هناك من يرى بأن أعمال فرج سليمان تتقاطع مع أعمال زياد رحباني، يرد سليمان مازحاً: "أعتقد أن الناس تشبّهني بزياد شكلياً، لأننا نحن الاثنان لدينا "منخاراً" ضخماً ونحن عربيان نعزف على آلة البيانو، غير ذلك لا أرى تشابهاً بيننا".
وأضاف: "زياد رحباني أستاذ في الموسيقى وهو أحد المؤثرين في حياتي الفنية، حيث استمعت له كثيراً، وتعرفت على استخدام الآلات الغربية لخدمة الموسيقى العربية من خلاله، ولكن موسيقانا لا تتشابه، فهو أستاذ في الجاز، وأنا لا أستطيع ارتجال الجاز، قد أشبه في جملي الموسيقية فنانين آخرين، ولكن مع زياد لا يوجد تشابه أو تقاطع".
المشهد الموسيقي الفلسطيني
في حديثنا عن المشهد الموسيقي الفلسطيني، قال سليمان: "في فلسطين، حيفا هي المركز الثقافي لفلسطين الداخل، ورام الله هي المركز الثقافي للضفة، وهناك خط بين المدينتين للتبادل والتشارك والتفاعل، ففي حيفا الحركة الفنية دائمة التطور منذ سنوات، وهناك مشاريع تكبر وتتطور، وتتطور معها أماكن ومساحات وحانات لإنتاج وعرض الأعمال والعروض، فهناك ضجة جميلة وبالإمكان مقارنتها بالضجة الثقافية في بيروت والقاهرة، وهناك مشاريع ناجحة استطاعت أن تكون معروفة خارج البلاد وتشارك في مهرجانات مهمة حول العالم".
ويواصل فرج: "أما في بقية فلسطين فالمشهد الموسيقي ضعيف جداً، يركز على التراث والجوقات التي تقدم المواد المعروفة والتي ترتاح لها الناس وتعرفها، ولكن الحركة الحقيقية والبحث عن صيغ جديدة هي فقط في حيفا، كما أن الباحثين عن تطوير أنفسهم من فنانين يجب أن يذهبوا إلى حيفا".
وعن تأثير المدن في حياة الفنان سليمان قال: "أنا أحب المدن، ولاحظت أن لكل مدينة تأثيراً مختلفاً على أعمالي وموسيقاي، لدي ارتباط بالمكان لا أعرف له تفسير".
أما عن باريس، المدينة التي يعيشها فرج الآن، فقال عنها: "قدّمت لي باريس الوحدة والانعزال التام عن الأصدقاء والعائلة والمعارف والعالم الموجود في حيفا، كما قدمت لي التركيز بالعمل الموسيقي، وسهولة التنقل إلى بلدان أوروبية أخرى لتقديم حفلات وعروض، وهو ما أتاح لي الفرصة للانفتاح على جمهور جديد أحبني كما يحبني جمهوري في فلسطين".
سليمان: "وضعتنا السوشايل ميديا، نحن الجيل الجديد من الموسيقيين، مباشرةً أمام الجمهور دون الحاجة إلى شركة إنتاج تفرض شروطها علينا أو على اللهجة التي نغني بها، ومن هنا جاء التميّز، فأنا أغني باللهجة الفلسطينية البحتة، وهو أمر لم يتعود عليه الناس"
سليمان: "في حيفا تحدث ضجة ثقافية جميلة بالإمكان مقارنتها بالضجة التي في بيروت والقاهرة، وهناك مشاريع ناجحة استطاعت أن تكون معروفة خارج البلاد وتشارك في مهرجانات مهمة حول العالم"
الغناء باللهجة الفلسطينية أمرٌ غير مألوف
يرى سليمان بأن الإمكانيات المتوفرة في الزمن الحالي سهلت على الفنانين الفلسطينيين الحاليين الكثير من العقبات التي واجهت الفنانين السابقين، ويتابع: "اليوم هناك وسائل التواصل الاجتماعي، هناك اليوتيوب والساوند كلاود وغيرها من التطبيقات التي تتيح لك تحميل موادك الفنية عليها، وتتيح للآخرين من مختلف أنحاء العالم التعرّف عليها والاستماع لها ومراقبتها، أما الجيل السابق فلم يتمكن من الوصول إلى المستمع العربي بشكلٍ خاص والعالمي بشكل عام، إلا عن طريق السفر، وهو أمر مليء بالاستحالة والعقبات بالنسبة للفلسطينيين".
وأشار سليمان أيضاً إلى أنه قبل أكثر من 20 عاماً، لم يتمكن الفنانون الفلسطينيون من الوصول إلى الجمهور العربي إلا من خلال شركات الإنتاج الكبيرة، وهذه الشركات تفرض شروطها فيما يتعلق بالموسيقى والموضوعات وكذلك فيما يتعلق باللهجة، "تحرّر الجيل الحالي من هذه الضغوطات والشروط والتحديات بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي تضعنا مباشرةً أمام الجمهور دون الحاجة إلى شركة إنتاج تفرض شروطها علينا أو على اللهجة التي نغني بها، ومن هنا جاء التميز، فأنا أغني باللهجة الفلسطينية البحتة، وهو أمر لم يتعود عليه الناس".
ويعتقد سليمان أن تميزه أيضاً كان بسبب الجديد الذي يقدمه بالموضوعات والموسيقى، بالإضافة لما أتاحته له المنصات الإلكترونية من وصول للجمهور وانتشار.
"لا أحمل رسالة من خلال موسيقاي"
قال فرج سليمان بأنه لا يحمل رسالة من خلال موسيقاه، ورسالته تتلخص في تقديم موسيقى يحبها الناس ويتأثرون بها كل بطريقته الخاصة، وتمنى أن يتجه الجمهور العربي للاستماع إلى الموسيقى الآلاتية، ويعطيه الاهتمام ذاته الذي يوليه للأغنية العربية، أن يعطي فرصة للحن، سأكون سعيداً إذا كنت جزءاً من هذا التغيير".
وعما يطمح إليه، قال فرج بأنه يتمنى أن يستمرّ في إنتاج الموسيقى وأن يقدّم مشاريع متنوعة ومختلفة مستقبلاً، وتابع: "فأنا مكشوف على كل الإمكانيات وأريد أن أظل كذلك"..
في رصيد فرج سليمان حتى الآن الألبومات والأعمال الموسيقية التالية: ألبوم "تسجيل دخول" 2013، عرض "ثلاث خطوات" 2013، عرض "حب في غيمة" 2014، مشروع "الباشق" 2014، وهي موسيقى شعرية، مسرحية "عيد نص الربيع" 2015، عرض "وحل" 2015 وهي موسيقى لافتتاحية المتحف الفلسطيني، مسرحية "عزا" من إخراج نزار أمي زعبي 2016، مسرحية "ايكارا" 2017، ألبوم "كان يا مدينة" 2017، عرض "صندوق ألعاب" 2017، ألبوم "حب بلا قصة” 2017)، ألبوم الأطفال الغنائي "قلبي غابة" 2017، عرض "الكبارية" 2018، ألبوم "البيت الثاني" 2019.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ 3 اسابيعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...