شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"كيفما شاء التيار" للكاتبة وجدان ناصيف... حكايات اللاجئين بأصواتهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والمشرّدون

الاثنين 20 يونيو 202212:22 م

يصادف يوم اللاجئ العالمي الـ 20 من حزيران/يونيو من كل عام، وهي مناسبة مخصصة للاجئين حول العالم. ننشر اليوم مجموعة من المقالات والتقارير حول هذه القضية.

حصلت على نسخة من كتاب (كيفما شاء التيار) للكاتبة (وجدان ناصيف)، وكنت متحمسة لقراءته، فأنا أتابع أدب اللجوء في فرنسا، وكان هذا الكتاب الأول من نوعه الذي يقع بين يدي.

يروي قصة اللجوء السوري، كتبته لاجئة سورية في فرنسا، ومنشور باللغتين العربية والفرنسية.

ترجمت نصوصه من العربية نتالي بونتان. 

تروي الكاتبة في كتابها الموجز حكاية لجوئها متقطعة، إذ يتخلل نصوصها الذاتية، نصوص عن حكايات لاجئين آخرين صادفتهم في حي( بورني) الذي تعيش فيه في مدينة (ميتز) الفرنسية. ومن سخرية الأقدار أن تجد الكاتبة نفسها تسكن هذا الحي بسبب أن المسؤولة الاجتماعية عن ملفها عرضت عليها شقة فيه وأعطتها ساعتين حتى تقبل أو ترفض بعد أن شرحت لها ندرة فرصة كهذه، تقول الكاتبة عن هذه الصدفة: "حاولت خلال هاتين الساعتين الاتصال بامرأة سورية تسكن في (ميتز)، ولما لم ترد تركت لها رسالة، طلبت فيها رأيها بالأحياء، بعد انتهاء المهلة قررنا أن نوافق والباقي على الله، وبعدها بساعات وصلتني رسالة مختصرة من السيدة السورية تقول فيها: كل الأحياء جيدة ما عدا (بورني). لكن الأوان كان قد فات." 

قررت الكاتبة (وجدان ناصيف) الاستفادة من سكنها في حي (بورني) الفرنسي، الذي يتألف سكانه بمعظمهم من اللاجئين، فتبنت مشروع جمع حكاياتهم في كتاب.

بعد أن وجدت الكاتبة نفسها في هذا الموقف، قررت الاستفادة من سكنها في حي يتألف سكانه بمعظمهم من اللاجئين بتبني مشروع جمع حكاياتهم في كتاب، وكانت فكرة الكتاب قائمة على رواية حكايات رحلة اللجوء وكيفية التأقلم مع الحياة الجديدة، ولكن ما جرى أثناء جمع الشهادات غيّر مسار الكتاب، إذ تقول الكاتبة: "لم أكن أفكر في كتابة قصة حياة أحد، فلم يكن هذا هو المقصود من المشروع، كان الهدف أن يحكي لي أشخاص التقيتهم في المركز الاجتماعي لمدة ساعتين في الأسبوع كيف جاؤوا إلى فرنسا، أو أن يتحدثوا عن العمل والاندماج واللغة، لكنني فوجئت أنهم كانوا يعودون بالزمن إلى الوراء كثيراً دون أن أطلب منهم ذلك، وكنت أستمع لهم بكل فضول دون تجاهل أي كلمة يقولونها". وبذلك يتحول الكتاب إلى بانوراما لبلدان متعددة مروية بألسنة أبنائها. 

تجد الكاتبة في حكايتها الشخصية على فرادتها نقطة لربطها بحكاية اللاجئ الذي ستقدمه، وبذلك تنسج رابطاً إنسانياً قوياً بين حكايتها وحكايا شخصيات الكتاب.

فتروي لنا قصتها، وهي المرأة اليسارية الشجاعة التي عارضت النظام السوري الشرس وواجهت تجربة الاعتقال والسجن وخرجت منه كي تستأنف حياتها، وشاركت لاحقاً في الثورة السورية لتخرج من سوريا إلى فرنسا لاجئة.

تروي لنا وجدان رحلة اللجوء والحصول على سكن دائم وتعلم اللغة وصعوبات اختيار مسار حياة جديدة لها ولعائلتها من خلال تفاصيل صغيرة، وتحكي عن علاقتها بالمدن وبالسوق وبالأوراق الرسمية ومواضيع أخرى حياتية ويومية ببساطة، وترد سيرتها الشخصية عرضاً في إطار شرح هذه الرحلة المعقدة.

"لم أكن أفكر في كتابة قصة حياة أحد، كان الهدف أن يحكي لي أشخاص التقيتهم في المركز الاجتماعي كيف جاؤوا إلى فرنسا، لكنني فوجئت أنهم كانوا يعودون بالزمن إلى الوراء كثيراً، وكنت أستمع لهم دون تجاهل أي كلمة يقولونها". الكاتبة وجدان ناصيف

يروي لنا الكتاب أيضاً، حكاية (مروان) الفلسطيني الذي ظل يحلم بالعودة إلى وطن مشتهى طرد منه، هو الكويت، كما حلم جده بالعودة إلى فلسطين، ويروي الكتاب حكاية (كاظم) العراقي الذي وجد نفسه مع عائلته صدفة في فرنسا بعد رحلة البحر المريعة، وحكاية (خديجة) المغربية التي تمردت على سلطة حماتها بعد سنوات من الصبر وطي حلمها بأن تكون محامية، وحكاية (أبليما) من ساحل العاج التي تواجه قسوة الواقع بالضحك، وحكاية (وسيم) الباكستاني الذي تكسر هاتفه خلال رحلة اللجوء الصعبة ونسي رقم أمه فعجز عن الاتصال بها بعد نجاته، و(سيف) السوداني الذي يرغب في نسيان كل ما خلف وراءه في دارفور، و(عمر) الطفل السوري الذي حولته تجربة حياته القاسية إلى طفل عنيف مما جعل إدارة مدرسته تمنعه من لعب الكرة وأقصى ما يحلم به اليوم هو كرة يضربها بقدميه القويتين، و(مريم) الأفغانية التي تحلم بحياة أفضل لأطفالها بعيداً عن حكم طالبان.    

تبدو الحكايات المروية في الكتاب غير مرتبط بعضها ببعض وكأن الصدف جمعت هذه الشخصيات في الكتاب كما جمعتهم في حي (بورني)، ولكنها متصلة كلها برابط قوي هو الأمل بمستقبل أفضل، والحلم بالتحرر من ماض ثقيل وقاس يحاول كل المشاركين محاربة أثره الممضض على حياتهم.

كما تتكرر موضوعة الأطفال والنجاة بهم من الجحيم والرغبة بأن يصنعوا مستقبلاً أفضل مما عاشه أباؤهم وأمهاتهم في بلدهم الأم.

تروي الكاتبة في مطلع الكتاب أنها عاهدت نفسها أن تستغل كل فرصة تتاح لها كي تروي للفرنسيين الحكاية السورية، وتحكي عن لحظات اليأس التي تواجهها في ظل ضعف قدرتها على التواصل، ولكن الكتاب هو حكاية نجاح الكاتبة في التفوق على حاجز اللغة، فبعد أن كانت عينتها محصورة بالناطقين باللغة العربية، نلاحظ توسع الدائرة لتضم من تستطيع محاورتهم بالفرنسية، فنفرح بنجاح الكاتبة بالتقدم باللغة كما تغنينا التجارب غير العربية المضافة في الكتاب. 

تبدو الحكايات المروية في الكتاب غير مرتبطة ببعضها وكأن الصدف جمعت هذه الشخصيات في الكتاب كما جمعتهم في حي (بورني)، ولكنها متصلة كلها برابط قوي هو الأمل بمستقبل أفضل، والحلم بالتحرر من ماضٍ ثقيل.

يسود الكتاب بالمجمل حس ساخر وتهكمي، إذ تحاول الكاتبة تناول المصادفات العجيبة والروايات الشخصية على قسوتها من زاوية طريفة، كما في حكاية (كاظم) الذي أوصله سائق إلى مكان اتفقا عليه مقابل مبلغ مالي مدعياً أنه السويد، ليكتشف بعد رحيل السائق أنه في فرنسا، لكن تلك السخرية ليست إلا غطاء يخفي خلفه حكايات يخيم عليها الموت أو على الأقل احتمال الموت معظم زمن الحكاية، ولعل تلك النبرة الساخرة هي الطريقة الوحيدة لمواجهة روايات الخوف وخطر الغرق والمجهول. 

وفي معرض السخرية من الذات، تروي الكاتبة شعورها بفقدانها حس النكتة الذي ضاع في الترجمة بين اللغات، فالترجمة في كثير من الأحيان تعجز عن نقل المضحك في النكتة.

وقد سمعت الكاتبة هذا التعليق من كثير من اللاجئين ممن تمت ترجمة قصصهم . يعتقد اللاجئون أن فهم النكتة هو نقطة تحول في عملية "الاندماج" وهدف يحدده البعض لأنفسهم.   

يروي الكتاب حكاياته بلغة بسيطة سهلة، ويبتعد عن المتاجرة العاطفية، وعندما تتعقد الأمور وتكاد الشخصيات تفقد حياتها في رحلة النجاة يلجأ إلى الحياد، فيروي لنا الحقائق دون إضافة، ربما لأن الكاتبة وجدت أن الأحداث لا تحتمل التعليق وهي محقة في ذلك. 

يطمح الكتاب إلى رواية قصص اللاجئين بأصواتهم، ويفسح لهم المجال لرواية حكاياتهم المحفوفة بالرعب والظلم ووصولهم إلى أرض اللجوء المرجوة واختلافها واقعياً عن توقعاتهم وأحلامهم، ولكنه يترك لنا الباب موارباً أمام احتمال أن يعيش هؤلاء جميعاً حياة أفضل وأن يبنوا مستقبلاً يمسح جراح الماضي ويعالج آثارها التي ما زالت تحفر عميقاً في كل منهم.

كما يتيح الكتاب بسبب شمولية التجارب التي يتضمنها أن يشعر اللاجئون السوريون بارتباطهم بغيرهم وبتشابه قصصهم مع الآخرين، وهو أمر لا بد منه إن أردنا أن نحافظ على صلة بالتجارب الإنسانية التي تشبهنا وتشبه ألمنا، فلا تناقض بين أن تكون حكايتنا فريدة وعامة في آن واحد كما هي قصة (وجدان ناصيف) التي لا تشبه قصص الآخرين ولكنها تتقاطع معها كل مرة من زاوية.   


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

لعلّ تعريفنا شعوباً ناطقةً بالعربية لم يعد يستقيم من دون الانتباه إلى أننا صرنا شعوباً متفلّتةً من الجغرافيا. الحروب الدائرة في منطقتنا والنزاعات الأهلية والقمع، حوّلتنا إلى مشردين، بين لاجئين ونازحين، وأي تفكير في مستقبلنا لم يعد ممكناً من دون متابعة تفاصيل حياة الجميع، أينما كانوا، وهو ما نحرص عليه في رصيف22. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image