شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
كيف نرى السياسة بأعيننا نحن النساء؟

كيف نرى السياسة بأعيننا نحن النساء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 17 يونيو 202201:12 م

في موروثنا الاجتماعي الذي نحمله نحن النساء، تكوّن في مخيلتنا عن معاني السياسة ما هو خاص بنا، فأصابنا منه ما لا يُحتمل؛ أشكال شتى من العنف القائم علينا كنوع اجتماعي على وجه الخصوص. كبرنا ونحن حاملات في أقدامنا أغلالاً بختم السياسة التي تعيق كل حراك إبداعي وفكري تحرري، السياسة التي لطالما طمست السمات الإنسانية فينا، في تكافؤ غير عادل مع الآخر (الرجل).

وهذا ما استُبعدت به النساء تماماً من السياسة التي رسمت معالمها وفقاً للرؤى الذكورية. أما النتيجة، فهي استمرار العملية بدهاء شديد للحفاظ على فكرة واحدة: المرأة مجرد جسد للمتعة والإنجاب والأعمال التي تخدم العائلة.

إنها اللعنة بعينها. هكذا أصبحنا نرى سياسة دولنا بمعالمها التي نحتت بقسوة قبضةً متجبرةً في أذهاننا. يقول ليون تروتسكي الاشتراكي الثوري في إحدى مقولاته الشهيرة: "من أجل تغيير شروط الحياة، علينا أن نشاهدها من خلال أعين النساء".

كيف إذاً سيتمكن العالم من رؤية هذه الحقيقة، وهم يحاولون، وبقانون السياسة، إغلاق أعين النساء طوال الوقت؟

طوال عصور طويلة من الزمن، سادت في العالم سياسات القيم الأبوية المشحونة بالقمع والظلم والاستبداد، فأنتجت الحروب بين الجبابرة، وجرفتنا كالسيول بلا رحمة، وغمرتنا إلى حدّ الاختناق وجرت بنا، ونحن نصارع خوفنا، ورغبة البقاء على قيد الحياة تشدنا، لعلنا نستعيد شيئاً من التوازن، ونتنفس ما بقي من أرواحنا. وما زالت السيول تجرفنا كأشياء لا روح فيها.

كلنا يعلم بأن مصطلح السياسة هو مجموعة من وجهات النظر والأفكار التي يعتقدها الفرد نحو السلطات والحكومة، ومجموعة نشاطات حكومة بعينها لتدبير شؤون دولة ما، لكننا في حقيقة الأمر لا نراها إلا خادمةً لتسيير شؤون أقلية مجبرة على حساب أكثرية تعيش المعاناة بمعايير سياسة البقاء للأقوى

لنعدد على أصابعنا بتروٍّ ما تحدثه وقع الكلمة فينا: الرعب، السلطة، الاعتقال والعنف، الرئيس الديكتاتور، المخابرات، الحدود والحروب والفقر والاستغلال، اللجوء وأشياء أخرى، مشاعر سلبية لا يمكن حصرها. كلنا يعلم بأن مصطلح السياسة هو مجموعة من وجهات النظر والأفكار التي يعتقدها الفرد نحو السلطات والحكومة، ومجموعة نشاطات حكومة بعينها لتدبير شؤون دولة ما، لكننا في حقيقة الأمر لا نراها إلا خادمةً لتسيير شؤون أقلية مجبرة على حساب أكثرية تعيش المعاناة بمعايير سياسة البقاء للأقوى.

يمنعون المرأة من التعليم في أفغانستان، ويحرقونها ويرجمونها بالحجارة في إيران، ويسبونها ويبيعونها في أسواق النخاسة في العراق، ويقتلونها في سوريا ويحرمونها من أبسط حقوقها، ويجوّعون أطفالها في اليمن، ويزجون بها في السجون في السعودية. حتى الهاربات إلى دول أوروبية تلاحقهنَّ التهديدات ويعشن كوابيس سياسة بلدانهنَّ لإطفاء كل رغبة منهن في الحياة الحرّة.

حتى الهاربات إلى دول أوروبية تلاحقهنَّ التهديدات ويعشن كوابيس سياسة بلدانهنَّ لإطفاء كل رغبة منهن في الحياة الحرّة.

ونحن نتابع محتوى وسائل التواصل الاجتماعية، ووسائل الإعلام، كالتلفزيون مثلاً، من برامج وأخبار، وحتى الإعلانات الترويجية التي تمسُّ وتؤثر في حياتنا الخاصة جداً، هذه العموميات تحديداً هي بوصلة السياسة التي توجه العالم وتدخلها في دهاليز السياسات التي هندستها باحترافية عالية، وهي التي تتقاطع مع طريق محاولات النساء في الوصول إلى حقوقهنَّ، والتي تتجابه مع مصالح من خطط لتسود قيم القوة والسلطة الذكورية في كل مكان. إذاً، هذه هي سياستهم وليست سياستنا.

سطوة مصطلح السياسة، وثقل ظلّها، أزيز يشبه خوفنا من طلقة رصاص، وظلّ خيمة تذلنا. بالإكراه تسللت إلى زوايا البيت وأعيننا مفتوحة تراها، في المطبخ، في غرفة الجلوس، في المدرسة والشارع، في مكان العمل. قدرتها عجيبة على التسلل حتى إلى غرف نومنا وأحلامنا وممارسة الرقابة على أسرتنا. سبابتها تنذرنا في كل حركة بأننا نساء. كلٌ منا يفكر بطريقته الخاصة، في الأمور التي تعنيه، وفي البحث عن ذاته في مكان ما، وإيجاد انتماء ما يناسبه. كلّ ما في الأمر أننا في حقيقة الأمر ندخل ونخرج من باب واحد، هو "باب السياسة ". حتى وإن كنا نتوهم بأننا نصنع لأنفسنا سياستنا الخاصة. دستورهم، وديمقراطيتهم، وقوانينهم، وحربنا، وثورتنا، وقانون أحوالنا الشخصية، والمساواة الجندرية التي نطالب بها، هي صراعات افتعلتها السياسة.

ويأتيك من يسأل: لماذا تبتعد النساء عن الساحة السياسية في بلداننا؟

يمنعون المرأة من التعليم في أفغانستان، ويحرقونها ويرجمونها بالحجارة في إيران، ويسبونها ويبيعونها في أسواق النخاسة في العراق، ويقتلونها في سوريا ويحرمونها من أبسط حقوقها، ويجوّعون أطفالها في اليمن، ويزجون بها في السجون في السعودية

يتسرع الحمقى في الجواب: لا يوجد نساء خبيرات، ولا مهتمات أو قادرات على الخوض في مضمار السياسة. وكلّ ما في الأمر ببساطة، أنهم حين يبحثون عن النساء لايجدون فيها إلا أجساداً أنثويةً، حتى وإن كانت في أعلى مركز للسلطة، فما أن ترتكب خطأً ما حتى يبرر ذلك بكونها امرأةً لا يشفع لها علمها وعملها. لا تبذل سياسة الأحزاب جهداً في إعداد نساء ليصبحن منافسات لهم.

كانت الأنثى هي أصل الشيء كله، لكن النظام الأبوي السياسي رسخ فكرة العكس، وطمس الحقيقة ليصدّقها البسطاء من الناس، وتسري قوانين الأدوار النمطية التي استغلوها لحسابهم وضد النساء، وأولها الحمل والإنجاب.

هل ما زال البعض يعتقدون بأن النساء يمكن أن يصمتن إزاء ما يحدث ونحن في عصر الاتصالات الحديثة والعالم كله يتحول إلى الرقمية؟

ما أنسب ما قاله تروتسكي في سنة 1920، لحالتنا في بداية الألفية الثالثة، ونحن نعيش التمييز، والتهميش والإقصاء في المنزل، والمجتمع، والسياسة، والاقتصاد.

"إنّ إنجاز المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة داخل الأسرة يُعدّ مشكلةً شاقّةً. إذ يجب أن تحدث ثورة في عاداتنا العائلية حتى يحدث ذلك. وحتى الآن، فمن الواضح تماماً أنه ما لم تكن هناك مساواة فعلية بين الزوج والزوجة في الأسرة، بالمعنى الطبيعي وكذلك ظروف الحياة، فإننا لا نستطيع التحدث بجدية عن مساواتهم في العمل الاجتماعي أو حتى في السياسة".

التقسيمات الجندرية التمييزية قائمة في بلداننا، وإن لم تناضل النساء السياسيات وتبذلنَّ جهوداً مضنيةً لإسماع أصواتهن والمطالبة بحقوقهنَّ لن تصبح هناك إنجازات. لو بقي الرجال وحدهم قروناً، لم ولن يدافعوا عن حقوق النساء، وسيلتزمون بالصمت لأنهم مرتاحون على ما يبدو لهذا الإقصاء، وراضون عن تمثيلهم لدور الرجل الذي لا يدري عن وضع شريكته. فقانون الأحوال الشخصية خير مثال، كونه يمثل الركيزة الأولى للعنف الممارس والمقونن على النساء، ومطالبتنا بتغييره هي السياسة التي نراها الأنسب لنا، وهو ما يمثل المجابهة الأقوى لكل التشريعات والسياسات والعادات الاجتماعية التي تتحكم بحياتنا كنساء، وإن كنا ننتمي إلى أعراق وأديان متنوعة.

يتسرع الحمقى في الجواب: لا يوجد نساء خبيرات، ولا مهتمات أو قادرات على الخوض في مضمار السياسة. وكلّ ما في الأمر ببساطة، أنهم حين يبحثون عن النساء لايجدون فيها إلا أجساداً أنثويةً، حتى وإن كانت في أعلى مركز للسلطة، فما أن ترتكب خطأً ما حتى يبرر ذلك بكونها امرأةً لا يشفع لها علمها وعملها

التفكير في حالتنا كنساء في العالم العربي، في النصف الجنوبي من العالم، تجذب إلى نفوسنا كآبة العالم بأسره، فكم من الوقت نحتاج لكي نخرج عن طور مقارناتنا بالسياسات السلبية التي تجاوزتها الكثير من البلدان بنضالات النساء؟

هل ما زال البعض يعتقدون بأن النساء يمكن أن يصمتن إزاء ما يحدث ونحن في عصر الاتصالات الحديثة والعالم كله يتحول إلى الرقمية؟

الانزواء في أماكن مظلمة لم يعد حلاً مقبولاً، والقواقع التي صنعتها قيم المجتمع الأبوي لن تمنعهن من الخروج من عزلتهنَّ.

السياسة الحقيقية هي التي نراها بأعيننا، والتي نتحدث عنها بأصواتنا المسموعة، ونمارسها بدفاعنا الشرعي عن قضايانا، وإخراجها من طور الخصوصية والحساسية وجعلها تتصدر الفضاء العام، هكذا نغير فيها ونحولها إلى سياسات عامة، حتى وإن اعتقدوا أنها لا تخصّنا نحن النساء

العالم يشهد الآن اندلاعاً لحروب وكوارث جديدة. يشهد تغييرات سريعةً، وتخبطات في السياسات العالمية بأكملها، ثورات الربيع العربي، جائحة كورونا، هواجس الحرب النووية، حرب روسيا على أوكرانيا، وضع النساء في أفغانستان، الثورة الرقمية، مستوى العنف والفقر المتصدر قوائم التقارير العالمية، كلها مؤشرات خطيرة تحدد مسارات حياتنا الخاصة.

السياسة الحقيقية هي التي نراها بأعيننا، والتي نتحدث عنها بأصواتنا المسموعة، ونمارسها بدفاعنا الشرعي عن قضايانا، وإخراجها من طور الخصوصية والحساسية وجعلها تتصدر الفضاء العام، هكذا نغير فيها ونحولها إلى سياسات عامة، حتى وإن اعتقدوا أنها لا تخصّنا نحن النساء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image