شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الحركة النسوية الفلسطينية من النكبة إلى اليوم... صراع التحرّر مع آلة الحرب ورجعية

الحركة النسوية الفلسطينية من النكبة إلى اليوم... صراع التحرّر مع آلة الحرب ورجعية "أهل البيت"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 29 يناير 202203:37 م

وقعت فلسطين عام 1715، تحت الاحتلال التركي، الذي استمر حتى عام 1917. وقد تميز الحكم حينها بالفردية والاستبداد وتكميم الأفواه، وبانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان بوجه عام، ولحقوق المرأة بوجه خاص، فقد فرضت حينها تركيا، لإحكام سيطرتها على المنطقة، عزلةً أشبه بالطوق الحديدي، وقد سنّت قانون الجمعيات الأهلية عام 1907، الذي ينص على فرض الرقابة على المنظمات الأهلية، ومحاسبة أي منظمات تنشأ بشكل مخالف لهذا القانون، ومعاقبتها، وحظر ممارسة الجمعيات لأي أنشطة ذات طبيعة سياسية أو قومية.

وفي ما يخص وضع المرأة، فقد وضعت قانوناً يقضي بعدم الاعتراف بمساواتها بالرجل في القضايا العامة، والقضايا الخاصة، وكانت قد تشكلت أوّل منظمة نسوية قبل صدور قانون الجمعيات الأهلية في فلسطين عام 1903، في مدينة عكا. وبعد أن احتل الجيش البريطاني فلسطين، تم حظر التنظيمات الطوعية الفلسطينية، وسُمح لليهود بتشكيل المنظمات والمؤسسات لدمج اليهود المهاجرين.

وضعت السلطنة العثمانية قانوناً يقضي بعدم الاعتراف بمساواة المرأة بالرجل في القضايا العامة، والقضايا الخاصة

على الرغم من ذلك، استمرّت المؤسسات والجمعيات الفلسطينية في التشكل والعمل، وقد بادرت النساء في عهد الاحتلال البريطاني إلى تشكيل العديد من الجمعيات النسوية، ونُظّم مؤتمر نسوي في القدس عام 1929، في إطار التوجه نحو توحيد الجهد النسوي، شاركت فيه 200 امرأة، وصدرت عنه قرارات عديدة تؤكد ضرورة النهوض بواقع المرأة، وتم تأسيس الاتحاد النسائي عام 1930، الذي يُعدّ خطوةً مهمةً في تجميع الفعاليات النسائية.

توحيد الجهود

بعد انتصار المشروع البريطاني والصهيوني، وقيام ما يُسمى بدولة "إسرائيل"، وتشريد الشعب الفلسطيني، والاستيلاء على 78% من الأراضي الفلسطينية، تم توحيد جهود الحركة النسائية في قطاع غزة، والجمعيات النسوية الثلاث الموجودة، تحت اسم جمعية الاتحاد النسائي عام 1964، ومن ثم تأسس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بمبادرة من منظمة التحرير عام 1965، في مؤتمر القدس التأسيسي، تحت شعار "نحو توحيد جهود الهيئات النسائية الفلسطينية من أجل تحرير الوطن المغتصب".

هدف المؤتمر آنذاك إلى تنظيم طاقات المرأة الفلسطينية أينما كانت وتعبئتها في خدمة القضية الفلسطينية، وقد تشكلت اللجنة التحضيرية من: زليخة الشهابي، وسميرة أبو غزالة، وسعادة الكيلاني، وسلمى الخضرا الجيوسي، ووديعة خرطبيل، ورشيدة المصري، والحاجة عندليب العمد، والسيدة عصام عبد الهادي التي صارت في ما بعد رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية.

وتجدر الإشارة إلى أنه قبل أن يتشكل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، تشكّل الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني في لبنان، وعدد من الجمعيات والمؤسسات النسوية، التي رعت أسر الشهداء والمعتقلين والأيتام ومراكز إعالة الحالات الخاصة، ومراكز الخياطة والتطريز الفلسطيني في الضفة الغربية.

يهدف الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، إلى النهوض بوضع المرأة الفلسطينية، وحشد طاقاتها نحو التحرير، وإنجاز الحقوق الوطنية الثابتة

ويهدف الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، إلى النهوض بوضع المرأة الفلسطينية، وحشد طاقاتها نحو التحرير، وإنجاز الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمها حق العودة بناءً على القرار 194. والارتقاء بدور المرأة وزيادة مساهمتها في عملية التنمية، وإفساح المجال لديها لتنمية قدراتها العملية والمهنية، واكتساب المهارات والخبرات الضرورية لمواجهة معركة الحياة اليومية، بالإضافة إلى توثيق العلاقات بالاتحادات الرديفة، ومحو الأمية، والتمكين الاقتصادي لها.

البنية التنظيمية للحركة

تقول زينب عبد الفتاح غنيم، الحاصلة على ماجيستير في القانون الإداري، والمقيمة في غزة، ومديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة، لرصيف22: "لقد وُلدت الحركة النسوية الفلسطينية من رحم حركة التحرر الوطني، فأثرت وتأثرت بها، وقد تداخلت صيرورة تطور الحركة النسوية كونها حركةً منظمةً في علاقة جدلية مع مراحل حركة التحرر الوطني المختلفة منذ بداية المقاومة ضد الاستعمار البريطاني والغزو الصهيوني في عشرينيات القرن الماضي، مروراً بمشاركة المرأة في مؤسسات منظمة التحرير، وتشكيل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في منتصف الستينيات، وهو الأمر الذي ساهم في تنظيم نضالات النساء الفلسطينيات وتوحيد أهدافهن في أماكن وجودهن في بلدان الشتات كافة".

تطور نضال الحركة النسوية بنقلة نوعية في فلسطين خلال الانتفاضة الأولى في ثمانينيات القرن الماضي، بتشكيل الأطر النسوية التابعة للقوى والتنظيمات الفلسطينية، وانعكس ذلك على نشاط المرأة الفلسطينية في مناطق 1948، وتفاعلاتها مع بقية حلقات العمل النسوي الفلسطيني.

التحول في أعقاب أوسلو

من المفارقات السلبية أن ما أنجزته المرأة من نضالات على مدار العهود الماضية، لم يُترجم إلى وجود ملموس لها في مواقع قيادية على مستوى الأحزاب وأطر منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يؤخذ دورها بعين الاعتبار كانعكاس طبيعي لحجم هذه المشاركة، وهذا مرده إلى الهيمنة الذكورية على العمل السياسي، والجمود الفكري والثقافي إزاء القضايا الاجتماعية.

وقد طرأ تحوّل مهم على العمل النسوي المنظم في أعقاب مشروع أوسلو وتشكل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ تنامت وبشكل كبير المؤسسات والمراكز النسوية في سياق تبلور المجتمع المدني، ووقعت الحركة النسوية في مشكلة حقيقية في أولويات أهدافها وتوجهاتها، بين البرنامج الوطني المرتبط بالنضال لمقاومة المحتل، وأهداف المرحلة الجديدة حيث الاعتقاد بأن قيام السلطة يعني الاستقلال الوطني.

نضالات المرأة الفلسطينية لم تُترجم إلى وجود ملموس لها في مواقع قيادية، ولم يؤخذ دورها بعين الاعتبار كانعكاس طبيعي لحجم هذه المشاركة، وهذا مرده إلى الهيمنة الذكورية على العمل السياسي

آنذاك، تمّ التركيز على أجندة التطوير الاجتماعي، وخوض الصراعات مع السلطة لانتزاع حقوق المرأة، لتضمينها في القوانين التي أنشأتها السلطة، كما اختلفت مكونات الحركة النسوية بسبب تدخل الدور الرسمي في صياغة مكوناتها، ما أدى إلى تراجع دور الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والأطر النسوية الحزبية بشكل عام، نظراً لاستيعاب النساء من أعضاء الاتحاد والأطر وبشكل واسع في وظائف السلطة، وهذا ما أدى، حسب كثيرات من الناشطات النسويات، إلى تفريغ المحتوى الطوعي للعمل النضالي النسوي، في حين لم تتمخض التشريعات التي تم سنّها في ظل السلطة، عن حقوق جوهرية تضمن تحقيق مطالب الحركة النسوية، خصوصاً في قوانين الأحوال الشخصية ومناهضة العنف ضد المرأة.

أثر الانقسام السياسي

وازدادت معاناة المرأة الفلسطينية حدةً في ظل استمرار الصراع الداخلي، وانشغال الحركتين "فتح وحماس"، في الصراع على السلطة، وذلك نتيجة تعمق الانقسام السياسي والجغرافي في الساحة الفلسطينية، وتفاقم الصراع بوتيرة متصاعدة، مما ترك آثاراً سلبيةً بعيدة المدى على الحركة النسوية ودورها، ارتباطاً بأثر هذا الصراع السلبي على مجمل القضية الوطنية الفلسطينية، أو لجهة آثاره السلبية المباشرة على حياة المواطنين، بسبب الإجراءات السياسية والإدارية للحكومتين، التي من شأنها تعزيز نفوذهما، وإحكام قبضتهما على مقدرات الأمور.

ازدادت معاناة المرأة الفلسطينية حدةً في ظل استمرار الصراع الداخلي، وانشغال الحركتين "فتح وحماس"، في الصراع على السلطة

وتمظهر ذلك من خلال إنهاء التعددية السياسية، وإسكات صوت المعارضة السياسية، ومصادرة الحريات العامة، واعتقال الأفراد على خلفية الانتماء السياسي، وأفراد من العاملين في القطاع الإعلامي والعمل الأهلي، ومنع التجمع السلمي وحرية التعبير، وإغلاق عدد من مؤسسات العمل الأهلي، وتشديد إغلاق المعابر بين قطاع غزة والخارج، وفصله تماماً عن الضفة الغربية.

دور الاتحاد العام

تقول عضو الأمانة العامة للاتحاد سميرة صلاح: "لقد كان لاتحاد المرأة، فرع لبنان، دور بارز في كل المواقع، ودور في حماية المخيمات في حمل السلاح للدفاع عن الثورة الفلسطينية، وكان له دور على الصعيد السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، من إقامة ندوات توعوية سياسياً واجتماعياً. وبسبب الحرب الأهلية في لبنان، والعدوان "الإسرائيلي" المتكرر، فقد خصص الاتحاد دوراتٍ عسكريةً للنساء، وكانت غالبيتهن من طالبات المدارس والجامعات".

كما كان للاتحاد دور بارز بعد معركة تل الزعتر عام 1976، إذ تشكلت لجان الدعم لأهالي المخيم، كما ساهم بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، في تشكيل لجنة مؤلفة من النساء اللبنانيات والفلسطينيات، لدعم الأسر المهجرة من أماكن القصف ورعاية الجرحى، وتوزيع الطعام على أماكن وجود المجموعات المتمركزة في بيروت للدفاع عن العاصمة.

المرأة والعمل السياسي

يقول مدير مركز تطوير للدراسات، هشام الدبسي، لرصيف22، إنه "من خلال تجربته الإعلامية مع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في لبنان، يمكن تسجيل ما يلي: قبل تشكيل الاتحاد، كانت الهيئات الحزبية الفلسطينية توفر حيّزاً بسيطاً وضيقاً ومحدود العمل للمرأة؛ بينما لحظة تشكيل الاتحاد العام للمرأة شهدت اندماج المجموعات السياسية وغير السياسة، وعدداً كبيراً من النساء المستقلات من ذوات النشاط الأدبي والاجتماعي والنقابي".

يضيف: "هذا الواقع أنتج وحدة عمل نسوي على المستوى الوطني الفلسطيني العام، كما أنتج إطاراً تنظيمياً واسعاً، بفعل منطقه وهيكله النقابي المرن، هذا ما جعل الاتحاد من أكثر الاتحادات الشعبية تأثيراً، وقد مكّن المرأة الفلسطينية من امتلاك منبر ديمقراطي يتسع للجميع في إطار الوحدة الوطنية".

الهيكل النقابي للاتحاد العام للمرأة وما أنتجه من توحيد العمل النسوي الفلسطيني مكّن المرأة من امتلاك منبر ديمقراطي يتسع للجميع في إطار الوحدة الوطنية

استطاع الاتحاد على مرّ السنوات، تأسيس فروع في الوطن والشتات، وشهدت مؤتمراته السياسية والنقابية تطوراً سريعاً، إذ مكّنت المرأة من المساهمة الفعالة في بناء صرح نسوي ديموقراطي فلسطيني للمرة الأولى، كما مكّن الاتحاد المرأة الفلسطينية، عبر علاقته مع الاتحادات النسوية العربية والدولية، وكذلك الهيئات الدولية الرسمية، من تأمين حضور نسوي فلسطيني واضح على المسرحين العربي والدولي، فضلاً عن الفعالية النضالية الشاملة للشعب الفلسطيني، بما هي رافعه حقيقية تتبادل التأثير مع الدور الخاطف للمرأة في المجال النقابي والمجتمعي والسياسي.

ما بعد النكبة

في بيئة معزولة ومفككة في مخيمات لبنان، لأكثر من ثلاثة عقود بعد النكبة، شهد عمل الاتحاد نمطاً جديداً من التواصل، والترابط بين المخيمات، عبر المشاريع التي استطاع تنفيذها من مشاغل للتراث الشعبي، وروضات أطفال، وفرق عمل شبابية للصبايا، ودورات تثقيفية، ما أسفر عنه كسر العزلة وفتح فضاء جديد للتفاعل والتواصل ليس مع مستوى لبنان فحسب، بل مع بقية بلدان الشتات في سوريا والأردن ومصر والعراق، وحيث استطاع الاتحاد إنشاء فروع له.

يتراجع دور المرأة الفلسطينية اليوم بفعل نمو الإسلام السياسي، الذي لا يقبل للمرأة دوراً إلا وفق منظومة أفكاره الخاصة

والمجتمع الفلسطيني بثقافته وعاداته وتقاليده، مجتمع ذكوري بنسبة عالية، نظراً لاتساع تشكيلاته الفلاحية والبدوية، وهذا أيضاً ينطبق على المدن الكبرى، حيث يتراجع السلوك الذكوري من تلقاء نفسه في المجتمع، لذا كان الاتحاد العام للمرأة في مواجهة هذا التحدي، وما زال حتى اليوم، لكنه وبفعل سياسات مرنة ونشاط مدروس، كسر العديد من المجتمعية التي لا سند لها سوى العادات والأعراف.

استطاعت المرأة الفلسطينية عبر نضالها في الاتحاد، أن تقول كلمتها، وأن تضع كفةً أخرى للميزان حتى يعتدل قليلاً، وهذا الأمر لا يمكن فصله عن التيار العمالي والديموقراطي في مرحلة ما بعد حرب حزيران 1967، بينما يشهد اليوم انتكاسةً في هذا المجال، بفعل نمو الإسلام السياسي، الذي لا يقبل للمرأة دوراً إلا وفق منظومة أفكاره الخاصة، وبهذا تسجّل المرأة الفلسطينية تراجعاً عما أنجزته في المرحلة السابقة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard