في بيان مقتضب، أعلنت محافظة البحر الأحمر مساء الجمعة الأول من يوليو/ تموز، عن إغلاق شواطئ منطقة سهل حشيش في مدينة الغردقة، بعد تعرضت سائحة نمساوية الجنسية، لهجوم سمكة قرش. وسارعت السلطات الطبية في مصر إلى الإعلان عن أنه جرى نقل السائحة في طائرة إلى بلادها لتلقي العلاج، فيما أظهر فيديو التقطته سائحة روسية كانت شاهد عيان على الحدث، أن السيدة التي تعرضت للهجوم لقيت مصرعها بعد دقائق من الهجوم الذي أسفر عن فقدها كميات كبيرة من الدماء نتيجة قضم السمكة لأطرافها، فيما كانت تزاول السباحة في المنطقة الآمنة من الشاطئ. وتراجعت المصادر الطبية لاحقاً عن ذلك التصريح معلنة عدد من التصريحات المتضاربة الأخرى.
سارعت السلطات الرسمية في البداية للإعلان عن نقل السائحة إلى بلادها لتلقي العلاج، قبل أن تتراجع عن هذا التصريح، مصدرة عدد من التصريحات المتضاربة الأخرى
إصرار على الإنكار
بحسب وكالة نوفوستي التي نقلت عن مصدر بالقنصلية الروسية في مصر، فإن السائحة النمساوية تعرضت لقضم ذراعها وساقها أمام الشاطئ المواجه لفندق "جرافيتي" سهل حشيش حيث تقيم مع زوجها المصري. ويظهر فيديو نشرته سائحة روسية ونقلته عنها قناة الحرة أن السيدة صارعت للوصول وحدها إلى الشاطئ ولم تتلق مساعدة من طاقم الإنقاذ أو شهود العيان.
وقالت السلطات المصرية في البداية أن السائحة توفيت إثر صدمتها وإحساسها بالرعب لاقتراب سمكة قرش منها خلال سباحتها في المياه، وذلك على لسان مصدر طبي لقناة العربية المملوكة للسعودية، بعدها قال مصدر آخر للقناة نفسها، إن السيدة نقلت لتلقي العلاج في بلادها على متن طائرة خاصة، إلى أن بياناً رسمياً صادر في السابعة من مساء يوم الهجوم، عن مستشفى النيل الخاصة بمدينة الغردقة – حيث نقلت السائحة- أفاد بأن السيدة إليزابيث سكوير (68 عاماً)، وصلت إلى المستشفى "في النزع الأخير"، و"فشلت محاولات الإنعاش الرئوي وتم إيداع جثمانها مشرحة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة"، ما ينفي التصريحات الرسمية حول نقلها على قيد الحياة إلى بلادها لتلقي العلاج.
وفي* تصريح مباشر لرصيف22، في اليوم التالي على الحادث (السبت 2 يوليو/ تموز)، قال دكتور إسماعيل العربي، وكيل وزارة الصحة بالبحر الأحمر، إن السائحة النمساوية توفيت قبل وصولها إلى المستشفى، موضحاً أن أسباب الوفاة بشكل قاطع يحددها الطب الشرعي. جاء هذا رداً على سؤال رصيف22 بشأن الإعلان سابقاً عن وفاتها بأزمة قلبية.
ويضيف العربي: "وصلت السائحة وهي شابة في العقد الثالث إلى مستشفى النيل التخصص مصابة في إحدى يديها وقدميها وفقدت الكثير من الدماء، ولكنها وصلت إلى المستشفى بعد أن فارقت الحياة وعلى الفور تم وضعها في ثلاجة مشرحة المستشفى لحين الانتهاء من الإجراءات اللازمة من أجل ترحيل الجثمان إلى موطنها".
تتناقض تصريحات العربي مع كون السائحة التي أعلن مصرعها، تبلغ الثامنة والستين من العمر، أي أنها في العقد السابع. هذا التناقض فسره بيان رسمي صادر عن وزارة البيئة المصرية مساء الأحد 3 يوليو/ تموز، أفاد بأن الهجوم أسفر عن مصرع ضحيتين.
يظهر فيديو نشرته سائحة روسية ونقلته عنها قناة الحرة أن السيدة صارعت للوصول وحدها إلى الشاطئ ولم تتلق مساعدة من طاقم الإنقاذ أو شهود العيان
سوابق مصرية
فور الحادث، أصدر اللواء عمرو حنفي محافظ البحر الأحمر قرار رقم 534 لسنة 2022 بإغلاق المنطقة الممتدة من شمال دشة الضبعة، وحتى شمال خليج مكادي أمام كافة الأنشطة المرتبطة بالرياضات البحرية (السباحة والغطس والصيد والباراشوت والألعاب المائية... إلخ) لمدة ثلاثة أيام قابلة للتمديد، وتشكيل لجنة متابعة من باحثي البيئة بالمحميات الطبيعية بالبحر الأحمر بالتعاون مع جمعية الحفاظ على البيئة "هيبكا" للرصد والمتابعة المستمرة، والتأكيد على المراكب عدم إلقاء أية مخلفات بمياه البحر ، وتسليم مخلفات المراكب للمراسي عند العودة مع إعداد تقرير يومي بذلك.
يشي قرار المحافظ إلى معالجة ما توصلت إليه السلطات المصرية من أسباب وراء سلسلة هجمات سابقة شهدها البحر الأحمر من أسماك القرش في العام 2010، والتي أرجعتها السلطات وقتها إلى "إلقاء مخلفات الخراف النافقة في البحر الأحمر، ما اجتذب الأسماك المفترسة وأثار شهيتها" بحسب تصريحات رسمية في ذلك الوقت.
وتعد الشواطئ المصرية على البحر الأحمر، هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تشهد حتى الآن هجمات متباعدة من أسماك القرش تجاه البشر. ففي العام 2004، وقعت سلسلة من الهجمات المتفرقة ف يمدينة شرم الشيخ، أثارت اهتمام الإعلام العلمي وقتها، وتسببت في وقف كافة الأنشطة البحرية في المدينة التي كانت تحظى وقتها باهتمام خاص من السلطات المصرية ومكانة مميزة عالمياً باعتبارها المقر المختار للرئيس المصري - وقتها- وعائلته (عائلة مبارك).
لكن هجوماً جديداً في أغسطس/ آب 2011، كشف عن أن السياج ومعدات المراقبة الحديثة وأجهزة الاستشعار البحرية للإنباء المبكر عن اقتراب أسماك القرش التي زعمت السلطات نشرها في العام 2010، لم تكن أكثر من تصريحات إعلامية لم يجر تنفيذ أي منها
بعدها تكررت الهجمات في المنطقة نفسها في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2010، وبدأت بمقتل سائحة ألمانية، وتلتها عدة هجمات أخرى أسفرت عن فقد 4 سائحات روسيات وسائح أوكراني واحد أطرافهم، عن قبل أن تتحرك السلطات المصرية لإغلاق الشاطئ وأعلنت السلطات وقتها عن إقامة سياج في مواجهة شواطئ محافظة جنوب سيناء (التي تتبعها شرم الشيخ) لضمان وقف أية هجمات مستقبلية من أسماك القرش على مرتادي شواطئ المدينة السياحية المهمة.
لكن هجوماً جديداً في أغسطس/ آب 2011، أي بعد عام واحد، كشف عن أن السياج ومعدات المراقبة الحديثة وأجهزة الاستشعار البحرية للإنباء المبكر عن اقتراب أسماك القرش التي زعمت السلطات نشرها في العام 2010، لم تكن أكثر من تصريحات إعلامية لم يجر تنفيذ أي منها.
تكررت الهجمات التي تتسبب في مقتل أو بتر أطراف سائحين في مارس/ آذار، ثم أغسطس/ آب 2015، ويونيو/ حزيران 2016، ثم أغسطس 2018.
ووقعت ثلاثة هجمات جديدة لأسماك القرش في العام أكتوبر/ تشرين الأول 2020 على مرتادي شواطئ محمية رأس محمد، التابعة لمحافظة جنوب سيناء. والاستثناء الوحيد كان لهجمة قرش على شواطئ البحر المتوسط في مناطق الساحل الشمالي في العام الماضي 2021، وكان ضحيتها غواصاً مصرياً.
مسؤولون: لا تقلقوا
يقول رامي فايز، عضو مجلس إدارة غرفة الفنادق بالبحر الأحمر: "مصر يزورها قرابة 13 مليون سائح وسائحة من جميع أنحاء العالم، وما حدث برغم صعوبته؛ إلا أنه حادث عارض ولا يمكن تعميمه أو اعتباره مؤشر خطر خاصة أنه تم اتباع البروتوكول الوقائي المعمول به في كل أنحاء العالم بمنع الوصول إلى الموقع الذي وقعت فيه الحادثة، فضلا عن التحركات من الجهات المختصة بتتبع سير القرش".
ويضيف فايز: "فور وقوع الحادثة تم التعامل معها بشكل جاد حيث تم نقلها إلى المستشفى لتلقي العلاج ومن ثم التواصل مع السفارة التابعة لها لإبلاغها بوقوع الحادثة".
أما عن إنشاء سياج لمنع وصول القروش إلى الشواطئ يقول فايز: "في هذه المرحلة لا يمكن الاعتماد على عمل سياج، خاصة أنه ما زال البحث جارياً حول الواقعة في حد ذاتها. كما أن هناك بعض الفنادق والشواطئ تضع سياجاً بالفعل، لكن في بعض الأماكن المفتوحة لا يمكن وضع السياج، وهنا يجب أن أؤكد أن الحادثة لا تشير إلى أن هناك خطر كبير تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية السياح ووزارة البيئة تحركت بالفعل وتم منع وصول المراكب أو الرحلات السياحية إلى تلك المواقع، وارد أن توجد بها أسماك القرش".
ومن جانبه يقول دكتور محمود عبد الراضي مدير المعهد القومي لعلوم البحار بالغردقة، إن أسماك القرش تتواجد بشكل عام في جنوب مرسى علم وبعض المناطق في شرم الشيخ، لكن الأمر لا يدعو للقلق "هذا النوع من الحوادث لا يقع في مصر فقط إنما في كل العالم، أسماك القرش تتواجد وتمر في البحر الأحمر بشكل اعتيادي لكن لا يتم مهاجمة البشر بشكل دائم".
لكن بحثاً باللغتين العربية والإنجليزية في مصادر الأخبار العالمية، يكشف أنه لم تسجل أية حوادث في مناطق غير مصرية خلال السنوات ال15 الأخيرة.
وعن أسباب هجوم أسماك القرش، يقول مدير المعهد القومي لعلوم البحار بالغردقة: "هناك أسباب مختلفة، على رأسها تغيير الطبيعة الغذائية للحيوان من خلال تقديم بعض السياح الطعام للقروش وهو ما يجعله يعتاد الذهاب إلى أماكن بعينها للحصول على الطعام وعندما لا يجد الطعام الذي يقدم له يبدأ في الهجوم على البشر".
وطالب دار بضرورة العمل على إغلاق المنطقة التي تم شن الهجوم فيها ضمن الإجراءات الوقائية لتتبع مسار القروش التي تزور تلك المواقع، لأنه في بعض الأحيان يكون هناك قروش لم تقوم بأي هجمات على بشر وتتعايش في تلك المواقع بأريحية لذا يجب أن يكون هناك تحرك فوري ومسح للمنطقة بشكل كبير والعمل جنبا إلى جنب مع المحميات الطبيعية ومراكز الغوص حتى لا تتكرر تلك الحادثة مرة أخرى.
وفي هذا الصدد يستكمل كابتن حسن الطيب، رئيس مجلس إدارة جمعية الإنقاذ البحري وحماية البيئة السابق والخبير في الإنقاذ البحري والغوص السياحي، جملة الإجراءات الوقائية لحماية البشر من هجمات القروش قائلا: "بداية علينا أن نعي أن هجمات القروش متواجدة حول العالم ولا تقع في مصر فقط، وهناك أسباب مختلفة وكثيرة جدا تتسبب في شن هجوم من أسماك القروش المختلفة على البشر، كما أننا لا نملك بحوث علمية ومحددة يقوم عليها مصريين بشكل دوري وهو جانب سلبي يجب الاهتمام به أكثر وتسليط الضوء عليه أكثر وأن نستغل ذلك النوع من الحوادث لتكثيف الاهتمام والعمل أكثر على البحوث العلمية".
أما عن الإجراءات الوقائية يقول الغطاس حسن الطيب: "فيما يخص الشواطئ يجب عمل سياج أو شباك على طول الشاطئ لحماية السائحين من أي احتمالات لهجمات القرش، أما فيما يخص التواجد داخل البحر لعمل سنوركلينغ أو الدايفينغ يجب أن يتواجد مع السياح زودياك ولانش سريع، فضلاً عن عودة جيت-سكي للإنقاذ والإسعاف الفوري".
--------------
(*) تم تحديث الموضوع وأضيفت الفقرة والتصريح عقب صدور بيان وزارة البيئة، ولم تكن تلك الفقرة مذكورة في نسخة سابقة
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه