"56 عاماً عشت باسم شُهرِة لُرِستَاني، ومازال هذا الاسم في هويتي القانونية إلى حين أغيره رسمياً خلال الأشهر المقبلة، ولكن وفق الشرع الإسلامي وعُرف المجتمع أنا لم أعد امرأة من اليوم، وآمل أن أستمر في خدمة الشعب تحت ظل كبار السينما، وأن أعالج هذا الألم الذي يراودني منذ طفولتي، كما وأن أنقل البهجة للشعب عبر إطار آخر"؛ كانت هذه رسالة صوتية للفنان العابر جنسياً الذي اختار اسم "مازيار"، يكشف فيها عن خضوعه لعملية جراحية بعد أن كان مخرجة وممثلة سينمائية باسم "شُهرة" التي ظهرت في أدوار كوميدية عديدة.
مازيار لُرستاني في أحد الأدوار، قبل العملية
وتفاعل مئات الآلاف مع الرسالة الصوتية والمنشور الإنستغرامي للفنان، عبر متابعة حسابه، ومشاهدة منشوره عن هذا الأمر التي تخطت الـ5 ملايين ونصف المليون مشاهدة.
"أعتقد أنه إن لم يبق من حياة الإنسان سوى يوم واحد فلا بد من أن يبذل جهوده ليحقق أحلامه. أنت البطل"، "أعتز بشجاعتك"، "أهلاً بك في الحياة الجديدة"، "أنا مسرورة لأن المجتمع وصل إلى هذا المدى من النضج، ويتقبل التمايز كيلا يضطر أحد أن يخفي هويته خوفاً من أحكام الناس"؛ هكذا أتت تعليقات الإيرانيين أسفل منشور مازيار لُرِستاني، ليرد الفنان بمنشور آخر يشكر فيه مشاعر الناس الحسنة تجاه قراره الصعب والمصيري.
استغل مجتمع الميم في البلاد الفرصةَ لطرح مشاكله والتحدث دون اكتراث عن معاناته ومطالبة الشارع بنظرة أكثر إنسانية في ظل الترحيب الواسع الذي حظي به الفنان مازيار لُرستاني
وشغل أمر العابرين جنسياً رأي العام، حيث رحب بعض الفنانين والصحافيين بشجاعة وصداقة الفنان في إجراء العملية الجراحية والإفصاح عنها وهو في العقد السادس من عمره، ولأنه لم يخف ميوله الذكورية.
واستغل مجتمع الميم في البلاد الفرصة لطرح مشاكله والتحدث دون اكتراث عن معاناته ومطالبة الشارع بنظرة أكثر إنسانية في ظل الترحيب الواسع الذي حظي به الفنان مازيار لرستاني، ويعود سبب ذلك لمكانته الاجتماعية وشعبيته لدى الشارع الإيراني.
مازيار لُرستاني قبل العملية
وبينما رحب الفنان بقبول أدوار الرجال في التمثيل السينمائي والتلفزيوني، شكك بعض رواد المنصات عن مدى إمكانية قبوله من قبل المعنيين للتمثيل بدور الرجال. من جهة أخرى طالب البعض بأن يهتم الرجل بتسليط الضوء على زيادة وعي المجتمع تجاه العابرين جنيساً، عبر تمثيله أو إخراجه أعمالاً سينمائية أو عن طريق وجهته الاجتماعية.
24 ألف عابر جنسي في إيران
ولم يكن مازيار أول فنان أفصح عن عبوره جنسياً، بل سبقه الفنان المسرحي، سامان أرَسْطو، الذي غير هويته الجنسية من امرأة إلى رجل عام 2008، وهو في سن 41 عاماً، وأكمل مشواره الفني في العاصمة طهران، كما تزوج بعدها وانفصل، ثم عاد ليتزوج من جديد.
واستمر سامان أرسْطو بمشواره الفني لمساندة العابرين جنسياً، حيث أخرج مسرحية باسم "تشريح الجثة" تتحدث عن معانات هذه الفئة المهمشة في المجتمع الإيراني، وعُرضت المسرحية عام 2019 في طهران، كما شارك في عدة أفلام قصيرة بهدف نشر ثقافة تقبل العابرين جنسياً في البلاد.
سامان أرَسطو
يجري عشرات الأشخاص سنوياً عمليات جراحية لتغيير الجنس في إيران، كما أن هناك مراكز لدعم العابرين جنسياً في بعض من مدن البلاد، حيث يحظون بدعم حكومي متواضع.
وآخر إحصائية من العمليات الجراحية للعبور جنسياً تعود لعام 2019 وفقها قد تم إجراء 6 الآف عملية في إيران حسب تصريح رئيس مركز دعم العابرين جنسياً غير الحكومية فرْشيد مسعودي، وبينما لم توجد أي أعداد رسيمة عن عدد العابرين جنسياً في إيران، إلا أن عددهم يُقدّر بأكثر من 24 ألف شخص.
محسنون متطوعون من داخل وخارج البلاد
تم تدشين جمعية "شمس" الخيرية في سبيل مساعدة هذه الفئة من المجتمع الإيراني، وتضم الجمعية نحو 300 عضواً تقوم بمساندتهم مالياً عبر إيجاد فرص عمل لهم ومنحهم بعض الإمكانيات، وتقديم استشارات نفسية بالمجان، ورعايتهم في إجراء العمليات الجراحية، فهي مساحة ومتنفس للذين يعانون من التمييز.
ويقول رئيس الجمعية محمد نوري زاده، إن المحسنين من داخل وخارج البلاد يقومون بدعم الجمعية، وأضاف: "مساعدة العابرون جنسياً ليست على عاتق الجمعيات الخيرية فقط بل يجب أن تكون هناك قوانين واسعة لدعمهم حكومياً، كما على وسائل الإعلام المحلية أن تعكس أخبارهم وتسلط الضوء على معاناتهم ورعاية حقوقهم للحد من طردهم من المجتمع التقليدي الإيراني".
وأعلن نوري زاده عن إنتاج خمسة أفلام وثائقية عن حياة العابرين جنسياً عبر فنانيين إيرانيين تطوعوا بذلك، كما أطلقت وكالة فارس للأنباء حملة إعلامية في نهاية عام 2021 لتسليط الضوء والمناشدة بحقوق هذه الأقلية من الحكومة والبرلمان الإيراني، ومازالت الوكالة مستمرة في متابعاتها حسب موقعها الإلكتروني.
الثورة الإسلامية وحقوق مجتمع الميم
وكانت الثورة الإسلامية عام 1979، بمثابة نقطة تحول مفصلية ومهمة لمن يعيشون اضطرابات الهوية الجنسية في إيران وخضوعهم لعملية جراحية لتصحيح جنسهم عبر اعتراف صريح ديني وحكومي، مما جعلت البلاد رائدة في مجال تقبل العابرين جنسياً على صعيد الشرق الأوسط، إذ أفتى آية الله الخميني مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإمكانية جواز إجراء عمليات جراحية لتصحيح الجنس عندما كان مرجعاً دينياً مقيماً في مدينة النجف العراقية عام 1964.
في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كانت تقوم إيران بإجراء عمليات جراحية للعابرين جنسياً ولكن بعد الثورة الإيرانية، برز اسم مريم مُلك آرا كأول عابرة جنسياً في عهد النظام الإسلامي وبفتوى صريحة من الخيمني مما خلد ذكراها وسجلت متابعاتها وحصولها على نص الفتوى كنقطة بداية للاعتراف بهذه الفئة رسمياً وشعبياً.
وكانت مريم في سبعينيات القرن المنصرم بهيئة ذكورية وباسم "فريدون" موظفة في هيئة الإذاعة والتلفزيون، وقد التقت بملكة إيران فرح بهلوي آنذاك لتخبرها عن ميولها الأنثوية رغم جسدها الذكوري ومعاناتها في هذا الشأن، فاقترحت الملكة أن يبادر "فريدون" بجمع الأفراد الراغبين بتصحيح جنسهم، لتتم منحهم امتيازات حكومية، بينما هذا القرار لم ير النور آنذاك.
ما زالت المؤسسات الحقوقية الغربية ترى في زيادة العمليات الجراحية للتغيير الجندري في إيران دليلاً على عدم قبول النظام بحقوق مجتمع الميم كالمثليين جنسياً والکویریین، حيث تجبر العابرين جنسياً على إجراء العمليات من أجل أن يتمتعوا بحقوق المواطنة والأوراق القانونية
وتابع فريدون الذي كان يعتبر نفسه شخصاً ملتزماً دينياً عن فتوى شرعية من رجل الدين آية الله الخميني، فأرسل له كتاباً عند ما كان مقيماً في النجف، يشرح فيه أنه رجل المظهر وأنثى النفس، فظن الخميني أن الشخص يعاني من ازدواجية الميول الجنسية، فرد عليه بأنه يحق له أن يكون أنثى وفق الشريعة الإسلامية.
البحث عن زيارة الخميني في النجف وباريس وطهران
ثم ذهب فريدون إلى باريس بعدما حل الخميني فيها في ظل تسارع وتيرة أحداث الثورة الإيرانية طالباً لقاءه ليصف حاله، ويشرح له أنه يعاني من اضطرابات الهوية الجنسية، عله يحصل على فتوى تمكنه من إجراء عملية جراحية تخلصه من صراعاته الداخلية، بيد أن محاولاته لم تثمر ولم يلتق برجل الثورة.
وبعد أن عاد الخميني إلى إيران وانتصرت الثورة عام 1979، بدأ فريدون بمحاولاته من جديد، فبينما كانت إيران تعيش في اضطرابات وأزمة اجتماعية غيرت مسار المجتمع، كان فريدون يعيش حالة من الضياع بين جسمه الذكوري وهواه الأنثوي. خسر وظيفته في ظل حملة الإقصاءات الثورية وتطهير المؤسسات الحكومية من رجال النظام البائد، لكنه لم يستسلم وبعد أربع سنوات أرسل طلباً آخر للخميني وجاء الرد نفسه.
فقرر فريدون زيارة مكتب الخميني بنفسه، راضياً بكل المشقات التي ستحصل له، واستطاع هذه المرة من زيارة الخميني والإيضاح له، وتمكن بأن يخرج من مكتبه برفقة جواز إجراء العملية الجراحية. هكذا كانت البداية في ثورة محافظة كان ترى مهمة الدولة تطبيق الشريعة الإسلامية بكل حذافيرها، ولم تتقبل العابرين جنسياً ولم تعترف بحقوقهم.
رغم ذلك ما زالت المؤسسات الحقوقية الغربية ترى في زيادة العمليات الجراحية للتغيير الجندري في إيران دليلاً على عدم قبول النظام بحقوق مجتمع الميم كالمثليين جنسياً والکویریین، حيث تجبر العابرين جنسياً على إجراء العمليات من أجل أن يتمتعوا بحقوق المواطنة والأوراق القانونية، وهذا ما تنفيه البلاد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع