يرى البعض العيد بمشهديته الأسهل، ففيه تتجمل النساء ويرتدين أفضل ما لديهن ويتعطر الرجال ويذهبون لأداء صلاة العيد، ليعودوا إلى منازلهم لتناول طعام الإفطار وزيارة الأهل ومن ثم تناول أشهى أنواع اللحوم وسط مرح وزهو وسعادة تغمر الأسرة.
لكن هل الصورة دائماً بهذه الوردية لدى كل المصريات؟ فقد يعني العيد للكثيرات أعباءً مضاعفة سيتحملنها صامتات، لأن أية شكوى قد تقابل بتهمة الدلع والتهكم أو التهويل.
أحد هذه المشاكل المترافقة مع العيد هو الإرهاق الجسدي والنفسي المهول الذي يقع على عاتق النساء وحدهن.
شهيرة (اسم مستعار) لشابة ثلاثينية تعتبر أن مشكلتها الأكبر في الأعياد وبالأخص عيد الأضحى، هي النفقات الإضافية والعزائم التي تربكها وتزيد من إرهاقها المادي، فلا أحد يمد يد المساعدة حتى في أبسط المهام كشراء مستلزمات المنزل، ناهيك بالطهو وتعزيل المنزل قبيل العيد، وتجهيز اللحوم، ثم تحضير الضيافات المعتادة، وإعادة تنظيف المنزل وكل المهام السابقة قبيل أية زيارة جديدة من قبل الأقارب أو الأصدقاء.
تقول إن الأعباء المنزلية زادت عليها وعلى شقيقتها بعد وفاة والديها، فهما تتحملان المسؤوليات المادية والمعيشية، وعلى الرغم من هذا الدور لكنها تعتبر أن "كل الأعياد ذكورية". وتضيف "للأسف لإنك في كل عيد بتخدّمي على راحة الذكور وأكلهم وشربهم، ده إذا مكنتيش انتي كمان اللي دافعة تمن الأكل والشرب".
أما نور (اسم مستعار) فهي شابة عشرينية متزوجة، فتقول "تنظيف المنزل يشكّل عبئاً إضافياً عليّ في العيد، ولا بد بعد الانتهاء منه على أكمل وجه لأكون لامعة وبراقة من أجل زوجي حينما يعود من خارج البيت ونحتفل بليلة العيد، وإلا فسينعتني بالنكدية والكئيبة".
حاولت نور أن تشرك زوجها في المهام المنزلية الواقعة عليها، لكنها لم تلق إلا الرد السلبي، مؤكداً في كل شجار أن تنظيف المنزل هو مهمتها التي تقصّر بها ولا تؤديها على أفضل وجه، قد يعاونها أحياناً في إعداد الطعام "حسب مزاجه" لكن هذا من باب الترف، فإعداد الطعام وتنظيف المنزل من "واجباتها" في العيد أو خارجه.
وترى دعبيس أنه في إطار الاحتفال بالعيد يتم استهلاك الفتيات والنساء في الأعمال المنزلية التي هي بالأساس تصورات وأدوار مجتمعية غير عادلة، ومع الوقت يتم التعامل معها من قبل المجتمع والأسرة والذكور كحق مكتسب بل وأولوية في حياة الفتاة، منوهة بأن عمل النساء في المنزل ينبغي أن يكون عملاً مأجوراً وفق الشرع.
وتلفت إلى أن عملية الذبح وما يترافق معها من طقوس تحفز العنف لدى الرجال، بينما يجبر المجتمع النساء على تحمل نتاج هذه العملية، من رؤية الدماء وتنظيف الذبيحة، وحتى لو لم تحبذ بعضهن هذه المهمة، فهن مجبرات على التعامل معها.
وتشير إلى أن المجتمع "الذكوري" يجبر النساء على المشاركة في عملية الذبح عن طريق المشاركة في التقطيع والتعامل مع المخلفات، وكأن الرجل يقول للمرأة إنه قام بفعل أمر كبير لا تستطيع النساء عمله وقد جاء دورها للمشاركة بهذا المجهود البسيط.
بينما تكرر أماني (اسم مستعار) من القاهرة ذات الشكوى، حيث تعتبر يوم الذبح يوماً مرهقاً وقاتلاً، الأب والأخ يقفان مع الجزارين أثناء الذبح ثم يحضران اللحمة إلى المنزل لتقوم أماني وأمها بتوضيبها وتقطيعها في أكياس استعداداً لتوزيعها.
لدى أماني حساسية تجاه الدماء فهي لا تحب رائحتها ولا رؤيتها ويرعبها منظر الشوارع التي تشبه ساحات الإعدام الجماعي في هذا اليوم، لا سيما مع قلة الاهتمام بالممارسة البيئية والصحية لما بعد الذبح كالتعقيم والتنظيف.
ولا تختلف الأقاليم كثيراً عن القاهرة، سارة (اسم مستعار) لشابة كانت تقيم في إحدى القرى قبل انتقال عائلتها للعيش في القاهرة.
تقول "زمان كنا نقيم في بيت العائلة، وفي الطوابق السفلى كان يقيم أعمامي وزوجاتهم، وفي يوم العيد تأتي عماتي الخمس المتزوجات مع عوائلهن للزيارة، أمي وزوجات أعمامي كنّ يتحملن كافة المسؤوليات لتحضير العيد لهذا العدد الكبير من الأشخاص، من الخَبز بكميات مهولة منذ الفجر، إلى تجهيز الأضاحي والاهتمام بأكلها وتنظيفها، إلى تحضير مكان الوليمة لكل العائلة".
أما في صباح العيد بعد الصلاة، والذي تصفه سارة بـ"منتهى البهدلة اللي في الدنيا"، فتنظف فيه والدتها وزوجات أعمامها الذبيحة واللحوم ومخلفات الذبح مع رائحتها "البشعة" على حد وصفها، والتي لم تكن والدتها تتحملها، فكانت تخرج من حين لآخر لاستنشاق الهواء.
كانوا أكثر من ثلاثين شخصاً، تقول.
في الصباح يقدمن إفطاراً يحتوي على الكبدة وبعض اللحوم البسيطة، ثم في موعد الغداء تقوم النساء بإعداد الطعام وتجهيز الفتة واللحوم لكل الموجودين في البيت، وبين الوجبات يتم تنظيف مخلفات اللحوم كالممبار والكرشة وتحضير اللحوم للتوزيع، ثم يحضرن العشاء وينظفن المنزل.
أما الرجال فكل ما يفعلونه هو تناول الإفطار ثم توزيع اللحوم على الأقارب.
وتعّرف زين الاحتراق النفسي الداخلي أو الـ Burn Out بأنه ظاهرة نفسية يحمل المصاب بها مزاجاً سيئاً طوال الوقت، إضافة إلى معاناته بسبب الإجهاد والإعياء، فهو يشبه الاكتئاب لكنه ليس اكتئاباً وعلاجه أن يرتاح الإنسان ويأخذ إجازة من أعبائه.
ولفتت إلى أن ذلك لا يحدث لكل النساء، فهناك من تستمع بأداء هذه الطقوس ولا تعتبرها عبئاً، بل تضفي عليها بعداً روحانياً. كذلك ترى أن بعض النساء قد يكنّ مجهدات جسدياً إنما راضيات نفسياً وروحانياً ومستمتعات بالتجمع العائلي، بينما ستشعر من لا تتقبل هذا التعب بالإعياء الشديد.
لكن هل الصورة دائماً بهذه الوردية لدى كل المصريات؟ فقد يعني العيد للكثيرات أعباءً مضاعفة سيتحملنها صامتات، لأن أية شكوى قد تقابل بتهمة الدلع والتهكم أو التهويل.
إرهاق مادي وبدني
بخلاف مشكلة التحرش والعنف الجنسي التي تقابلها الكثيرات في الأعياد، والتي ترفع التأهب الرسمي لا سيما في الأماكن العامة، هنالك ذلك النوع من المشاكل الصامتة، تلك التي لا يُعترف بها أصلاً.أحد هذه المشاكل المترافقة مع العيد هو الإرهاق الجسدي والنفسي المهول الذي يقع على عاتق النساء وحدهن.
شهيرة (اسم مستعار) لشابة ثلاثينية تعتبر أن مشكلتها الأكبر في الأعياد وبالأخص عيد الأضحى، هي النفقات الإضافية والعزائم التي تربكها وتزيد من إرهاقها المادي، فلا أحد يمد يد المساعدة حتى في أبسط المهام كشراء مستلزمات المنزل، ناهيك بالطهو وتعزيل المنزل قبيل العيد، وتجهيز اللحوم، ثم تحضير الضيافات المعتادة، وإعادة تنظيف المنزل وكل المهام السابقة قبيل أية زيارة جديدة من قبل الأقارب أو الأصدقاء.
تقول إن الأعباء المنزلية زادت عليها وعلى شقيقتها بعد وفاة والديها، فهما تتحملان المسؤوليات المادية والمعيشية، وعلى الرغم من هذا الدور لكنها تعتبر أن "كل الأعياد ذكورية". وتضيف "للأسف لإنك في كل عيد بتخدّمي على راحة الذكور وأكلهم وشربهم، ده إذا مكنتيش انتي كمان اللي دافعة تمن الأكل والشرب".
أما نور (اسم مستعار) فهي شابة عشرينية متزوجة، فتقول "تنظيف المنزل يشكّل عبئاً إضافياً عليّ في العيد، ولا بد بعد الانتهاء منه على أكمل وجه لأكون لامعة وبراقة من أجل زوجي حينما يعود من خارج البيت ونحتفل بليلة العيد، وإلا فسينعتني بالنكدية والكئيبة".
حاولت نور أن تشرك زوجها في المهام المنزلية الواقعة عليها، لكنها لم تلق إلا الرد السلبي، مؤكداً في كل شجار أن تنظيف المنزل هو مهمتها التي تقصّر بها ولا تؤديها على أفضل وجه، قد يعاونها أحياناً في إعداد الطعام "حسب مزاجه" لكن هذا من باب الترف، فإعداد الطعام وتنظيف المنزل من "واجباتها" في العيد أو خارجه.
عمل منزلي غير مدفوع الأجر
تقول أسماء دعبيس الناشطة النسوية ومديرة مؤسسة "بنت النيل" إن الأعياد ليست دائماً سعيدة للنساء لأن المجتمع يضعهن طوال الوقت في منظومته الأبوية وفق قالب واحد، وهو البيت والأطفال والأعمال المنزلية، وبسبب طبيعة هذا الوضع المجتمعي قد تفقد المرأة إحساسها الاحتفالي بالعيد.وترى دعبيس أنه في إطار الاحتفال بالعيد يتم استهلاك الفتيات والنساء في الأعمال المنزلية التي هي بالأساس تصورات وأدوار مجتمعية غير عادلة، ومع الوقت يتم التعامل معها من قبل المجتمع والأسرة والذكور كحق مكتسب بل وأولوية في حياة الفتاة، منوهة بأن عمل النساء في المنزل ينبغي أن يكون عملاً مأجوراً وفق الشرع.
وتلفت إلى أن عملية الذبح وما يترافق معها من طقوس تحفز العنف لدى الرجال، بينما يجبر المجتمع النساء على تحمل نتاج هذه العملية، من رؤية الدماء وتنظيف الذبيحة، وحتى لو لم تحبذ بعضهن هذه المهمة، فهن مجبرات على التعامل معها.
وتشير إلى أن المجتمع "الذكوري" يجبر النساء على المشاركة في عملية الذبح عن طريق المشاركة في التقطيع والتعامل مع المخلفات، وكأن الرجل يقول للمرأة إنه قام بفعل أمر كبير لا تستطيع النساء عمله وقد جاء دورها للمشاركة بهذا المجهود البسيط.
قسمة غير عادلة
تؤكد علياء على الإرهاق الذي يصيبها في هذا الموسم، فمن شراء الحاجات إلى السفر مع الحرارة الشديدة، إلى تجهيز اللحوم بعد الذبح وتسويتها مع العائلة، يمكن تسميته بأحد أصعب أيام العام.بينما تكرر أماني (اسم مستعار) من القاهرة ذات الشكوى، حيث تعتبر يوم الذبح يوماً مرهقاً وقاتلاً، الأب والأخ يقفان مع الجزارين أثناء الذبح ثم يحضران اللحمة إلى المنزل لتقوم أماني وأمها بتوضيبها وتقطيعها في أكياس استعداداً لتوزيعها.
لدى أماني حساسية تجاه الدماء فهي لا تحب رائحتها ولا رؤيتها ويرعبها منظر الشوارع التي تشبه ساحات الإعدام الجماعي في هذا اليوم، لا سيما مع قلة الاهتمام بالممارسة البيئية والصحية لما بعد الذبح كالتعقيم والتنظيف.
ولا تختلف الأقاليم كثيراً عن القاهرة، سارة (اسم مستعار) لشابة كانت تقيم في إحدى القرى قبل انتقال عائلتها للعيش في القاهرة.
تقول "زمان كنا نقيم في بيت العائلة، وفي الطوابق السفلى كان يقيم أعمامي وزوجاتهم، وفي يوم العيد تأتي عماتي الخمس المتزوجات مع عوائلهن للزيارة، أمي وزوجات أعمامي كنّ يتحملن كافة المسؤوليات لتحضير العيد لهذا العدد الكبير من الأشخاص، من الخَبز بكميات مهولة منذ الفجر، إلى تجهيز الأضاحي والاهتمام بأكلها وتنظيفها، إلى تحضير مكان الوليمة لكل العائلة".
أما في صباح العيد بعد الصلاة، والذي تصفه سارة بـ"منتهى البهدلة اللي في الدنيا"، فتنظف فيه والدتها وزوجات أعمامها الذبيحة واللحوم ومخلفات الذبح مع رائحتها "البشعة" على حد وصفها، والتي لم تكن والدتها تتحملها، فكانت تخرج من حين لآخر لاستنشاق الهواء.
كانوا أكثر من ثلاثين شخصاً، تقول.
في الصباح يقدمن إفطاراً يحتوي على الكبدة وبعض اللحوم البسيطة، ثم في موعد الغداء تقوم النساء بإعداد الطعام وتجهيز الفتة واللحوم لكل الموجودين في البيت، وبين الوجبات يتم تنظيف مخلفات اللحوم كالممبار والكرشة وتحضير اللحوم للتوزيع، ثم يحضرن العشاء وينظفن المنزل.
أما الرجال فكل ما يفعلونه هو تناول الإفطار ثم توزيع اللحوم على الأقارب.
أعباء نفسية أيضاً
تَحمُّل هذه المهام المنزلية يؤثر على صحة المرأة النفسية ويسبب ما يوصف بـ"الاحتراق الداخلي"، بحسب الطبيبة النفسية نهال زين التي قالت لرصيف22: "من الطبيعي أن يتعرض أي إنسان يتحمل فوق طاقته لما يسمى بالاحتراق الداخلي Burn Out وهو يصيب من يتعب لفترات طويلة دون راحة أو إجازة، كالذين يعملون في أكثر من مهنة. كذلك يصيب الأمهات اللواتي لديهن وظائف وأطفال ويعتنين بأحد كبار السن في الأسرة".وتعّرف زين الاحتراق النفسي الداخلي أو الـ Burn Out بأنه ظاهرة نفسية يحمل المصاب بها مزاجاً سيئاً طوال الوقت، إضافة إلى معاناته بسبب الإجهاد والإعياء، فهو يشبه الاكتئاب لكنه ليس اكتئاباً وعلاجه أن يرتاح الإنسان ويأخذ إجازة من أعبائه.
ولفتت إلى أن ذلك لا يحدث لكل النساء، فهناك من تستمع بأداء هذه الطقوس ولا تعتبرها عبئاً، بل تضفي عليها بعداً روحانياً. كذلك ترى أن بعض النساء قد يكنّ مجهدات جسدياً إنما راضيات نفسياً وروحانياً ومستمتعات بالتجمع العائلي، بينما ستشعر من لا تتقبل هذا التعب بالإعياء الشديد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...