يعتقد البعض أن "التقاليع الدرامية" التي تحدث في الأعمال الفنية هي جديدة مثل الأعمال القصيرة أو الأعمال متعددة الأجزاء، أو حتى الأعمال المشتركة أو المدبلجة أو المعرّبة، ولكنها في الواقع بدأت منذ سنوات طويلة، فالدراما السورية مثلاً قدّمت الأعمال القصيرة منذ السبعينيات، وحينها لم يكن يوجد موسم درامي في شهر رمضان، بل كانت بمثابة "موضة" في منتصف التسعينيات، وحتى الأعمال متعددة الأجزاء كانت موجودة منذ ذلك الوقت.
منذ التسعينيات، عرف الجمهور العربي الأعمال المدبلجة عن أعمال أجنبية، وتحديداً من الدراما اللاتينية، مثل "كاساندرا"، "ماريا مرسيدس"، "ماريا ابنة الحي"، "خوان الغول" وغيرها، واستطاعت هذه الأعمال أن تجعل الشوارع العربية فارغة خلال ساعة عرضها، مع أنها لم تحقق لا هي ولا نجومها أي شهرة إضافية في البلد الأصلي، وحتى الأعمال العربية المشتركة تعتبر قديمة جداً وتعود لبداية ظهور الدراما التلفزيونية، وكان يُستعان بالممثلين/ات السوريين/ات للعمل في لبنان والأردن وليبيا والإمارات، والعكس صحيح.
أما الدراما العربية فكانت تعتمد على النصوص الأصلية، أو حتى على الروايات التي يتم تحويلها لأعمال تلفزيونية، كمعظم روايات نجيب محفوظ، وكذلك الحال في الدراما السورية، مثل مسلسل "البيوت أسرار" المأخوذ عن رواية "ثم أزهر الحزن" لفاضل السباعي، حتى أن بعض الروايات أُخذت عن روايات عالمية، مثل مسلسل "جريمة في الذاكرة" المستوحى من رواية "الجريمة النائمة" لأغاثا كريستي.
منذ التسعينيات، عرف الجمهور العربي الأعمال المدبلجة عن أعمال أجنبية، وتحديداً من الدراما اللاتينية، مثل "كاساندرا"، "ماريا مرسيدس"، "ماريا ابنة الحي"، "خوان الغول" وغيرها، واستطاعت هذه الأعمال أن تجعل الشوارع العربية فارغة خلال ساعة عرضها، مع أنها لم تحقق لا هي ولا نجومها أي شهرة إضافية في البلد الأصلي
وكانت هذه "الصيحات" في عالم الدراما تغيب وتعود، حتى بدأت دبلجة الأعمال التركية منذ خمسة عشر عاماً.
الأعمال المدبلجة تحتفل بعيدها الخامس عشر
كانت افتتاحية دبلجة الأعمال التركية مع مسلسلي "نور" و"سنوات الضياع" في العام 2007.
ورغم نجاح الأعمال السورية وقتذاك، إلا أن هذه الأعمال حققت نجاحاً كبيراً يوازي وقد يتفوق حتى على الأعمال المحلية، وتوالت بعدها الأعمال عاماً تلو الآخر، واستطاعت اللهجة السورية أن تكسب انتشاراً إضافياً لأنها أصبحت اللهجة المحببة في الدبلجة، لاسيّما أنها مألوفة من خلال الأغاني والمسلسلات وغيرها من الأعمال الفنية من أيام مسرحيات، مثل "صح النوم" و"غربة" وغيرها من الأعمال التي جالت العالم العربي.
وكانت المحطات التلفزيونية تزداد وتبحث عن فرصة لملء برنامجها اليومي من خلال بث ساعات طويلة لا تنقطع لكسب حصة أكبر من المشاهدين/ات، وانتقلت من عرض البرامج الطويلة ذات التكلفة العالية إلى عرض الأعمال المدبلجة لأنها أقل تكلفة وجهداً حتى وبدأت تُفتتح الاستديوهات للدبلجة في الدول العربية، وأحياناً يتم دبلجة نفس العمل بلهجات عربية مختلفة إلا أن اللهجة السورية انتشرت أكثر.
في هذا السياق، قال الممثل السوري مالك محمد لرصيف22: "دبلجتُ العديد من الأعمال التركية ومنها مسلسل (وادي الذئاب) بشخصية (مراد علم دار) والتي حققت نجاحاً منقطع النظير، وتستمر هذه الأعمال لقرب البيئة التركية من العربية وكذلك العادات والتقاليد نوعاً ما، والتحفّظات الأدبية التي تناسب المجتمعات العربية، بالإضافة لوجود قصة وحكاية لاقت رواجاً ويمكن متابعتها".
عنصر الإبهار
استطاعت الأعمال المدبلجة من خلال قصصها ومواقع تصويرها المبهرة كقصر "نور ومهند" الذي أصبح واجهة سياحية كآيا صوفيا مثلاً، بالإضافة لجمال الممثلين/ات والإبهار في الموضة والأزياء أن تتفوق على العمل العربي الذي يعتمد التقنيات القديمة كما تراجع مستواه بعض الشيء مع بداية الثورات في المنطقة، وأثّرت العلاقات السياسية التركية-الخليجية-السورية على هذه الأعمال والتي توقفت على الشاشات العربية الضخمة.
استطاعت اللهجة السورية أن تكسب انتشاراً إضافياً لأنها أصبحت اللهجة المحببة في الدبلجة، لاسيّما أنها مألوفة من خلال الأغاني والمسلسلات وغيرها من الأعمال الفنية من أيام مسرحيات، مثل "صح النوم" و"غربة" وغيرها من الأعمال التي جالت العالم العربي
تعليقاً على هذه النقطة، قالت الصحافية آمنة ملحم لرصيف22: "مع توتر العلاقات السياسية بات الاتجاه من الدبلجة نحو التعريب لتحافظ شركات الإنتاج على جمهور تلك الأعمال والتي تعتبر وجبة جاهزة ومجرّبة المذاق، بدلاً من النصوص الجديدة التي قد تنجح وقد تفشل، مع الحفاظ على الشرط الفني العالي والتصوير بالأماكن نفسها ما يضمن لهم الربح والتسلية المنشودة".
وأضافت: "كما استطاعت أعمال المنصات القصيرة الاستحواذ على الاهتمام، استطاعت الأعمال المعرّبة حالياً أن تكون مطلوبة، لتوافر الشرط الإنتاجي الذي تفتقده الكثير من الأعمال المحلية، ووجود الوجوه المحبوبة والجديدة أيضاً".
هل الأعمال المعرّبة حديثة العهد؟
لا يمكن اعتبار الأعمال المعرّبة عن أعمال أجنبية قديمة، ولكنها ليست جديدة أيضاً، ففي العام 2010 مثلاً شاهدنا مسلسل "مطلوب رجال"، وهو عمل مشترك مقتبس عن عمل فنزويلي، ليأتي بعده مسلسل "روبي" المأخوذ عن مسلسل مكسيكي بنفس الاسم، ثم كرّت السبحة بعدها بأعمال معرّبة ومن درامات مختلفة حتى وصل بهم الأمر إلى الدراما الصربية وتعريب مسلسل "عهد الدم".
منذ ثلاثة أعوام، فتح مسلسل "عروس بيروت"، وهو النسخة العربية لمسلسل "عروس إسطنبول"، الباب أمام تعريب الأعمال التركية، بعد أن حقق نجاحاً كبيراً رغم إجماع الجمهور المحلي على أن القصة بسيطة، ووصفتها بعض الجهات على أنها أعمال تناسب بعض النساء اللواتي يقمن باعداد الطعام لعائلتهنّ، فيحتجن لمشاهدة مسلسلات للتسلية وليس للتركيز، وعُرِض بعده مسلسل "عالحلوة والمرة" المأخوذ عن مسلسل تركي لم ينجح أصلاً وتوقف عرضه، ويتم التحضير الآن لأربعة أو خمسة أعمال دفعة واحدة منها "حرب الورود"، "جنايات صغيرة"، "ألف ليلة وليلة" وغيرها، وقد تصل تكلفة إنتاج عمل معرّب إلى ما يعادل دبلجة خمسة أعمال دفعة واحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تعتمد بعض الأعمال العربية الأصلية على اتخاذ المدن التركية كمواقع تصوير للأعمال حتى لو لم تكن معرّبة، علماً أنه في السبعينيات كان المخرج السوري يلجئ إلى التصوير في اليونان مثلاً لتطور التقنيات والاستديوهات هناك.
ولكن اليوم مع وجود التقنيات وتقارب البيئة التركية من العربية، هل يوجد مبرّر؟
قال الممثل مالك محمد لرصيف 22: "قد تكون هذه الأعمال المعرّبة لأهداف تجارية ربما وهي للتسلية أيضاً، ولقد شاركت في مسلسل (بناية هب الريح 2) الذي صُوّر في تركيا بالتعاون مع ثلاث شركات تقنية قدّمت المعدات، وتقدّم تركيا تسهيلات كبيرة لجذب رؤوس الأموال"، مضيفاً بأنه في لبنان لا يوجد تسهيلات للممثل العربي فيما يخص السكن والإقامة، ولهذا السبب تم تصوير الجزء الثاني من العمل في تركيا بعد أن تم تصويره في لبنان لكثرة التسهيلات هناك.
فريش دولار وإقامة فندق وسياحة
يشهد الموسم الحالي هجرة الممثلين/ات السوريين/ات للعمل في الأعمال التركية المعرّبة أو حتى لتصوير الأعمال هناك كهجرة الطيور في الشتاء.
ويستمر تصوير هذه الأعمال لفترة زمنية طويلة تتجاوز الستة أشهر أحياناً، وتوفّر الشركات المنتجة الإقامة المجانية للممثلين/ات في الفنادق، كما أن تكلفة الحصول على تأشيرة دخول وتذكرة طيران وإقامة كلها تكاليف تتحمّلها الشركة أيضاً، بالإضافة لدفع الأجر بالدولار بعد أن أصبحت الدراما في سوريا ولبنان تدفع الأجور بالليرة أحياناً ولا تصل إلى مستوى الأجور في تركيا، ما يعتبره الفنان فرصةً للسياحة وللحصول على مبلغ مادي كبير لا يحلم به في بلده، خاصةً أن تركيا منعت السوريين/ات من دخول أراضيها دون فيزا وبشروط مجحفة.
وبالتالي، فإن تكفّل الشركة بكل هذه الإجراءات بات يشعر معظم الفنانين/ات بالرضا، فضلاً عن عرض الأعمال على أهم القنوات العربية وبأوقات الذروة، وهذا يعني شهرة عربية تفسح المجال أمام الفرص الكبيرة.
وبالرغم من أن الشروط قد تكون مجحفة أيضاً، كساعات التصوير الطويلة ومنع الممثلين/ات من السفر دون إذن الشركة، ولكن كثرة المغريات، في المقابل، تجعل الممثل/ة يغض الطرف عن الانتقادات اللاذعة ويعتبر أن مهنته تقتضي ذلك رغم مطالبات الجمهور بالحفاظ على صورته، من خلال تقديم الأعمال الهادفة التي تحاكي مشاكل وهموم الشعب.
في هذا السياق، قال الممثل مالك محمد: "تدفع المحطات أجوراً عالية للأعمال المعرّبة مع انخفاض واضح في أجور الأعمال المدبلجة، وما يمكن أن نأخذه عن المشاركة في عمل معرّب قد يمكن أكثر بخمسة أضعاف عن العمل المدبلج، وأخشى أن تختفي هذه المهنة بسبب جهل رأس المال في التعامل مع هذه المهنة".
يجد المخرج السوري نفسه اليوم أمام خياراتٍ ضئيلة من الممثلين الذين يقبلون العمل معه في مسلسل محلي، مثل المخرجة رشا شربتجي التي اعتذر عن المشاركة في مسلسها "كسر عضم" العديد من النجوم، مثل بسام كوسا، رشيد عساف، باسل خياط وغيرهم لانشغالهم بتصوير الأعمال في الخارج، وحتى الفنانة كاريس بشار وافقت على المشاركة في مسلسل "كسر عضم" بعد أن صادف توقف تصوير عملها التركي.
الخوف أن يذهب اجتهاد صنّاع الدراما في سوريا في اكتشاف الوجوه الجديدة أدراج الرياح مقابل الصعوبات المادية والمعيشية التي تجعل الممثل ما إن يولد في بلده حتى تصطاده الأعمال المشتركة والمعرّبة
من جهتها، قالت الصحافية آمنة ملحم: "يردّد الكثير من الفنانين عبارة أن التمثيل مهنة للعيش ويرون أن الأمر مبرّراً لاسيّما مع قلة الأعمال الدرامية المحلية، وهي حق في النهاية للفنان الذي اقتنع بالدور ولا يمكن مصادرة حريته في ذلك، وقد يكون ذلك مبرّراً فعلاً ولكنه هو من سيحصد النتائج فإما أن تكون مرحلة أو تستمر، ولكني منحازة للأعمال الهادفة ولا أنجذب يوماً للدراما التي لا تحمل فكراً وهدفاً، ولذلك هذا النمط الدرامي خارج قائمة مشاهداتي مع احترامي للجهود المبذولة".
وتابعت حديثها بالقول: "لا تُضعف الأعمال المعرّبة من الأعمال السورية المحلية، وإنَّ هذه الهجرة لمن اختارها ستفسح المجال لوجوهٍ جديدة لتحصل على فرص أفضل، وهذا ما يتجه إليه صنّاع الدراما اليوم من خلال تصدير الوجوه الجديدة".
باختصار، يشارك اليوم العديد من النجوم السوريين في تصوير الأعمال في تركيا مثل تيم حسن، كاريس بشار، باسل خياط، ديمة قندلفت، قيس الشيخ نجيب، سامر المصري، صباح الجزائري، محمود نصر وغيرهم، وحتى الأجيال الجديدة مثل لين غرة، بلال مارتيني، نور علي وأيمن عبد السلام، لديهم نصيب من هذه الأعمال أيضاً.
ولكن الخوف أن يذهب اجتهاد صنّاع الدراما في سوريا في اكتشاف الوجوه الجديدة أدراج الرياح مقابل الصعوبات المادية والمعيشية التي تجعل الممثل ما إن يولد في بلده حتى تصطاده الأعمال المشتركة والمعرّبة، كما كان يحصل في السابق حينما كان يصل الفتى إلى مرحلة البلوغ كانت ترسله تركيا إلى "سفر برلك".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون