شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
السودان: كيف يحول الرصاص بيوت أفراحنا إلى سرادقات للعزاء؟

السودان: كيف يحول الرصاص بيوت أفراحنا إلى سرادقات للعزاء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 24 أغسطس 202105:56 م

شارك السودانيون بكثافة في وسم #أفراح_بلا_سلاح، للمناداة بوقف إطلاق الأعيرة النارية، في المناسبات الاجتماعية، عقب سقوط عريس شاب برصاصة طائشة أطلقها أحد المهنئين، بعد دقائق فقط من إبرام عقد القران.

وسقط الزاكي محمد الزاكي، برصاصة أطلقها أحد أصدقائه ابتهاجاً، ولكنها ضلت طريقها، واستقرت عن طريق الخطأ في رأس العريس، ما سبب صدمةً للمشاركين في المناسبة، في منطقة الشعديناب التابعة لولاية نهر النيل، شمال العاصمة الخرطوم.

حوادث شبيهة

تحولت مناسبات اجتماعية عدة في السودان، من أفراح، إلى سرادقات للعزاء، جراء حوادث القتل، والإصابات التي تتسبب فيها الأعيرة النارية التي تُطلق ابتهاجاً، ويفقد بعضها وجهته من السماء، إلى حصد أرواح بريئة، ونقلها إلى الوجهة ذاتها: السماء.

ولكن فداحة حادثة الشعديناب، تكمن في أن القتيل كان العريس نفسه، في مشهد أعاد إلى السودانيين مقتل العريس الدكتور نهشل الرشيد كرمنو، في يوم زفافه، على يد عسكري، عن طريق الخطأ، في العام 2017.

وخلافاً للعريسين، يفقد السودانيون عشرات الضحايا جراء إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات الاجتماعية، وعلى رأسها الأعراس، ما يطرح تساؤلات عدة، عن سر استمرار هذه العادة، وعجز السلطات التام عن السيطرة عليها، أو منعها.

ضعف القوانين

عكَس وسم أفراح بلا سلاح، حالة السخط الشعبي من إطلاق النار في الأعراس، والمناسبات الاجتماعية.

وحمَّل محمد حسن التوم، وهو أحد المشاركين في حملة سابقة لوقف إطلاق النار في المناسبات الاجتماعية، السلطات الحكومية مسؤولية سقوط الضحايا في المناسبات الاجتماعية، جراء تجميد القوانين الخاصة بتفعيل العقوبات في حق المخالفين.

تحولت مناسبات اجتماعية عدة في السودان، من أفراح، إلى سرادقات للعزاء، جراء حوادث القتل، والإصابات التي تتسبب فيها الأعيرة النارية التي تُطلق ابتهاجاً، ويفقد بعضها وجهته من السماء، إلى حصد أرواح بريئة، ونقلها إلى الوجهة ذاتها: السماء

وقال لرصيف22 إنه على الرغم من وجود قوانين تنظم استخدام السلاح الناري، فإن إطلاق الرصاص في المناسبات الاجتماعية، يبين مدى ضعف أجهزة إنفاذ القانون، إذ لم يجرِ تسجيل سوابق عن حوادث توقيف للمخالفين في هذه الجريمة، بواسطة الشرطة.

وأضاف: الأنكى، أن بعض المشاركين في حفلات إطلاق النار، هم أفراد نظاميون، ينتمون إلى وحدات عسكرية.

وكانت ولاية الخرطوم قد أصدرت في اليوم التالي لسقوط عريس الشعديناب، قراراً بحظر استخدام السلاح الناري في المناسبات الاجتماعية، ووضعت عقوبات على المخالفين، تشمل السجن والغرامة، أو العقوبتين معاً.

هنا، ينبه التوم إلى القرار الذي وإن بدا تسويقه على أنه جديد، فما هو إلا إعادة نشر لقرار قديم، سبق وصدر قبل أشهر عدة، ما يعكس بوضوح عدم جدية السلطات في التعامل مع المخالفين.

السؤال المهم، هو كيف تسرب السلاح إلى مناسبات السودانيين الاجتماعية؟ سؤال طرحناه على أستاذ الاجتماع نصر الدين بخيت، الذي قال لرصيف22 إن أول دخول للسلاح، كمظهر احتفالي، كان مع دخول المستعمر الانكليزي في العام 1899

وفي السياق ذاته، يطالب مقدم الشرطة المتقاعد، أيمن الخليفة، في حديثه مع رصيف22، بتفعيل قانون الأسلحة والذخائر، الذي ينص حسب التعديل الوارد فيه، عام 2018، على سجن مطلقي الرصاص مدة تصل إلى خمس سنوات، وتحويل القضية إلى مسار جنائي، في حال التسبب بالأذى، أو القتل.

كما طالب بضبط منح تراخيص السلاح، والتأكد من استخدام الذخيرة للدواعي الواردة في القانون، وليس من ضمنها بالطبع إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات.

وحثَّ الخليفة قادة الشرطة على المسارعة في حملة لجمع السلاح غير المرخص في العاصمة والولايات، مع إنزال أقصى العقوبات في حق المخالفين.

مسار اجتماعي

يعتقد محمد حسن التوم، أن استمرار إطلاق النار في الأفراح، ناجم عن السلوك المجتمعي في حالات القتل الخطأ.

وفي السياق، أشار إلى مسارعة ذوي القتيل في حادثة الشعديناب، إلى العفو عن مطلق الرصاص، الأمر الذي، وإن عكس حالة من التسامح، إلا أنه لا يساعد في القضاء على هذه الظاهرة.

ورأى التوم أن تجاوز هذه المعضلة، يتطلب أن تتولى الدولة ملف القضية، بعدّها حقاً عاماً، لا يسقط بعفو ذوي الحق الخاص.

أصل الظاهرة

السؤال المهم، هو كيف تسرب السلاح إلى مناسبات السودانيين الاجتماعية؟ سؤال طرحناه على أستاذ الاجتماع نصر الدين بخيت، الذي قال لرصيف22 إن أول دخول للسلاح، كمظهر احتفالي، كان مع دخول المستعمر الانكليزي في العام 1899، إذ تراصّ الجنود ببنادقهم، في صفين، في أثناء دخول اللورد كتشنر إلى الخرطوم، وساعتها أطلقوا زخات من الرصاص، لإعلان انتصارهم على الثورة المهدية.

ومن ثم تسرب هذا الفعل، إلى المجتمع السوداني، بواسطة العسكريين المحليين المنضمين للجيش الغازي، ثم تحول لاحقاً إلى المدنيين أنفسهم، مع شيوع السلاح، وانتشاره.

ويرى بخيت أن القضاء على الظاهرة، يتطلب الكثير من الجهد والوقت، جراء تحول الرصاص إلى إشهار لعقد الزيجات، ولإعلام النسوة اللواتي لا يحق لهن حضور مراسم العقد.

ويرى بخيت أن الوعي المجتمعي، في المرحلة الحالية، أهم من فرض القانون. وفي هذا الصدد، نادى بإتمام الإشهار، عبر ثلاث رصاصات من بندقية للصوت من نوع "خرطوش"، على يد عسكري، وذلك بعد الحصول على ترخيص من السلطات.

السلطات السودانية أمام اختبار حقيقي لفرض هيبة القانون في المناسبات الاجتماعية، لا سيما في ظل انتشار السلاح بين أيدي المواطنين، وتكاثر الجيوش، التي ينتظر أفرادها عملية دمجهم في الجيش الوطني، ضمن عملية مسماة بالترتيبات الأمنية

اختبار حقيقي

السلطات السودانية أمام اختبار حقيقي لفرض هيبة القانون في المناسبات الاجتماعية، لا سيما في ظل انتشار السلاح بين أيدي المواطنين، وتكاثر الجيوش، التي ينتظر أفرادها عملية دمجهم في الجيش الوطني، ضمن عملية مسماة بالترتيبات الأمنية، بناء على اتفاق السلام الموقع مع الحركات المتمردة، وإلا، فإننا في انتظار تشييع قتلى إضافيين، من داخل فعاليات مخصصة، في الأصل، للفرح.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image