شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"التفكور"... أحد تقاليد الخطوبة المغربية التي تقاوم الانقراض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 7 يوليو 202203:19 م

بالرغم من مرور عشر سنوات على زواجنا، دائماً ألوم رفيق دربي على عدم منحي هدايا خلال الأعياد الدينية في مرحلة خطوبتنا. كان يوماً تعيساً بالنسبة إلي. حاولت أمي وقتها التخفيف عني، والتماس العذر لأسرة خطيبي وقتها، لكن همز المحيطين بي ولمزهم زادا من ألمي، فكان مبرر خطيبي أنه ليس من عادتهم ما يُسمّى بـ"التفكور" أو "التفكيرة"؛ هكذا استرجعت مريم مع رصيف22، ذكريات خطوبتها، وهي الآن أم لثلاثة أطفال.

تؤكد مريم أن مبررات زوجها لم تكن مقنعةً، لأنه جرت العادة أن الأسر تسأل بعضها البعض عن طبيعة العادات والتقاليد لكل أسرة حتى يتم احترامها، لكن أسرة زوجي لم تفعل ذلك.

ملابس وفواكه جافة وحنّاء

"التَّفْكُورْ" أو "التّفَاكِيرْ" أو "التَّفْكِيرَة"، عادة مغربية، عبارة عن هدايا تتكون من ملابس وأحذية وفواكه جافة وحنّاء تحملها أسرة العريس إلى بيت العروس خلال فترة الخطوبة، وتخصّ الأعياد الدينية، وهي رسالة مفادها أن العريس ما زال راغباً في إتمام مراسيم الزواج من العروس.

بالرغم من مرور عشر سنوات على زواجنا، دائماً ألوم رفيق دربي على عدم منحي هدايا خلال الأعياد الدينية في مرحلة خطوبتنا

تحمل أسرة الخطيب مجموعةً من الهدايا، تختلف من منطقة إلى أخرى وحسب المستوى الاجتماعي للرجل، وقد تكون عبارةً عن أثواب وعطور ومكسّرات وحلويات وسكّر، وقطعة من الأضحية إذا كان عيد الأضحى، وقد تكون الهدية عبارةً عن حليّ من ذهب، إذا كانت الأسرة ميسورة الحال. وتستقبل عائلة العروس أصهارها، وتستضيفهم بحفاوة، حسب ما قال الباحث في التراث أحمد فردوس، وبهذا تقوى العلاقة بين الطرفين.

يصف فردوس، في حديث إلى رصيف22، "التفكور بالطقس الاجتماعي، الذي يرسخ تلك العلاقة بين الخطيب والمخطوبة، مورداً أن هذه العادة ما زالت موجودةً في المناطق المحافظة وفي الأسر المتوسطة والفقيرة، وأيضاً في المدن في صفوف السكان الذين هاجروا من الضواحي.

فيها مآرب أخرى

يرى الباحث في التراث، أن هذه العادة تمثل قيمةً إنسانيةً في التواصل بين الخاطب والمخطوبة وبين أسرتيهما، غير أنها بدأت تتقلص تدريجياً نظراً إلى التغيرات التي عرفها واقعنا الحالي، وما يشهده عالمنا من تطور كبير من مجال الرقميات التي جعلت التواصل أسهل.


يوضح الباحث أن هذا التقليد هو رسالة إلى العروس وإلى محيطها وجيرانها، مفادها أن الخاطب وأسرته يقولون لهم "إن الأمور بينهم على أحسن على ما يرام، وإن العلاقة ما زالت قائمةً بينهم وأنهم متشبثون بالعروس كزوجة مستقبلية لابنهم"، وفي ذلك توطيد للعلاقة مع الأنساب المستقبليين، "كما أن هذه العادة من شأنها إيقاف كل الشائعات التي قد تصدر من الناس حول تأخر حفل الزفاف"، يقول فردوس الذي يرى أنه لا بد من إعادة إحياء هذه العادة في أوساط الأسر المغربية.

تقليد "التفكور" هو رسالة إلى العروس وإلى محيطها وجيرانها، مفادها أن الخاطب وأسرته يقولون لهم إن الأمور بينهم على أحسن على ما يرام

تتأسف السعدية، سيدة في السبعين من عمرها، التي تتحدر من ضواحي مدينة الجديدة الساحليّة، لتراجع هذه العادات والتقاليد، والتي كانت، حسب رأيها، تعطي قيمةً للمرأة المغربية وللزواج، فـ"التفكور" هو "أن أسرة العريس تقرّ بأنهم ما زالوا على العهد وأنهم ما زالوا يرغبون في العروس".

تتذكر هذه السيدة وهي تتحدث إلى رصيف22، أنها حملت هدايا إلى زوجات أبنائها، خاصةً أن مرحلة الخطبة استمرت لمدة قاربت السنتين، وقالت: "لا يكون التفكور إلا خلال مرحلة الخطوبة، وإذا صادف عيد الأضحى وعيد الفطر. ولقد اقتنيت لزوجات أولادي خلال مرحلة الخطبة عدداً من الهدايا، ويتعلق الأمر بملابس العيد والحلويات والمكسرات والسكر والحليب".

ولا يقتصر الأمر على هدايا العروس، بل يتعدى الأمر، إلى أسرتها، إذ أوضحت السيدة السعدية أنها قدّمت لوالدي العروس أحذيةً تقليديةً مغربيةً، فحظي الوالد بـ"البلغة"، وكان من نصيب الأم "الشربيل".

عادات متجاوَزة أم تقاليد؟

لا تعرف دنيا، وهي شابة في العشرينات من عمرها، أيّ شيء عما يسمى بعادات "التفكور"، إذ قالت، في حديث إلى رصيف22: "لم يسبق أن علمت بهذا، ما أعرفه هو العادات الخاصة المتعلقة بالخطوبة والزواج"، وبعدما أوضحنا لها هذه العادة ودلالتها، عدّتها شيئاً مميزاً يجب الحفاظ عليه.

في المقابل، تعرف جميلة، 30 سنةً، هذه العادة التي تنتشر في وسطها، غير أنها تعدّها متجاوَزةً في وقت أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي فيه تقرّب المسافات بين المخطوبين، كما أن بعد المسافات يعيق أحياناً اللجوء إلى هذه العادة، وتعتقد أن علاقة المخطوبين ينبغي ألا تتقيّد بهذا النوع من العادات التي قد تكون سبباً في وضع حد لهذه العلاقة.

ثورة المعلوماتية "خرّبت" كل شيء؟

لحسن، موظف متقاعد في السبعين من عمره، يحكي لرصيف22، أن هذه العادة لم تعد كما كانت في السابق، وأحياناً يتم التعامل معها بنوع من الاستخفاف، وفي مرات أخرى بنوع من المحسوبية، فإذا كانت العروس من أسرة ميسورة يتم احترام جميع العادات والتقاليد بتفاصيلها كلها، وإذا كانت العروس من أسرة فقيرة فيتمّ أحياناً احتقارها وقد لا تُحمل إليها الهدايا خلال فترة الأعياد.

يرى لحسن أن استمرار هذا النوع من العادات مسؤولية الأسر التي تورثها إلى أبنائها ولهذا الجيل الذي يصفه بـ"الجاهل لتراثه وتقاليده" بسبب ثورة المعلوماتية، والتحولات المجتمعية التي "خرّبت كل شيء جميل"

يضيف هذا الرجل أن هذه العادة تحدد مكانة العروس لدى أهل العريس، فإذا كانت تحظى بمكانة كبيرة لديهم فإنهم يجودون عليها بأرفع الهدايا، وإذا كانت غير مرغوب فيها، فقد تُحمل إليها هدايا بسيطة جداً أو لا يتم حمل الهدايا أصلاً".

يرى لحسن، أن لهذه العادة علاقةً بالمكانة الاجتماعية للعريس أيضاً، وهداياه تكون حسب إمكاناته المادية، وإذا لم تتلقَّ العروس خلال فترة العيد أي هدية، فهذا قد يؤشر على أن أسرة العريس لم تعد راغبةً فيها، لذلك يرى هذا الرجل أن استمرار هذا النوع من العادات مسؤولية الأسر التي تورثها إلى أبنائها ولهذا الجيل الذي يصفه بـ"الجاهل لتراثه وتقاليده" بسبب ثورة المعلوماتية، والتحولات المجتمعية التي "خرّبت كل شيء جميل"، حسب تعبيره.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard