بدأ سامح حسين- 45 عاماً- في التخطيط لمستقبله بتفاؤل عندما وُفِّق ي العام 2004، في إيجاد وظيفة مندوب تسويق، ظن أنها سبيله إلى "الراحة المادية".
يحرص سعيد كمعظم المصريين العاملين في الخليج على أن يعود في إجازته السنوية لزيارة أسرته في قرية كفور الغاب في محافظة دمياط، وبعد زواجه كان يطمئن إلى سفر الزوجة والأولاد إلى السعودية أولاً، ويقضي بضعة أيام مع أسرته الأكبر قبل أن يسافر إليهم.
استمر ذلك "الروتين" من دون تغيير حتى العام 2015، عندما قرر حسين – لحسن الحظ- أن يسبق أسرته هذه المرة، ويسافر أولاً ثم يرسل في طلب زوجته وبناته.
قاضي عرفي: حكمنا بتكفل المجرم الحقيقي بسداد أتعاب المحامي وتعويض سامح. لكن "صاحب البطة" لم يفِ بأي من البنود. وأدلينا بشهادتنا وقدمنا اعترافه للمحكمة، لكن القرار انتهي إلى إدانة سامح وحده
وصل حسين إلى مطار برج العرب (غرب الأسكندرية) وأنهى إجراءاته للسفر إلى السعودية، حاملاً معه هدية شهية إلى أحد أبناء بلدته العاملين في المملكة أرسلها معه جاره. وقبل أن يستقل طائرته، ألقت السلطات المصرية القبض عليه في مطار برج العرب (غربي الأسكندرية)، وهنا أدرك حسين أن البطة المشوية كانت محشوة بأقراص الترامادول.
بحسب قرار إحالة النيابة العامة الذي حصل رصيف22 على نسخة منه، وجهت النيابة إلى الفرارجي، حلمي محمد زكي شطا، تهمة "الشروع في تصدير جوهر مخدر الترامادول إلى خارج جمهورية مصر العربية من دون ترخيص كتابي" باعتباره المتهم الأول، أما سامح الذي عدته النيابة متهماً ثانياً، فقد وجهت إليه تهمة "الحيازة دون قصد التعامل أو الاتجار، جوهر مخدر الترامادول في غير الأحوال المصرح بها قانوناً".
تحول سامح من فاعل خير إلى متهم، وأصدرت محكمة جنايات غرب الأسكندرية ضده حكم الدرجة الأولى بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة 50 ألف جنيه، في القضية رقم 3299 جنايات غرب الإسكندرية لسنة 2015، ليبدأ رحلة البحث عن البراءة.
القضاء العرفي
سارع سامح إلى اللجوء للقضاء العرفي، كون من ورطه في الجريمة جار له. واستدعي "الكبراء" صاحب البطة، حلمي شطا، الذي اعترف أمامهم أنه صاحب ضبطية المخدرات، ووثق اعترافه في الشهر العقاري (جهة التوثيق العدلية الرسمية).
هشام زايد القاضي العرفي الذي شارك في اللجنة القضائية العرفية التي حكمت على صاحب البطة بالاعتراف وتوثيقه، يقول لرصيف22 "الفرارجي اعترف أمام أهل البلد وأمامنا كقضاة الجلسة بارتكابه واقعة محاولة تهريب أقراص ترامادول داخل بطة عام 2015، كما أكد أمامنا أن سامح لا علاقة له بالواقعة من قريب أو بعيد، واعترف أنه حشى البطة بـ 40 شريط ترامادول، حيث كان يرغب في توصيل المخدرات لشقيقه دون أن يتورط هو في شيء. وقام المتهم بتوثيق اعترافه بالشهر العقاري بناء على حكمنا. وقد حكمت اللجنة بتكفل المتهم الحقيقي بسداد أتعاب المحامي ودفع 400 ألف جنيه تعويض لسامح والتنازل عن منزل كتعويض له. ولم يفِ المتهم بأي من البنود. وقمنا كقضاة عرفيين محكمين في الواقعة بالإدلاء بشهادتنا أمام محكمة الجنايات بالأسكندرية".
الآن تأمل أسرة سامح في أن يكون من بين من تلتفت إليهم لجنة العفو الرئاسي، بعد أن تقدموا بأوراق قضيته مصحوبة باعتراف صاحب البطة الحقيقي، فهل يكون خبير التسويق الشاب ضمن المعفو عنهم؟
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال حسين مطارداً، بعد أن انتهت رحلة إثبات البراءة إلى عدم اعتراف المحكمة بالاعتراف الموثق، إذ أيدت المحكمة الاستئنافية حكم الدرجة الأولى بسجنه وتغريمه، بعد خدعة جديدة تعرض لها على يد صاحب البطة.
السفرية باظت
هالة الشربيني 38 عاماً، زوجة حسين تروي تفاصيل الواقعة لـرصيف22، وتتذكر اللحظة التي بدأت عندها الكارثة التي حلت بأسرتها، تقول: "لأننا من أرياف، تربينا على خدمة بعضنا البعض حينما طلب أحد الجيران، ويعمل فرارجي أن يقوم زوجي بتسليم بطة لشقيقه المغترب؛ لم يرفض. لم نكن نعلم بنواياه الخبيثة. وبمحض الصدفة، باتصل بزوجي لأطمئن عليه فقال لي: ‘أنا مش مسافر، اتمسكت بمخدرات، البطة كانت محشية مخدرات يا هالة وأنا معرفش’".
تواصل الزوجة: "بقالنا سبع سنين حياتنا منهارة. بعد القبض عليه خرج بكفالة، ولكن ظلت القضية تنظر أمام القضاء حتى يستطيع السفر إلى عمله. فيما عقدت اللجان العرفية ببلدنا جلسة ليعترف المتهم الحقيقي بتدبير تلك الواقعة لزوجي وأن المضبوطات تخصه هو، بل وقام بتوثيق اعترافه في الشهر العقاري. وقدمنا ذلك الاعتراف إلى المحكمة، التي أجلت الجلسة لحين حضور المتهم الحقيقي الذي كان هارباً وقتها، وقررت أيضاً التحفظ على زوجي لمدة 28 يوم، أخلي سبيله بعدها".
لم تكن تلك بداية نهاية الرحلة، إذ فوجي سامح بتصرف لم يفسره له المحامون ومنهم محامي المتهم الثاني – صاحب البطة- الذين طلبوا رد المحكمة في وقت ظن فيه الزوج الشاب أن البراءة صارت على مرمى حجر. ليعاد النظر في النقض أمام دائرة جديدة.
أقنع المحامي الذي استأجر خدماته المتهم الأول حلمي شطا سامح ألا يحضر جلسة المحاكمة، فعدته المحكمة هارباً، وأصدرت الدائرة الجديدة قراراً بتأييد حكم أول درجة وبراءة المتهم الأول – صاحب الاعتراف الموثق-. فيما جرى تأييد الحكم على سامح في الخامس عشر من مايو/ آيار الماضي، لتنغلق أمامه سبل الحصول على براءته.
تختتم هالة حديثها قائلة "زوجي تعامل بسلامة نية مع خونة حياتنا انقلبت رأساً على عقب". تسعى الأسرة حالياً إلى تقديم أوراق سامح واعتراف صاحب البطة إلى لجنة العفو الرئاسي، أملاً في أن يصدر عفواً يعيد إليهم حياتهم. تقول هالة: "زوجي حالياً هربان، بينما ينعم المتهم الحقيقي بحياته هو وعائلته".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع