ينتظر البحرينيون/ات الإعلان عن موعد انتخابات نيابية من المقرر عقدها هذا العام، بعضهم/ن بترقب لتغيير تشكيلة البرلمان، وبعض آخر بحسرة لعدم قدرته على المشاركة في العملية الانتخابية، وآخرون/أخريات بغضب لما آل إليه حال الديمقراطية في المملكة الصغيرة.
عشرات أعلنوا حتى الساعة نيّتهم الترشح لمجلس النواب، من إعلاميين، وناشطين/ات اجتماعيين، وفاشنيستا على وسائل التواصل الاجتماعي، ومحامين/ات والقليل من السياسيين أو ممَّن عملوا في مجال السياسة من قبل... يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه شريحة كبيرة من المواطنين/ات مقاطعة الانتخابات.
برلمان قليل الصلاحيات
في نيسان/ أبريل 2021، قلّص مجلس النواب البحريني عدد النواب المشاركين في المناقشة العامة إلى عشرة أعضاء فقط، على ألا تزيد مدة المناقشة لأي عضو عن خمس دقائق.
إضافة إلى هذه القيود، لا يجوز أن تتضمن المناقشة توجيه النقد أو اللوم أو الاتهام أو أن تتضمن أقوالاً تخالف الدستور أو القانون أو تشكل مساساً بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو إضراراً بالمصلحة العليا للبلاد.
وكان المجلس ذاته قد منح أعضاءه وأعضاء مجلس الشورى المعيّنيين عام 2018 الحق في توجيه الأسئلة للوزراء لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصهم، كما عدّل عام 2014 اللائحة الداخلية بما يقر اشتراط موافقة ثلثي المجلس على جدية استجواب أي وزير، ما جعل آلية الاستجواب شبه مستحيلة في البرلمان بتشريعاته الحالية.
في ظل هذا الواقع، يرى الأمين العام لـ"المنبر التقدمي" وهو حزب سياسي يساري معارض، عادل المتروك "أن وجود كتلة ‘تقدم’ كان إحدى النقاط المضيئة التي استماتت من أجل الدفاع عن حقوق الشعب، في ظل تراجعات المجلس وتقليص صلاحياته، بعد الأزمة السياسية في 2011، وإقرار قوانين نالت من مكتسبات الشارع".
ويراهن المتروك على "وعي الشارع في اختيار ممثليه قائلاً: "بالإضافة إلى تراجع الحريات العامة وغياب حرية التعبير ودور الدولة الجوهري في تراجع الحياة السياسية فإن الشارع معني بأن يلتفت إلى نوعية ممثليه ولا يكتفي بوضع بطاقة الانتخاب، داخل الصندوق، وبأن يمارس حقه في المتابعة والضغط عليهم لضمان اتخاذ مواقف تصب في مصلحة الناس وليس مصلحة النائب الشخصية".
فيما يشير الناشط السياسي محمد خليل إلى أن "هناك إجماعاً لدى المواطنين بمختلف انتماءاتهم السياسية وخلفياتهم الطائفية والفكرية على أن هذا البرلمان لم يحقق ما هو مرجو منه، بل أصبح أداة للبصم وتمرير مشاريع الحكومة، خلافاً لرغبة الناس واحتياجاتهم، والشواهد كثيرة".
ويضيف لرصيف22 أن "حجم الإحباط جعل الناس تستوعب أن المشكلة مركّبة، فهي من جهة ناتجة من غياب الصلاحيات المعطاة لمجلس النواب، إضافة إلى التوزيع المدروس للدوائر بحيث تصبح الغالبية مضمونة باتجاهات معيّنة وليست عاكسة للرغبة الشعبية، ولا ننسى وجود مجلس شورى كخط دفاع أخير لضمان السيطرة المطلقة على السلطة التشريعية". و"نتيجة لهذه المعطيات ولهذا الأداء"، يتابع: "كفر المواطنون/ات بالبرلمان وصاروا يطالبون بإلغائه ويعتبرون مصاريفه هدراً للمال العام".
"أصبح المقعد النيابي أشبه بشاغر وظيفي يسعى من خلاله البعض لتحسين دخله المادي وتحصيل مميزات خاصة"
من جانبها، ترى المرشحة للانتخابات المقبلة المحامية زهراء الوطني "أن المجلس النيابي صرحٌ يمكن من خلاله طرح جميع مشاكل الشعب وهمومه، والوصول إلى حلول جذرية، ويجب ألا نحمّل فشل بعض أعضاء البرلمان الذين تقاعسوا وعزفوا عن تمثيل حقوق الشعب للبرلمان ككل"، وتؤكد لرصيف22 إنها تؤمن بأن "البرلمان هو ملاذُ تحقيق طموحات الشعب، وطرح همومهم، والإشكالية تكمنُ في الجهد الفردي للنائب، وعدم التوجه الجماعي لخدمة الشعب، وعدم التكاتف في ذلك".
مشاركة وترشح
رغم تمرير العديد من القوانين التي أثارت غضب الشارع البحريني، كقانون التقاعد، وقانون تقليص صلاحيات النواب وغيرها من القوانين خلال السنوات الأربع الأخيرة، وهي عمر الدورة البرلمانية، أعلن "المنبر التقدمي" خوضه الانتخابات، كما في الدورات السابقة.
يقول المتروك لرصيف22: "سيشارك التقدمي في الانتخابات، ونحن الآن في صدد متابعة التفاصيل ودراسة الدوائر الانتخابية وحظوظ المترشحين/ات. وفي الوقت الذي أعلن فيه بعض الرفاق ترشحهم في بعض الدوائر إلا أنه لا زال عدد المشاركين/ات من التقدمي لم يُحسم بعد، وهذا راجع إلى مجموعة من العوامل أهمها المعايير التي يشترطها التقدمي في ممثليه".
عن سبب إعلان نيتها الترشح، تقول زهراء الوطني: "جاءت نية الترشح من منطلق وطني بحت، فأنا فرد من أفراد الوطن، أحمل همه وأدافع عنه، كما أن مهنتي المحاماة أساسها الدفاع عن حقوق الناس، وهي الباعثُ الإيجابي في رغبتي بتحمل مسؤولية الشعب بأكمله، والمساهمة بتحقيق طموحاته، والتعبير عن إرادته، وإحداث التغيير الذي ينشده، ويرفع مستوى معيشته للأفضل".
وفي ظل تذمر الشارع من عجز النواب عن تحقيق تشريعات تصب في مصلحة المواطن، يصف الناشط السياسي محمد خليل كثرة الإعلان عن نيات الترشح بأنه "نابع من حجم الاستخفاف بالمقعد النيابي والذي ساهم فيه بشكل أساسي الأداء الهزيل وغير المقبول للنواب، خصوصاً في الفصل التشريعي الماضي والفصل الحالي، وهذا نتاج لغياب العمل السياسي والتغييب القسري للجمعيات السياسية ذات الرؤية والبرامج الواضحة، فأصبح المقعد النيابي أشبه بشاغر وظيفي يسعى من خلاله البعض لتحسين دخله المادي وتحصيل ميزات خاصة".
"إيجاد أو تلمّس انفراج سياسي، بما فيه الخلاص من العزل السياسي وغيره من القوانين المعطِّلة للحريات العامة، لا يمكن دون حوار وطني وتوافق بين كافة المكونات والفصائل في المجتمع، بين بعضها البعض وبينها وبين الدولة وهذا الأساس في الخروج من هذه الأزمة"
ويضيف: "نجد المترشحين/ات يصرّحون بأنهم لا يتعاطون السياسة ولا يمارسونها وليس لهم تجربة في أي عمل سياسي لكنهم يترشحون لشغل مركز سياسي بامتياز، وهذا يدل على حقيقة فهمهم للمقعد النيابي ودافعهم الأساسي للترشح. ولو نظرنا إلى البرامج الانتخابية لغالبية المترشحين، سنجدها نابعة إما عن جهل بصلاحيات المجلس ودوره أو عن استغفال للناس بإعلان شعارات لا يمكن تطبيقها".
مقاطعة وعزل سياسي
في 13 تموز/ يوليو الحالي، دعا القائد الروحي لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية التي حلّتها السلطات عام 2016، رجل الدين الشيعي عيسى قاسم، إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، واصفاً إجراءها في الوضع الحالي بأنه "لتحقيق الأهداف السلطوية المركزة للسياسة الانفرادية، والمضادة لمصلحة الشعب"، وهذا برأيه "نكسة جديدة للوطن، وتعميق أشد لمأساة الشعب، وتثبيت لدكتاتورية الحكم".
وقال الشيخ قاسم الذي أسقطت البحرين جنسيته في 2016 ويعيش حالياً في إيران، في كلمة نشرتها الجمعية: "مطلوبٌ من الجميع، من مؤمنٍ بعدل الدين، ومن مدّعٍ لحبِ الوطن؛ أن يقفوا في وجه هذه الانتخابات المزيفة المكذوبة على الشعب، الملتفّة على حقوقه".
يأتي ذلك في ظل منع غالبة تابعي الشيخ ومنتسبي الجمعية السابقين من الانتخاب والترشح حسب التعديل الذي طال قانون "مباشرة الحقوق السياسية" في حزيران/ يونيو 2018، وأدى إلى منع "قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بحكم نهائي لارتكابها مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو أي قانون من قوانينها" من الانتخاب والترشح لمجلس النواب، في ما أُطلق عليه لاحقاً مسمى "قانون العزل السياسي".
"العزل السياسي واحد من مجموعة عناصر تشكل عقدة ومشكل في التحوّل نحو نمط عصري للحياة السياسية"، يقول الأمين العام لـ"المنبر التقدمي"، ويضيف: "إلا أن العزل يأتي كعارض لنسق معقد من تشابك مصالح، وأصبح تربة خصبة لغالبية مَن يطلقون على أنفسهم المترشحين المستقلين الذين وجدوا في غياب شريحة واسعة عن المشاركة فرصة سانحة لهم لدخول المجلس، في وقت لم يكن لديهم برنامج أو رؤية واضحة غير المصلحة الشخصية".
ويشدد المتروك على أن "إيجاد أو تلمّس انفراج سياسي، بما فيه الخلاص من العزل السياسي وغيره من القوانين المعطِّلة للحريات العامة، لا يمكن دون حوار وطني وتوافق بين كافة المكونات والفصائل في المجتمع، بين بعضها البعض وبينها وبين الدولة وهذا الأساس في الخروج من هذه الأزمة".
ويرى أن "الدفع نحو الحوار يحتاج إلى مرونة وتنوع من أطراف المعارضة في التعاطي مع المشكل بما فيه المشاركة في المجلس كأحد عناصر التواصل المهمة مع كافة الأطراف ومنها شرائح المجتمع ومكوناته والدولة، وهذا الرأي والتوجه لا ينال أو يقلل من أي رؤية أو توجه آخر، فالتنوع وتعدد السبل مطلوب ما دامت النتيجة لمصلحة الجميع".
في هذا السياق، تعتبر المحامية زهراء الوطني أن "قانون العزل السياسي جاء لدواعٍ أمنية، وحتماً هناك إصلاحات قادمة".
وتستطرد: "قانون العزل السياسي يقف حائلاً في وجه الحقوق والحريات، لما يحمله من مخالفة للمادة الأولى من دستور البحرين والتي تنص على أن ‘للمواطنين، رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح، وذلك وفقاً لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون. ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقاً للقانون’، وهو يحرم فئة من الناس من ممارسة حقوقهم السياسية كما أنه يحرمهم من ممارسة حقوقهم المدنية أيضاً".
بدوره، يرى الناشط السياسي خليل أن قانون العزل السياسي هو أحد الأسباب التي "ساهمت في تردي العمل البرلماني ووصوله إلى هذا المستوى"، معتبراً أن "وجود تكتلات تمثل جمعيات لها ثقلها الشعبي ولها رؤية وبرامج وطنية ساهم في فترات سابقة بخلق جو من التوازن مع الحكومة، فقد كانت الأخيرة مضطرة للتفاهم مع التكتلات حول البرامج، لما تمثله من ثقل شعبي حتى ولو لم تمتلك غالبية داخل البرلمان".
ويصف خليل القانون بأنه "خطير للغاية ويضرب أصل العملية الانتخابية ويجعلها بلا معنى، فليس الأمر سيان بين أن يقاطع البعض ويرفض المشاركة في الانتخابات بإرادته وبين أن تُحرم شريحة كبيرة من الناس من حقوقها الدستورية".
ويشير إلى أنه "ما لم يتم إصلاح الخلل بمنح البرلمان صلاحيات رقابية وتشريعية حقيقية، وتعديل الدوائر الانتخابية لتكون أكثر عدالة وتعكس الخيارات الحقيقية للناخبين/ات، وإلغاء قانون العزل السياسي وضمان الأجواء السياسية الملائمة لطرح البرامج السياسية الواضحة للناس، ستبقى العملية الانتخابية بدون جدوى وبدون فائدة وغير قادرة على تقديم أي شيء للمواطنين سوى تلبية طموحات بعض المترشحين بوضع مادي ومميزات أفضل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم