"الزواج المدني يتيح الفسق والانحلال ويسمح بزواج المثليين والأخ سيتزوج أخته وعمته وابنة أخيه"؛ بتلك العبارة فسّر الشيخ اللبناني حسين حرب (من مشايخ دار الإفتاء السنّي)، مفهومه لقانون الزواج المدني خلال مداخلة تلفزيونية على قناة محلية، مهاجماً بشراسة الداعين إليه، والذين يناضلون منذ سنوات لتحقيقه في بلد الـ18 طائفةً.
حرب لم يكتفِ بالهجوم على هذا المشروع، بل أيضاً على النواب المسلمين المنتخبين حديثاً والممثلين للمجتمع المدني طالباً منهم علناً "التوبة والعودة عن موقفهم وإلا يكونوا قد خرجوا من دين الإسلام وارتدوا"، وختم كلامه بـ"بصقة"، ما استفز عدداً كبيراً من الناشطين الذين عدّوا تصرّفه غير لائق برجل دين، حتى لو كانت لديه وجهة نظر مغايرة. فالتصريح بمعلومات مغلوطة عن الزواج المدني و"تكفير" الناس والبصق عليهم، تصرفات كيدية ولا ترتقي إلى مستوى الحوار، وفق ما قال عدد من الناشطين على السوشال ميديا.
بعد ساعات من تصريحات حرب، سارع المحامي البيروتي عفيف كشلي، ومعه وفد شبابي من بيروت، إلى زيارة المفتي عبد اللطيف دريان، والبصم على كلام حرب، قائلاً في مداخلة تلفزيونية: "غالبية أبناء بيروت ضد الزواج المدني المخالف لأحكام الدستور اللبناني الذي أعطى حقّ التشريع لكل طائفة في ما يتعلق بمسائل أحوالها الشخصية ومحاكمها الشرعية والمذهبية والروحية في المادة التاسعة منه، وهذا المشروع يخالف شرع الله ويناقض بشكل صارخ أحكام الدستور اللبناني الذي ينبغي على الجميع مراعاة أحكامه"، داعياً النواب الجدد إلى "معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية قبل طرح موضوع الزواج المدني".
غالبية أبناء بيروت ضد الزواج المدني المخالف لأحكام الدستور اللبناني الذي أعطى حقّ التشريع لكل طائفة في ما يتعلق بمسائل أحوالها الشخصية
تصريحات حرب وما أعقبها، أعادت السجال العقيم والقديم إلى الواجهة مجدداً في لبنان بعد أيام على انتهاء الانتخابات البرلمانية. لطالما حاربت الجهات الإسلامية الزواج المدني، وكذلك أبدت الجهات المسيحية بعض التحفظات عليه إلا إذا طُبّق بشروط معيّنة.
الخوف على المراكز
يفسّر المطالبون بهذا الزواج رفض المرجعيات الدينية له وخوفهم منه، بأنه سيسحب منهم سلطتهم على الشعب، وتالياً مع الوقت لن يعود معظمهم (أي الشعب) يذعن لخطبهم التي يصفها الناشطون المدنيون بأنها "تكرّس الطائفية ولا تؤدي إلى بناء دولة علمانية". حدّة الهجوم المسيحي على هذا الزواج أقل نوعاً ما مما هي عليه عند المسلمين، إذ قال البطريرك الماروني بشارة الراعي، في العام 2019: "نحن لسنا ضد الزواج المدني بالمطلق، وليس هناك قانون في لبنان أو في العالم يحمل صفة الاختياري، فأنت تكون تعمل على تفتيت البلد وخلق المشكلات".
وفي حديث سابق متلفز لرئيس السابق للرابطة المارونية أنطوان إقليموس، قال إن "البطريرك الراحل نصر الله صفير كان موافقاً على الزواج المدني، شرط أن يكون إلزامياً وليس اختيارياً، وكان رأيه أن الدولة المدنية أي العلمانية لا تعني الكفر، بل العلمانية المؤمنة، أي فصل الدين عن الدولة".
وسط الجدل المحتدم بين المؤيد لكلام الشيخ حسين حرب الذي يمثّل دار الإفتاء، والرافض له عادّاً أنه "توصيف شعبوي تحريضي"، تواصل رصيف22، مع عدد من المشايخ السُنّة والشيعة، لكن جميع أجوبتهم كانت مختصرةً جداً، وبطريقة فيها نوع من الهروب.
فعلى سبيل المثال، لخّص الشيخ الشيعي أحمد طالب، رأيه بجملة واحدة: "لا أوافق على كلام الشيخ حسين حرب فقد بالغ في وصفه، ولو كانت عندي تحفظات عديدة على هذا الزواج"، فيما رفض الشيخ نزيه جمول، من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، التعليق على الموضوع، مكتفياً بكلمة "شكراً".
الموقف الإسلامي
يرى الشيخ بهاء سلام، من دار الفتوى الإسلامية في بيروت، أن "الموضوع أخذ أكثر من حجمه من قبل الناشطين ولا بد من إقفال النقاش فيه، ورأينا واضح تماماً منذ سنوات. هناك أمور وملفات وقضايا مناقشتها أهم بكثير، ولكن أحداً لم يتحدث عنها. يريدون الخوض حصراً في هذا الموضوع، ولقد أخذنا تعهداً بعدم التحدث في هذا الملف مرةً أخرى".
رفض قاضي الشرع في محكمة بيروت، خلدون عريمط، إعطاء أي رأي أو تفسير في هذا السياق، لينتهي رأي دار الإفتاء السُنّية والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عند هذا الح
من جهته، رفض قاضي الشرع في محكمة بيروت، خلدون عريمط، إعطاء أي رأي أو تفسير في هذا السياق، لينتهي رأي دار الإفتاء السُنّية والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عند هذا الحد في موضوع يحاربانه دائماً، وفي كل محاولة لمناقشته والبحث فيه أو مجرد طرحه يقفان له بالمرصاد. ففي عام 2019، هاجم المفتي عبد اللطيف دريان، وزيرة الداخلية آنذاك، السُنّية المحسوبة على تيار المستقبل، ريا الحسن، حين طرحت هذا الموضوع وشجعت على تنفيذه. فالجهات الإسلامية ترى أن هذا المشروع سيهدد حقوق الطائفة من دون إيجادها حلولاً لتعديل القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية، ولعل أبرزها الحضانة والنفقة، خاصةً لدى المحاكم الجعفرية.
والكنيسة
"كل شيء مبنيّ على باطل يبطل، وكل عقد مبنيّ على فساد يفسد، أي يبطل، والكنيسة تؤمن بعقد زواجها فقط لكنها تتعايش مع الزواج المدني وفقاً للدول والأنظمة كما في الغرب. وتؤمن الكنيسة بفصل الدين عن الدولة عملاً بمقولة السيد المسيح أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله"؛ هكذا بدأ الكاهن من الأبرشية المارونية جوزف قزي، حديثه إلى رصيف22، وقال: "الكنيسة في لبنان لا تقبل إلا بالزواج الإلزامي ولا تعترف بشيء اسمه اختياري"، ضارباً مقارنةً مع قانون السير بقوله: "هل في لبنان قانون يسمح للمواطن بالسير عند الضوء الأخضر ويتيح لمن يرغب السير عند الضوء الأحمر؟".
ويلخّص الأب قزي رسالته: "كنيستنا لن تعترف بالقانون الاختياري. إما أن يكون إلزامياً لكل المواطنين كما هو الحال في تركيا وقبرص، وهنا على مجلس النواب سن قانون يكون فيه الزواج المدني إلزامياً على كل مواطن لبناني، وغير ذلك لن ينجح هذا المشروع".
ويستطرد: "أستغرب وصف بعض رجال الدين المسلمين بأن الزواج المدني يتيح زواج المثليين، فهذا غير صحيح بيد أن الولايات المتحدة وعدداً من الدول الأوروبية التي تفرض العقد المدني، تعارض معظمها زواج المثليين وهذا دليل على عدم صحة الربط بين الزواجين".
يعتقد رجل دين لبناني سنّي أن "الزواج المدني يسمح بزواج المثليين والأخ وأخته" في فهم شعبوي للزواج المدني القصد منه مهاجمة الحالة المدنية المنبثقة عن الانتخابات النيابية التي جرت مؤخراً، علماً أن الموضوع غير مطروح اليوم والأولوية للملفات الداهمة
ويختم حديثه باقتراح يشبه القانون الغربي، ويرضي الكنيسة والعائلة المسيحية، وهو "تصحيح الزواج، أي في حال أراد أحد من أبناء الكنيسة (أي المسيحي/ ة)، الزواج مدنياً كما يحصل مع المقيمين في الخارج (لأن المدني إلزامي)، عليه أن يسجّل زواجه لاحقاً في الكنيسة".
التصور الذي اقترحه الأب قزي، سبق أن حصل كثيراً في لبنان، فمنذ منتصف ستينيات القرن الماضي إلى اليوم، تزوّج عدد كبير من اللبنايين مدنياً في قبرص أو تركيا أو غيرهما من البلدان، ثم ثبتوا زواجهم في المحاكم الروحية والشرعية لاحقاً من أجل حماية نسب أطقالهم وحقوق الميراث وغيرها.
بداية الاشتباك
مقترح الزواج المدني ليس وليد اليوم أو السنوات القليلة الماضية، فقد اقترحه في العام 1957، المشرّع اللبناني ريمون إده، لكنه لم يلقَ تجاوباً آنذاك، لتعود مجدداً اقتراحات عديدة لمشاريع قوانين متعلّقة بالأحوال الشخصية، منها مشروع القانون الذي أعدّه فريق رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي، في العام 1998، وناقشته الحكومة ونال تأييد عشرين وزيراً، لكن رئيس الحكومة في تلك الفترة الراحل رفيق الحريري لم يحِله إلى مجلس النواب، بسبب معارضة جميع المرجعيات الروحية وبالأخص دار الفتوى في عهد المفتي محمد قباني، التي ترى أنه ضد القيم الدينية والثوابت الوطنية، على حد وصفها.
الفجوة الكبيرة الواقعة بين المؤيد والمعارض لهذا المقترح لا تقتصر على رأي رجال الدين، فعدد من الإعلاميين والمثقفين والقانونيين من كافة الطوائف يوافق بعضهم الرأي الديني (وفق تغريدات لهم على مواقع التواصل)، عادّين أن "المواطن اللبناني ليس لديه المال ليتزوج أصلاً، فلماذا الاستعجال على الزواج المدني؟"، ويجابَه هذا الرأي برأي مضاد تحت فكرة أن "الزواج المدني هو أحد الحلول التي تساهم على المدى الطويل في القضاء على النظام الطائفي الذي هو صلب المشكلة وأساسها".
الكنيسة لن تعترف بالقانون الاختياري، بالنسبة إليها، إما أن يكون إلزامياً لكل المواطنين كما هو الحال في تركيا وقبرص، وغير ذلك لن ينجح هذا المشروع
تفنيد المغالطات
من الناحية القانونية، تفنّد المحامية نادين فرغل، في حديثها إلى رصيف22، الأخطاء الشائعة عن الزواج المدني الاختياري، وأبرزها أنه "لا يسمح إطلاقاً بزواج ذوي القربى كما قال بعض المشايخ، ولا حتى زواج المثليين لأن لهذا قانوناً مختلفاً تماماً، وبالنسبة إلى قوانين الميراث فهي ليست من مفاعيل الزواج، وله قانون خاص مدني للمسيحيين وديني للمسلمين، كذلك يحفظ المساواة في موضوع الحضانة بعد الطلاق والأولوية تكون للأم". أما موضوع الطلاق في الزواج المدني فشروطه بحسب فرغل، "أقسى وإجراءاته أطول في القانون المدني مقارنةً مع الزواج الإسلامي، غير أنها أسهل وأقصر مقارنةً مع الطلاق لدى معظم الطوائف المسيحية".
وتضيف: "نفقة الأولاد على كل من المطلّقَين كل وفق قدرته ومسؤولياته، ولكل من الزوجين مطالبة الآخر، زوج أو زوجة، بنسبةٍ مما أنتجه هذا الأخير من أموال خلال الزواج على أساس أنه مؤسسة مشتركة الإنتاج، أي ما تم تحصيله من عائدات أعمال خلال الزواج، ولا يشمل ما هو قبل الزواج، ويُستثنى منه الإرث والهدايا. كما يمكن الاتفاق مسبقاً أو خلال الزواج أو بعده على خلاف هذه النسب أو حتى التنازل عن هذا الحق. والنسبة عادةً هي 30%، ويمكن رفعها في حال كانت المساهمة أعلى من العادة، أو خفضها حتى الصفر في حال التقصير أو الخطأ كالخيانة أو سوء المعاملة على سبيل المثال".
كسر العرف
في عام 2013، وقّع وزير الداخلية اللبناني السابق، مروان شربل، في عهد الرئيس السابق، ميشال سليمان، أول عقد للزواج المدني، وأتاح تسجيله في السجلات الرسمية، في سابقة هي الأولى في لبنان لنضال درويش وخلود سكرية، أول ثنائي لبناني افتتح هذا الزواج في سجلات المديرية العامة للأحوال الشخصية، وشدد حينها على ضرورة تنفيذ العقد الذي ردته المديرية سابقاً.
واشترط شربل عدم تغيير طائفتيهما، والتزامهما باتّباع قانون الأحوال الشخصية المعمول به في كل ما يتصل بمفاعيل هذا الزواج في حالات الإرث والطلاق والأولاد، لأن لا وجود في القانون للطائفة 19، أي من "لا ينتمي إلى طائفة"، وذلك ضماناً لحقوقهما وحقوق أولادهما إلى حين صدور قانون مدني للأحوال الشخصية ينظّم الزواج المدني الاختياري وتبعاته.
وبعدها، وقّع شربل على 12 وثيقة زواج مدني، وقد أصبح بذلك أول وزير يعطي اللبنانيين الحق في الزواج المدني، واستند في قراره الذي اتخذه على مسؤوليته، إلى آراء مجموعة من القانونيين والحقوقيين الذين كلّفهم بدراسة هذه القضية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع