كانت الصورة الأولى التي وصلت لبطلة العدو المصرية بسنت حميدة عبر السوشال ميديا هي حركتها المبتهجة إذ استعانت بالجمهور الذي ملأ مدرجات المضمار في الجزائر، حيث فازت بميداليتين ذهبيتين عن سباقي 100 و200 متر عدواً، لتحقق أرقاماً جديدة في بطولة البحر المتوسط بالجزائر.
الفيديو الشهير الذي نقل البهجة إلى المصريين المتعطشين إلى انتصارات على أي صعيد، أيقظ تساؤلات تتصل بدور حضور الجماهير وتشجيعهم في التأثير الإيجابي على معنويات اللاعبين وآدائهم، وأعاد الحديث عن غياب الجمهور عن مدرجات الكرة المصرية في ظل إخفاقات كروية متتالية تشهدها الفرق المصرية على الصعيدين القاري والدولي خلال العام الجاري. فهل غياب الجمهور حقاً هو سبب تراجع الكرة المصرية؟ أم أنه مجرد شماعة يعلق عليها الفشل الذي راكمته أمراض أخرى؟
فيديو بسنت حميدة الذي نقل بهجة الاحتفال إلى المصريين المتعطشين إلى انتصارات على أي صعيد، أيقظ تساؤلات تتصل بدور حضور الجماهير وتشجيعهم في التأثير الإيجابي على معنويات اللاعبين وآدائهم، وأعاد الحديث عن غياب الجمهور عن مدرجات الكرة المصرية
سلسلة إخفاقات
عام الإخفاقات الكروية، هكذا أطلق عدد من الجمهور المصري على عام 2022، فما تزال أصداء هزيمة النادي الأهلي من فريق الوداد المغربي بهدفين مقابل لا شيء تلقي بظلالها، ففي 10 يونيو/حزيران الماضي، عقد مجلس إدارة النادي الأهلي مؤتمراً صحافياً تحدث خلاله عن تقصير الاتحاد المصري لكرة القدم في الرد على خطاب أرسله الاتحاد الأفريقي لكرة القدم الكاف لجميع الدول المشاركة لتنظيم نهائي دوري أبطال أفريقيا، وهو ما تسبب في خسارة الفريق.
وعقب خسارة الأهلي تعرضت مصر لخسارة أخرى زادت من حالة الغضب بين جماهير كرة القدم المصرية، عقب تلقي منتخب مصر هزيمة من نظيره الأثيوبي في التصفيات المؤهلة لبطولة كأس الأمم الأفريقية 2023، تبعتها هزيمة أخرى 4 مقابل 1 للمنتخب في مباراة ودية أقيمت بين مصر وكوريا الجنوبية في العاصمة سول، انتهت بإقالة المدير الفني للمنتخب المصري، إيهاب جلال، وأنهى النادي الأهلي عقد المدير الفني للفريق بيتسو موسيماني، لتعيد تلك النتائج للأذهان الإخفاقات التي تعرضت لها الكرة المصرية خلال الفترة الماضية ليصبح بحق عام 2022 عام الإخفاقات للكرة المصرية.
استعادة الجمهور
الحديث المستمر خلال الفترة الماضية سواء من إدارة الأندية المصرية، أو جماهير كرة القدم حول أهمية وجود الجماهير في المدرجات، ومدى تأثيرها بالسلب أو الإيجاب على معنويات اللاعبين، ونسبة خسارة مصر جميع مشاركاتها الدولية هذا العام إلى "وضع اللاعبين المصريين تحت ضغط جمهور الخصم"، كما حدث في نهائي بطولة الأمم الأفريقية، فبراير/شباط الماضي، والتي انتهت بخسارة مصر بركلات الترجيح، ليتكرر السيناريو في مارس/ أذار في العاصمة السنغالية داكار، ليخسر المنتخب المصري حلم الصعود لمونديال قطر 2022.
وحاولت مصر عقب المبارة استغلال تصرفات الجماهير السنغالية لإعادة المبارة، إلا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا رفض في مايو/أيار الماضي إعادة المبارة وفرض غرامة 180 ألف دولار على الاتحاد السنغالي، وإقامة مباراة رسمية مقبلة للسنغال من دون حضور الجماهير، "نتيجة الفشل في تنفيذ قواعد السلامة"، ووقع الفيفا غرامة على مصر بسبب "سوء سلوك" الفريق.
جاءت عقوبة الفيفا بحرمان المنتخب السنغالي من حضور الجماهير، مؤكدة على أهمية وتأثير الجماهير على الفريق.
شجع ذلك جماهير النادي الأهلي على تحميل مسؤولية فشل فريقهم في تحقيق لقب دوري أبطال أفريقيا على "تقاعس الاتحاد المصري لكرة القدم عن تقديم خطاب للكاف، يطلب استضافة مصر لنهائي دوري أبطال أفريقيا"
شجع ذلك جماهير النادي الأهلي على تحميل مسؤولية فشل فريقهم في تحقيق لقب دوري أبطال أفريقيا على "تقاعس الاتحاد المصري لكرة القدم عن تقديم خطاب للكاف، يطلب استضافة مصر لنهائي دوري أبطال أفريقيا"، ما كان – في ظنهم- يكفل المساندة الجماهيرية للأهلي على أرضه، خلافاً لقرارات الجهات الأمنية واتحاد الكرة بقصر الحضور الجماهيري في مصر على أعداد محدودة ومنتقاة من الجماهير، لا تتجاوز 5000 آلاف متفرج في مباريات الدوري المحلي فقط. ويبقى على اتحاد الكرة أن يتقدم للأجهزة الأمنية، في كل مرة، بطلبات للسماح بحضور عدد مماثل على الأقل في المباريات القارية المقامة على الأراضي المصرية
ووصل الأمر إلى تقديم النائبة ميرال الهريدي طلب إحاطة إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزير الشباب والرياضة تطالب فيه بمعرفة حقيقة تقاعس اتحاد الكرة عن طلب تنظيم نهائي دوري أبطال أفريقيا 2022 بمصر.
أسطورة غياب الجماهير
في 2020، خلال انتشار جائحة كورونا، التي أدت لغياب الجماهير نهائياً عن المدرجات، فاز الأهلي على الوداد في مباراتي نصف النهائي لبطولة دوري أبطال أفريقيا، بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدف في المغرب، وهدفين مقابل لا شيء في القاهرة.
في المقابل، أثبتت دراسة لجامعة ليدز البريطانية نشرت في 2021، أن توقف حضور الجماهير في ملاعب كرة القدم الأوروبية، أثرت سلباً على الفرق المضيفة (صاحبة الملعب)، ولكن ليس إلى حد خسارة جميع المباريات والتراجع الهائل في الآداء كما شهدت الملاعب المصرية.
يتشابه هذا مع تقرير نشر في 2019 نشرت عبر "دويتشه فيله" الألمانية بعنوان "لماذا يفوز لاعبي الكرة في ملاعبهم ويخسرون في الخارج".
اهتمت الأمم المتحدة بوضع الفساد في الكرة المصرية، الذي تتوالى التقارير الدولية عنه منذ 2011، لتعقد ورشة عمل خاصة بالتعاون مع الجهات الرقابية المصرية لمكافحة الفساد والحد منه في القطاع الرياضي في مصر، بدعم من الاتحاد الدولي لكرة القدم
يقوم التقرير على نتائج تجارب أجرتها مجموعة من الباحثين تحت إشراف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA، وراجع الباحثون نتائج ما يزيد عن ستة آلاف مباراة من الدوريات الأوروبية المحترفة، ووجدوا أن الفرق الضيفة (التي تلعب خارج ملاعبها ووسط غلبة عددية لجمهور الفريق المنافس) يحققون الفوز بنسبة 25% من المباريات فقط، بينما تصل نسبة فوز المستضيف إلى 50%.
ووفقًا للتقرير المنشور باللغة الإنجليزية في أغسطس/آب 2019، اعتبر الباحثون "السلوك الحيواني" للجماهير واللاعبين أحد أهم أسباب تلك النتائج، وأن "هرمون التستوستيرون، يتدفق بشكل أكبر كلما شارك اللاعبون في ملعبهم، وكأنهم يحمون بيوتهم في مواجهة عدو يسعى لاختراقها، وتظهر لديهم جدية وعدائية ورغبة في الفوز، ترتبط بشدة مع تشجيع الجمهور صاحب الأرض والهتافات المساندة للفريق التي لا تتوقف".
لمحة تاريخية
في مطلع فبراير/شباط 2012، شهد استاد مدينة بورسعيد بمصر أحداثاً دموية راح ضحيتها 74 من مشجعي النادي الأهلي خلال مباراة أقيمت بين فريق النادي الاهلي ونادي المصري، توقف على أثرها الدوري المصري، ثم عاد وتوقف مرة أخرى في 2015، نتيجة أحداث استاد الدفاع الجوي التي راح ضحيتها 22 من مشجعي نادي الزمالك خلال المباراة الثانية في موسم الدوري العام ذلك الوقت التي أقيمت بين نادي الزمالك ونادي إنبي.
"البرلمان يفتح ملف فساد اتحاد الكرة" عنوان يتكرر في الصحف والمواقع الرياضية المصرية منذ ما يزيد على 20 عاماً... يتغير رؤساء الجمهورية وقيادات الاتحاد وأعضاء البرلمان، ويبقى هذا العنوان ليطفو من حين لآخر من دون أثر يذكر
ثم توقف الحضور الجماهيري مرة أخرى منذ 2019 مع انتشار جائحة كوفيد 19 في دول العالم، واستمر الإغلاق لما يزيد عن العامين حتى أعلنت رابطة الاندية خلال مؤتمر صحافي عودة الجماهير للمدرجات. وقال أحمد دياب رئيس الرابطة إن الحضور هو 2000 لكل فريق، قبل أن تعلن زيادة العدد في مايو/ أيار الماضي ليصبح 5000 آلاف لكل فريق، وذلك عقب حالة الإحباط التي أصابت الشارع الكروي المصري نتيجة خسارة المنتخب لبطولة الأمم الأفريقية وخسارة المباراة الفاصلة المؤهلة لمونديال قطر 2022.
ركن أساسي من صناعة اللعبة
يرى الناقد الرياضي محمد البرمي أن الجماهير ركن أساسي في كرة القدم: "هناك وجهات نظر ترى أن الجماهير هي اللاعب رقم 12 في الملعب، بينما يرى آخرون أن الجماهير هي اللاعب رقم 1 بالنسبة لأي فريق أو منتخب، وهذا الخلاف يؤكد أهمية الجماهير بالنسبة لصناعة لعبة كرة القدم".
وقال البرمي لرصيف22: "هناك مجموعة من اللاعبين -خاصة في صفوف النادي الأهلي- بدأت تعتاد اللعب تحت ضغط جمهور الفريق المنافس في غياب جهورها، لكن المعتاد هو خسارة مصر معظم مبارياتها التي لعبتها في ظل غلبة عددية لجمهور المنافسين".
لكن للحقيقة وجهاً آخر
"البرلمان يفتح ملف فساد اتحاد الكرة" عنوان يتكرر في الصحف والمواقع الرياضية المصرية منذ ما يزيد على 20 عاماً، يتغير رؤساء الجمهورية وقيادات الاتحاد وأعضاء البرلمان، ويبقى هذا العنوان ليطفو من حين لآخر من دون أثر يذكر.
أحدث تلك المرات كان في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عندما بدأت لجنة الشباب والرياضة في البرلمان في طرح ما اعتبرت أنه "فساد ومجاملات في اتحاد الكرة المصرية" تمثل في اختيار مدربين وأجهزة فنية "بناء على علاقات شخصية ومجاملات"، وتحول الاتحاد إلى "مغارة خاصة" لرئيسه الأسبق هاني أبو ريدة مع اتهامات صريحة بأنه لا يزال يدير الاتحاد من وراء ستار حتى اللحظة.
انتهت الاستجوابات والأسئلة كالعادة إلى اللا شيء، ولم يتم اتخاذ أية إجراءات أبعد من التصريحات الصحافية، وذلك الاستدعاء البرلماني الوحيد، خاصة بعد تدخل وزير الشباب والرياضة للدفاع عن الاتحاد، في إشارة خفية للبرلمان برغبة السلطات في إغلاق هذا الملف.
وطفت تلك الاتهامات من جديد في يونيو/ حزيران المنقضي، بعد سلسلة من الهزائم المخزية للفرق المصرية – بما فيها المنتخب الرسمي-، لكن هذه المرة تبناها الإعلامي أحمد موسى المعروف بكونه لسان حال أحد الأجهزة الأمنية التي تدير الفضاء العام في مصر. وتلقف البرلمان الإشارة فعاود الهجوم على الاتحاد واتهامه بالفساد على لسان سليمان وهدان، وكيل مجلس النواب، الذي اعتبر أن "فساد اتحاد الكرة وصل إلى الأعناق" بعد أشهر قليلة من نفي وزير الرياضة وجود أي فساد بالاتحاد وإغلاق الملف – وقتها- برلمانياً.
في الوقت نفسه، اهتمت الأمم المتحدة بوضع الفساد في الكرة المصرية، الذي تتوالى التقارير الدولية عنه منذ 2011، لتعقد ورشة عمل خاصة بالتعاون مع الجهات الرقابية المصرية لمكافحة الفساد والحد منه في القطاع الرياضي في مصر، بدعم من الاتحاد الدولي لكرة القدم، في ديسمبر/ كانون الأول 2021، أي بعد شهر واحد فقط من نفي وزير الشباب والرياضة وجود أي فساد في الاتحاد.
ختام
تستمر الكرة المصرية وانديتها في الشكوى من غياب الجمهور، وتستمر التقارير الدولية والتساؤلات المحلية عن حجم الفساد والمحسوبية في إدارة اللعبة الأكثر إنفاقاً، والأكثر فشلاً في تحقيق البطولات في وقت يحقق أبطال الألعاب في الجماهيرية الانتصار تلو الآخر في البطولات القارية والدولية من دون أية مساندة جماهيرية تذكر، ليتجدد السؤال: هل غياب الجماهير حقاً هو سبب فشل الكرة المصرية؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع