مطلع يونيو/ حزيران الجاري، انضم العشريني محمد رأفت إلى طابور المتعطلين عن العمل، بعد خسارته وظيفته. لن يحل مكانه موظف آخر أكفأ منه في الشركة نفسها، بل سينجز "برنامج كومبيوتر" جميع مهماته "بكفاءة أعلى وأخطاء وتكلفة أقل".
رأفت واحد من 323 موظفاً أنهت شركة سويفل خدمتهم أواخر مايو/ أيار الماضي. ومن المقرر أن يلحق بهم 70 آخرين على الأقل في الأسابيع المقبلة بموجب خطة الشركة التي تستهدف تسريح 32% من موظفيها في البلدان التي تنشط فيها من أجل تعويض خسائرها التشغيلية، والتحول بشكل أسرع نحو الربحية.
لم تكن "الأتمتة"، أو التحول إلى البرمجيات والآلات الذكية لأداء وظائف البشر، السبب الرئيس للتخلص من رأفت ورفاقه في مكاتبها في القاهرة وباكستان ودبي. فإلى الأخيرة انتقل المكتب الرئيسي للشركة. إلا أن سويفل، بحسب مسؤوليها، لا تملك رفاهية التضحية بـ100 مليون دولار ترى الشركة أنها كانت ستخسرها العام المقبل في حال إبقائها على الموظفين، في وقت تسعى إلى رفع أسهمها في بورصة ناسداك الأمريكية التي انخفضت أكثر من نصف قيمتها منذ بدء تداولها في مطلع أبريل/ نيسان، في حين تضرب أزمة الركود التضخمي بورصات العالم، وعلى رأسها البورصات الأمريكية، وتعاني أسهم الشركات المدفوعة بالتكنولوجيا من تراجع حاد في أسهمها، وعلى رأسها الشركات الرائدة تسلا وفيسبوك وأمازون.
بضعة أشهر فصلت إدراج شركة سويفل ببورصة ناسداك الأمريكية، عن إعلان وبدء تنفيذ خطتها الأخيرة التي تنوي فيها الاستغناء عن نحو ثلث موظفيها لإيقاف نزيف خسائرها. فكيف جرى ذلك؟ وما هو مستقبلها؟ وما هو وضع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، وخصوصاً الأيدي العاملة فيها؟
بعد أشهر قليلة من إدراج شركة سويفل ببورصة ناسداك، بدأت تنفيذ خطة للاستغناء عن نحو ثلث موظفيها، ومعظمهم من مصر، وذلك لإيقاف نزيف خسائرها، وأعلنت الاستعاضة عنهم بـ"موظفين آليين"
سويفل قصة الصعود
قبل أشهر قليلة، جذبت سويفل الأنظار إليها باعتبارها قصة نجاح ملهمة لرواد الأعمال الشباب في مصر، بعد إدراجها في بورصة ناسداك الأمريكية كأول شركة في الشرق الأوسط تفوق قيمتها المليار دولار، بعد مرور سنوات قليلة على تأسيسها.
لم يكن خبر الإدراج في بورصة ناسداك الأمريكية مثاراً للإعجاب بمؤسسي الشركة حسب، بل مثّل كذلك ضربة لاستثمار الشركات الناشئة في القاهرة لصالح دبي
تأسست سويفل على يد ثلاثة من الشبان المصريين، يتصدرهم المؤسس مصطفى قنديل، الموظف السابق في شركة أبر للنقل الخاص، في أوائل 2017، بهدف تغيير شكل النقل الجماعي في مصر، اعتماداً على شرائح اجتماعية معنية يراوح دخلها بين أربعة آلاف و23 ألف جنيه من خلال أتوبيسات سياحية توفر الراحة لمستخدميها في التنقل داخل العاصمة وخارجها، قبل أن تتوسع الشركة وتغزو الأسواق خارج مصر، بعد الحصول على منح تمويلية ساهمت في ترسيخ اسمها علامة تجارية رائدة في الشرق الأوسط.
وتنشط سويفل حالياً في 40 مدينة بـ18 دولة، أكبر أسواقها مصر، بلد التأسيس، والسوق الثاني لها باكستان. ورغم الأعباء التشغيلية التي قادت إلى قرار الاستغناء عن نحو ثلث العمالة، تواصل الشركة عمليات الاستحواذ والتوسع في الأسواق، إذ بدأت مع مطلع يونيو/ حزيران الجاري التوسع في المكسيك.
من القاهرة إلى ناسداك
لم يكن خبر الإدراج في بورصة ناسداك الأمريكية مثاراً للإعجاب بمؤسسي الشركة حسب، بل مثّل كذلك ضربة لاستثمار الشركات الناشئة في القاهرة لصالح دبي، إذ لم تتوسع سويفل في استحواذاتها وتبدأ في خطتها لإدراج أسهمها في بورصات التكنولوجيا الأمريكية. فالتوسع انطلق في دبي، رغم أن الفكرة نمت وحققت نجاحها في الشوارع المصرية.
كان إدراج سويفل بالبورصة الأمريكية جواز مرور لها لتمديد أنشطتها وغزو أسواق جديدة في بلاد مختلفة، من بينها الأرجنتين وتركيا إلى جانب الأسواق التي نشطت فيها قبل الإدراج مثل دول الخليج والشرق أوسطية كباكستان والأفريقية مثل كينيا، علماً أن استحوذت على شركات ادة، بعضها صغيرة وأخرى كبيرة ذات مال رأس ضخم مثل "زيلو" البريطانية.
استحواذات سويفل بدأت قبل نجاحها في إدراج أسهمها ببورصة ناسداك التي بدأ التداول بها في مطلع أبريل/ نيسان 2022، وهو النمط الأكثر شيوعاً في مجال الشركات الناشئة من أجل زيادة حجم الاستثمارات.
يتعجب موظفو سويفل من ارتباط عملية التسريح الأخيرة بالتحول إلى الأتمتة، لعدم وجود خطط معلنة أو تعديلات تقنية وشت عن تطبيق الشركة أية أنظمة جديدة في عمليات التشغيل، حسبما يخبرنا أحمد رأفت الذي قضى 13 شهراً ضمن قسم الدعم الفني
يقول يوسف سالم، المدير المالي لشركة سويفل لرصيف22: "لم نكن نخطط لذلك الآن لكن بسبب التدهور السريع لظروف السوق والبيئة الكلية التي تجعل الوصول إلى رأس المال أكثر تكلفة، بدأنا في عدة مسارات، منها إلغاء الخطوط غير المربحة في مصر وباكستان".
يرى سالم أن الشركة "توسعت بشكل كبير في التعيينات"، وهذا ما حملها "أعباء إضافية"، لذا بدأت في معالجة ذلك بوقف التعيينات و"التخلص من العمالة الزائدة وتخفيض أجور أصحاب المناصب القيادية"، مؤكداً ثقته في تجاوز الأزمة الحالية والانتقال لمرحلة الربحية بشكل سريع، بفضل الاستحواذات التي تتمها الشركة في الآونة الأخيرة.
التكنولوجيا مكان البشر "الأتمتة"
لعب التحول نحو تكنولوجيا الأتمتة دورا ثانويا في عملية التسريح، فالشركة قالت في بيانها إن المسرحين من وظائفهم في قطاعات هندسية والمنتجات والدعم، التي من السهل تعويضها بالتكنولوجيا، فيما تحدث سويف سالم عن أن التكنولوجيا لم تكن السبب الرئيسي، ما يعني أن الأتمتة استخدمت كذريعة لإنقاذ الشركة حتى وإن كانت الشركة تنوي بالفعل تقليل العناصر البشرية لتحسين عملياتها.
يتعجب موظفو سويفل من ارتباط عملية التسريح الأخيرة بالتحول إلى الأتمتة، لعدم وجود خطط معلنة أو تعديلات تقنية وشت عن تطبيق الشركة أية أنظمة جديدة في عمليات التشغيل، حسبما يخبرنا أحمد رأفت الذي قضى 13 شهراً ضمن قسم الدعم الفني المسوؤل عن تنظيم رحلاتها بالقاهرة والمحافظات.
"في يوم وليلة أصبحت عاطلاً، فوجئت بأن الشركة عطلت الحسابات الخاصة بي وأبلغتنا بقرار التسريح دون سابق إنذار وبدون أي تمهيد للخطة الجديدة للشركة" يتحدث رأفت عن اليوم الأخير له في سويفل، نافياً علمهم بوجود نظام تشغيل جديد يعتمد على نظام الرقمنة التي تعتزم الشركة تطبيقها في قادم الأيام.
رحلة رأفت انتهت بشكل أسرع مما تخيل الشاب الذي هيأ نفسه لقفزات مثالية في مجاله الوظيفي، بينما لا يزال مستقبله في المجال مجهولاً، في ظل توسع الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا في إحلال البرمجيات والآلات الرقمية محل البشر.
مصر تتوسع في "الأتمتة"
الأتمتة ليست جديدة على رأفت الذي سبق أن عانى منها في شركة أخرى تعمل في مجال توصيل الطعام للمنازل، يقول:"حتى لو في نظام جديد للعمل بهدف تخفيض النفقات يحدث ذلك بشكل منهجي، بمعنى يتم التحول تدريجياً خلال فترة لا تقل عن ستة أشهر، هو ما حدث معي في شركة في مجال التكنولوجيا قبلها بأربعة أشهر" يتابع رأفت.
مخاوف رأفت تبدو منطقية في ظل توجه الشركات المتعددة الجنسيات والشركات المصرية ذات رؤوس الأموال الكبيرة للاعتماد على أتمتة مصانعها ومجمعات الإنتاج، وإن صبت التوقعات بأن يكون تبني الأتمتة في مصر هو الأبطأ مقارنة بالكويت والسعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان.
تخرج رأفت، الذي عاش القسط الأكبر من حياته في السعودية، في كلية الحقوق المصرية، لكنه سلك المجال التقني الذي يتيح له العمل في وظائف خدمات الدعم الفني ومدخلي البيانات، فكانت سويفل آخر محطاته في هذا المجال بعد ثلاثة أعوام قضاها في شركة اطلب "طلبات سابقاً" المعنية بتوصيل طلبات المطاعم للمنازل.
مستشار ابتكار للشركات الناشئة: "الشركات منتبهة جداً إلى الرقمنة وتحاول أن تتخذ خطوات استباقية لاستيعاب الصدمات"
في سويفل، عمل رأفت في القسم الخاص بتنظيم الرحلات واستقبال شكاوى قائدي الرحلات، الذين تسميهم الشركة "الكباتن"، من داخل أحد مكاتبها بحي المعادي، جنوب القاهرة، تقاضي عنها راتباً مقنعاً لشاب لم يبلغ الثلاثين من عمره بعد، لكن أهم ما يميزها ثبات مواعيد عمله من العاشرة صباحاً حتى السابعة مساء، وهو ما لا يتوافر كثيراً في الشركات الأخرى التي تتبع نظام المداورة في الورديات بين الموظفين.
رأفت أفضل حالاً من موظفين آخرين في الشركة يعيلون أسراً خسرت مصدر دخلها الوحيد، رغم قضائها فترات أطول، تتجاوز ثلاث سنوات، فيما سرحت الشركة موظفين آخرين لم يمر شهر واحد على تعيينهم بقسم المبيعات، حسبما يوضح رأفت.
فواتير الأتمتة والتحول إلى الربحية
يتبنى المهتمون بريادة الأعمال في مصر سردية أخرى عن مفاهيم القدرات التشغيلية، فيقول هاني نجيب، مستشار ابتكار في مجال ريادة الأعمال، لرصيف22، إن الإستراتيجة التي اتبعتها سويفل "ليست خطأ" في ظل عمليات الاستحواذ التي أقدمت عليها الشركة. و"هو ما ولد أدواراً متكررة داخل الشركة، مثل خطوط خدمة العملاء والدعم الفني ومدخلي البيانات، ما يجبرها على تخيفض التكاليف والأعباء".
لكن نجيب يرى في الوقت ذاته أنه كان هناك تعجل في عملية تسريح الموظفين، فالطريقة كانت منظمة بشكل أكبر في شركات سلكت هذا المسار خلال جائحة كورونا.
وباحث في التسويق الإلكتروني: يعرف العاملون بالمهن المرتبطة بالتكنولوجيا أن أعمار وظائفهم قصيرة
سويفل بالنسبة لنجيب ليست استثناء في ظل الوضع الاقتصادي الذي شكل عبئاً على جميع الشركات الناشة التي تواجه تحديات كبيرة في هذه الفترة، على خلفية التعافي من جائحة كورونا والأزمات المصاحبة للحرب الروسية على أوكرانيا، وهو ما يفسر التقارير التي تشير إلى تسريح نحو 15 ألف موظف بالشركات الناشئة في أمريكا على وجه التحديد.
التحول السريع إلى تكنولوجيا الأتمتة سيحصد المزيد من الضحايا، لذا لا يتعامل رواد الأعمال انطلاقاً من أن ما حدث في سويفل أمر سيّىء: "الشركات منتبهة جداً إلى الرقمنة وتحاول أن تتخذ خطوات استباقية لاستيعاب الصدمات"، يقول هاني نجيب.
ويدافع صابر هلال، باحث في مجال التسويق الإلكتروني، عن فكرة التحول إلى الأتمتة باعتبارها صلب عمل مجتمع ريادة الأعمال الذي يقوم على ابتكار تكنولوجي، لذا يعلم المنخرطون فيه أن آجالهم قصيرة إذا لم يطوروا أنفسهم، متابعاً في حديثه لرصيف22: "أي فكرة في ستارت أب تكنولوجية مبتكرة لخدمة الجمهور بالتجارة عن طريق السوفت وير طبيعة الشغلانة كده".
رغم ما تشي به رحلة صعود واهتزاز سويفل من تقديرات سلبية لأوضاع الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا، هناك مؤشرات إيجابية على انتشار تلك الشركات في مصر بشكل أسرع عن الأوقات السابقة. إذ جاءت مصر في المركز الأول على مستوى القارة الأفريقية من حيث عدد الصفقات الاستثمارية والتمويلية في الشركات الناشئة خلال عام 2021، نتيجة نجاحها في جمع صفقات تمويلية بقيمة 491 مليون دولار من خلال 147 صفقة مُبرمة خلال العام المنقضي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين