في وقت يشكو فيه أهالي إقليم النيل الأزرق شرقي السودان، من تباطؤ أجهزة الأمن في حسم صراع قبلي دموي راح ضحيته نحو 31 مواطناً؛ أقدمت السلطات الأمنية في العاصمة الخرطوم على إغلاق جسر النيل الأزرق، وعدد من الجسور النيلية الرابطة بين مدن العاصمة (الخرطوم، بحري، أم درمان)، استباقاً لمواكب احتجاجية جديدة وجهتها القصر الرئاسي، للمطالبة برحيل النظام العسكري.
وباتت الأوضاع في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرق السودان، على شفا الحرب الأهلية، بعد امتداد الصراع بين قبيلتي الفونج والهوسا، من محلية ود الماحي، ليصل إلى أهم مدن الإقليم: الروصيرص، والدمازين وقيسان.
باتت الأوضاع في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرق السودان، على شفا الحرب الأهلية، بعد امتداد الصراع بين قبيلتي الفونج والهوسا، من محلية ود الماحي، ليصل إلى أهم مدن الإقليم: الروصيرص، والدمازين وقيسان
صورة قاتمة
بدأ الصراع في النيل الأزرق، قبل عيد الأضحى، بمطالبة الهوسا بمنحهم إمارة "تنظيم ذو طابع أهلي"، وهو أمر يرفضه الفونج، بدعوى أنهم هم سكان المنطقة، وأن الهوسا "محض وافدين" للإقليم ولا يملكون أراضٍ فيه، وبالتالي لا يحق لهم الانتظام في سلك الإدارة الأهلية.
وفي أول أيام الأضحى، 10 يوليو/ تموز، انفجر الاحتقان القبلي بمقتل أحد الرعاة بمحلية ود الماحي، ما أدى إلى سلسلة من الهجمات الانتقامية بين المكونين، توسع نطاقها لاحقاً ليصل مدينتي قيسان والروصيرص.
وعكست الصور والفيديوهات الواصلة من النيل الأزرق، حالات عنف دموي شبيهة بما جرى في رواندا بين الهوتو والتوتسي، هذا إضافة لحرق الأسواق الرئيسة، ونهب المتاجر، وقطع الطرقات.
وطالبت لجان المقاومة بالإقليم طرفي الصراع بضبط النفس، وحثت الأهالي على فتح بيوتهم لاستقبال النازحين من المناطق المنكوبة، والتبرع بالدم لصالح المستشفى المكتظ بالإصابات. ولجان المقاومة هي كيانات سياسية شعبية، تنظم الاحتجاجات المناهضة لانقلاب المكون العسكري واستيلائه على حكم البلاد، وتلعب دوراً مجتمعياً وسياسياً في الأقاليم المختلفة ومنها العاصمة.
ولم تتدخل سلطات الإقليم إلا بعد مضي أسبوع بالتمام على الأحداث (الجمعة)، بإعلان حالة الطوارئ، وحظر التجوال في مناطق النزاع، ومنع التجمعات إلا للأسباب الضرورية.
وحتى لحظة نشر هذا التقرير لم تصدر عن الحكومة المركزية أي ردات فعل، في مقابل أحاديث عن استمرار سلسلة العنف بالإقليم حتى فجر اليوم الأحد، 17 يوليو/ تموز، في ظل استمرار الشكوى من ضعف الحضور الأمني.
حتى لحظة نشر هذا التقرير لم تصدر عن الحكومة المركزية أي ردات فعل، في مقابل أحاديث عن استمرار سلسلة العنف بالإقليم حتى فجر اليوم الأحد، 17 يوليو/ تموز، في ظل استمرار الشكوى من ضعف الحضور الأمني
قائمة العنف
وانضم إقليم النيل الأزرق المتمتع بالحكم الذاتي، إلى قائمة طويلة من الأقاليم التي تعاني صراعات قبلية دموية في ظل الاضطراب والغموض السياسي الناجم عن انقلاب البرهان- حميدتي في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وبالفعل عاد شبح الحرب مؤخراً إلى إقليم دارفور غربي البلاد، بعد تنامي خطاب الكراهية المتأسس على القبيلة، وانتشار السلاح في أيدي المواطنين، وزاد من التوتر ظهور الذهب بكميات كبيرة في الإقليم.
وانتقل الصراع القبلي الذي عادة ما يكون محوره الأرض والزعامة إلى إقليم كردفان، والإقليم الشرقي الذي يحتضن موانئ السودان على البحر الأحمر.
يُحمّل الباحث المتخصص في النزاعات، أحمد زين العابدين، سلطات الانقلاب مسؤولية كافة التفلتات الأمنية الجارية بالبلاد
والمفارقة أن كل هذه التفلتات تجئ في أعقاب استمرار أطراف اتفاقية جوبا للسلام الأهلي في السودان، ومنهم أطراف تنتمي إلى الولاية، في مشاركة السلطة الانقلابية بدعوى المحافظة على مكاسب الاتفاق.
وتجئ كذلك بعد دعاوى قائد الانقلاب الجنرال عبد الفتاح البرهان بأن أحد أسباب استيلائهم على السلطة، هو إنهاء حالة السيولة الأمنية في حقبة الحكومة الانتقالية المعزولة.
وبحسب اتفاقية الشراكة المُجهضة بين المدنيين والعسكر في أعقاب الإطاحة بالرئيس عمر البشير، فإن مسؤولية فرض الأمن تقع على عاتق المؤسسة العسكرية.
أسباب الصراع
يُحمّل الباحث المتخصص في النزاعات، أحمد زين العابدين، سلطات الانقلاب مسؤولية كافة التفلتات الأمنية الجارية بالبلاد.
وقال لرصيف22 إن انشغال سلطات الانقلاب في قمع الحراك الاحتجاجي المتواصل منذ صبيحة 25 أكتوبر/ تشرين الثاني، "أدى إلى تراخي القبضة الأمنية في الأطراف"، الأمر الذي تحاول أطراف قبيلة استغلاله لزيادة نفوذها، على حساب بقية المكونات السكانية.
وتابع: "كذلك فإن تبني مسؤولي الانقلاب لخطاب عنصري وجهوي، وبحثهم عن إيجاد حاضنة سياسية، أدى لارتفاع صوت القبيلة بشكلٍ ملحوظ".
واستدل زين العابدين بما جرى في فترة الأعياد، حيث خاطب البرهان سكان مسقط رأسه في ولاية نهر النيل، داعياً إياهم للتعاضد، قائلاً لهم إن "الآخرين لا يشبهونهم".
"يعتقد الإسلاميون بإمكانية عودتهم إلى الحكم، من خلال نشر سيناريو التخريب والفوضى، على أمل أن يحن السودانيين إلى عهدهم البائد، تمهيداً لقبول عودتهم إلى سدة الحكم من جديد"
أما نائبه، وقائد مليشيا الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، الذي قضى فترة الأعياد بين قواته في دارفور، فكثيراً ما نادى بكسر احتكار السلطة بواسطة أهالي الشمال النيلي لصالح تمكين أهالي دارفور.
ويرى زين العابدين أن عضو مجلس السيادة، مالك عقار، الذي آلت لحركته تسمية حاكم إقليم النيل الأزرق، قد لعب دوراً كبيراً في تأجيج الصراع، "أحياناً عن طريق التدخل لدعم أحد الأطراف، وأحياناً أخرى بالصمت عن تجاوزاته".
وختم بالقول: "لا يمكن إنهاء الصراعات القبلية إلا بذهاب النظام العسكري غير المسؤول حالياً، واستبداله بنظام مدني لا يخاطر بأمن البلاد من أجل كراسٍ زائلة، بجانب إجراء مراجعات لاتفاقية جوبا التي جلبت الحرب بدلاً من إحلالها للسلام".
حل الإدارات الأهلية
يعتقد الناشط في السياسي بولاية النيل الأزرق، حمدان موسى، إن تنظيمات الإدارات الأهلية، "هي أُس المشاكل القبلية في السودان".
وقال لرصيف22 إن سلطات الانقلاب "وبحثاً عن الشرعية، قامت بشرعنة التنظيمات القبلية، تارة بالعطايا والامتيازات والمناصب، وتارة بغض الطرف عن تورط قادتها في أحداث عنف قبلية". مضيفاً: "هذا مع التغافل عن تدخل بعضهم علانية في تسمية قادة العمل التنفيذي، وليس نهاية بتهديدهم الأمن عبر إغلاق المشاريع القومية، أسوة بما جرى لموانئ البلاد الرئيسة على البحر الأحمر قبل عدة أشهر".
وطالب موسى بحل الإدارات الأهلية بصورة فورية، وقال إن بقائها شر مستطير، في طريقه لتمزيق اللحمة الوطنية بين السودانيين، ما لم يتم تدارك الأمر بصورة عاجلة.
ابحث عن الإسلاميين
يعتقد القيادي الشاب في ائتلاف الحرية والتغيير المناهض للانقلاب، صديق الدالي، بأن الإسلاميين وراء كل الصراعات القبلية القائمة حالياً. وقال لرصيف22 إن ناشطي الحرية والتغيير، سبق وحذروا من "تحركات مريبة" لعناصر نظام المخلوع البشير بين رجالات القبائل في النيل الأزرق، وسط أنباء عن نشاطهم في تزويد قادة القبائل بالمال والسلاح.
وأضاف: "يعتقد الإسلاميون بإمكانية عودتهم إلى الحكم، من خلال نشر سيناريو التخريب والفوضى، على أمل أن يحن السودانيين إلى عهدهم البائد، تمهيداً لقبول عودتهم إلى سدة الحكم من جديد".
سر التلكؤ
بحثاً عن إجابات حول دور المؤسسات الأمنية في حسم الصراعات القبلية عموما، والصراع في النيل الأزرق على وجه الخصوص؛ رد الخبير الأمني، المقدم راشد جاد السيد، بأن الأجهزة الأمنية مكبّلة، ولا تستطيع التحرك دون أوامر مباشرة، ووفقاً لتفويضات أمنية محددة.
وقال لرصيف22: "إن خضوع عدد من عناصر القوات الأمنية لمحاكمات إثر تحركاتهم لحفظ الأمن، أدى إلى تنامي المخاوف في أوساط العسكريين من التدخل خشية ملاحقتهم بالتهم والقضايا".
وعليه أرجع جاد السيد بطء تحرك الجيش والقوات الأمنية في النيل الأزرق إلى عدم صدور أوامر مباشرة لقادتها بالتحرك لحسم التفلتات. وتحتضن النيل الأزرق أحد أكبر حاميات الجيش (الفرقة الرابعة) التابعة للجيش السوداني.
مفارقات
المرعب في أمر الصراع في إقليم النيل الأزرق، إنه تأكيد جديد أن القائمين على أمر البلاد حالياً، لن يتحركوا قيد أنملة لحسم الصراعات القبلية إلا في حال حصولهم على اعتراف من السودانيين بشريعة نظامهم العسكري. وما لم يحدث ذلك فإن القوى الأمنية سوف تأبى إطلاق رصاصة واحدة لإرداء من يمارسون القتل على الهوية صراحةً، وإن كانت لا تخفي استمرارها في رفع غلتها من قتلى الاحتجاجات السلمية لأكثر من 114 شاباً وطفلاً كل سلاحهم الهتاف والنداء بالحكم المدني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع