شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"بدّي وطن"... المرأة اللبنانية تنتظر الكثير من البرلمان القادم وتخشى الخذلان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والنساء

الثلاثاء 26 أبريل 202201:20 م

فيما تقترب الانتخابات النيابية المقررة في 15 أيار/ مايو 2022، تتعدد تطلعات مديرة منظمة أبعاد الهادفة إلى تعزيز الشراكة بين الجنسين في لبنان غيدا عناني من البرلمان القادم.

كمواطنة لبنانية، تأمل في أن يكون التمثيل البرلماني شاملاً بحيث يكون كل نائب في البرلمان: أولاً، معنياً بهموم وهواجس وحقوق كل مواطن/ ة لبناني/ ة بغض النظر عن الطائفة والتوزّع الجغرافي وأي معايير ديموغرافية أخرى؛ وثانياً، همّه الوطن وإعادة بناء لبنان، وبناء نموذج جيّد للتعايش بين كافة الطوائف والمجموعات.

وكسيدة لبنانية، تتمنى عناني أن يكون لدى النواب/ النائبات القادمين/ ات التزاماً حقيقياً بمراجعة القوانين وإصلاحها وتفعيل الدستور وتحقيق العدالة القانونية والحقوقية، وتأمين الحماية الاجتماعية والتعليم، إلى آخره، حتى يصبح المجتمع قائماً على أعمدة ثابتة وراسخة.

أما كناشطة نسويّة، فترى أن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ينبغي على نواب ونائبات الشعب أن يضمنوا للنساء تمثيلاً عادلاً في كافة الوظائف الإدارية الدنيا والعليا ووقف التمييز ضد المرأة وضمان وصول عادل لها إلى الفرص على أساس الكفاءة والاستحقاق.

وتتطلّع عناني على نحو خاص إلى ظهور نائبات مستقلات يمثلن نموذجاً يُظهر إمكانات المرأة اللبنانية التي أظهرتها في الأزمات المتعددة والمركبة التي تشهدها البلاد راهناً، على أن يكن حاملات للأجندة النسوية في البرلمان، وأن تنعكس المبادئ النسوية في تعاملاتهن، بما في ذلك في تعاطيهن مع الخطابات التي تفرز المنظومة الذكورية والتنميط الذي نسعى للابتعاد عنه.

عبّرت عناني ورفقائها ورفيقاتها من الناشطين والناشطات في الحراك النسوي في لبنان عن مطالبهم/ نّ أخيراً حين اجتمعت أكثر من خمسين مؤسسة وجمعية ضمن "منصة المجتمع المدني النسوي في لبنان"، لإطلاق لائحة المطالب الضرورية لتحقيق المساواة الجندرية في الانتخابات النيابية القادمة.

على نواب ونائبات الشعب أن يضمنوا للنساء تمثيلاً عادلاً في كافة الوظائف الإدارية الدنيا والعليا ووقف التمييز ضد المرأة وضمان وصول عادل لها إلى الفرص على أساس الكفاءة والاستحقاق.

تقول عناني إن المطالب العشر لـ"منصة المجتمع المدني النسوي في لبنان" تتمحور حول تنزيه القوانين من كل المواد التي فيها إجحاف وتمييز ضد النساء وبخاصة العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتطبيق الحثيث لكافة القوانين التي صدرت أخيراً لحماية النساء وكافة أفراد الأسرة من العنف، والنظر في تطويرها وجعلها أكثر صلاحية لأداء الدور المنوط بها، علاوة على ضرورة ابتعاد المرشحين والمرشحات عن أي تمييز ضد النساء أو تنميط أو إشارات ذكورية أو ميزوجينية في خطاباتهم/ ن وظهورهم/ ن الإعلامي، والمطالبة بدمج منظور النوع الاجتماعي في الخطط والموازنات والتشريعات المستقبلية كافة، وضمان مشاركة المرأة بشكل هاف وفاعل في الحياة السياسية والعامة، والمطالبة بإصلاحات اقتصادية تراعي الفوارق بين الجنسين.

ويُعتبر إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية أحد المطالب الرئيسية التي تتمسك بها الحركة النسوية في لبنان للقضاء على كافة أشكال التمييز التي تعانيها المرأة في المحاكم الدينية لمختلف الطوائف، بالإضافة إلى تعديل قانون الجنسية بما يعطي المرأة اللبنانية حقها في منح جنسيتها لأبنائها وزوجها الأجنبي.

كل ما سبق يدفعنا إلى التساؤل: ماذا عن المرأة اللبنانية غير الناشطة؟ في البداية، ينبغي الإقرار بصعوبة، لا بل باستحالة، تمثيل المرأة اللبنانية بسبب التنوّع الكبير في ظروف وتطلعات النساء اللبنانيات، بما في ذلك أولوياتهن واحتياجاتهن وأزماتهن، عبر مجموعة من الشهادات مهما بلغ عددها. فكل امرأة هي حالة خاصة وكل قصة معاناة أو نجاح قد تكون فريدة من نوعها.

حرصنا على التواصل مع نساء لبنانيات من فئات ديموغرافية متعددة، آملين بذلك الوصول إلى تكوين صورة عامة تشترك فيها عشرات النساء اللبنانيات، من العاصمة بيروت من خارجها.

"وقف الاستغلال السياسي للمواطن"

تعمل سهى هاشم (47 عاماً)، وهي مواطنة تنتمي إلى الطائفة السنيّة، مديرةً لمتجر صغير في عكار، شمالي لبنان. تلمس السيدة التي تناصر تيار المستقبل بشكل يومي "حالة الذل والمعاناة" التي يعيشها المواطنون لتوفير أبسط احتياجاتهم ولتوفير حاجات أطفالهم وذويهم الأساسية، على حد قولها.

جل ما تأمله سهى من البرلمان القادم أن يقوم بتعديل التشريعات بما يسهم في "وقف الاستغلال السياسي للمواطن اللبناني" وعدم إبقائه خاضعاً لـ"رحمة" السلطة والأحزاب وأسيراً لـ"الفتات" الذي يُلقى إليه، خاصة في فترات الانتخابات، أي تحيرهم من أسر "الزبائنية السياسية". كما أنها تتمنى تطوير منظومة القوانين الخاصة بحماية المرأة من العنف المتكرر الذي تتعرّض له، وخاصةً في إطار الأسرة.

"بدّي وطن صالح لولادي تا يعيشوا فيه"... بين إنهاء "حالة الذل والمعاناة" و"الاستغلال السياسي" للمواطن، وتمرير الجنسية للأبناء من زوج أجنبي، وقانون أحوال شخصية موحد، نساء لبنانيات يروين لرصيف22 ما يريدونه من البرلمان القادم

تقول: "في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة، يجب أن تكون هناك قوانين تحمينا من الاستغلال السياسي لأزماتنا المعيشية والمادية، وأيضاً تحمي النساء من العنف والتمييز".

"بدّي وطن"

جاوزت علياء مطر، وهي مواطنة تنتمي إلى الطائفة الدرزية من قضاء عاليه، في محافظة جبل لبنان، الستين عاماً، ولم تهنأ يوماً بما يُعرف بـ"لم الشمل" لأسرتها التي كانت مكونة من زوج وثلاثة أولاد قبل وفاة الزوج منذ تسع سنوات.

في البداية، وبسبب الحرب الأهلية (1975 - 1990)، اضطر الزوج إلى الاغتراب لتأمين الأموال اللازمة لرعاية وتعليم الأبناء حتى أنهى الثلاثة دراستهم. والآن، وفي ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي صنّفها البنك الدولي أخيراً "ضمن أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ 150 عاماً"، اضطر اثنان من أبنائها إلى الاغتراب، كلٌ للإنفاق على أسرته الأصغر، وأيضاً لرعاية الأم المسنة التي لا تعمل ولا تحصل بطبيعة الحال على أي دعم من الدولة.

بصوت يغصّ ببكاء مكتوم، تقول: "الكل يعرف وضعنا اليوم في لبنان. أتمنى أن يكون البرلمان القادم داعماً لنا وسنداً للنساء في هذه الحياة الصعبة… أنا أرملة مثلاً واثنان من أولادي سافرا بسبب الحالة الاقتصادية هنا. ابني الثالث هنا ولكن لا توجد أشغال".

تلفت علياء إلى أنها لا تعمل وليس لديها أي مصدر رزق، هي وابنها المقيم معها في منزل الأسرة، وهو مهندس معماري لا يجد فرصة عمل، لافتةً إلى أن نجليها المغتربين يتوليان الإنفاق عليهما، ومعربةً عن أملها في أن يتخذ البرلمان المقبل خطوات إصلاح اقتصادي توفر فرص العمل للشباب وتقضي على الفساد حتى يعود ولداها.

مع ذلك، يؤلمها أن ابنيها المهاجرين يعيدان سيرة والديهما، إذ لدى كل منهما زوجة وأطفال في لبنان لا يلتئم شملهما بهم. وبينما تنظر إلى صور ولديها الغائبين، تقول بحزن: "بنظل بنقول الحمد لله إنو قادرين بعد نوقف على إجرينا، والله يجيب الخير".

لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى مَيْ نصّار (70 عاماً)، وهي امرأة تنتمي إلى الديانة المسيحية وتقيم في حي الأشرفية، في بيروت. هي أم لثلاثة شباب، اثنان منهم مغتربان في الخليج والثالث يتحضّر للحاق بهما.

إبّان الحرب الأهلية، إحدى أحلك الفترات التي مر بها لبنان، أمّن زوج مَيْ لها ولأولادهما منزلاً في إسبانيا وطلب منها اصطحاب الأطفال ليكونوا بأمان، على وعد أن يلحق بهم. لكنها رفضت "حبّاً بلبنان وتمسّكاً بالعيش فيه".

يعاتبها أبناؤها إلى الآن على هذا القرار، وتعترف بالندم عليه.

تقول: "نحن الأمهات ندرنا (نذرنا) حياتنا لولادنا وكنّا نشيل اللقمة عن تِمّنا لنطعميهم"، متحسرة على الواقع الذي وصلت إليه: "ولادي بالغربة. الواحدة أحفادها الأعز من ولادها عم يكبروا برّا. ابني الزغير (الصغير) هون بلبنان، كنت قلو: يا ماما دخيلك ما تفكّر بالسفر، مش عَ حياتي. بس شو بدو يعمل؟ وصلت إنو بقلو يا رب تجيك الفيزا وتسافر لأمّن عليه وتا أمّن على حياته وحياة بنته".

"قلبي عم يحترق على لبنان. عندي مطالب كتير"، تقول تعليقاً على سؤال ماذا تريد من البرلمان القادم، وتضيف: "عندي يأس من الدولة وأمنيات ما بتنعد. ليش ما بيعملو بلد متل ما هو لازم؟ بدّي وطن صالح لولادي تا يعيشوا فيه. بدّي كهربا وطرقات مش مميتة، بدّي زراعة قويّة ومنتجات لبنانية. بطلب من كل نائب وكل مسؤول يكونوا وطنيين ويفكّروا بلبنان ويوقفوا النكايات يلي بينهم".

وبينما ارتفع دين الدولة اللبنانية إلى 73 مليار دولار، تجاوز عدد اللبنانيين تحت خط الفقر 1.5 مليون نسمة، ما يعني أن نحو 28% من اللبنانيين هم من الفقراء الذين لا يبلغ دخل الفرد الواحد منهم أربعة دولارات في اليوم. ويقدّر البنك الدولي نسبة البطالة بين الشباب اللبنانيين بنحو 34%.

تغيب الأرقام الرسمية عن أعداد المغتربين وحجم مساهمتهم في الدخل القومي، عبر التحويلات. لكن الكاتب والمحلل الاقتصادي منير يونس يقول لرصيف22 إنه "مع هبوط الناتج المحلي من 55 إلى 22 مليار دولار، أي بنحو 60% في ثلاث سنوات، باتت نسبة تحويلات المغتربين مرتفعة جداً"، ويقدّرها بما بين 35 و40% من الناتج المحلي.

"عندي يأس من الدولة وأمنيات ما بتنعد. ليش ما بيعملو بلد متل ما هو لازم؟"... أمهات لبنانيات يعبّرن لرصيف22 عن إحباطهن من الحالة التي وصل إليها بلدهم، ويشاركن تطلّعاتهن من البرلمان الوشيك

"قانون أحوال شخصية موحّد"

لا تنوي ولاء (41 عاماً، اسم مستعار)، وهي مواطنة تنتمي إلى الطائفة الشيعية، من قرية "جبال البطم"، في جنوب لبنان، التصويت في الانتخابات المقبلة لأنها "محبطة للغاية" وترى أن جميع المرشحين "متل بعض، ما بيطّلعوا فينا وما بيسألو عنا بشي".

مع ذلك، تأمل ربة المنزل والأم لأربعة أولاد تتراوح أعمارهم بين 17 و26 عاماً)، في أن يكون تشريع "قانون أحوال شخصية موحّد" في لبنان أحد إنجازات الندوة البرلمانية المقبلة.

في لبنان، هناك 18 طائفة معترف بها رسمياً و15 قانوناً للأحوال الشخصية، جميعها متهمة بالتمييز ضد المرأة. واحد من أقساها على المرأة هو قانون الأحوال الشخصية الذي تعتمده المحاكم الجعفرية (الشيعية) التي تتهمها ولاء بتحويل حياتها إلى جحيم وحرمانها من "الشيء الوحيد يللي ممكن يريحني"، وهو الطلاق.

في قصة ولاء، تتجسّد كل صور الإجحاف والظلم الواقع على المرأة الشيعية بفعل قوانين الأحوال الشخصية، بدايةً من تزويج القاصرات وانتهاءً بصعوبة الطلاق والحصول على نفقة الأولاد وحضانتهم.

قبل 28 عاماً، تزوجت ولاء وهي بعمر الـ13 ربيعاً من رجل يكبرها بـ12 عاماً. ومن الليلة الأولى، ضربها ضرباً مبرحاً حتى فقدت الوعي و"اغتصبها"، كما تقول، فتعرضت لنزيف شديد أُدخلت إثره إلى المستشفى.

منذ تلك الليلة، صار الخوف من هذا "الزوج" المحرك الوحيد في علاقتهما التي أثمرت أربعة أولاد كان أصغرهم بعمر العامين، نهاية عام 2007، حين قام أحد الأشخاص بتخديرها والاعتداء عليها جنسياً. برغم خوفها من الزوج، لجأت إليه وأخبرته بما حدث لتلقى منه كافة أشكال التعذيب النفسي والجسدي واللفظي.

بعد فترة، قرر الزوج "الانتقام" من المعتدي، ففجّر قنبلة أسفل سيارته لكنه نجا من الحادث، ليكرر المحاولة ويقتله في المرة الثانية. أرغم الزوج ولاء آنذاك على القول إنها هي مَن ارتكب الجريمة وهددها بالادّعاء عليها بأن القتيل لم يعاشرها رغماً عنها وإنما برضاها، فخضعت لتهديده واعترفت على نفسها زوراً ليُحكم عليها بالسجن 14 عاماً.

بعد فترة، ظهرت الأدلة التي تُدين الزوج، فحكم مؤبدين، عن محاولة القتل والقتل، فيما أبقي الحكم ضد ولاء باعتبارها "شريكة" في الجريمة.

بعد نحو 14 عاماً في السجن ظلماً، منذ بداية 2008 وحتى خروجها قبل تسعة أشهر من انتهاء المدة نهاية عام 2021، خرجت ولاء لتجد أصغر أطفالها قد غدا شاباً ولا يعرفها. استغرق الأمر شهوراً حتى استعادت أبنائها الأربعة إلى كنفها. لكنها لم تغفر للزوج حرمانها من أولادها فقررت طلب الطلاق.

تقول لرصيف22: "كل الناس قالوا له ‘حرام تدخلها عالسجن وهي ما دخلها، خليها كرمال لولاد’. وكان يرد عليهم: ‘هيك بضمن تظل لإلي‘. خرجتُ من السجن شخص تاني. الحرمان والوجع كتير غيّروني. تعلمت ما أسكت على حقي أبداً لأنو سكوتي هو اللي فوتني على السجن وصار مستحيل إني إسكت".

من أجل الحصول على الطلاق، توجهت ولاء إلى المحكمة الجعفرية وفعلت كل ما أرشدها إليه الشيخ، ولكن "ضغط" أهل الزوج الذين تصفهم بأنهم نافذين "وقراب من حزب الله" على القاضي دفعه إلى التوقف عن الرد عليها والامتناع عن حضور الجلسات.

في قصة ولاء، تتجسّد كل صور الإجحاف الواقع على المرأة الشيعية بفعل قوانين الأحوال الشخصية؛ زُوِجَت بعمر الـ13، و"اغتصبها" شريكها ليلة الزفاف، وتسبب لاحقاً في سجنها وحرمانها من أولادها 14 عاماً، وترفض المحكمة الجعفرية تطليقها وهو محكوم مؤبدين

توضح ولاء أنه يحق لها نقل القضية إلى قاضٍ آخر، لكنها على ثقة بأنها ستواجه نفس الشيء بسبب أهل الزوج الذين أفقدوها مصدر الدعم الوحيد الذي كانت تستند إليه، شقيقها، إذ ضغطوا عليه ودفعوه لمطالبتها بالتراجع عن طلب الطلاق برغم كل ما مرت به.

وبينما يئست ولاء من الحصول على الطلاق في المحكمة الجعفرية، تحاول جاهدةً الهجرة من لبنان، أولاً لأنها تخشى أن يخرج الزوج من السجن بعفو أو ما شابه ويعود إلى تعنيفها وأولادها، وثانياً لتجد حياة كريمة، ففي ظل الأزمة الاقتصادية في لبنان لم تجد إلا العمل في تنظيف منازل شقيقاتها بأي مقابل يستطعن دفعه لإعالة أولادها. علماً أن ابنها الأكبر عسكري في الجيش ومدخوله الشهري، كما تقول، لا يكفيه أكثر من 15 يوماً، وبقية أشقائه لا يجدون فرصة عمل.

تتفق فاطمة سمير (43 عاماً)، وهي أم لطفلتين مقيمة في طرابلس، شمالي لبنان، وتنتمي إلى الطائفة السنّية، مع ولاء على الحاجة إلى قانون موحد للأحوال الشخصية بسبب "ما يوجد في بعض المحاكم من غبن وظلم للمرأة".

تنتقد فاطمة المحاكم الشرعية السنّية وتشير إلى شكاوى متكررة من ضعف النفقة المقررة للأطفال وأحياناً طول أمد التقاضي للحصول على الطلاق. كما تتحدث عن بعض "النماذج الشاذة" من المشايخ الذين "يسيئون استخدام سلطتهم الدينية لابتزاز النساء".

برأيها، إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية من شأنه القضاء على كافة أشكال الغبن التي تواجهها النساء في أمور الزواج والطلاق والحضانة والنفقة.

وتلفت إلى أنه حتى تأمن كل سيدة في لبنان على نفسها وعلى بناتها ينبغي "وضع حد للعنف ضد المرأة ولزواج القاصرات".

"الجنسية لأولادي"

لا تستطيع هنادي المصري (51 عاماً)، وهي مواطنة تنتمي إلى الطائفة المارونية، تقيم في بلدة كفرشيما، في قضاء بعبدا، في محافظة جبل لبنان، وأم لطفلتين (16 و10 سنوات)، أن تورّث ابنتيها لأن والدهما لاجئ فلسطيني، لأن المرأة اللبنانية محرومة من هذا الحق.

تقول السيدة التي وُلدت في أسرة تؤيد حزب الكتائب، إن ابنتيها لا تواجهان حالياً أي شكل من أشكال التمييز الاجتماعي باعتبارهما غير لبنانيتين لأن قلة قليلة مَن تعرف عنهما ذلك. لكنها قلقة جداً بشأن المستقبل.

وتوضح: "أنا لبنانية وزوجي فلسطيني. أريد أن أكون قادرة على منحهما جنسيتي. قد ترغب ابنتي في أن تصير طبيبة أو محامية، لكنها لن تستطيع ممارسة هذه المهن في الوضع الحالي. لماذا؟ لأنها فلسطينية"، والفلسطينيون في لبنان ممنوعون من ممارسة وظائف كثيرة، وتتابع: "ولادي ما عندن الحق يمارسو حياتهن بشكل طبيعي متل باقي الولاد يلّي بيّاتهن لبنانيي".

ترى هنادي أن إصدار تشريع يمنح المرأة اللبنانية الحق في إعطاء جنسيتها لزوجها وأولادها ينبغي أن يكون في صدارة أولويات البرلمان القادم. من داخل محل الفلافل الذي تديره مع زوجها، تتابع بلهجة حاسمة: "متل ما هيي (المرأة اللبنانية) بتعمل كل شي للمجتمع وعليها واجبات وبتشتغل وبتعطي متل الرجال، كمان إلها حقوق".

بدورها، تعاني ريان رباح (29 عاماً) بسبب "الزواج من أجنبي". ريان هي مهندسة مقيمة في منطقة البقاع وتنتمي إلى الطائفة الشيعية، وتصف نفسها بأنها "غير متحزبة" رغم أن أسرتها مقرّبة من حزب الله.

تزوجت الشابة اللبنانية قبل عام بعد قصة حب استمرّت أكثر من أربع سنوات من شاب فلسطيني، وقوبل قرارها برفض شديد من الأهل بسبب جنسية الزوج.

منذ زواجها، أصبحت قضية منح المرأة اللبنانية الجنسية لأبنائها "تشغل بالها كثيراً"، علماً أنها لم تنجب بعد وتخشى من الإقدام على هذه الخطوة لما يترتب عليها من معاناة للأولاد.

"ولادي ما عندن الحق يمارسو حياتهن بشكل طبيعي متل باقي الولاد يلّي بيّاتهن لبنانيي"... معاناة أكثر من 18 ألف سيدة لبنانية متزوجة من أجنبي بحاجة إلى "معركة في البرلمان القادم"

"كتير تعذّبنا لقدرت إقنع أهلي. بيي وعمومتي اعترضوا كرمال الولاد، شو بيطلعو؟ شو جنسيتهن؟ لمين بينتمو؟ وكمان عشان البيت. قالو إنه ‘ما فيه يتملك وما فيه يورّث‘"، تروي ريان التي أوضحت أنها لإقناع أهلها، اضطر حبيبها الذي يمتلك أوراقاً ثبوتية كلاجئ في لبنان، إلى "شراء جنسية دولة أجنبية" حتى يطمئنوا إلى وجود جنسية مستقبلية لأبنائها.

رغم ذلك، تخشى ريان الإقدام على خطوة الإنجاب، برغم أنها رغبة مشتركة لديها هي وزوجها. بنبرة تكسوها المرارة، تختم: "شعور مهين ومؤلم ألا يستوعب بلدي أبنائي بينما يحتضنهم بلد آخر لم أنتمي إليه يوماً لمجرد أن قوانينه تحترم حقوق الإنسان وآدميته. ما أطلبه بسيط: بدّي أعطي الجنسية لولادي".

أزمة آلاف اللبنانيات

ما تعانيه هنادي وريان ليس فريداً. هناك ما لا يقل عن 18 ألف سيدة لبنانية متزوجة من أجنبي ولا يتمتعن بحق نقل الجنسية للزوج والأبناء، بحسب كريمة شبو، منسقة حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي"، وهي حملة إقليمية انطلقت في عدة دول عربية قبل أكثر من 20 عاماً.

تقول شبو لرصيف22: "قانون الجنسية في لبنان يعود إلى عصر الانتداب عام 1925، وهو تمييزي ضد المرأة ومجحف بحقها ويتعارض مع الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان إذ يحرمها من منح جنسيتها لزوجها الأجنبي وأبنائها منه".

وتشرح الناشطة اللبنانية أن الحرمان من الجنسية ينطوي على عدة انتهاكات لذوي المواطنة اللبنانية بما في ذلك الحرمان من الحق في العدالة الاجتماعية وتقييد الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والعمل وممارسة الأعمال النقابية وحرية التنقل وغيرها، وبخاصة في فترة الأزمات، مستدركةً بأن "لبنان بلد الأزمات وهو ما يعني أن المرأة المتزوجة من أجنبي تتحمل فاتورة مضاعفة لأي أزمة".

"لبنان بلد الأزمات وهو ما يعني أن المرأة المتزوجة من أجنبي تتحمل فاتورة مضاعفة لأي أزمة".

تقول شبو إن الواقع القائم يقود إلى اعتبار المرأة اللبنانية "مواطنة مع إيقاف التنفيذ" لأنه لا يحق لها التصرف بجنسيتها بالمنح الذي هو حق، كما يحدث مع الرجل اللبناني.

وتوضح شبو أن اللبنانية المتزوجة من لاجئ فلسطيني وضعها أكثر تعقيداً من باقي اللبنانيات المتزوجات من أجانب من جنسيات أخرى، فعلى سبيل المثال يحظر تملك الزوج أو الأبناء الفلسطينيين أي شبر من أرض لبنان بينما تستطيع الأخريات توريث أولادهنّ في حدود المسموح به في قانون تملك الأجانب.

قبيل انتخابات عام 2018، تروي شبو، كان هناك حراك محموم من المجتمع المدني لحمل المرشحين والمرشحات على تبني قانون يخوّل للمرأة منح جنسيتها لزوجها وأبنائها، ثم مطالبات لمَن وصل منهم/ ن إلى البرلمان بتنفيذ وعوده وطرح مشروع القانون على المجلس النيابي.

وتتابع: "أسفرت جهودنا عن تقديم مشروع القانون من قبل كتلتين نيابيتين، واحدة عام 2018 والأخرى عام 2019. ولكن منذ ذلك الحين وإلى الآن، لم يوضع القانون المقترح على جدول أعمال البرلمان. تأكد لنا أن المعركة لا تقتصر على تبني كتلة ما للمشروع... ينبغي أن تُخاض معركة في البرلمان القادم، ما عاد بدنا وعود".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard