شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"من منّا لا يُنتج في ظل احتلال ما؟"... "أحلى من برلين" يصدر من حيفا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 7 ديسمبر 202005:17 م

في أغنية "في أسئلة براسي"، لحّن الفنان الفلسطيني فرج سليمان موسيقى عن الغربة في برلين والشوق لحيفا، وغنّى لها:

 "شوي بتوجع برلين، حلوة وملانة ناس
بس بشتاق لأم صبري وبشتقلك إنتِ بالأساس"

وفي أغنية "شارع يافا" اشتكى من الاستطباق "الجنترة"، وغنّى:

 "وين بدك إيانا نسكن؟
 بعرف إنو البيت قديم،
 وشايف عيونك حزينة
بس أنا شو بقدر أعمل قدام الوحش العظيم، 
عم بنهش بطن المدينة"


صدرت هاتان الأغنيتان ضمن ألبومه الغنائي الجديد، الذي حمل اسم "أحلى من برلين" وصدر عبر منصة فيسبوك مساء الأحد، السادس من كانون الأوّل/ ديسمبر 2020. وهو ألبوم من ألحان فرج سليمان وكلمات الكاتب الفلسطيني مجد كيّال، وكان ثمرة تعاونهما في فترة جائحة كورونا.

في حديث عن عنوان الألبوم، قال مجد كيّال لرصيف22: "هو يتحدى جمال المدن الأخرى، ومجرد مجاز أو كناية لما هو ليس حيفا. برلين أو لندن أو نيويورك" ويضيف بلهجة فلسطينية: "كلّهن مش شايفينهن من متر!".

أما فرج سليمان فيقول لرصيف22: "لماذا برلين؟ نحن نقول أن حيفا أحلى من برلين، ولكنها أحلى من أي مكان في العالم، ولكن لماذا برلين؟ لأنها المكان الأول الذي يفكر فيه من يود الهجرة من فلسطين مؤخراً، فهي قريبة، رخيصة، شبابية، فيها طاقة وحركة فنية، نعرف أن هنا الكثير من القرف والتعقيد في بلدنا إلا إنها مع كل الضيق والصعوبات، تظل أحلى من برلين، من محل عناد" يقول ضاحكاً.


صداقة وتعاون فنّي

اجتمع سليمان وكيّال فنياً من خلال ألبوم أغانٍ للأطفال بعنوان "قلبي غابة" للفنانة الفلسطينية رنين حنّا، صدر عام 2017. ثم في بعض أغاني ألبوم "البيت الثاني" الذي صدر عام 2019. إلّا أن الصداقة التي تربطهما بدأت منذ وقت طويل، عن هذا يقول سليمان: "مجد هو رفيقي بمسيرتي الفنية منذ البدايات، وهو أكثر شخص يعرفني، وأكثر شخص يعرف موسيقاي، وهو أول إنسان يسمع كل المواد من بين كل الناس المقربين، أقدّر رأيه كثيراً لأنه يعرفني جيداً". 

وأضاف: "منذ أن عملنا معاً على ألبوم الأطفال، فهمت أن مجد شخص يكتب بشكل مختلف كلياً عن أي إنسان آخر، يرى الأشياء من منظور مختلف، من منظور جديد، طازج، عميق، بسيط، يجعلك من خلال كتابته تنظر للأشياء من مكان مختلف كلياً، يسلط الضوء على الأشياء البسيطة التي نتكلم عنها طوال الوقت، ولكن من جانب مختلف وطازج وجديد".

"لماذا برلين؟ نحن نقول أن حيفا أحلى من برلين، ولكنها أحلى من أي مكان في العالم، ولكن لماذا برلين؟ لأنها المكان الأول الذي يفكر فيه من يود الهجرة من فلسطين مؤخراً"

ويعترف كيّال بأن التعاون مع فرج في ألبوم أطفال، وفي ألبوم "البيت الثاني" قد أضاء لديه متعة معيّنة، ويضيف: "وأعتقد أنّ هذا جعلنا نفكّر بجديّة بكتابة ألبوم كامل. فنحن نعرف شغل كل منا بعمق، نعرف الدوافع والمنطق الإبداعي الذي يحرّك أحدنا، وهذا يخلق مع الوقت لغة مشتركة، ففرصة الحوار والعمل على أدق وأصغر التفاصيل والقتال على كل حرف ونغمة، متعة فكريّة لا يجدها الإنسان كل يوم. ثم وتيرة العمل. رغم أنّنا نعمل في غيمة الموسيقى والأدب إلا أنّ الأجواء الحقيقيّة هي أجواء ورشة بناء، أو كما يسمّيها فرج  'مصنع'".

فرج سليمان ومجد كيّال

في حبّ حيفا

"أحلى من برلين" هو ألبوم غنائي يتغنى في مجمله بحيفا، المدينة الفلسطينية التي تعني الكثير للفنانين/ات الفلسطينيين/ات، ويقول سليمان: "الأعمال التي جمعتنا منذ الألبوم الأول تتعلق بالمدينة، بشوارعها، معالمها وناسها، فنحن نحب حيفا بصورة مجنونة، ومهووسين بها، وهذا ما يميز هذا العمل".


ويواصل: "يتحدث الألبوم عن حيفا ولكن القصص الموجودة بالألبوم ممكن أن تحكي قصة أي مدينة عربية ثانية، وممكن أن يحس أي مغترب بالإحساس والانتماء بالحنين والشعور والاشتياق للناس والأماكن لأي مدينة أخرى وقريبة من قلبه، عندما يسمع أغاني الألبوم التي تتحدث عن حيفا".

يحتوي الألبوم على 11 أغنية، وهي "خلّصنا غناني"، "في أسئلة براسي"، "لمّا ينزل الثلج"، "شارع يافا"، "مرثيّة لشهيد وحيد"، "قلبي في آخر الليل، " شو بدك بجوزك"، "بلا طعمة"، "تل السمك"، "رقصة السكران"، "صلاة"... وهي أغاني تتحدث عن الحب، الغربة، الحارة، السفر، المدينة والاستطباق "الجنترة" والوحش الذي قال عنه كيّال: "في وحوش نفسيّة وفي وحوش الدولة… كثيرة هي الوحوش".


هل كتبت هذه الكلمات لفرج تحديداً؟ يجيب مجد: "لم أكن مهتماً بكتابة الأغاني. حتّى الآن أتعامل معها كلعبة، بالمعنى الطفولي والجميل للكلمة، وطبعاً نُحب 'اللعب الحلو'. بعد 'شارع الجبل' كتبت أغنيتين، ظلّتا مهملتين لفترة، ثم في مرحلة معيّنة فهمنا أن في المواد شيئاً يستحق أن يكبر ويخرج للعالم. ظلّت الأمور بطيئة لأن كل منّا مشغول بعمله. بعد فترة تراكمت عدّة ظروف سيّئة، وضع السياسة سيىء، المشهد الاجتماعي الثقافي في حيفا قاتم، وشخصياً، لنقل، لم أكن على ظهر خيلنا السيكولوجي، وعلى رأس ذلك كله جاءت الكورونا، فانطلقنا نصارع الجنون".

"يتحدث الألبوم عن حيفا ولكن القصص الموجودة بالألبوم ممكن أن تحكي قصة أي مدينة عربية ثانية، وممكن أن يحس أي مغترب بالإحساس والانتماء بالحنين والشعور والاشتياق للناس والأماكن لأي مدينة أخرى وقريبة من قلبه"

لهجة الأغاني

الألبوم يُغَنّى باللهجة الفلسطينية، حيفاوية، راماوية (نسبة إلى قرية الرامة الفلسطينية في الجليل الأعلى) ومختلطة، عن هذا يقول سليمان: "ليس غريباً أن نغني بلهجتنا، كان قراري منذ البداية أن أغني بلهجتي، وهو أمر لا أعتبره تميزاً، فلهجتي مزيج بين لهجة الرامة وحيفا وهي متغيرة طوال الوقت، مفهومة، إذا ليس من المصطلحات فمن الجملة والسياق والحدث".

ويعلق كيّال: "لهجة الألبوم مفهومة، وما لا يُفهم يبقى تحدياً جميلاً وممتعاً يدفعنا للاكتشاف. فاللهجة الفلسطينيّة في كل كيلومتر مربّع هي مختلفة، حتّى حيفا، فهي مدينة هُجر أهلها وكل من فيها جاء من الشمال والجنوب مع لهجته المختلفة. حتّى أنا وفرج نتقاتل على نُطق الكلمات لأنّي أكتبها بلهجتي المهجّنة وهو يغنّيها بلهجة قريته، أشهر ما فيها لهجتها. فهي كأنّها بدأت لهجة وتطوّرت لتصبح قرية" قال مازحاً... وأضاف: "نغنّي بلهجاتنا، لأنّها لهجاتنا. هذا الطبيعي".


وعما إذا كان مجد يثق بصوت فرج، قال: "أثق بسمع فرج وفهمه وذوقه الموسيقي ثقة عمياء، وأعرف ما الذي يحاول أن يفعله بالغناء، نحن نبحث عن 'الدور' الذي يلعبه الصوت كشخصيّة 'مسرحيّة' تحكي قصّة، مساحة العمل واللعب هي الخلفيّة النفسيّة الكامنة في الكلمات والموسيقى، المعنى الذي نحاول إيصاله، ليس للتطريب أي أهميّة فيما نحاول تقديمه، المهم هو أن نصف الحالة الإنسانيّة التي تقف وراء الأغنية، اللحظة التي نحاول أن نحكيها. وأعتقد أن 'عاديّة' صوته ملائمة جداً لما نحاول أن نرويه".

ويرد كيّال على سؤال حول سبب عدم غنائه هو للنص، قائلاً: "التلوّث البيئي أكبر تحديات البشريّة في القرن العشرين. امتناعي عن الغناء هو مساهمة في الحفاظ على البيئة وتقليص الاحتباس الحراري"، ويضيف مازحاً: "غريتا ثونبرغ شخصياً توجّهت إليّ بهذا الصدد".


الغناء الجماعي

يشارك الغناء جماعياً كل من شادن قنبورة، وسماء واكيم، ووائل واكيم، وهنري اندراوس، "ما جعلنا نستعين بمجموعة من الفنانين الآخرين هو النص، بالإضافة لفكرة التنويع في الألبوم، فمن الجميل أن نكسر الروتين وأن لا أغني أنا كل الأغاني، ولكن في الأساس الخيار فرضه النص، الذي كان جماعياً"، كما قال فرج.

في حديث لرصيف22 مع الفنانة الفلسطينية سماء واكيم (وهي راقصة ومصممة رقص بمهنتها) قالت عن مشاركتها في الألبوم كمؤدية: "أعرف فرج من أيام الجامعة، عملنا معاً في عدد من العروض، وكنت دائماً أحب تنوع موهبته، فعندما سألني إذا كنت أحب المشاركة بتأدية أغانٍ جماعية بألبومه الجديد، وافقت على الفور،  ورغبت في أن أكون جزءاً من رحلات فرج التي يحاول فيها أن يكون له هوية فنية ويخوض تجارب جديدة ومثيرة، وقد استطاع أن ينقلها لنا. أحببت قسماً كبيراً من الكلمات وأحسست أن فيها أشياء تشبهني وأن هناك شخصاً آخر ينظر للأشياء بالطريقة ذاتها ويعبّر عنها بالموسيقى".

"هناك من تقبض عليه الحكومة بسبب إبداعه، وهناك من يقبض من الحكومة ثمن إبداعه، هناك من يستعمل الفن ليلّعق مؤخّرات الأقوياء، وهناك من يستعمل الفن ليهرب من السؤال الأخلاقي، وهناك من يؤمن بأن الفن هو أداة لمواجهة القمع"

في ظلّ الاحتلال

وعن العمل والانتاج تحت الاحتلال، قال كيّال: "من منّا لا يُنتج في ظل احتلال ما؟ السوري والمصري والسعودي والسوداني، الفقير والمرأة والمثلي والأسمر. كل إنسان، أينما كان، يُنتج تحت القمع. ولكن هناك من يتجاهل القمع المفروض عليه، وهناك من يتعامل معه، هناك من تقبض عليه الحكومة بسبب إبداعه، وهناك من يقبض من الحكومة ثمن إبداعه، هناك من يستعمل الفن ليلّعق مؤخّرات الأقوياء، وهناك من يستعمل الفن ليهرب من السؤال الأخلاقي، وهناك من يؤمن بأن الفن هو أداة لمواجهة القمع".

وأضاف: "أنا أتعامل طبعاً مع حالة القمع. لا يُمكن للعمل الفنّي أن يحمل أي عمق من دون أن يبحث في أثر القمع على الإنسان، من جهة أخرى ليس عندي أي أوهام حول دور تحرّري للفنون، فالتحرّر بالنسبة لي يبدأ وينتهي في الاحتجاج والتنظيم السياسي الاجتماعي".


وشرح سليمان: "الاحتلال لا يتقاطع مع مشروعي الفني، لذا لم أعد أراه، أصبح شبحاً بالنسبة لي، فأنا لا أقدم على المنح الفنية والإنتاجية التي تقدمها إسرائيل للفنانين عرب، هنا تنتهي الأشياء مع الاحتلال، الاحتلال لم يمنعني أن أنتج، رغم أنه يصعب عليّ الحياة في أماكن أخرى".

وبالنسبة للدعم العربي، تمنى سليمان أن تكون هناك مؤسسات وحكومات تدعم وتنتج فنياً، واستدرك: "ولكن في الوضع الحالي، صعب. هناك عدد قليل من المؤسسات التي تقدم منحاً إنتاجية للفلسطينيين، ولكن ذلك أشبه بالمعدوم. الدعم العربي الذي أتلقاه اليوم هو من الجمهور العربي، دعم الجمهور الذي يسمعني ويشجعني ويطالب بالمزيد، ولا أريد أكثر من ذلك حالياً".


خصوصية الكورونا

يتميز هذا العمل بأنه أُنتج في وقت الحجر الصحي وجائحة كورونا التي أجبرت غالبية الناس في العالم على البقاء في منازلهم، والعمل من أماكنهم دون سفر أو تنقل. يرى كيّال أن العمل يتميز بـ"خصوصيّة  أننا عملنا على الألبوم كعمل فنّي متكامل وليس كمجموعة من الأغاني المتفرّقة، لا نزال نؤمن بإمكانيّة صناعة العمل الفنّي المتكامل الذي ينافس على مكانه في السجل الفنيّ العربيّ وربما العالمي. هذه محاولة، ربما دونكيشوتيّة، ولكنّنا نقدّمها بحيث تعبّر عن صوت وهمّ مرحلة ومكان، بأدوات موسيقيّة وأدبيّة تحاول أن تعرف موروثها وتخترقه". 

ومن وجهة نظر سليمان الذي لا يزال "يلبط معو الرز"، حسب تعبيره، يقول: "العمل فيه الكثير من الصور الاجتماعية والسياسية، عنا وعن البلد، بالإضافة لأمور عاطفية. أما الخصوصية الفنية، فأنا لم ابتعد كثيراً عما أقوم به بشكل عام، هناك خصوصية في النص، لأنه يتكلم عن موضوع كامل شامل، ولكن أيضاً ليس بعيداً عما يكتبه مجد، هناك خفة في العمق موجودة بكل الأغاني وتنوّع بالمواضيع أيضاً".


التسجيل تمّ في باريس عبر zoom

ويرى سليمان أن أهم ما يميز هذا العمل هو تسجيله، مضيفاً: "سُجل بطريقة غريبة، كل الموسيقيين في باريس، التسجيل، الميكسينغ والماسترنغ في باريس، كل الطاقم كان في الخارج، وأنا الوحيد في فلسطين، أرسلت النوتات الموسيقية للعازفين، دربتهم على تطبيق زووم ZOOM، ثم سجلوا بمتابعة مني تحت ظروف حظر التجوال في المدينة، أرسلوا لي الملفات، فحصتها ثم حوّلتها للأستوديو، فكان أغلب الشغل أونلاين، ليس بالطريقة التقليدية، لم يكن سهلاً العمل من بعيد، ولكنه أُنجز، أُنجز في الوقت المحدد الذي وضعناه".


هل تنازل سليمان عن مشروع الموسيقى الآلاتية؟ يرد: "لا، المشروع الغنائي والموسيقى الآلاتية يسيران بخطين متوازيين، أعمل على الخطين. مرة سيكون للموسيقى الآلاتية ومرة للأغاني، فقد كان من المفترض أن أسجل ألبوم آلاتي في أغسطس/ آب الماضي، ولكنه تأجل لمنتصف العام المقبل، بسبب كورونا، وفي المقابل كان مجد يكتب كلمات الألبوم، فأصبح لدي وقت للمشروع الغنائي". 



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image