المضطرب
منذ الأزل، كان هناك صراع مستمر بين الخير والشر، أو بين ما نقول عنه خيراً وما نقول عنه شرّاً، فنحن لا نعلم إذا كان شدّ شعر الجارة الفضولية خيراً أم شرّاً، ولا قطف الأزهار لصنع المشروبات ولا صيد الأرانب لصنع العشاء. لكن يبدو لي أنه صراع يفوز به دائماً الاكتئاب.
الاكتئاب والقلق من الحكم علينا من قبل المجتمع، قبل أن يتم شرحهما ودراستهما وفحصهما علمياً، على الرغم من ذلك، الخوف من الموت، والخوف من عدم القدرة على الإعالة، وخسارة المعارك مع الحاجات اليومية، كانت دائماً تسبب الألم المبرح الذي ينمو داخلنا يوماً بعد يوم ولا ينتهي أبداً.
الهدف من كل ما أقوله إنه تم تجاهله دائماً ببساطة حتى يومنا هذا، فنحن لا نتحقق من صحة مشاعرنا، وهكذا ينتهي بنا الحال إلى امرأة بفستان أسود وحوض استحمام مليء بالدم والماء، أو إلى طفل يعاني من مشاكل في وزن الجسم، مستلقٍ على سريره ويده مليئة بالحبوب وذهن يتلاشى مع مرور الثواني. لا أحاول إلقاء اللوم على أي شخص هنا، أو منحهم وقتاً عصيباً، خاصةً إذا كان شيئاً مروا به أو أن شخصاً ما يحبونه قد مر به وكافح لسنوات طويلة ولم يستمع أحد له وتم تجاهله.
ما أريد قوله حقاً هو أننا بحاجة إلى التوقف عن القلق من الحكم والقلق بشأن أشخاص لا نعتبرهم أشخاصاً حقاً، وأنا أعلم أن ما أقوله أسهل قولاً من فعله، ولكني سأتحدث عن المراحل التي مررت بها.
لكن مجرد ملاحظة سريعة قبل أن أبدأ الحديث. لم أتجاوز ذلك لكنني متأكد من أنني سأفعل ذلك بالتأكيد بمرور الوقت.
المرحلة الأولى: قبول التغيير
لقد مر وقت طويل منذ أن أرسل لك أي شخص رسالة نصية أو لا أو اتصل بك، فأنت تشعر بالوحدة كالجحيم، وتشعر بأنك مغمور وغير مرئي، بل وحتى أنك "لا أحد" حرفياً، وفي خطوة واحدة سريعة، قررت أنك بحاجة إلى التغيير، لأن الأشخاص من حولك لا يتحدثون إليك بسبب الطريقة التي تبدو بها، والطريقة التي تتعامل بها مع الأشياء، وتلك الهالة من الغضب الساخن التي تحيط برأسك، لذا عليك ببساطة أن تقرر حذف أو إخفاء شخصيتك، وإنشاء شخصية جديدة، ببساطة صنعك لكوب من القهوة في بداية كل يوم، أو دفن ملابسك الداخلية المملوءة بالسائل المنوي خلف الخزانة وارتداء غيرها جديدة، أو ببساطة الاستمناء في أي/كل مكان، ومن هناك يبدأ هذا الشخص المشوّه والمدمّر بالتشكل. يستغرق وقتاً طويلاً للعودة إلى ملابسك القديمة على أي حال.
منذ الأزل ، كان هناك صراع مستمر بين الخير والشر، أو بين ما نقول عنه خيراً وما نقول عنه شرّاً، فنحن لا نعلم إذا كان شدّ شعر الجارة الفضولية خيراً أم شرّاً، ولا قطف الأزهار لصنع المشروبات ولا صيد الأرانب لصنع العشاء... مجاز
تتجاهل إشارات التحذير في هذا الطريق الوعر والمقطوع الذي غالباً ما ينتهي بالضياع والهاوية، وتبدأ بالتسكّع مع نوع معين من الأشخاص، من النوع الذي يُعتبر "cool"، هذا النوع الذي يعتبر مشهوراً ومحبوباً على الرغم من أنه غبي مثل علبة الحليب المكثف أو مثل قنّ للدجاج في الطابق الثالث، إلا أنك تخفض من معاييرك وتبقى هناك، بينما تلقي سيارة التويوتا العالقة في الطين، الطين في وجهك، وتقول: "لا بأس، الأمر يستحق كل هذا العناء، ولكنه سيؤتي ثماره قريباً". ولكنه لا يفعل ذلك، الوقت العرص لا يفعل. الأمر الذي يأخذني إلى المرحلة التالية.
المرحلة الثانية: التعلق بجزيرة لتكتشف لاحقاً أنها حوت عرص مغطى بالرمل
لقد مر شهر تقريباً على الخروج من هذه الإخفاقات الثرية. الفاشلون المدللون الأوغاد شاربو المتة، الذين يقودون سيارات مرسيدس من التسعينيات كما لو أنها تضيف نوعاً من القيمة لهم، لدرجة أنهم يظنون أنها في الحقيقة أكثر رجولة من باقي السيارات وتمتلك خصيتين تحت دواليبها الخلفية، وحقيقة الأمر هي أنها قطعة خردة باهظة الثمن، و لكن أنت تريد واحدة الآن.
كم هو مثير للسخرية أنك كنت تسخر منهم، والآن صرت واحداً منهم، لذلك تبدأ في النظر إلى أي واحدة من السفن المارة لإنقاذك من تسونامي السخافة و الفشل، من القراءة والكتابة والقهوة والسباحة وصالة الألعاب الرياضية، أو حتى تغيير المدينة. المشكلة هي أن كل تلك السفن التي كنت تأمل أن تنقذك قد أبحرت وذهبت الآن. لذلك الآن كل ما تبقى لديك الآن هو هذه المجموعة الغبية من المتعثرين، حتى تقابل شخصاً صدفة، وأنت تريد حقاً أن يكون هذا الشخص مرساة لك، سفينة يمكنها مساعدتك وإنقاذك من هذا الفيضان النوحي، لذلك تبدأ بالاهتمام به كثيراً، بحيث تتجاهل كل علامة حمراء في هذه الصداقة، وجميع علامات التحذير، تتجاهل حتى ذيله الذي يتلوى والقرون الصغيرة التي بدأت بالنموّ على جبهته، وأنت تقنع نفسك فقط أن هذا الشخص مختلف عن ذاك، لكن لاحقاً تدرك أنه قد جاءت في هذه الأثناء مجموعة من السفن استجابة لاستغاثتك، إلا أنك لم تعرها أية أهمية، والآن هي أيضاً قد رحلت وأنت بمفردك مرة أخرى في نهر الجنون، لذلك ليس لديك فرصة سوى المحاولة والتأقلم مع الأخطاء التي قمت بها.
المرحلة الثالثة: الخطأ سيء للغاية ولكن له نوعاً من المعنى
لقد تركك الحوت الذي كنت تعتقد أنه جزيرة بمفردك مع فيضان متحرك، عندما تجد شخصاً آخر غمرته المياه مثلك تماماً، وتتمسكان ببعضكما البعض، ما يخلق درعاً ضد الفيضان، و عندما تعتقد أن الأشياء على وشك التحسن يصبح الفيضان أقوى، لذا تبدأ مرة أخرى في الالتواء والتحول في المياه الكثيفة من الدم والمال. لقد تأذيت بشدة لدرجة أنك قمت ببناء درع لا يمكن لأحد عبوره، لأنك تخشى أن يذهبوا ويتبولوا في روحك، وهذه هي النهاية بالنسبة لك، حرفياً النهاية. لم يعد بإمكانك تحمل ذلك، لذلك تفضل أن تتألم وتنزف بصمت خلف الأبواب المغلقة، من خلال الوسائد، والتحرك ببطء خلال الفيضان الذي أصابتك فيه صخرة وتوقفت فجأة، ولديك بعض الوقت لجمع بعض الخشب لبناء سفينة بمفردك، وهكذا تفعل، بيدين ملطختين بالدماء وروح ممزقة، تتحرك على أمل الأفضل.
المرحلة الرابعة: أنا مغرم جداً بما أنا عليه لدرجة أنني لست مستعداً لفقده فداء لجوقة الجنون هذه
بعد أن أصبحت هذه السفينة أكبر قليلاً وأصبحت أقوى، تتوقف عن البحث عن القبول من أي شخص، ولا تهتمّ حقاً إذا كان هاتفك قد رن مرة واحدة أو 1000 هذا الشهر. أنت فقط لا تهتم، و بل تفضل أن يكون لديك صديق واحد أو اثنان فقط يحبونك حقاً، على أن يكون لديك ألف شخص يعبثون بخصيتيك. وفي يوم من الأيام ستستيقظ وتقول: "إن داخلي هادئ حقاً، فأنا سعيد صامت وحدي".
عليك ببساطة أن تقرر حذف أو إخفاء شخصيتك، وإنشاء شخصية جديدة، ببساطة صنعك لكوب من القهوة في بداية كل يوم، أو دفن ملابسك الداخلية المملوءة بالسائل المنوي خلف الخزانة وارتداء غيرها جديدة، أو ببساطة الاستمناء في أي/كل مكان... مجاز
ذلك أنه لا أحد يهم أكثر منك، وما بداخلك أثمن من أولئك المرهِقين والمرهَقين.
المرحلة الخامسة: وإني لأحب نفسي كثيراً إلا أن الخذلان يؤلم أكثر
خلال السنوات السابقة حصلت على حصة كبيرة من الخذلان من العديد من الأشخاص وخيانة الثقة التي منحتها، وفي كل مرة حدث هذا فقدت جزءاً صغيراً من روحي، ونتفاً من قدرتي على التعامل بأريحية مع أي شخص و بدون حواجز الإسمنت والدم المتخثر التي على ما يبدو أنه حتى أنا لا أستطيع تجاوزها، وهذا واقع حزين، ألا تستطيع أن تثق بأحد وأن تقضي فترة الحزن عند موت شخص. هذا حزين و قاتل بنفس الوقت، قابل للتجاوز ولكن بأي ثمن؟ الثمن هو القطع القليلة الباقية من هذه الروح التي تمزقت كما يتمزق شراع السفن (أي تعبير مضحك هذا). حقيقة، إن هذه سخافة برأيي، لأنه من الصعب جداً أن تتجاوز هذا الموضوع و بصراحة كاملة ليس لدي نهاية لأضعها هنا، أو حكمة عظيمة على شاكلة "لا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد"، أو الوقت كالسيف"، إنها، أقصد الحياة العاهرة التي نحياها جميعاً هاهنا، تشبه بحق لعبة البوكر، لذلك سأتوقف عن الكلام الآن، وأبحث عن سيف أقطع به هذا الوقت الرديء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...