يصادف يوم اللاجئ العالمي الـ 20 من حزيران/يونيو من كل عام، وهي مناسبة مخصصة للاجئين حول العالم. ننشر اليوم مجموعة من المقالات والتقارير حول هذه القضية.
في الأوساط السورية اعتدنا استخدام مصطلح "الناجين" لوصف اللاجئين السوريين الذين استطاعوا الفرار من جحيم وطنهم، وبالأخص الذين حالفهم الحظ ووصلوا إلى أوروبا.
لكن هل هم "ناجون" حقاً؟
اليوم بمناسبة يوم اللاجئ العالمي نسلط الضوء على الصعوبات والضغوط التي يعيشها اللاجئون السوريون في فرنسا.
إجراءات اللجوء في فرنسا طويلة ومعقدة، وقد تستغرق سنوات لصدور قرار اللجوء، وخلال تلك المدة يعيش اللاجئون تحت ضغط هائل في أماكن ضيقة ومشتركة مخصصة لهم وهم محرومون من أبسط الحقوق، فلا يحق لهم العمل، ولا يتمكنون من استثمار هذا الوقت في التحصيل العلمي، لأن أغلب الجامعات ترفض قبولهم لعدم امتلاكهم أوراقاً رسمية، وهذا كله يجعل حياتهم كأنها تجمدت وتعطلت عجلتها عن الدوران.
في الأوساط السورية اعتدنا استخدام مصطلح "الناجين" لوصف اللاجئين السوريين الذين استطاعوا الفرار من جحيم وطنهم، لكن هل هم "ناجون" حقاً؟
يقول سيف، 36 سنة، مقيم في مدينة مارسيلي الفرنسية: "أسوأ الأيام التي عشتها في فرنسا كانت في مرحلة طلب اللجوء، التي طالت سنتين ونصف رغم أنني أتيت عن طريق السفارة الفرنسية في بيروت، التي منحتني الفيزا D بعد دراسة طلبي. في تلك المرحلة كنت أعيش في منزل تابع للكادا CADA، وهي الأماكن المخصصة لطالبي اللجوء في فرنسا، أتشارك فيه مع خمسة آخرين من جنسيات متعددة، محروماً من أدنى درجات الخصوصية. المنزل كان مزدحماً دائماً، قذراً ولا أحد يبالي بتنظيفه. كانت الأيام تمر ببطء، أحاول أن أستثمرها بأي طريقة وأفشل. حاولت استثمار الوقت بتعلم اللغة الفرنسية، لكن جميع المراكز كانت ترفض طالبي اللجوء. في تلك الفترة لم أكن قادراً حتى على التسجيل بالنادي الرياضي لعدم قدرتي على فتح حساب بنكي، لأن الأندية الرياضية هنا تلزمك بتوقيع عقد سنوي للتسجيل فيها، ولا يكتمل الملف دون وجود حساب بنكي. الأيام كانت كلها متشابهة وخالية من أي معنى، وكنت كلما اشتكيت من الوضع، يرد علي المسؤول الاجتماعي بكلمات فوقية تشعرني بأنني شخص ناكر للجميل، فأنا من وجهة نظره وصلت إلى مكان آمن ويجب أن أكون ممتناً لهم، فجميع الموظفون الذين يعملون مع اللاجئين لديهم تصور مسبق بأننا كنا لا نملك شيئاً في بلادنا، ويجب أن نكون ممتنين لوصولنا إلى أوروبا".
مصروف محدد عن طريق البطاقة البنكية فقط
تطالب العديد من الجمعيات الحقوقية والناشطين في فرنسا بتخفيف الإجراءات البيروقراطية المتعلقة بطلبات اللجوء في فرنسا لتقليص مدة الانتظار وتسهيل حياة اللاجئين في هذه المرحلة، وصدر نتيجة هذه المطالب قرار يقضي بتحديد مدة دراسة طلب اللجوء بستة أشهر، لكن هذا الأمر لم يتم تطبيقه بشكل فعلي ولم يحصل طالبو اللجوء سوى على رسائل اعتذار دورية عن التأخير.
الأسوأ من ذلك أن بعض الأمور بدت أنها تذهب نحو الأسوأ، فقبل عامين أصدر الـOFFII (المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج) قراراً يقضي بمنع سحب اللاجئين مساعداتهم المالية نقداً، وبأن المعونة الشهرية التي يحصل عليها طالب اللجوء يجب أن يقوم بصرفها حصراً في المتاجر عن طريق البطاقة البنكية محدودة التصرف التي تمنحها الـOFFI له، الأمر الذي خلق العديد من الصعوبات وفتح باباً جديداً للتمييز ضد اللاجيئن.
أصدر الـOFFII (المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج) قراراً يمنع سحب اللاجئين مساعداتهم المالية نقداً، وبأن المعونة الشهرية التي يحصل عليها طالب اللجوء يجب أن يقوم بصرفها حصراً في المتاجر عن طريق البطاقة البنكية محدودة التصرف.
تقول دعاء، 35 سنة مقيمة في العاصمة الفرنسية باريس: "لم أفهم فائدة هذا القرار، الذي زاد من معاناتنا كثيراً عندما كنا طالبي لجوء، وجعل موضوع شراء مستلزماتنا اليومية أكثر تعقيداً، لأن العديد من المحلات لا تقبل بالدفع عن طريق البطاقة البنكية الخاصة بالـ "أوفي"، ناهيك عن كون غالبية المحلات تضع حداً أدنى للدفع بالبطاقات البنكية، خمسة أو عشرة يورو، ليحرمنا عدم امتلاكنا للسيولة النقدية من شراء الخبز الطازج من المخابز في الكثير من الأيام. كما أن حرماننا من امتلاك السيولة النقدية كان من شأنه حرماننا من التسوق في الأسواق الشعبية الأسبوعية الرخيصة (Marche)، فالدفع فيها لا يتم سوى نقداً. لذلك كنا نضطر في بعض الأحيان أن نقف عند أبواب محلات التبغ لنطلب من المارة أن يعطونا بعض الأوراق النقدية مقابل دفع ذات القيمة عن طريق البطاقة، لقد كان الأمر شبيهاً بالتسول. فعلياً كان هذا أحد أكثر القرارات التي زادت من التمييز ضدنا في المنطقة التي نعيش فيها، ربما كانوا يهدفون بذلك إلى إجبارنا على صرف المال بالطريقة التي تناسبهم، لكنه كشف عن الكثير من الأمور، ولا سيما حين بدأت بعض المحلات العنصرية بوضع أوراق على أبوابها لتعلن عن رفضها بطاقات اللاجئين، ذلك جعلني أيضاً أتخوف من استعمال البطاقة في المحلات التي لا أعرفها، خوفاً من ردود الفعل السلبية".
عندما تصبح اللغة عائقاً يعرقل حياة اللاجئين
يشكل حاجز اللغة العائق الأكبر أمام معظم اللاجئين إذ لا يتم قبولهم بدورات اللغة المجانية سوى بعد حصولهم على قرار اللجوء، وأغلب تلك الدورات تكون بلا نفع، بسبب عدم جديتها وفوضويتها، فليس هناك مناهج تتحكم بكيفية إعطاء الدروس، وإنما يتم إجبار اللاجئين على حضور ساعات معينة لإتمام أوراقهم القانونية لا أكثر.
اللغة عملياً تعيق حياة اللاجئ ومعاملاته، فأغلب الموظفين في الدوائر الحكومية لا يجيدون اللغة الإنجليزية أو العربية، ولا يتوافر مترجمون هناك.
"وبختني الموظفة لعدم تعلمي اللغة الفرنسية، الأمر الذي أعتبره تصرفاً عنصرياً، فليس من شأن أحد لماذا لا أتكلم الفرنسية، وليس لدي استعداد لشرح الظروف التي منعتني من تعلم اللغة لأحد". تقول إنصاف المقيمة في باريس.
تقول إنصاف، 40 سنة، مقيمة في باريس: "بعد وصولي إلى فرنسا بستة أشهر، اكتشف الطبيب بأن لدي ورماً في الرحم، وكنت بحاجة إلى إجراء عمل جراحي بأسرع وقت، ليتم قبولي بالمشفى وإجراء العملية كان يتوجب علي إحضار ورقة من التأمين الصحي تفيد بأن الجهة المعنية على استعداد لتسديد تكاليف العملية، حينها لم أكن أتحدث الفرنسية، حاولت زيارتها في العديد من المرات إلا أن الموظفة كانت ترفض استقبالي والاستماع إلي لأنني أتكلم اللغة الإنجليزية، وكتبت لها في إحدى المرات ما أريده عبر المترجم على الهاتف إلا أنها رفضت الاطلاع عليه وأنهت الموعد. اضطررت بالنهاية إلى الاستعانة بأحد أصدقائي الذين يجيدون الفرنسية للذهاب معي والتكلم بالنيابة عني. وبختني الموظفة حينذاك لعدم تعلمي اللغة الفرنسية وأنا في فرنسا، الأمر الذي أعتبره تصرفاً عنصرياً، فليس من شأن أحد لماذا لا أتكلم الفرنسية، وليس لدي استعداد لأن أشرح لأي شخص ما هي ظروفي التي منعتني من تعلم اللغة".
بعد الحصول على قرار اللجوء، يتعين على اللاجئين التسجل بمكتب العمل، الذي يقوم بشكل أو بآخر بالضغط على اللاجئين للقبول بوظائف في معظم الأوقات لا يرغبون بها ولا تناسب قدراتهم وخبراتهم، يقول عمر، 35 سنة مقيم في باريس: "عندما ذهبت إلى مكتب العمل كنت أحمل سيرة ذاتية غنية، فأنا حاصل على دبلوم بالفلسفة من جامعة دمشق، ودبلوم من المعهد العالي للفنون المسرحية، وعملت في العديد من الجمعيات الخاصة بمساعدة اللاجئين، وعملت كمخرج مسرحي وفي الصحافة، فكان رد الموظفة أن علي نسيان ما كنت أعمل به في بلدي وعلي أن أقبل بأية فرصة عمل حتى لو كانت في التنظيف، حينها غضبت، فلم يكن هناك أي احترام لمسيرتي المهنية ومن المفترض أن المكتب مهمته إيجاد الوظيفة التي تلائم خبراتي. رفضت بالطبع عروض الوظائف التي قدمت لأنني أرفض أن أرمي مسيرتي المهنية في القمامة وأبدأ من الصفر وفي مجال بعيد كل البعد عما أفعله، وأعرف الكثير من الأصدقاء الذين تم تهديدهم بقطع المساعدات المالية عنهم في حال رفضهم لوظائف مشابهة".
غالبية اللاجئين يعيش أفراد من عائلاتهم في سوريا، ويضطرون لإرسال معونات شهرية لهم بسبب الظروف الاقتصادية السيئة، وهو ما يتحول إلى عبء مادي، خاصةً إذا كانوا يعملون ضمن الحد الأدنى من الأجور
لا يمكننا أن ننكر أن عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين في فرنسا قد تمكنوا من الاندماج والتكيف مع نمط الحياة السائد، لكن ذلك لم يجعلهم ينجون بشكل كامل من جحيم سوريا الذي يلاحقهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعن طريق الأخبار وعائلاتهم التي بقيت في سوريا تواجه صعوبات الحياة اليومية، فغالبية اللاجئين يعيش أفراد من عائلاتهم ضمن سوريا، ويجدون أنفسهم مجبرين على إرسال معونات شهرية لهم بسبب الظروف الاقتصادية السيئة هناك، وهو ما يتحول إلى عبء مادي كبير عليهم، خاصةً إذا كانوا لا يزالون ينتظرون بدء العمل أو يعملون ضمن الحد الأدنى من الأجور، فهم يدعمون عائلاتهم بدافع الإحساس بالواجب تجاه من بقوا بالداخل، وكأنها ضريبة النجاة من جحيم الوطن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...