شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
من مسنّين قادرين... رسالة أمل في الجامعة الأمريكية في بيروت

من مسنّين قادرين... رسالة أمل في الجامعة الأمريكية في بيروت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 28 يونيو 202203:33 م

لا يرتبط العلم والعطاء بعمر محدد، فمن يملك الإصرار والوقت قادر على تحقيق أهدافه مهما طال الزمن. هي ليست نظريةً أو اكتشافاً علمياً جديداً، لكن لدى البعض في عالمنا العربي قناعة بأن من يهرم يُصبح عاجزاً عن تقديم جديد، ومكانه المنزل، أو أي نوع من العزلة.

في المقابل، هناك فئة أخرى تؤمن بأن العمر فعلاً هو مجرّد رقمٍ، فمن يجيد لعبة الحياة ويهواها لن تهزمه سنوات العمر، لا بل سيعطي أكثر وسيساعد محيطه ولو كان فوق الثمانين، تماماً كالحالات التي نتحدث عنها في هذا التقرير.

طلاب جامعيون لا يقل عمر أصغرهم عن 57 عاماً، بعضهم بلغ 85 عاماً، تخرجوا من "جامعة الكبار" التابعة للجامعة الأمريكية في بيروت خلال العام الجاري، منهم من درس مواد متعلّقة بالفنون الجميلة كالرسم والتصوير إلى جانب الموسيقى في تجربة تعليمية أكاديمية جديدة عليهم، وآخرون كانوا في الأصل يمتلكون هواية الرسم والموسيقى لكن ظروف حياتهم خلال مراحلها السابقة لم تتِح لهم إبراز مواهبهم، وحين تقاعدوا من حياتهم العملية، حاولوا توظيف مواهبهم في مكانها الطبيعي.

مشاريع تخرّج خيرية

55 طالباً وطالبةً من المسنين تخرجوا هذه السنة، اجتمعوا في معرض "الأصوات من خلال الفن" داخل قاعة "ويست هول" في الجامعة الأمريكية، خلال الأسبوع المنصرم، ليشاركوا بـ70 لوحةً فنيّةً إلى جانب عدد من الصور الفوتوغرافية، تُعدّ جميعها بمثابة مشروع تخرّج.

55 طالباً وطالبةً من المسنين تخرجوا هذه السنة، اجتمعوا في معرض "الأصوات من خلال الفن" في الجامعة الأمريكية، ليشاركوا بـ70 لوحةً فنيّةً وصوراً فوتوغرافية

"ما يميّز هذا المشروع أنه مختلف عن مشاريع الجامعة التقليدية، فقد عُرضت أعمالهم الفنيّة للبيع بأسعار ترواحت بين مئتي دولار أمريكي كأقل سعر، ووصلت إلى مبالغ أكبر من ذلك حسب كل لوحة. المبالغ التي دُفعت خلال المعرض لم تتم معرفتها من قبلنا بشكل رسمي"، وفق ما تقول مسؤولة البرنامج في جامعة الكبار، مايا أبي شاهين، لرصيف22.

وتضيف: "نسبة كبيرة من اللوحات بيعت أيام المعرض، الأسبوع الماضي، وبأسعار جيدة، وهناك عدد قليل من اللوحات لم يُبع، وهذه سنعرضها على موقع هيلب إيج إنترناشونال www.helpage.org))، إذ لاحظنا أن اللبنانيين بشكل خاص والعرب بشكل عام مهتمون جداً بدعم هذا المشروع الخيري الذي تبرّع فيه الفنانون المشاركون لمساعدة مسنين مثلهم يقبعون في فراشهم المرضي ومعظمهم ليس لديهم معيل أو حق دواء وإجراء فحوصات دورية، في بلد هو أصلاً في غيبوبة".

دعم المرضى

في الواقع، إدارة الجامعة (أي جامعة الكبار)، وحتى الفنانون الطلاب المشاركون، لم يطلعوا على المبلغ الذي تم جمعه، لأن الأشخاص الذين اشتروا اللوحات دفعوا مباشرةً وبطريقة سرّية إلى صندوق عيادة "الغولد كلينيك" المتخصصة في معالجة كبار السن وفق كلام يارا يزبك، وهي إحدى المشرفات على المعرض. وتضيف: "هناك مبلغ كبير نوعاً ما لكن لم نعرف قيمته الإجمالية بشكل رسمي، لأن كل شخص دفع مبلغاً معيناً وكل لوحة بيعت وفق نوعيتها كذلك الصور الفوتوغرافية، وهناك طلاب يدرسون في الجامعة أونلاين لأنهم يعيشون في الخارج قدّموا أعمالهم، بينهم المصور المخضرم والنقيب السابق جمال الصعيدي الذي قدّم ثلاث صور لدعم المعرض".

و"غولد كلينيك" هي مبادرة إنسانية يقودها الطلاب في كلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، تستهدف كبار السن في لبنان، من خلال أقسامها الطبية والاجتماعية، ومهمتها تحسين صحة كبار السن لديهم ورفاهتهم، وإعطاء الأولوية للتركيز على المحرومين بينهم، أي لمن ليس له معيل ولا مدخول سيّما أن جميعهم في مراحل عمرية متقدمة جداً.

متقاعدون يتجاوز عمر بعضهم 85 عاماً، انتسبوا إلى جامعة الكبار وصقلوا مواهبهم، قرروا عرض ما أنتجوه من لوحات وصور، ليساعدوا من خلالها مسنّين عاجزين... متقاعدون يقولون إن الأمل لا زال موجوداً في بلاد تغرق بالظلام شيئاً فشيئاً 

ووفق دراسة ميدانية أجراها مركز "مرصد الأزمة" التابع للجامعة الأمريكية في بيروت، نُشرت على موقعه الرسمي مطلع العام الجاري، أظهرت أنّ "لبنان واحد من بين 16 دولةً في العالم لا تقدّم الضمان الاجتماعي، وفقاً لمنظمة العمل الدولية. والجمهورية اللبنانية تضمّ رقماً كبيراً من المسنّين نسبةً إلى المنطقة، وبيّنت الدراسة أن 11 في المئة من سكانه هم فوق سن الـ65. وتتوقع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا أن يرتفع هذا الرقم إلى 23.3 في المئة بحلول عام 2050، وطبعاُ بسبب هجرة الشباب المتصاعدة.

متقاعدون فنانون

مرام قبيسي (85 سنةً)، هي واحدة من الفنانات المشاركات بلوحتين، تقول لرصيف22، إنها "واحدة من الداعمين والداعمات لهذا المعرض وأي معرض خيري يساهم في مساعدة العجزة المحتاجين"، لافتةً إلى أنها "كانت تجيد الرسم منذ زمن طويل لكني صقلت موهبتي أكثر خلال دراستي في الجامعة التي انتسبت إليها قبل عشر سنوات، وفي كل سنة اختار مواد جديدةً لتعلّمها لكن تبقى دروس الفنون هي الأقرب إلي".

وكان لافتاً في المعرض المشاركة النسائية، وكان حضورهن طاغياً بشكل تام باستثناء رجل واحد هو عميد سابق، والذي شارك بصورة فوتوغرافية التقطها عند الفجر من منطقة الروشة.

"حين تقاعدت من منصبي كعميد في الجيش اللبناني قبل خمس سنوات، انتسبت إلى جامعة الكبار وكان هدفي تطوير موهبتي في الرسم والتصوير. الموهبة كانت موجودةً في أولى سنوات شبابي، لكني انشغلت في عملي العسكري ولم أجد متسعاً من الوقت لأطورها، وبعد التقاعد أصبح لدي الهدف والوقت لأستفيد من كل شيء أرغب في تحقيقه وبينها الرسم والتصوير"، يقول العميد المتقاعد حسن كريم، لرصيف22.

"غولد كلينيك" هي مبادرة إنسانية يقودها الطلاب في كلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، تستهدف كبار السن في لبنان، من خلال أقسامها الطبية والاجتماعية

وعن الصورة التي التقطتها ولاقت إعجاباً كبيراً من الحضور، يقول: "كانت عفويةً، جرت العادة أن أخرج كل يوم عند الصباح الباكر لأمارس الرياضة وفي أحد الأيام كان الطقس صافياً ومشهد بزوغ الشمس متناغماً مع صفاء السماء والتقطت الصورة التي ظهرت فيها منارة الروشة المعروفة ومن بين الصور الكثيرة التي التقطتها سابقاً واخترتها لأشارك من خلالها في المعرض وحققت نجاحاً".

رسالة أمل

وفق معظم المشاركين/ ات، فإن "نسبة الحضور كانت كبيرةً جداً وهو أمر إيجابي حمل رسالة أمل لا سيّما في الظروف الاقتصادية التي تضرب لبنان منذ أكثر من سنتين، وبالرغم من ذلك، لا تزال هناك روح تريد العيش بكرامة وحب، فأصحاب اللوحات والصور مسنّون لم يستسلموا لأي ظرف بل على العكس تمسكهم الجميل بالحياة هو رسالة إلى الشباب بعدم اليأس والإستسلام، ومن ناحية أخرى الإقبال الكثيف على المعرض وعملية الشراء، دليل على أن المواطن اللبناني لا يزال يهتم بالعمل الخيري ويقدّر الفن بالرغم من كل الظروف، وجميل أن تأتي مبادرة من مسنين قادرين على العطاء إلى مسنين أترابهم عاجزين بسبب المرض والفقر من دفع فواتير أدويتهم".

تُعدّ جامعة الكبار في الجامعة الأمريكية في بيروت، الأولى من نوعها في لبنان والمنطقة، وتأسست على يد الدكتورة في العلوم الصحية، عبلا السباعي وزميلتها الدكتورة سينتيا ميندي.

وتسجّل الجامعة منذ إطلاقها في العام 2010 حتى اليوم، إقبالاً ملحوظاً، ومعظم طلابها فوق السبعين مع العلم أنها تقبل من هم فوق الخمسين. عدد الطلاب يصل إلى نحو 500 شخص سنوياً، ولا يقل الفصل الواحد عن 100 طالب، وفق كلام مسؤولة البرنامج مايا أبي شاهين، مشيرةً إلى أن "أقساط الجامعة بالرغم من أنها تابعة للجامعة الأمريكية لكنها رمزية، ولا تتجاوز كلفة الفصل أكثر من 400 ألف ليرة لبنانية (أي نحو 20 دولاراً أمريكياً وفق سعر الصرف الحالي)".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image