"لا أحبها. بشعة أليس كذلك؟ أنا لا أحبها، وحتى أمي لا تحب القطط"؛ تلفظت بهذه الكلمات فتاة مغربية وهي تعلّق على مشاهد قتل كلبتها هِرّةً صغيرةً، وثّقتها بكاميرا هاتفها، حتى بدا من خلال نبرتها أنها مستمتعة بذلك.
نشرت الفتاة فيديو هذه "الجريمة" على تطبيق إنستغرام، ليتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي. عبّر كثيرون عن استنكارهم لهذا الفعل، مطالبين الجهاز الأمني بتوقيفها ومتابعتها وسجنها جرّاء الجرم الذي اقترفته في حق حيوان أعزل، وهو ما حدث. بعد محاكمة لأشهر، أدانتها محكمة فاس الابتدائية بالسجن مع وقف التنفيذ شهرين وغرامة مالية، فما القصة؟
كل شيء انتهى...
تعود تفاصيل هذه الواقعة، إلى ليلة الأبعاء 27 نيسان/ أبريل 2022، حين انتشر مقطع فيديو لا يتعدّى 40 ثانيةً، كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، يُظهر فتاةً مغربيةً عشرينيةً، تتحدر من مدينة فاس، تسمح لكلبتها الشرسة بافتراس قطة صغيرة قدّمتها لها.
عبّر كثيرون عن استنكارهم لهذا الفعل، مطالبين الجهاز الأمني بتوقيفها ومتابعتها وسجنها جرّاء الجرم الذي اقترفته في حق حيوان أعزل
حرّضت الفتاة، كما يُظهر المقطع، كلبتَها "مالينا"، وبدت مستمتعةً وسعيدةً، بل منتشيةً بسلوكها هذا، إذ بدأت تصف مشهد مهاجمة كلبتها لقطة صغيرة وقتلها ببرودة. هذه الأخيرة وجدت نفسها عاجزةً ومحاصَرةً من طرف مفترسة لا ترحم في إحدى زوايا سطح منزل الشابة.
تظهر القطة الصغيرة في آخر المقطع جثةً ممزقةً، بينما تردّد الفتاة: "انتهى، لقد قتلتها يا مالينا"، و"هل تفكرين في أين ستلتهمينها؟".
أثار الفيديو امتعاضاً كبيراً واستياءً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ وُصف الأمر بأنه "جريمة مروعة ومشينة" تستحق العقاب.
تدخّل الشرطة
بعد انتشار هذا الفيديو الصادم، الذي يوثّق لجريمة وُصفت بـ"النكراء" في حق قطّة صغيرة، اعترت موجة غضب عارمة موقعَي فيسبوك وتويتر، إذ تداولت مجموعة من المدوّنين المغاربة هاشتاغ #السجن_لقاتلة_القطط، معربين عن سخطهم إزاء هذا المشهد العنيف، بالإضافة إلى التنديد بتوثيق تعذيب حيوان، صوتاً وصورةً، وطالبوا السلطات الأمنية بالتدخل.
كتب أحد الناشطين المغاربة، في تعليقه على الواقعة: "حرام عليك أن تحرّضي كلبتك على قطة صغيرة لتقتلها وتعذبها"، بينما علّق آخر بـ: "يا إلهي! حرَّضْت كلبةً على قطة لا يتجاوز عمرها أسبوعاً واحداً"، في حين تفاعل ناشط آخر مع الواقعة، قائلاً: "أن تقدّمي قططاً صغيرةً لكلبتك لكي تعذبها، وتقفي تتفرّجين مستمتعةً بذلك، يدلّ على أنك لست إنساناً، وليس في قلبك رحمة ولا شفقة"، فيما أضافت ناشطة أخرى: "إذا كانت القطة الصغيرة لا تقوى على الدفاع عن نفسها، فنحن سندافع عنها، ولا بد من معاقبة الفاعلة".
مطالب بسجن الفتاة "القاتلة"
فور تفجّر الواقعة، أطلق روّاد مواقع التواصل الاجتماعي حملةً تطالب السلطات الأمنية بالتدخل وفتح تحقيق في هذه الحريمة، ومعاقبة صاحبة الفيديو حتى تكون عبرةً لكل من تسوّل له نفسه تعذيب حيوانات أليفة وبريئة.
استحضر المدوّنون على مواقع التواصل الاجتماعي، الفصلين 601 و602 من القانون الجنائي المغربي، إذ إن الفصل 601 ينص على أنه "من سمّم دابةً من دوابّ الركوب أو الحمل أو الجر، أو من البقر، أو الأغنام، أو الماعز أو غيرها من أنواع الماشية، أو كلب حراسة، أو أسماكاً في مستنقع أو ترعة أو حوض مملوكة لغيره، يعاقَب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مئتين إلى خمسمئة درهم".
"أن تقدّمي قططاً صغيرةً لكلبتك لكي تعذبها، وتقفي تتفرّجين مستمتعةً بذلك، يدلّ على أنك لست إنساناً، وليس في قلبك رحمة ولا شفقة"
أما الفصل 602، "فيعاقب كل من قتل أو بتر بغير ضرورة أحد الحيوانات المشار إليها في الفصل السابق، أو أي حيوان آخر من الحيوانات المستأنسة الموجودة في أماكن أو مبانٍ أو حدائق أو ملحقات أو أراضٍ يملكها أو يستأجرها أو يزرعها صاحب الحيوان المقتول أو المبتور، بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وغرامة من مئتين إلى مئتين وخمسين درهماً. فإذا ارتُكبت الجريمة بواسطة انتهاك سياج، فإن عقوبة الحبس تُرفع إلى الضعف".
ونشرت مجموعة من الحسابات والصفحات صوراً للفتاة مع كلبتِها، مرفقةً بمعلوماتها الشخصية، داعيةً السلطات إلى اعتقالها وتوقيفها طبقاً للفصل 602 سالف الذكر، واتخاذ عقوبات مشدّدة في حقها.
"تصرّفي غباء منّي... أعتذر منكم"
"أنا مخطئة جداً، ولكن لا أحد يعلم خلفية هذا الفيديو، ولا الحقيقة كاملةً. انساق الكل وراء التعليق المرافق له"، هكذا بدأت تكشف الشابة صاحبة الفيديو تفاصيل تصرفها في تصريحات إعلامية، مضيفةً: "لا أحد يعرف ما وقع، والفيديو المتداول لم يكن كاملاً، بل أُخذ جزء منه فقط، إذ لا لم تتم مشاركة المشهد الذي كنت أوبّخ فيه كلبتي وأعاتبها".
قالت الشابة إنها اختارت الصمت وعدم التعليق على الأمر، غير أنها رأت أن الوضع يزداد سوءاً، وبعض الناس يقدّمون تأويلات للواقعة، من قبيل أن الشابة تكره القطط وتقدّمها فريسةً لكلبتِها وتتلذذ بتعذيبها، وأنها مريضة نفسية، مشيرةً إلى أن كل ذلك غير صحيح.
وردّت صاحبة الفيديو على هذه التأويلات الرائجة قائلةً: "كل ما في الأمر أن كلبتي تطارد القطط في الشارع وأخاف عليها، ولحل هذه المشكلة لم أجد طريقةً سوى جلب قط صغير إلى المنزل، لكي أخلق ألفةً بينها وبين الكلبة لتعتاد عليها"، لافتةً إلى أنها جلبته في اليوم نفسه الذي شاركت فيه هذا الفيديو، وهو ما جعله يبدو هزيلاً.
"كل ما في الأمر أن كلبتي تطارد القطط في الشارع وأخاف عليها، ولحل هذه المشكلة لم أجد طريقةً سوى جلب قط صغير إلى المنزل، لكي أخلق ألفةً بينها وبين الكلبة لتعتاد عليها"
وأكدت أن كلبتها ليست من الأنواع العدائية والشرسة، وإنما هي "اجتماعية" وتريد فقط اللعب واللهو، موضحةً في الوقت ذاته أنها قامت بإبعادها عن القط الصغير في البداية حتى تستأنس به، ولديها مقاطع فيديو تثبت ذلك، ومبرزةً أنها عندما أحست بأنهما بدآ يعتادان على بعضيهما، تركتهما وحدهما لقرابة عشر دقائق، وبعد عودتها وجدت القط مقتولاً لا يتحرك.
في سعيها إلى تبرير فعلتها، شدّدت الشابة على أن الخطأ الذي ارتكبته يكمن في تصوير الفيديو الذي يوثّق هذا الفعل ومشاركته مع متابعيها، والكلّ على حق بأن مثل هذا التصرف غير مقبول، وحتى هي لم يرُق لها، لذلك سارعت إلى حذفه من حسابها، لكنها تفاجأت بتداوله على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة وصفتها بـ"المستفزة"، بغرض خلق ضجة وحصد "اللايكات".
عبّرت مالكة الكلبة عن اعتذارها قائلةً: "هذا التصرف كان غباءً مني، وأعتذر منكم بشدة"، لكن اعتذارها قوبل بالرفض من طرف كثيرين، إذ عدّ المدوّنون والمغرّدون أن اعتذارها لن "يكفّر عن جريمتها"، وأن "تبريراتها غير مقنعة أيضاً".
في المقابل، لم تنفِ الشابة أنها لا تطيق القطط، إذ إنها قالت في تصريحاتها: "لا أتحمل القطط، وأخاف منها ولا أستطيع الاقتراب منها"، مؤكدةً: "هذه الواقعة يمكن أن تصالحني معها، خصوصاً أنني فتاة محبة للحيوانات".
بخصوص توثيقها لهذه الواقعة عبر مقطع فيديو، أفادت الشابة بأنها دأبت على تصوير كل الأنشطة التي تتعلق بكلبتها، وتشاركها على صفحاتها الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرةً إلى أن هذا هو المقصود من هذا الشريط الذي خلق ضجةً كبيرةً وتسبب لها في أزمة نفسية ومشكلات مع عائلتها ومحيطها.
فتح تحقيق في الواقعة
بعد اجتياح فيديو الواقعة لمواقع التواصل الاجتماعي، وارتفاع الأصوات المنادية بسجن صاحبته، إلى جانب تقديم شكاوى ضدها من لدن جمعيات تُعنى بالدفاع على الحيوانات، تفاعل أمن فاس مع هذه الواقعة، إذ أفادت وسائل إعلام مغربية بأن النيابة العامة أمرت بفتح تحقيق في القضية بعد "رصد شريط فيديو يتضمن معطيات صادمةً تخص استعانة الفتاة بكلب شرس من إحدى الفصائل الممنوعة تربيتها، وتحريضه من أجل قتل قط".
هذه الواقعة ليس الأولى من نوعها في المغرب، إذ إنها تعيد إلى الواجهة وقائع مماثلةً. ففي أواخر سنة 2020، انتشر مقطع فيديو يظهر شاباً يمسك بقطة صغيرة من أطرافها، وبدأ يلفها في الهواء مرات عديدةً، ثم أطلقها عالياً لتسقط على أحد الأسطح المجاورة، بينما تعلو ضحكات الحاضرين.
أثار هذا الشريط سخطاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ طالب ناشطون مغاربة بتوقيف هذا الشاب ومن معه ومعاقبته على هذا السلوك.
وقبلها بعام، أي سنة 2019، اهتزت مدينة أسفي على وقع حرق 40 قطاً، انتقاماً من سيدة كانت ترعاها، بعد خلاف نشب بينها وبين الجاني، الذي توبع قضائياً إثر ذلك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين