تضم جغرافيا إيران ذات الـ85 مليون نسمة قوميات عدة تعيش منذ قرون في أنحاء البلاد، فيما تختلف في أداء طقوسها وتقاليدها في المناسبات الوطنية والدينية وغيرها، لتشكل لوحة حضارية وفنية من طبيعة بلاد فارس الحاضنة لأعراق مختلفة منها العربية والتركية والكردية والبلوشية إلى جانب الفارسية.
في هذا المجال نشرح أبرز عادات الإيرانيين في أيام عيد الأضحى، التي مازالت بعضها تقاوم النسيان والبعض الآخر منها قد انطوت في صفحات التاريخ.
قوقون وقربان شور تقاليد تركمانية
التركمان إحدى القوميات الإيرانية التي تعيش في شمال البلاد، وهم على المذهب السني الحنفي حیث يعظمون هذا العيد الذي يعتبر عيداً دينياً وتراثياً بالنسبة لهم من خلال سلسلة تقاليد تقام على مدار أيام العيد.
تضع أسرة الحاج الذي ذهب إلى طواف بيت الله، أعلاماً صغيرة الحجم في ليلة العيد باللونين الأبيض والأخضر فوق جدران منزل الحاج كي يكون واضحاً للمارة، وذلك دلالة على أن رجل هذه الدار قد أصبح حاجاً، فتأتي الجموع مهنئة بعد عودته
يطلق التركمان على الثامن من شهر ذي الحجة القمري، يوم "كُر"، حيث يقومون بتنظيف المنازل وتجهيزها بغية استقبال المعايدين. أما اليوم الذي يسبق العيد أي التاسع من الشهر نفسه فهو يسمى "قوقون" والمخصص لإعداد الحلوى والخبز المحلي وتوزيعه بين أهالي الحي، وتملأ رائحة الكعك والحلوى التقليدية الأحياء السكنية بهذا اليوم.
وفي صبيحة العيد هناك عادة أخرى تستوقف التركمانيين قبل خروجهم من المنزل لإقامة الصلاة والمعايدة، وتسمى "قُربان شور"، ويختص هذا الطقس بالنظافة الشخصية، حيث يغتسل كلٌّ من أفراد الأسرة على ذكرى تغسيل النبي إسماعيل ليقدم قرباناً لوجه الله، ويتزامن هذا الغسل ما قراءة أشعار تراثية للتسلية.
ويتستمر المعايدة لثلاثة أيام متتالية تبقى فيها موائد العيد مفروشة بالبيوت بكل ما فيها من مكسرات وحلوى وزبيب وخبز شعبي يسنى "بيشمه" و"تشاباتي".
وتشكل لعبة المرجوحة لدى هذه القومية أهمية بالغة دينياً، حيث يسود معتقد أن ممارسة لعبة المراجيح في يوم عيد الأضحى من قبل الفتيان والفتيات والصبيان والصبايا تزكي الإنسان وتذهب بالخطايا.
إعداد الخبز يساوي ثوابَ حجّ بيت الله
أما في غرب البلاد حيث القومية الكردية التي تشكل 10 بالمئة من سكان إيران، بينهم السنة والشيعة والمتصوفة، فقد توارثت الأجيال تقليداً ينالون فيه أجرَ من طاف بالمكة المكرمة، حيث تجهز النساء معدات الخبز من الدقيق والماء والملح وغيرها، ويضعنها تحت غطاء لثلاثة أيام دون الكشف عنها، وفي اليلة الأخيرة التي تصادف ليلة العيد يتمّ الكشف عنها وإعداد الخبز، وبهذا تكون الأسرة قد نالت مرادها. وهذا الطقس هو من أشهر تقاليد الكرد القديمة.
يتناول الأكراد وجبة غداء يوم العيد في بداية الصباح بدل الفطور وفق عادتهم التاريخية، ومن ثم يتهيأون للمعايدة وزيارة منازل الأقرباء والجيران. كما أن مراسيم قرع الدفوف الجماعي هي من أبرز التقاليد التي يمارسونها في صبيحة عيد الأضحى بشتى المناطق الكردية الإيرانية. ويذهب الأكراد إلى المقابر لزيارة ومعايدة المتوفين حديثاً.
وتنتظر الأسر الكردية عيد الأضحى كي تثقب أذن الأطفال والصبايا للحلي، فيبدو أن الأمر مقدس في هذا اليوم، أما العروسات فينتظرن تقديم خروف أبيض مزين بقطعة قماش خضراء من قبل عائلتها أو عائلة زوجها.
يعدّ أهالي مدينة كرمانشاه طبقاً شعبياً من لحم الأضاحي ويطلقون عليه اسم "نُوَاله"، وعند إعداده يتم قراءة الأدعية كي يكون مباركاً، ومن ثم يعزلون العظام من اللحم ويوزعونه برفقة الخبز.
توزيع حلوى "عرفات"، تعتبر من أظهر تقاليد مدينة قصر شيرين الكردية التي مازالت مستمرة حتى الآن، وهي حلوى مكونة من الدقيق والتمر والزبدة، ولم ينس صناعها قراءة الأدعية أثناء إعدادها.
أعلام فوق بيوت الحجاج
ينفردون العرب في إيران عن باقي سكان البلاد بتقليد محلي قديم يأبى النسيان: تضع أسرة الحاج الذي ذهب إلى طواف بيت الله، أعلاماً صغيرة الحجم في ليلة العيد باللونين الأبيض والأخضر فوق جدران منزل الحاج كي يكون واضحاً للمارة، وذلك دلالة على أن رجل هذه الدار قد أصبح حاجاً، فتأتي الجموع مهنئة بعد عودته.
وتكون الأعلام بعدد أفراد الأسرة وتبقى تزين بيوت الحجاج لفترة طويلة، كما يتم رفع الأعلام وفق طقوس يحضرها أقرباء الحجاج، ويسود أهالي الأهواز في جنوب غربي إيران معتقد بأن الأعلام تجلب البركة لمنزل الحاج الجديد متفائلين بذهاب بقية أفراد الأسرة لحج بيت الله. وتبقى الأعلام علامة بارزة للمتعففين والمحتاجين من الجيران والمارة كي ينالوا حصة من الأضاحي.
وفي مدينتي دزفول وشوشتر الواقعتين في محافظة خوزستان، جنوب غربي إيران، تأخذ مراسيم رفع الأعلام طقوساً خاصة يشارك فيها جميع أفراد أسرة الحاج وأقرباؤه في ليلة عيد الأضحى، ويحمل عنوان "بيرق زَنون" أي رفع الأعلام.
وتضم التقاليد طقساً نسائياً في بيت الحاج، تشكل فيه النساء دائرة، ويمسكن بالأعلام التي سترفع بعد قليل، ويباشرن بالغناء والرقص التقليدي، وقراءة أناشيد في وصف المسجد الحرام والحاج والأضاحي، كما ترتدي والدة الحاج وزوجته ثياباً باللون الأخضر، ليتميزا عن بقية النساء المتواجدات.
وعند وضع الأعلام على عتبة منزل الحاج يجتمع الرجال والنساء في فناء البيت أو فوق سطحه، ويبدأون بـ"شاووشي خواني" أي قراءة الأناشيد في مديح الإمام علي بن أبي طالب، وتمنيات بحج مقبول وسعي مشكور، ويرفعون الصلوات على محمد وآله، وترافق هذه الأناشيدَ زغاريدُ النساء.
أما الأتراك الآذريون، وهم ثاني قومية إيرانية بعد الفرس، فعلاوة على تنفيذ الآداب المستحبة بعيد الأضحى من تقديم الأضاحي وإقامة الصلاة، يرتكز اهتمامهم بإعداد طبق شعبي من تراث الأتراك باسم "كوفته"، وهو عبارة عن كرات لحم مفروم مع الأرز ومكونات آخرى، كما يحرص سكان شمال غربي البلاد على تقديم الهدايا كاللحم والثياب والأرز إلى العروسات في هذا اليوم.
لعبة الأرجوحات وسيلة قضاء الحوائج
وليس بعيداً عن القومية التركمانية في شمال البلاد، يمارس بعض سكان مدينة أُرومِيه التركية، لعبة المرجوحة المقدسة بيوم عيد الأضحى. هذه اللعبة لا تقتصر هنا على الصغار فحسب، بل یمارسها الکبار من النساء والرجال لما لها من دور في تطهيرهم من الذنوب، وفق معتقدهم.
وفي مدينة بُرازجان الواقعة جنوب إيران، تنحصر لعبة المراجيح على الرجال فقط، ولا ينسى اللاعبون الدعاء لقضاء حوائجهم من الله أثناء ممارسة اللعبة في يوم العيد.
بالنسبة للقومية الفارسية فلا توجد طقوس مشهورة سوى تقديم الأضاحي وإقامة الصلاة، حيث أن الأضحى بالنسبة لهم هو عيد ديني شأنه شأن عيد الفطر، الذي لا يحظى بأهمية بارزة كعيد النوروز لديهم
يطلق البلوش تسمية "مزنيين إيد" على عيد الأضحى، ما تعني العيد الأكبر، وتمارس النساء طقوس نقش الحناء على كفوف الأيادي والأقدام في ليلة العيد فرحاً بقدوم عيد الحجاج. وتحتفل القومية البلوشية السنية التي تسكن شرقي إيران بالأضحى لثلاثة أيام متتالية عبر طقوس صلة الأرحام ومعايدة الكبار والأقارب، مرتدين بذلك أزياءً حديثة بلوشية.
وتنتعش الأسواق المحلية في محافظة سيستان وبلوشستان المحاذية لباكستان بتواجد السكان لشراء حاجيات العيد من ثياب جديدة ووسائل الزينة وتعطير المنازل والمساجد والحلويات قبل أيام العيد.
وبالنسبة للقومية الفارسية فلا توجد طقوس مشهورة سوى تقديم الأضاحي وإقامة الصلاة، حيث أن الأضحى بالنسبة لهم هو عيد ديني شأنه شأن عيد الفطر، الذي لا يحظى بأهمية بارزة كعيد النوروز لديهم، وهو العيد الوطني الذي يمتد لفترة أسبوعين بين عشرات من التقاليد والطقوس التي تحرص الأسر الفارسية على القيام بها بشكل جدي والمحافظة عليها على مدى الأزمنة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 22 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت