في عالم يقدّس الأمهات، لم أجرؤ حتى على الاعتراف أمام نفسي بأني لم أكن سعيدة بأمومتي، وبأنّي أمضيت فترة طويلة بعد ولادة طفلتي الأولى عاجزة عن أن أكون نفسي، حتى أيقنت في النهاية أنّه من الصعب جداً أن أكون أمّاً وامرأةً في الوقت نفسه.
وفي مرّات كثيرة، كان عليّ أن أفاضل بين أمومتي وأنوثتي، لأختار أمومتي بدافع الواجب فقط لا الرغبة. ولو كان لي حريّة الخيار، لفضلت تناول فطوري صباحاً على أنغام أغاني فيروز الهادئة بدلاً من حفلة الصراخ والبكاء التي لا تنتهي، والتي لم تكن إلّا "بروفا" تمهيدية لعالم الأمهات الصاخب جداً. العالم الذي إذا دخلتِه، لن تخرجي منه أبداً.
في مرّات كثيرة، كان عليّ أن أفاضل بين أمومتي وأنوثتي، لأختار أمومتي بدافع الواجب فقط لا الرغبة. ولو كان لي حريّة الخيار، لفضلت تناول فطوري صباحاً على أنغام أغاني فيروز الهادئة بدلاً من حفلة الصراخ والبكاء التي لا تنتهي
سألني مرّة أحد أصدقائي عن إحساسي تجاه أمومتي. رأيت الدهشة تعلو وجهه عندما أجبته بأنه إحساس دائمٌ بالعجز، وشعورٌ كاملٌ بالنقص وعدم الكفاءة، وأنّ عالم الأمهات المقدّس ليس حقيقياً، وأنّ الكمال المفروض علينا، حقيقةً، يشعرنا بالإحباط. فنحن لسنا قادرات، مهما اجتهدنا، على البقاء ضمن القالب الضيق جداً المخصص لنا كأمّهات مثاليات. وأي خروج للتنفس مهما كان بسيطاً يعني بلا شك خروجاً من دائرة الكمال المنشودة.
الكثير من النساء عاجزات عن الحديث عن تجاربهنّ الصعبة مع أمومتهن لأنهن ببساطة لن يضحين "بالجنة الموعودة" مقابل قليل من الصدق بشأن إحساسهن الداخلي. وكثيرٌ من النساء وسِمن بالعار لبقية حياتهن لأنهنّ قررن الهروب من أمومتهنّ. هذه الفكرة المتجذرة في جميع أنحاء العالم عن الأم ليست من صنع الدين فقط، بل هي أيضاً نتاج أفكار فلسفية ونفسية واجتماعية وحتّى أدبية وسينمائية. جميع هذه العناصر حوّلت الأمّ المثالية إلى تلك النسخة الراضية ذاتها.
العالم الموازي للأمهات
تسألني طفلتي ذات السبعة أعوام هل كنت أمتلك باباً سحرياً أغادر من خلاله المنزل إلى عالم آخر، بينما كنت أحاول الخروج على رؤوس أصابعي من غرفتها، لأشعر حقاً أنني أمتلك عالماً موازياً أعيش داخله حالما تخلد طفلتي للنوم. في هذا العالم الموازي، لا قوانين، ولا قائمة طويلة من الممنوعات. في هذا العالم، أتصرف على سجيتي دون خوف أو قلق من أن أكون القدوة الخطأ. أتذمّر، أشتم، أضع قدمي على الطاولة، وآكل مباشرة من مرطبان المربى، أمسح فمي بطرف كمّي كي لا أفوّت مشهداً من فيلمي المفضّل، أرقص على أنغام أغنيتي المفضلة وأنا أبكي بحرقة. حتّى ضجرت من الاختباء وقررت أخيراً أن أمسك بيد طفلتي وأدخلها إلى عالمي الخاص.
هل نحتاج فعلاً لكل تلك المثاليات التي تجعل حياتنا معارك قصيرة وطويلة نخوضها كل يوم ثم نُهزم؟ هل نحتاج حقاً لقائمة طويلة من الإنجازات اليومية التي لا تفعل شيئاً سوى أنها تصيبنا وأطفالنا بالإحباط؟ الكثير من النساء عاجزات عن الحديث عن تجاربهنّ الصعبة مع أمومتهن لأنهن ببساطة لن يضحين بالجنة الموعودة مقابل قليل من الصدق بشأن إحساسهن الداخلي. وكثيرٌ من النساء وسِمن بالعار لبقية حياتهن لأنهنّ قررن الهروب من أمومتهنّ
أعتقد أنّ الأطفال يحتاجون إلى حبّنا، إلى الحبّ أكثر من أيّ شيء آخر. ويحتاجون بعد ذلك إلى التقبل، تقبل أخطائنا قبل أخطائهم، المشكلة ليست في أن نخطئ أمامهم، لأنّ تصوير العالم لهم على أنّه عالم وردي لا أخطاء فيه لن يفيد شيئاً. لنخطئ إذاً، ولكن لنعلّمهم كيف نعتذر، كيف نتراجع عن أخطائنا، وكيف أننا دائماً جاهزات للبدء من جديد.
أمّ سعيدة، تغني، وتستمع أحياناً لموسيقى صاخبة متمايلةً على أنغامها بخفة، أمّ تجري خلف الكرة بعد أن تنتزع حذاءها ذا الكعب العالي. ستقدر حتماً على جعل حياة أطفالها أجمل بكثير من أمّ تحمل دائماً معها وأينما ذهبت قائمة لا تعد ولا تحصى من التوصيات والتعليمات التي تعتبر في كثير من الأحيان مخالفة. والمضحك هو أنها غير مقتنعة بأكثرها، وأنّها فقط تخاف أن تحمل معها إلى السرير لقب "الأمّ السيئة".
طعن المثاليات بدلاً من طعن الأمومة
لنعترف جميعاً كأمهات أننا سنفقد السيطرة مرات كثيرة. سنتذمر من موعد دخول أطفالنا الحمام الذي دائماً يتزامن، بالصدفة، مع وضعنا لأول لقمة في فمنا. وسنقف بالتأكيد في السوبر ماركت عاجزات نحدق بالوجوه ونبتسم ابتسامات صفراء ونصطنع حركات بأيدينا ووجوهنا تدل على أن كل شيء تحت السيطرة. ونحن، بالحقيقة، لا نعرف كيف علينا أن نتصرف. وفي داخلنا، بدأنا بتلاوة كل الصلوات التي تخصنا ولا تخصنا لتحصل معجزة وتنتهي نوبة "النق" المباغتة والمجهولة الأسباب التي يبدأها أطفالنا. لماذا علينا الاعتقاد أن طلب الطعام من قبل أطفالنا في منزل الجيران عيب يستدعي منّا الخجل. بعد عقوبة قاسية في المنزل، سيتعلّم طفلك ألا يطلب، ولكنّه سيتعلّم أيضاً أن يخفي رغباته مهما كانت بسيطة. لنغيّر الهدف قليلاً، وبدلاً من محاولة صنع أطفال على المسطرة، لنجرّب بناء أطفال أقوياء، متعاطفين، متصالحين مع أنفسهم ومع أخطائهم. المقاييس التي يستخدمها المجتمع ليعطيك لقب "الأمّ الصالحة" ليست عادلة إطلاقاً، لأنّها جميعاً مرتبطة بمدى استجابة طفلك للتعليمات. وقليلون جداً من ينظرون إلى الجانب الآخر، إلى الطفل القوي الذي لديك، إلى الطفل الواثق وغير الخائف الذي يستطيع قول "لا" ببساطة ودون قلق.
أمّ سعيدة، تغني، وتستمع أحياناً لموسيقى صاخبة متمايلةً على أنغامها بخفة، أمّ تجري خلف الكرة بعد أن تنتزع حذاءها ذا الكعب العالي. ستقدر حتماً على جعل حياة أطفالها أجمل بكثير من أمّ تحمل دائماً معها وأينما ذهبت قائمة لا تعد ولا تحصى من التوصيات والتعليمات
لا شيء تحت السيطرة في عالم الأمهات، علينا فقط أن نعترف بذلك على الملأ، أن نزيح ثوب المثالية والقوالب الجاهزة ونكون كما نحن أمام أطفالنا. علينا حقاً أن نعدّل نظرة المجتمع للمثالية التي يجب أن لا تقاس بابتسامة الرضا البلهاء التي ترسمها الأم.
أن تكوني أمّاً مثالية لا يعني أن تسمحي لابنك بالاعتداء على خصوصيتك أو جعله يشعر للحظة أن اللقمة التي تضعينها في فمك هو أحق بها، ليس علينا أن ننهك أنفسنا بأداء الواجبات التي عليهم بأنفسهم القيام بها. وعلينا أن نعرف جيداً كيف نمسح الدهشة عن وجوهنا إذا ما رأينا أمّاً تسمح لطفلها بإعداد طعامه بنفسه. علينا أن نمسك بيد أطفالنا ليتعلموا المسؤولية وكيفية أداء واجباتهم بأنفسهم.
عالم الأمهات هو مقدّس حقاً ولا علاقة للمثالية بذلك. الرابط الوحيد بين الأمومة والقداسة هو الحبّ، الحبّ فقط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع