لطالما كان الفقر من أكثر الظواهر الاجتماعية خطورة وتأثيراً على حياة الإنسان وجودتها. ورغم الجهود الدولية للقضاء عليه أو تقليل نسبة المتضررين/ات منه فإن نسبة الفقر والفقراء في تزايد مستمر نتيجة الصراعات العالمية الحالية والأوبئة والحروب وتحديات العولمة والأنظمة الاقتصادية القائمة.
على سبيل المفارقة اللفظية، يعد "الفقر" في اللغة العربية مذكراً إلا أن معظم وجوهه في الواقع نسائية، مما يجعله مؤنثاً بدون أي منازع. من هذا المنطلق يتم التركيز في الدراسات والاحصائيات الحديثة على عدم المساواة الاقتصادية بين الرجال والنساء وتأثيرات الوضع الاقتصادي حسب الجنس. إذ يُعتبر الفقر الفئوي أحد أشكال الفقر للمجتمعات الحديثة، خاصة فقر النساء أو ما يسمى بتأنيث الفقر.
يعود مصطلح تأنيث الفقر إلى الأمريكية ديانا بيرس التي أطلقت المصطلح عام 1978 بعد أن لاحظت ازدياد معدل الفقر بين النساء، وخاصة اللواتي هن من أصل أفريقي في الدراسات الاحصائية للولايات المتحدة بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ويُشير المصطلح اليوم إلى عبء الفقر الذي تتحمله المرأة أو زيادة نسبة الفقر بين النساء أكثر مما هي بين الرجال.
أطلقت الأمريكية ديانا بيرس مصطلح "تأنيث الفقر" عام 1978 بعد أن لاحظت ازدياد معدل الفقر بين النساء، وخاصة اللواتي هن من أصل أفريقي. ويُشير المصطلح اليوم إلى زيادة نسبة الفقر بين النساء أكثر مما هي بين الرجال.
في الوقت الحالي، زادت الدراسات التي تركز على معدلات فقر الرجال والنساء والنسبة بينهما، وجاءت هذه العناية بفقر النساء بعد أن ركزت عليه الكثير من المؤتمرات الدولية، أهمها المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، الذي عقِد عام 1995 في بكين، حيث يعد اعتراف الحكومات بوجود بُعد جنساني للفقر من أهم الإنجازات التي حققها المؤتمر، فضلاً عن مساهمته في تقديم فهم أوسع للفقر، لا يركز على غياب الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية فحسب، بل يشمل أيضاً الحرمان من الفرص والخيارات.
النساء هُنّ فقيرات العالم!
وفقاً للجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة عام 2000، فإن "النساء هن فقيرات العالم". إذ يعانين من معدلات فقر أعلى من الرجال في جميع المجتمعات تقريباً. يُشكّل النساء والأطفال الغالبية من بين 1.5 مليار شخص يعيشون على دولار واحد أو أقل في اليوم. (1)
بحسب التقارير الإحصائية الحديثة، فإن عدد النساء الفقيرات، وكذلك نسبة النساء الفقيرات مقارنةً بنسبة الرجال الفقراء، أو الفجوة في معدلات الفقر بين الجنسين، في تزايد مستمر. تُظهر البيانات التي تم تلخيصها في تقرير لهيئة الأمم المتحدة عن المرأة (من الرؤى إلى العمل 2020: المساواة بين الجنسين عقب وباء كوفيد 19)، أن الوباء بحلول عام 2021 سيدفع 96 مليون شخص إلى الفقر المدقع، 47 مليوناً منهم من النساء والفتيات. (2)
وفق التقرير، ستؤدي أزمة فيروس كورونا إلى زيادة فقر النساء في جميع أنحاء العالم وتَوسُّع الفجوة بين الرجال والنساء الذين يعيشون في الفقر. على الصعيد العالمي، ستعيش 247 مليون امرأة اللواتي هن في عمر 15 عامًا فأكثر على نحو 1.90 دولار أمريكي في اليوم عام 2021 ، مقارنة بـ 236 مليون رجل.
ومن المتوقع أن تزداد فجوة الفقر العالمي بين الجنسين ضمن الفئة العمرية بين 25 و 34 عامًا من 118 امرأة مقابل كل 100 رجل عام 2021 إلى 121 امرأة بحلول عام 2030، إذ ستظل النساء يمثلن غالبية فقراء العالم.
للفقر وجوه نسائية متعددة في ألمانيا
لا يُعتبَر فقر النساء ظاهرة تقتصر على الدول الفقيرة والنامية فحسب، إذ لا يختلف الحال كثيراً في الدول المتقدمة والغنية.
في ألمانيا، على سبيل المثال، تُشكّل النساء النسبة الأعلى من الفقراء. فمتوسط معدَّل خطر الفقر عند النساء أعلى منه لدى الرجال (16.3 % مقابل 15.1 %) وتزداد هذه الفجوة مع التقدم في العمر (16.3 % مقابل 12.6 %) لدى الأشخاص الذين هم ما فوق 65 عاماً.
يرجِع فقر النساء في كثير من الأحيان إلى أنهنّ يقمن بأعمال غير مدفوعة الأجر كتربية الأطفال أو رعاية الأقارب المسنين. عدا عن أنهن يعملن بدوام جزئي ثلاث مرات أكثر من الرجال
يوضح الكُتَيّب الصادر عن المؤتمر الوطني للفقرnak عام 2017 حول فقر النساء في ألمانيا، مخاطر الفقر التي تتعرض لها النساء في مواقف الحياة المختلفة. (3)
ويُرجِع فقر النساء في كثير من الأحيان إلى أنهنّ يقمنّ بأعمال غير مدفوعة الأجر كتربية الأطفال أو رعاية الأقارب المسنين. عدا عن أنهن يعملن بدوام جزئي ثلاث مرات أكثر من الرجال (55 % مقابل 18 %).
تقارب المدة التي تقضيها المرأة دون وظيفة مدفوعة الأجر خلال حياتها ضعفَيْ مثيلتها عند الرجل (30 في المائة مقابل 17 في المائة)، مما يعني أنّ المرأة تحصل على راتب تقاعدي أقل من الرجل. وهذا ما ينتج عنه خطر المعاناة من الفقر في سن الشيخوخة.
فضلاً عن ذلك، يعد التمييز في الأجور أحد أهم أسباب فقر النساء، إذ يكسبن أقل من الرجال حتى في الوظائف المماثلة ذات الأجر الجيد.
تُظهر الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الفيدرالي أن فجوة الأجور بين الجنسين "gender pay gap“ في ألمانيا التي تُقاس من حيث متوسط الأجر الإجمالي في الساعة لا تزال 21 بالمائة منذ عام 2015. حتى أن الكثير من النساء العاملات بدوام كامل لا يستطعن العيش من أجرهن، كما أنهن فقيرات في سن الشيخوخة. كذلك يمكن اعتبار عدم المساواة بين النساء والرجال في الحصول على فرص التعليم أو التدريب المناسب سبباً لكون النساء أكثر عرضة للفقر.
علاوة على ذلك، يُعتبر العنف الأسري أحد أهم أسباب فقر المرأة. ولا يقصد بالعنف الأسري العنف الجسدي والنفسي والجنسي فحسب، بل يرمز أيضاً إلى ممارسة الضغط الاقتصادي والمراقبة الاجتماعية. لهذا، غالبًا ما يؤدي عنف الشريك إلى تدهور اجتماعي واقتصادي للمرأة.
المهاجرات واللاجئات هن الفئة الأكثر عرضة للفقر
بحسب الكُتَيّب، تُعتبَر النساء من أصول مهاجرة، والنساء العاطلات عن العمل، والأمهات العازبات، والنساء اللائي تعرضن للعنف أكثر عرضة للفقر من غيرهن.
تعاني النساء من التمييز المتعدد الأبعاد القائم على الجندر من ناحية، والانتماء إلى مجموعة تتعرض للتمييز العنصري أو أكثر من ناحية أخرى.
على سبيل المثال، في حين أن 13٪ فقط من النساء اللواتي ليست لديهن خلفية مهاجرة يتأثرن بالفقر، تزيد النسبة عن 27٪ لدى النساء من أصول مهاجرة.
التمييز الذي يقع على المهاجرات واللاجئات لا يتم على أساس الجنس فحسب، بل على أساس الدين، والعرق، والبلد، وحتى الحالة الاجتماعية. فالمرأة التي ترعى أطفالاً مستبعدة من سوق العمل أكثر من المرأة العازبة.
أي أن التمييز الذي يقع على المهاجرات واللاجئات لا يتم على أساس الجنس فحسب، بل على أساس الخلفية الدينية، والعرق، وبلد النشأة، ولون البشرة وحتى الحالة الاجتماعية. فالمرأة المتزوجة التي ترعى أطفالاً مستبعدة من سوق العمل أكثر من المرأة العازبة، وكذلك المرأة المحجبة مقارنة بنظيرتها التي لا ترتدي غطاء الرأس. هذا كله يخلق تحديات كبرى على النساء مواجهتها، ويؤدي إلى حرمان هؤلاء النسوة من الحصول على فرص التعليم والتدريب المناسبين، ما يعني مهارات أقل، ومن ثم عجزاً في الحصول على فرص عمل ملائمة.
إضافة لذلك، فإن اللاجئات أقل مشاركة في دورات الاندماج واللغة، وأقل حضوراً في سوق العمل، ويعود ذلك إلى الهياكل الأسرية وتوزيع الأدوار داخلها من ناحية، والتجارب العنصرية والتمييز ضد المرأة وما يترتب عليه من أعباء نفسية من ناحية أخرى.
من هنا، فإن التمييز المتعدد القائم على تأنيث الفقر في سياق العنصرية يتخذ أشكالًا عديدة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى وقوع المهاجرات/اللاجئات بشكل أسرع في ظروف معيشية محفوفة بالمخاطر والبقاء أكثر ارتباطًا بها مقارنة بالنساء الألمانيات المنكوبات بالفقر.
إن الحديث عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين لا يتحقق من دون المساواة الاقتصادية. إذ تلعب الإعالة الاقتصادية دوراً مهماً في العلاقات بين الجنسين وفي رؤية المرأة لذاتها والصورة التي يُشكّلها المجتمع لها ويؤطرها داخلها. فتبعية المرأة الاقتصادية هي القيد الأول الذي يجب تحريرها منه حتى تتمكن من ممارسة دورها الاجتماعي بمعزل عن الضغوط المادية، ومن هنا تأتي أهمية تمكين المرأة في سوق العمل وتحقيق المساواة في الوصول إلى الموارد والتعليم وفرص المشاركة في المجتمع، للقضاء على فقر النساء أو التقليل من عدد المتضررات منه قدر الإمكان.
المصادر
1. UN Women
2.UN Women
3. Armutsrisiko Geschlecht. Armutslagen von Frauen in Deutschland
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 13 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين