شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"تداعيات خطيرة وطويلة الأمد"... 16 دولة عربية تُشرعن التمييز ضد المرأة في قوانين الجنسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 7 يوليو 202212:18 م

لم تتخيل السيدة الأردنية ثريا أن زواجها من رجل مصري سيواجه الكثير من المتاعب المتعلقة بالعمل والإقامة للزوج، ولاحقاً التعليم والعمل والتنقل للأبناء.

تعرض الزوج المصري للسجن ذات مرة بسبب "العمل بدون تصريح"، وأُخرج بكفالة دفعتها ثريا. وعمل الزوج والابن لسنوات بدون تصريح وكانا مهددين بالترحيل حتى أُدخلت بعض التعديلات القانونية عام 2014.

ولا تجد الزوجة الأردنية أي جهة لتمويل تعليم ابنها الجامعي، لأنه يدرس على نفقتها الخاصة. كما يواجه الأبناء صعوبة في الحصول على جوازات سفر أردنية وفي السفر للخارج.

تتقاطع قصة ثريا كثيراً مع المواطنة اللبنانية عليا المتزوجة من رجل فلسطيني والتي تقول إنها تعاني "العنف النفسي والاضطهاد منذ عقود".

تقول عليا إن ابنها مُنع من الانضمام إلى فريق رياضي في مدرسته لأنه "أجنبي" برغم براعته، فيما ابنتها الكبرى المتخرجة من إحدى الجامعات المرموقة تكافح لتؤمّن لنفسها مساراً مهنياً يلائم طموحها. علاوة على عدم إمكانية توريث ممتلكاتها لأبنائها بسبب جنسية الأب الفلسطينية.

نظراً لصعوبة الحياة في لبنان بدون الحصول على الجنسية، اضطر نجل عليا الأكبر للهجرة إلى أوروبا وابنتها للهجرة إلى الخليج "بحثاً عن كرامتهما"، كما تقول، وهو ما حرمها من فرصة العيش مع ولديها في مقتبل عمرهما.

كل ما تمر به ثريا وعليا، ومثلهما آلاف وربما ملايين النساء العربيات، سببه قوانين الجنسية التمييزية والتي لا تمنح المواطنة حقاً متساوياً مع الرجل في تمرير جنسيتها لزوجها وأبنائها.

أزمة متفشّية في المنطقة العربية

يُشير أحدث تقرير لمنظمة Equality Now، وهي منظمة دولية غير حكومية تُعنى بحقوق الإنسان وحماية حقوق النساء والفتيات وتعزيزها حول العالم، إلى أن ربع دول العالم لا تزال لديه قوانين جنسية تمييزية تحرم المرأة من نفس حقوق الجنسية التي يتمتع بها الرجل، بما في ذلك 17 دولة عربية. 

بعد أربع سنوات من مصادقة جامعة الدول العربية على الإعلان العربي حول "الانتماء والهوية القانونية"، الذي يوصي بالقضاء الشامل على التمييز بين الجنسين في قوانين الجنسية، لا تزال منطقتنا تسجل أعلى نسبة لقوانين الجنسية التمييزية ضد مواطناتها

وثّق التقرير استمرار التمييز الجنسي في قوانين الجنسية في 49 دولة تمثل 25% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

بعد أربع سنوات من مصادقة جامعة الدول العربية على الإعلان العربي حول "الانتماء والهوية القانونية" في تونس، وهو إعلان رائد يوصي بالقضاء الشامل على التمييز بين الجنسين في قوانين الجنسية، لا تزال دول المنطقة تسجل أعلى نسبة من قوانين الجنسية التي تميز على أساس الجنس. علماً أن 19 دولة حول العالم حققت تقدماً ملحوظاً في هذا السياق.

رغم إعلان الحكومات العربية مراراً وتكراراً التزامها اتخاذ خطوات نحو إلغاء مثل هذه القوانين التمييزية، فلم تترجم العديد من هذه الوعود وأحياناً القرارات والإجراءات المتخذة إلى واقع وأفعال، ما يُسهم في استمرار معاناة ملايين النساء وأسرهن.

مقارنةً بمناطق أخرى من العالم، تحتفظ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكبر قدر من قوانين جنسية التي تميّز ضد المرأة، بما في ذلك في البحرين ومصر والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وسلطنة عمان وقطر والسعودية والسودان وسوريا وتونس والإمارات واليمن وإيران.

عالمياً، تُمنع النساء من نقل جنسيتهن إلى أطفالهن في 28 دولة، ويُمنعن من نقل جنسيتهن إلى أزواجهن في 46 دولة.

ما خطورة هذا التمييز؟

وفق تقرير Equality Now، "تنبع قوانين الجنسية التمييزية من القوالب النمطية الضارة للنوع الاجتماعي وتعززها، وتستند في المقام الأول إلى الأدوار الأبوية المحددة التي توكل إلى النساء والرجال"، ما من شأنه أن يخلّف "تداعيات خطيرة وطويلة الأمد".

"عانيت ومعي ابنتيّ وابني. والآن، اضطر اثنان منهم إلى الهجرة بحثاً عن ‘وطن‘ يقدر كفاءتهما وإنسانيتهما… أشعر بالذنب لأنني جلبت أطفالي لهذا العالم لأنني لم أتمكن من منحهم جنسيتي"

يؤثر حرمان المرأة من الحق في تمرير جنسيتها إلى زوجها وأبنائها على عدة أصعدة إذ قد يقيّد حق الأفراد في الزواج، والحصول على أوراق ثبوتية بما في ذلك شهادة ميلاد، وخلق أجيال من الأطفال العديمي الجنسية الذين لا يُعترف بمواطنتهم من أي بلد ويحرمون تبعاً لذلك من إمكانية المطالبة بأية حقوق أساسية أو حماية قانونية وما إلى ذلك.

قد يدفع هذا التمييز أيضاً إلى وقوع المرأة في شراك زواج مُؤذٍ واضطرارها للاستمرار في العلاقة لأن جنسيتها أو جنسية أطفالها تعتمد على زوجها. ينطبق ذلك على البلدان التي تُجرد المرأة من الجنسية المُكتسبة عن طريق الزواج لدى فسخ العقد أو وفاة الزوج.

بعض قوانين الجنسية التمييزية تحرم الأم من المطالبة بحضانة أطفالها لدى انهيار الزواج. كما تتسبب في ازدهار الممارسات الضارة مثل الزواج المبكر والقسري. أحياناً، تُضطر العائلات إلى تزويج أطفالها، بخاصة الفتيات، للحصول على وضع قانوني يحميهم/ن من الترحيل وانعدام الجنسية والمزيد من الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية.

وعادةً، يُحرم الأشخاص الذين ليست لديهم جنسية البلد المقيمين فيه من الحصول على خدمات طبية أو تعليمية ممولة من الدولة، ويُقيَّد وصولهم إلى الوظائف والفرص الاقتصادية والخدمات المالية. ويُحظر في بعض الدول توريثهم أو تسجيل الممتلكات الشخصية باسمهم.

كذلك، قد  يواجه الأفراد قيوداً على حريتهم في التنقل والحصول على جواز سفر، ما قد تترتب عليه صدمات الانفصال القسري، أو الخوف من ترحيل الأطفال والأزواج.

وتكون المعاناة أشد بالنسبة للنساء من أقليات قومية أو عرقية أو دينية أو لغوية، مثل النساء من مجتمع الميم عين والمهاجرات واللاجئات. أحياناً تكون هناك "سياسات وممارسات متعمّدة" ضمن قوانين الجنسية التمييزية ضد هذه الفئات الهشّّة.

أبرز مظاهر التمييز في قوانين الجنسية العربية

وتشرح ديما دبوس الممثلة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في Equality Now أوجه التمييز في قوانين الجنسية العربية. تقول: "بينما ينص الإعلان الدستوري السوداني المؤقت لعام 2019 على أنه ‘لكل شخص مولود لأم أو أب سوداني حق غير قابل للتصرف في التمتع بالجنسية والمواطنة السودانية‘، إلا أنه لا يمكن للأم غير المتزوجة نقل جنسيتها إلى أطفالها، ويجب أن تمر الأمهات بعملية طويلة للحصول على الجنسية لأطفالهن".

تنبع قوانين الجنسية التمييزية من القوالب النمطية الضارة للنوع الاجتماعي وتعززها، وتستند في المقام الأول إلى الأدوار الأبوية المحددة التي توكل إلى النساء والرجال ما من شأنه أن يخلّف تداعيات خطيرة وطويلة الأمد

وتتابع دبوس أن الأردن لم يقترح تعديلات تضمن حق الأمهات في نقل جنسيتهن إلى أزواجهن أو أطفالهن، واكتفت حكومته بمنح بعض الامتيازات والمزايا لأبناء الأمهات الأردنيات المتزوجات من أجانب في عام 2014. وهي "إصلاحات نظرية، لا يزال الأطفال يواجهون صعوبات من الناحية العملية للحصول عليها"، في رأيها.

لا يختلف الأمر كثيراً في مصر إذ "لم يتطرق قانون الجنسية لعام 2018 للأحكام التمييزية بين الجنسين، ولا تزال النساء غير قادرات على نقل جنسيتهن إلى أطفالهن وأزواجهن على قدم المساواة مع الرجال"، وفق دبوس.

وفشل لبنان في اعتماد أي من مشاريع القوانين الـ 12 المقترحة بين 2018 و2020 لحل أزمة التمييز في قوانين الجنسية. علماً أن لبنان والأردن يعتبران قوانين الجنسية مسألة تتعلق بالأمن القومي وليس بحقوق الإنسان.

دعوة إلى "مراجعة وتعديل ومواءمة التشريعات"

وفي ختام تقريرها، شددت Equality Now على أن "لكل فرد الحق في أن يولد بجنسية وأن يتمتع بحقه الإنساني في اكتسابها أو تغييرها أو الاحتفاظ بها أو منحها على قدم المساواة، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي"، مطالبة بتمكين جميع النساء، بغض النظر عن هويتهن الجنسية وتوجههم الجنسي وحالتهن الزوجية وأمومتهن، من تمرير الجنسية لأطفالهن وأزواجهن.

وتضيف أنطونيا كيركلاند، مسؤولة برامج المساواة القانونية في المنظمة: "أكدت الحكومات على الحق الأساسي في المساواة بين الجنسين في المعاهدات الدولية والإعلانات والدساتير المحلية. ويُعدّ حرمان المرأة من حقوق الجنسية المتساوية مع الرجل شكلاً واضحاً من أشكال التمييز على أساس الجنس، وهو انتهاك لحقوق الإنسان يتعارض مع القانون الدولي".

وتختم: "تدعو Equality Now جميع الحكومات التي لديها أحكام قانونية للجنسية تمييز على أساس الجنس إلى مراجعة وتعديل ومواءمة تشريعاتها بحلول عام 2030 لضمان الاتساق بين القوانين واللوائح ذات الصلة، مع معاملة جميع النساء والرجال بمساواة وإنصاف".

وبينما تنتظر اللبنانية عليا هذا الإنصاف، تقول بمرارة: "لا أستحق التعرض لهذه المعاناة كامرأة عملت مربيةً مدة 22 عاماً. عملت بجد واجتهاد من أجل بناء بلادي من خلال مساري المهني طوال حياتي في التعليم، إلا أن الحكومة كافأتني بالظلم والقهر والعنف. عانيت ومعي ابنتاي وابني. والآن، اضطر اثنان منهم إلى الهجرة بحثاً عن ‘وطن‘ يقدر كفاءتهما وإنسانيتهما… أشعر بالذنب لأنني جلبت أطفالي لهذا العالم لأنني لم أتمكن من منحهم جنسيتي". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard