موسم جديد من الدراما الرمضانية التي لا تنصف المرأة العربية بل تكرس النظرة النمطية الدونية إليها وتردد الألقاب والوصم المقترن بها في ثقافات شعبية مسيئة، ربما "لأن الجمهور عايز كدا".
وتتعاظم خطورة مثل هذا المحتوى المهين، والمحرض أحياناً، في ظل ارتفاع معدلات العنف ضد النساء في مختلف الدول العربية خلال فترة الحجر الصحي بسبب أزمة تفشي فيروس كورونا.
"برنس إهانة النساء"
كان لمسلسل "البرنس" المصري (بطولة محمد رمضان ونور) نصيب الأسد في الإساءة إلى المطلقات والأرامل والمتأخرات في الزواج. في أحد مشاهده جرت "معايرة" البطلة "علا" بحصولها على لقبي "أرملة ومطلقة" كأنهما "سبة وعار" في حوار استهجنه فريق كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وتكررت معايرة البطلة بفشلها مرتين في الزواج خلال عدة مشاهد، كما اتُهمت بأنها "خطافة رجالة" تحاول التأثير على البطل المتزوج للزواج بها. وهذه عيّنة من الأفكار المنتشرة في بعض المناطق من العالم العربي.
ومن المشاهد المسيئة كذلك، قول البطل لابنه الغاضب عقب إشكال مع شقيقته الصغرى واتهامه لها بأن "مخها تخين ومبتفهمش"، إن "الحريم كلها مخها تخين… حتى أمك مخها تخين".
وانتقد المذيع والناشط الكويتي شعيب راشد هذا المسلسل بشدة، مستنكراً تكرار توجيه عبارات مثل "أنت مش راجل أنت مرا، ودي مش تصرفات رجالة دي تصرفات نسوان" على سبيل الإهانة والتوبيخ خلال حلقاته. واستنكر اعتبار أن الخطأ ترتكبه النساء فحسب.
"جسد أرملة" و"فضلة رجال"
وصم المطلقة والأرملة تردد في عدة أعمال عربية أخرى، إذ تعرّض المسلسل الكوميدي الكويتي "السجن" للهجوم بعد مشهد لبطله حسن البلام يستخدم فيه تعبير "جسمه جسم أرملة" كسُبّة لأحد الرجال.
"المطلقة فضلة رجال/ الستات مخها تخين/ جسمه جسم أرملة لا رجال"... عبارات وردت في مسلسلات رمضانية عربية اتُهمت بـ"تحقير المرأة"، فيما يبدو محتواها المسيء أكثر خطورة في ظل ارتفاع معدلات العنف ضد النساء في الحجر المنزلي
وبرغم أن التعبير مستخدم في المجتمعات الخليجية، في إشارة إلى أن الأرملة "مربربة" أو زائدة الوزن، فإن توظيفه في إطار كوميدي يسهم في ترسيخه كلفظ "عادي"، في وقت يتم تكريس صورة الأرملة ككائن منقوص الصلاحيات ومليء بالعيوب، ولا بدّ من أن تفرح بتقرب الرجل منها، ولو جاء مهيناً (بحجة الشفقة أو على شكل منّة)، فهي "الضعيفة" التي لا يمكنها الدفاع عن نفسها.
وفي الحلقة الخامسة من مسلسل "أحوال الناس" الجزائري، ومحورها نظرة المجتمع للمطلقة، لا سيما لدى رغبة أحد العازبين في الزواج بها، استخدم الفنان محمد خساني لفظ "فضلة تاع رجال" لوصف المطلقة، في إشارة إلى أنها لا تصلح للزواج من شخص ذي أوصاف جيدة.
وكان مسلسل "أم هارون" الذي وجهت إليه اتهامات واسعة بـ"التطبيع" قد اتُّهم في الوقت نفسه بتصوير المرأة العربية الخليجية نمامة وحسودة ومؤذية وكسولة وحقودة، ناعتاً إياها بكل صفات الشر والدناءة على حساب تلميع بطلته اليهودية. وهذا ما أثار غضب معلقين كثر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ووقع مسلسل "مخرج 7" السعودي في فخ "السخرية من تمكين المرأة السعودية حين عدّها زوجة ساذجة وابنة متهورة ومديرة متسلطة تنفس عن ضعفها بالبيت"، وفق الكاتبة والصحافية السعودية حليمة مظفر التي أكدت أن هذا المسلسل "لا يخدم الوعي" ولا يجاري المتغيرات التي أدخلت حديثاً على المجتمع.
اللافت أن أبطال المسلسل السعودي كانوا قد بادروا إلى تقديم "إعلان توعوي" على صلة بأزمة تفشي كورونا، ركّز على أن النساء "أقل التزاماً بالإجراءات الحكومية الاحترازية، وأقل احتراماً للقوانين، وأكثر احتمالاً لنشر الوباء".
وفي إحدى حلقاته، ينهر شقيق خارج للتو من السجن شقيقته لتقوم بتحضير الطعام له بدلاً عن الاستمرار في المذاكرة لطفلتها، ويتجه إلى الطفلة ناصحاً: "لا تتعبين روحك (بالمذاكرة) ثاني ثانوي بس وبتتزوجين".
اليمن... غير مسموح بالخروج عن "العرف"
على النقيض تماماً، حدث بعض التطور الإيجابي على الدراما الرمضانية في اليمن هذا العام بظهور فنانات في أدوار متنوعة تعكس جوانب من مشكلات المرأة اليمنية وبعض تطلعاتها. قوبل هذا الوضع المستجد بالرفض والتشدد الواسعين من قبل الرافضين للخروج عن "العرف".
تعرضت الممثلة اليمنية شيماء محمد للتهديد بالقتل من قبل ذويها، بسبب مشاركتها في مسلسل "غربة البن2"... تذرّع هؤلاء بأن في مشاركتها "إهانة وتدنيس لعرضهم وشرفهم"
وأثار ارتداء الممثلات ملابس ملونة في أعمال رمضانية تعرض على الشاشات اليمنية غضب بعض المتشددين الذين وصفوا ذلك بـ"العري والفجور"، داعين إلى اعتماد تصرف حازم ضد ذلك.
في المقابل ندّدت ناشطات نسويات بـ"مجتمع اللون الواحد"، في إشارة إلى عدم السماح للمرأة اليمنية بالخروج إلا مرتديةً العباءة السوداء.
بالتزامن، تعرضت الممثلة اليمنية الشابة شيماء محمد للتهديد بالقتل من قبل ذويها بسبب مشاركتها في مسلسل "غربة البن 2". وتذرعت قبيلتها بأنها من "آل الرميمة" مطالبة بوقف عرض المسلسل باعتبار مشاركتها فيه "إهانة وتدنيساً لعرضهم وشرفهم"، بل ذهبوا إلى المطالبة بالقبض على زوجها بعدما "سمح" لها بالتمثيل.
وبرغم أن أفكاراً مهينة للمرأة وردت في العديد من الأعمال الدرامية المعروضة حالياً أو قد ترد مع تطور أحداثها، ثمة أعمال، وإن قليلة، تدعم قضايا المرأة، مثل المسلسل اللبناني "بردانة أنا" الذي يعالج قضية العنف ضد المرأة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...