وكأن قدر اللبنانيين الخروج من أزمة للدخول في أخرى أشد وطأة، فيشهد لبنان منذ العام 2019 انهياراً اقتصادياً متسارعاً هو الأسوأ في تاريخ البلاد، فاقمه انفجار مرفأ بيروت وإجراءات مواجهة فيروس كورونا، فيما حال الصراع على الحصص والنفوذ بين القوى السياسية اللبنانية دون العمل على أي خطط جدية للتعافي،.
أزمة لبنان الاقتصادية والمالية الحالية صنّفها البنك الدولي من بين أشدّ عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم، منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وفي ظل سوداوية المشهدين السياسي والاقتصادي، وأوضاع اجتماعية واقتصادية متردية وأمن اجتماعي هش، قررت جمعية "بِما" بالتعاون مع جامعة القديس يوسف، وبرعاية رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، وبدعوة من وزارة الثقافة، وضع الحجر الأساس لمتحف بيروت للفن الحديث والمعاصر "BeMA"، في منطقة "المتحف".
في ظل سوداوية المشهدين السياسي والاقتصادي، وأوضاع اجتماعية واقتصادية متردية وأمن اجتماعي هش، قررت جمعية "بِما" وضع الحجر الأساس لمتحف بيروت للفن الحديث والمعاصر "BeMA"
متحف يسعى لتغيير المشهد الثقافي
هذا المتحف المقرر افتتاحه في العام 2026 يعتبره مؤسسوه فعل مقاومة للجهل ورفض لأي تهديد للتعدّديّة الثقافية. يؤكد القيمون على متحف "BeMA" أنّه متحف سيؤدي دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية، ويكون أداة جوهرية للمجتمع المدني ويسهم في تغيير المشهد الثقافي ورفع مستوى الحريات ومعالجة شتى القضايا الإنسانية والاجتماعية.
وذلك عبر برمجة واسعة ومتنوعة بدأت بها جمعية "بِما" منذ سبع سنوات، في مناطق لبنانية مختلفة وبمشاركة المجتمع المدني وبدعم من فنانين لبنانيين ومؤسسات ثقافية وفنية متعددة، سمحت للفن أن يكون في متناول الجميع.
هي برمجة يحرص مجلس إدارة "بِما" على أن توازي بين الرقمي والواقعي، وتعيد بناء الجسور بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتساهم في حفظ التراث الإنساني اللبناني وتطوّره وتعزيز البحث والتواصل والحوار والابتكار.
جمعية "BeMA" أداة جوهرية للمجتمع المدني
جمعية "BeMA" هي منظمة غير حكومية لا تتوخّى الربح، أسستها في العام 2017 ساندرا أبو ناضر وريتا نمّور، بهدف بناء متحف للفن الحديث والمعاصر لمدينة بيروت، ليكون مركزاً ثقافياً وتعليمياً على أرض استراتيجية لها رمزيتها في منطقة المتحف، وضعتها جامعة القديس يوسف تحت تصرّف الجمعية.
وقّع متحف "بِما" مع وزارة الثقافة اللبنانية اتفاقاً لحفظ وترميم حوالى ثلاثة آلاف لوحة ومنحوتة لرواد الفن التشكيلي في لبنان من الأعمال الحديثة والمعاصرة من مجموعة الوزارة الخاصة، وذلك بأحدث الطرق التكنولوجية الحديثة وبإشراف خبراء محليين ودوليين
يدير هذه الجمعية الخاصة ويموّلها مجلس إدارة مؤلف من 17 عضواً، جميعهم يعملون في القطاع الخاص ويؤمنون بأن الثقافة هي أحد الأصول الاستراتيجية لبناء مدن شاملة ومبتكرة ومستدامة تعزز الشعور بالهوية.
مقاربة معاصرة
يتطلّع متحف "بِما" من خلال مبناه الذي صمّمته المهندسة أمل أندراوس، العميدة السابقة لكلية الهندسة في جامعة كولومبيا في نيوريورك، والمستشارة الخاصة لرئيس الجامعة، ليكون معاصراً بصيغته ومقاربته الثقافية.
قالت أندراوس: "صُمّم مبنى المتحف لتكون أبوابه مفتوحة للجميع ومتاحاً لكل فرد، وليدعو الفن وتبادل الثقافات والحضارات لتكون في صلب الحياة اليومية في العاصمة بيروت وفي حرم جامعة القديس يوسف. بُنيت الهندسة المعمارية للمتحف على أساس الحوار بين ماضي المدينة الحضري والتاريخي وحاضرها الحيويّ، وبذلك يأتي التصميم كدعوة لتخيل مستقبل زاهر متفائل وأمل مرجو للبنان".
حفظ وترميم 3000 لوحة ومنحوتة
وقّع متحف "بِما" مع وزارة الثقافة اللبنانية اتفاقاً لحفظ وترميم حوالى ثلاثة آلاف لوحة ومنحوتة لرواد الفن التشكيلي في لبنان من الأعمال الحديثة والمعاصرة من مجموعة الوزارة الخاصة، وذلك بأحدث الطرق التكنولوجية الحديثة وبإشراف خبراء محليين ودوليين. على أن تعرض المجموعة لاحقاً في المتحف بعد افتتاحه في 2026. هذه المجموعة توثق وتمثل تاريخ الجمهورية اللبنانية وتطوّرها.
لا يعتبر الفن ترفاً
قالت ساندرا أبو ناضر، المؤسِّسة بالمشاركة مع ريتا نمور لجمعية "بِما"، في حفل وضع حجر الأساس: "لا يعتبر الفن ترفاً. الفن هو وسيلة للسلام وهو ضرورة لسلامة ثقافتنا وتنميتنا ونوعية حياتنا ودورنا في العالم. وحدها البصمة الثقافية والفنية هي التي تبقى لتجسّد وتوّثق للحضارات والأمم مهما مرّت بحروب واضطرابات، ومتحف (بِما) وجد ليكون مساحة علم وعمل وثقافة وتطلّعاً إلى مستقبل إيجابي زاهر وإرثاً حضارياً للأجيال المقبلة".
متحف "بِما" ليس فعل مقاومة وصمود للبنان المنفتح فقط، بل هو مشروع يتحدّى العنف والتشاؤم والإحباط من باب الثقافة التي هي بحدّ ذاتها رصيد وذخيرة استراتيجية لبناء بلدان ومدن ومجتمعات أكثر انفتاحاً وإبداعاً واستدامة
أما ريتا نمور فقالت إن وضع الحجر الأساس لمتحف "بِما" اليوم، هو تتويج لمسار رسمناه وخطّتنا له أنا وساندرا أبوناضر معاً، منذ أكثر من سبع سنوات، وتحديداً ليكون منصة للتربية الفنية والمدنية والثقافية بالتعاون الوثيق مع الفنانين والمؤسسات الثقافية والفنية. نحن مقتنعون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن المتحف يجب أن يكون ملتزماً بثقافة التغيير، وأن يكون منصة تأخذ بعين الاعتبار العالم الذي نولجه والقيم والمبادئ التي جعلت من لبنان منارة الشرق الأوسط".
تجاوز الانقسام وتحدي العنف والتشاؤم
ومن جهته، شدد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال احتفال وضع الحجر الأساس للمتحف، في موقع كان خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين العامين 1975 و1990، خط تماس بين طرفي بيروت المنقسمة، على رمزية إقامته في هذا المكان بالذات.
وقال: "صحيح أن تاريخنا شهد مشاكل، ولكن دائماً كنا ننهض". وأضاف أن "للثقافة في لبنان دوراً رئيسياً في إرساء حوار جامع بين كل الطوائف والمكوّنات اللبنانية، من أجل صون تاريخنا المشترك الحفاظ على هويتنا الوطنية وانتمائنا لهذا البلد". وأكّد أن هذا المتحف الذي يفتتح سنة 2026 "سيكون أرضاً مباركة لإسعاد الناس جميعاً من خلال الفن والثقافة التي لا لون لها ولا جنس ولا مذهب".
واعتبر وزير الثقافة، القاضي محمد وسام المرتضى، أن "متحف بيروت للفن (بِما) هو علامة فارقة من علامات انتظام الحياة الثقافية في لبنان". أما رئيس جامعة القديس يوسف، الأب سليم دكاش، فشدّد على أن "هذا المتحف هو فعل شراكة حقيقيّة بين القطاع الخاصّ والقطاع العامّ، بحيث تشاركت مجموعة من الشخصيّات اللبنانيّة في الوطن وفي الانتشار وأصدقاء لهم لكي يوظّفوا عاطفتهم وأحاسيسهم وقناعاتهم ومحبّتهم للفنّ والرسم واللوحة، وكذلك إمكاناتهم الماديّة لبناء المتحف... وهو فعل مقاومة في وجع التطرّف والجهل".
وقال جو صدّي، رئيس مجلس إدارة جمعية "بِما" في الاحتفال: "ليس صدفة أن نختار هذا التوقيت بالذات لوضع الحجر الأساس لهذا الصرح الثقافي الذي أردناه مساحة لقاء وحوار عابر للثقافات. متحف (بِما) ليس فعل مقاومة وصمود للبنان المنفتح فقط، بل هو مشروع يتحدّى العنف والتشاؤم والإحباط من باب الثقافة التي هي بحدّ ذاتها رصيد وذخيرة استراتيجية لبناء بلدان ومدن ومجتمعات أكثر انفتاحاً وإبداعاً واستدامة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون