خلال السنوات الماضية، حجز الراب (وبشكل مواز الموسيقى الإلكترونية) موقعاً متقدماً ضمن مشهد الموسيقى العربية، يزاحم أحياًنا أنماطاً سائدة، كالبوب والغناء الشعبي.
أتى هذا التطور بعد عقدين من دخول الراب المنطقة العربية، عبر فرق ومغنين وضعوا لفترة طويلة تحت خانة الأندرغراوند، واكتسب عمل عدد كبير منهم طابعاً سياسياً واجتماعياً. يتركز صعود هؤلاء اليوم جماهيرياً ضمن بلدان شمال أفريقيا، بالإضافة للسودان وفلسطين، بينما موقعهم لا يزال ضعيفاً في بلدان المشرق العربي ومن بينها لبنان، بالرغم من امتلاك البلد موقعاً مركزياً في قطاعي الثقافة والفنون، من خلال مؤسسات وصناديق دعم تعمل في المغرب والمشرق في آن.
لذلك ليس غريباً أن تحتفل بيروت اليوم بصعود الراب عربياً والاحتفاء بنجوم المشهد الذين يتأقلمون بشكل غير مسبوق. يأتي هذا الاحتفاء من خلال حفل يضم فنانين من مصر، تونس، السودان ولبنان (كان يفترض أن يضم فنانين من فلسطين والمغرب) وينظم بمناسبة الذكرى الخامس عشرة لتأسيس الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) الذي يؤدّي دوراً محورياً في دعم الإنتاج الثقافي والفني في العالم العربي.
ينظم الحفل في ميدان سبق الخيل الشهير بالقرب من حرش بيروت، وهو يحمل عنوان "ميدان" ليس فقط بسبب مكان تنظيمه، بل أيضا كإحالة إلى الساحات والميادين التي تمتلك حيوية وقدرة على التخيل والتغيير، والفضاءات العامة التي تجمع الناس للمطالبة بحقها وأن تكون نقدية. كان للميدان حضور خلال الثورات العربية على مدار السنوات العشر الماضية، وقد انبثق الراب منه كفن سياسي، خاصة في تونس والسودان، علماً أنه يستمر كفن مرتبط بالشارع في جميع البلدان التي يمتلك الراب حضوراً فيها.
ليس غريباً أن تحتفل بيروت اليوم بصعود الراب عربياً والاحتفاء بنجوم المشهد الذين يتأقلمون بشكل غير مسبوق. يأتي هذا الاحتفاء من خلال حفل يضم فنانين من مصر، تونس، السودان ولبنان وينظم بمناسبة الذكرى الخامس عشرة لتأسيس الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)
صعود بالقوة
تقول ريما المسمار، المديرة التنفيذية لآفاق، في مقابلة مع رصيف22: "تمكن الراب من الصعود في المنطقة العربية خلال السنوات الـ10 أو 15 الماضية، كفن لديه هوية فريدة، وصوت مباشر يخرج من قلب الواقع المعاش. يشكل هذا الفن مضماراً لنوع من النقد الاجتماعي والسياسي والإنساني الذي لا نجده كثيراً في الأنماط الموسيقية السائدة.
فأهمية التعبير الإبداعي تكمن في قدرته على توسيع الحدود والدفع للمواجهة والنقد وطرح الأسئلة، كما في إيصال أصوات موجودة على الهامش. الراب لديه جميع هذه العناصر ولذلك من المهم الالتفات إليه والتفكير فيه كأداة لتطوير المجتمع وتقدمه، خاصة أنه يمتلك علاقة وثيقة مع الجمهور، وتمكن سريعاً من التقاط مخيلة جيل من المراهقين والشباب، وهو مؤشر إيجابي يسهّل انخراطهم في الأسئلة الاجتماعية الكبرى، وفي الوقت نفسه يساعد على التفاعل مع بيئات مختلفة من المنطقة العربية، لديها لهجات وهويات وأنماط فنية خاصة بها".
تدعم آفاق، منذ انطلاقها عام 2007، أفراداً ومؤسسات وكيانات من جميع البلدان العربية، وهي تستضيف بشكل دوري خبراء ومحكمين يحملون معهم تجاربهم وثقافاتهم المتباينة من المغرب والمشرق: "التعامل مع التنوع عملية راسخة في عمل المؤسسة، تجعل من فضائها منفتحاً على تجارب ومضامير عمل فني وثقافي، تسمح ليس فقط بسماع آراء مختلفة من المحكمين والخبراء، بل أيضاً فتح الباب لأسئلة لها علاقة بالعمليات الداخلية وسياسات الدعم التي نتبعها. من هم الذين تجذبهم المؤسسة ولماذا؟ ما الذي يقع خارج آليات الدعم؟ هل نساهم بدون قصد باغتراب أنواع معينة من الموسيقى، تمنع الفنانين من التواصل معنا؟
تمكن الراب من الصعود في المنطقة العربية خلال السنوات الـ10 أو 15 الماضية، كفن لديه هوية فريدة، وصوت مباشر يخرج من قلب الواقع المعاش. يشكل هذا الفن مضماراً لنوع من النقد الاجتماعي والسياسي والإنساني الذي لا نجده كثيراً في الأنماط الموسيقية السائدة
هذه الأسئلة تدفع أيضا لمساءلة البنى الإنتاجية لكل نمط فني وإمكانية أن يدخل في سياقات المأسسة. مثلاً، أنماط كالراب والهيب هوب والغرافيتي ترتبط بالتلقائية والتفلّت من الهيكليات السائدة، التي تجعل الإنتاج أسرع وأغزر أحياناً. لذلك لا يمكن دعمها بنفس الطريقة التي ندعم أنماط أخرى. إذن كيف نتعامل معها وهل يمكن الاستفادة من خصوصياتها في التعامل مع ممارسات فنية وثقافية أخرى؟ بالنسبة لآفاق ليست الأولوية إدخال الراب ضمن سياقات الدعم بالضرورة، بل أن نُبقي على تموضعه النقدي والسياسي الذي يساهم بتطوير المجتمعات العربية، ثم من بعد تحقيق هذا الهدف نفكر بكيفية دعمه بشكل مباشر.
مشكلة أفراد وليس مؤسسات
من الفنانين المشاركين في الحفل، هناك اثنان فقط مدعومان من آفاق سابقاً، هما اللبناني مازن السيد (الراس)، وهو الأكبر بالعمر بين المشاركين وصاحب التجربة الأطول، والثنائي دنيا وائل - الويلي: الأولى تكمل المسار الغنائي لفنانين مصريين خلال العقد الماضي مثل مي وليد، وآيا متولي في بداياتها، والثاني يعتبر من المنتجين الإلكترونيين الأكثر موهبة في مصر حالياً والذي يتعاون دورياً مع أبرز مغني الراب، كما يعتبر الوحيد تقريباً الذي استطاع إعادة الاعتبار للموسيقى الإلكترونية عند الجمهور، من خلال مقطوعات موسيقية ينتجها بشكل دوري.
تكمن أهمية التعبير الإبداعي في قدرته على توسيع الحدود والدفع للمواجهة والنقد وطرح الأسئلة، كما في إيصال أصوات موجودة على الهامش
بما يخص الأسماء الأخرى في اللائحة فيمكن القول ببساطة إنهم ليسوا بحاجة للدعم المباشر من قبل المؤسسة، بسبب امتلاكهم قاعدة جماهيرية تسمح بالاستثمار الفني وبالتالي تمويل عمليات الإنتاج والتوزيع تلقائياً. أبرز هؤلاء "ويجز" الأكثر جماهيرية اليوم في مصر، حيث تخطت بعض أعماله المئة مليون مشاهدة على يوتيوب. تضم اللائحة أيضا أسماء تمتلك جماهيرية كبيرة أيضاً، مثل السوداني "دافن شي" و التونسي "كاتيب".
كان يفترض أن يضم الحفل فنانين من فلسطين، هما الثنائي "الناظر" و"ضبور"، والمغربي "سنور"، لكن الشهادة التي تم نشرها قبل أسبوعين من قبل فاطمة فؤاد حول تعرضها للتحرش وتغطية مدير مؤسسة "معازف" على المتهم الأساسي بالقضية، دفعت إلى فك الشراكة مع المؤسسة، وأدت لحصول اضطراب في تنظيم الحفل الذي كان على وشك أن يتم تأجيله. في النهاية لم يحصل التأجيل، لكن الحفل خسر أسماء كانت ستشكل إضافة مهمة بالنسبة للجمهور.
بيان تأكيد الحفل
تؤكد المسمار على اتخاذ جميع الإجراءات في "ميدان" لتأمين أكبر قدر من الأمان للمشاركين والجمهور، "وهو ما كان سيحصل بكل الأحوال، مع الشهادة أو بدونها". نتحدث هنا عن وجود عناصر أمن موزعين في المكان، ومنصات تسمح للجمهور باللجوء إليها في حال حصول أي طارئ، وأفراد مدربين على التعامل مع أي حدث، إن كان تحرش أو عارض صحي أو حدث أمني: "نحن نقوم بكل ما علينا لكن هذا لا يعني أننا قادرون على منع الأحداث من الحصول نهائياً".
تؤكد المسمار أن "شهادة فؤاد دفعت إلى مساءلة جميع الهيكليات الموجودة ضمن المؤسسات الثقافية التي تسمح بحصول حدث من هذا النوع، وأن يمر بدون ملاحقة أو محاسبة الأشخاص المتورطين فيه: هناك أسئلة لها علاقة بمفهوم السلطة وكيف نتعاطى معها داخل المؤسسات الثقافية. من المهم أن يكون هناك آليات داخلية لمعرفة كيفية التعاطي مع أحداث هي قابلة للحصول في أي وسط وأي مكان".
وتتابع: "علينا أن نكون جاهزين وقادرين على الاستجابة بسرعة في حال عرفنا بها، وأن نطرح الأسئلة باستمرار عن المساحات التي بإمكاننا التحرك فيها بدون أن ننصب أنفسنا قضاة نطلق أحكام على الناس، أو نأخذ دور الجهات التي يحق لها المحاسبة. من ناحية أخرى، نحن حاولنا على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، بناء مؤسسات ودعم الحوكمة وتطوير الهيكليات التي تضمن المساءلة والنقد، كما تغيير الموجودين في الإدارة وعدم التصاق المؤسسات بالأفراد، بل إمكانية أن يكون لديها حياتها الخاصة واستدامتها. لذلك يجب أن ننتبه إلى أن أخطاء الأفراد يجب ألا تلغي دور المؤسسات التي يعملون ضمنها، والتي راكمت معرفة وإرثاً يجب المحافظة عليه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون