هزّت العالم العربي في الآونة الأخيرة، جرائم قتل طالت طالبات جامعيات، أثارت موجات استنكار كبيرةً على طول العالم العربي، وكان لبنان جزءاً منها، حيث تحركت المشاعر تعاطفاً مع الضحايا، وغضباً من المجرمين والمجتمعات التي تدعمهم.
لم يسلم لبنان من الحوادث المفجعة، ففي الساعات الماضية انتشرت معلومات عن إلقاء القبض على رجل لبناني خمسيني، متقاعد من الجيش اللبناني، من بلدة القاع البقاعية، متهم باغتصاب عدد من الأطفال، الأمر الذي ترافق مع كثير من القصص والروايات والشائعات، وصلت إلى الحديث عن إطلاق سراحه نتيجة تدخلات سياسية ودينية.
الروايات متعددة
يقول الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم: "أوقف شخص يُشتبه في ارتكابه جرائم تخدير واغتصاب أطفال في بلدة القاع اللبنانية عددهم نحو 20 طفلاً، وهو عسكري متقاعد ويدير مقهى في البلدة الحدودية مع سوريا. وحصل المجرم على دعم أبناء بلدته الذين تستروا عليه، بالإضافة إلى دعم سياسي وديني تأمن خلال لقاء عُقد في كنيسة البلدة، ضمّ فاعليات وعائلات القاع لاحتواء هذه القضيّة".
أوقف شخص يُشتبه في ارتكابه جرائم تخدير واغتصاب أطفال في بلدة القاع اللبنانية عددهم نحو 20 طفلاً، وهو عسكري متقاعد من الجيش اللبناني
تضاربت بعض المعطيات حول الجريمة، فبعض المعلومات المتداولة أشارت إلى أن عدد الأطفال الذين تعرضوا للاغتصاب بلغ نحو 30 من اللبنانيين والسوريين المقيمين في القاع، وأن المجرم كان ينفذ جريمته عبر تخدير الأطفال في مقهى يملكه داخل البلدة، ثم ينقلهم إلى منزله الملاصق للمقهى لينفّذ جريمته، ويصوّرها ليكون لديه ما يمكنه من تخويف الأطفال به لمنعهم من الكلام وإجبارهم على تكرار الأمر.
ليست كل هذه المعطيات دقيقةً على ما يبدو، تقول مصادر من داخل بلدة القاع، لرصيف22، مشيرةً إلى أن الشائعات التي انتشرت في هذه القضية أكبر من الحقيقة، خاصةً من خلال نشر تفاصيل غير صحيحة.
تكشف المصادر أن "المجرم الموقوف لدى الأجهزة الأمنية لم يُطلق سراحه، وهو يخضع للتحقيق الذي ستكون لنتيجته الكلمة الفصل في هذه القضية"، مشيرةً إلى أن المجرم الذي يبلغ من العمر نحو 56 عاماً ويعيش وحيداً وغير متأهل، لا يملك أي مقهى، على عكس كل ما يُقال، بل يوجد مقهى بالقرب من منزله.
مصادر أخرى من البلدة تتحدث عن وجود ميني ماركت تملكها شقيقة المجرم، كان يتواجد فيها كثيراً، علماً أنه ليس في البلدة من عائلته سوى شقيقته. وتضيف: "عدد الاطفال الذين تعرضوا للاغتصاب غير معروف، فلا الرقم 30 صحيح ولا الرقم 20 صحيح، ويجب انتظار التحقيقات لمعرفة الحقيقة كاملةً، أما أعمار المعرضين للاغتصاب فتتراوح بين 10 و18 عاماً"، مشيرةً إلى أنه "لم يُلقَ القبض على المجرم بالجرم المشهود، كما نُقل في وسائل الإعلام، بل تم توقيفه نتيجة شكوى أهل، وتم كشفه من خلال محتويات هاتفه".
بلدة مهمّشة
ليست القاع بلدةً لبنانيةً معروفةً كثيراً، فهي تقع في شمال لبنان بالقرب من الحدود السورية، والحرمان يُصيب هذه البلدة التي تقطنها غالبية مسيحية، وجيرانها من البلدات المسلمة، لكنها تشتهر في المصائب، إذ كانت لهذه البلدة حصّتها من احتلال تنظيم داعش لمساحات من الجرود اللبنانية، فكانت عرضةً لهجوم الإرهابيين، واليوم تعود إلى الواجهة من خلال جريمة اغتصاب الأطفال هذه.
الرجل الخمسيني المتقاعد من الجيش، كان يُخدر ضحاياه الذين تراوحت أعمارهم بين 10 و18 سنة قبل أن يقوم باغتصابهم، في بلدة مهمّشة لا تتذكرها الدولة إلا وقت المصائب، فيما السؤال المطروح: من يحمي الأطفال من هذا الإجرام؟
طبيعة البلدات الجردية الحدودية تجعل أهلها منغلقين، وهذا انعكس على طريقة تعاطيهم مع هذه الجريمة البشعة، إذ تداعت فعاليات البلدة، بحسب معلومات رصيف22، السبت الماضي مساءً، إلى اجتماع طارئ في الكنيسة، بعد توقيف المجرم وانكشاف المستور، إذ يكشف الأب في كنيسة البلدة إليان نصر الله، أن الأجتماع كان له هدفان، الأول "أن نعرف ما حصل، ومن ثم إدانته بشكل كامل ومطالبة القضاء والأجهزة بإنزال أشد العقوبات المحددة في القانون بالفاعل، والهدف الثاني هو حماية الأطفال، إذ كنا نخشى أن يتم التشهير بأسمائهم، وزيادة ألم فوق آلامهم وعائلاتهم".
ويضيف الأب نصر الله في حديثه إلى رصيف22: "تبرأت عائلة المجرم منه، وأكدنا جميعنا في اللقاء، الذي جاء في وقت لم نكن نعلم فيه الكثير من المعلومات التي كُشفت لاحقاً، إذ كنا نعرف فقط أنه تم توقيف الرجل بتهمة التحرش بالأطفال، وإدمان المخدرات. الفعل مُدان ومشين ويجب على القانون أن يأخذ مجراه"، مشدداً على أن ما حصل كان رسالةً إلى كل أبناء البلدة الذين لم يألفوا جرائم كهذه، وتعلموا درساً بأن عليهم التنبه أكثر إلى مسؤولياتنا كأهل وكمسؤولين في الكنيسة والبلدية والمدارس".
وبعد الأخبار التي توالت حول ما حصل، سُرب الكثير من المعلومات التي تحدثت عن انتماء الجاني إلى تيار مسيحي وازن، وأن نائب هذا التيار، ويدعى سامر التوم عن منطقة بعلبك، يعمل مع فعاليات البلدة وتحديداً الدينية على لفلفة الموضوع، وهو ما نفاه النائب المذكور في بيان أصدره صباح اليوم، مؤكداً على أن القانون يجب أن يأخذ مجراه.
سُرّب الكثير من المعلومات التي تحدثت عن انتماء الجاني إلى تيار مسيحي وازن، وأن نائباً من هذا التيار، يعمل مع فعاليات البلدة وتحديداً الدينية على لفلفة الموضوع
مسؤولية الأهل
يطرح ارتكاب الجاني جرائمه، مراراً وتكراراً، مع العديد من الأطفال، من دون أن يُكشف أمره، السؤال حول السبب الذي يدفع الأطفال على السكوت، وعن دور الأهل في هذا السياق. يرى الاستشاري النفسي الاجتماعي أحمد يوسف، أن هذا الأمر يتعلق بأمرين، التربية والاهتمام.
ويُشير لرصيف22، إلى أن "حوادث الاغتصاب تؤدي إلى خلل في هوية الطفل، يمكن أن تكون له تداعيات كبيرة في حال لم تتم معالجته"، مشدداً على أن الطفل في هكذا حالات قد يعدّ نفسه مذنباً وضحيةً في الوقت نفسه، بحيث يكره نفسه ويحمّلها الذنب في ما حصل، وهنا دور الأهل في المعالجة والمتابعة.
يرى يوسف أن سكوت الأطفال قد يعني وجودهم في جوّ غير سويّ داخل المنزل، وينقصهم الاهتمام اللازم، وهنا يجب أن نطرح السؤال التالي: عندما يعود طفل مُغتصب إلى المنزل، وتظهر عليه علامات غريبة، ألا يخطر ببال الأم أو الأب أن يسألا طفلهم عما جرى معه؟
لا يُخفي يوسف أن شخصية الطفل تلعب دوراً في هذا الإطار، فهناك أطفال يملكون من الجرأة ما يكفي للحديث وعدم السكوت، وهناك أطفال يخشون ذلك، وهنا أيضاً يبرز دور الأهل حيث يجب تخصيص الوقت للاستماع إلى الطفل ومنحه الاهتمام اللازم والمناسب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...