لم يشفع لها حملها، أمام إدارة المدرسة التي كلّفتها بمهام إضافيّة غير مهام عملها الأساسي في التدريس، إذ كانت ترافق الجولات المدرسيّة في الحافلة لدى إيصال الطلاب إلى منازلهم، وتُمنع من الجلوس على الكرسي في أثناء الحصص المدرسية بالرغم من كونها في الشهر الثامن من الحمل، لتفارق الحياة بعد أن تعبت في المدرسة ومُنعت من الاتصال بسيارة الإسعاف وطُلب من زوجها إسعافها، وماتت عقب دخولها في غيبوبةٍ لمدة 4 أيام، ومات الجنين معها.
تلك كانت قصة المعلمة رُبى العاملة في إحدى المدارس الخاصة، والتي توفيت قبل بضعة أشهر -كما يروي زوجها- وفتحت الباب على مصراعيه أمام حال معلمي ومعلمات المدارس الخاصة في الأردن -مرةً أُخرى- خاصةً مع تفضيل الأهالي إلحاق أطفالهم بالتعليم الخاص بدلاً من التعليم الحكومي وظروف العاملين في هذه المدارس التي ما تلبث أن تخرج إلى السطح في كل مرة.
مكانة التعليم الخاص لدى الأردنيين لم تشفع للمعلمين بتقاضي أجورٍ تتناسب والحد الأدنى للأجور في الأردن، 260 ديناراً (367 دولاراً)، أو الحصول على إجازاتٍ وعطل أو حتى عدم تكليفهم بأعمال إضافية غير التدريس مثل مرافقة جولات الحافلات.
وبالرغم من أنَّ قضية المعلمين والمعلمات في المدارس الخاصة لا تكفّ عن الخروج إلى الساحة الأردنية بين الفينة والأُخرى، إلا أنَّ المشكلات ذاتها استمرت على مرّ سنوات، فقد بدأت بتقاضيهم أجوراً لا تتجاوز 80 ديناراً (113 دولاراً)، في بعض المدارس، بحسب المرصد العمالي الأردني، وانتقلت إلى الفصل التعسفي، ولم تنتهِ بعد موت إحدى المعلمات هذا العام، فإلى أين تتجه سلسلة الانتهاكات؟
16 سنةً بالراتب نفسه
تقول المعلمة خالدة -اسم مستعار- لرصيف22: "عملتُ في المدارس الخاصة 16 سنةً، ووصل راتبي مؤخراً إلى 270 ديناراً (381 دولاراً)، أتقاضى منه 220 ديناراً (310 دولارات)"، إذ يقوم صاحب العمل بجعل المعلمات يوقعن على عقودٍ فارغة يضع بعدها الراتب الذي يناسبه ويجبرهنَّ على إعادة الفارق من الدخل نقداً بعد إرساله إلى البنك.
تعيل المعلمة 5 أفراد وحفيدين مع دفع إيجارٍ يصل إلى 100 دينار شهرياً (141 دولاراً)، بعد أن خيّرها زوجها بين الانفصال عنه أو إعطائه جزءاً من دخلها؛ لتختار الخيار الأول، ويساعدها ابنها الأكبر -بالكاد- على تدبّر مصاريف المنزل.
بالرغم من أنَّ قضية المعلمين والمعلمات في المدارس الخاصة لا تكفّ عن الخروج إلى الساحة الأردنية بين الفينة والأُخرى، إلا أنَّ المشكلات ذاتها استمرت على مرّ سنوات، فقد بدأت بتقاضيهم أجوراً لا تتجاوز 80 ديناراً (113 دولاراً) وانتقلت إلى الفصل التعسفي، ولم تنتهِ بعد موت إحدى المعلمات هذا العام، فإلى أين تتجه سلسلة الانتهاكات؟
تروي الانتهاكات التي تتعرض لها بقولها: "بأول كورونا كورنت، ما سمحولي أعطّل، ممنوعة الإجازات وإذا أخذت بنخصم من راتبي". لم تسكت خالدة عما تتعرض له، لذا قررت مواجهة صاحب المدرسة الذي بدأ بالتضييق عليها من خلال الاتصال بالأهالي وسؤالهم عن أداء المعلمة ورضاهم عن تدريسها للطلاب، وإجبارها على الإجابة على استفسارات الأهالي طوال اليوم وخارج أوقات الدوام، وتهديدها الدائم بالفصل من المدرسة، وعدم تجديد عقد العمل.
حاولت خالدة التقدّم بشكوى إلى وزارة العمل، إلا أنَّها لم تتلقَّ أي متابعة ولم تحاسب المدرسة التي استطاع صاحبها التنصّل من المسؤوليّة، على حدّ تعبيرها. تقول: "الشغل ما بعطيك، بوخذ أشياء أكثر منك، دفعت ثمن بُعدي عن أولادي وصارت عندي ضغوطات زيادة".
ليست المرة الأولى
يروي رئيس لجنة المعلمين في نقابة التعليم الخاص لؤيّ الرمحي، لرصيف22، تكرار الانتهاكات بحق المعلمات الحوامل خلال الشهرين الماضيين، بمعاناة 4 معلمات من آثار الحمل ومنعهنَّ من التوجه إلى الطبيب، فيما اتهمت مدرسةٌ إحداهنَّ بالتحايل والتظاهر بتعب الحمل، ووجهت إليها إنذاراً متجاهلةً سوء حال المعلمة واضطرار ذويها إلى نقلها إلى المشفى بعد عودتها إلى المنزل، أيّ أن حالة المعلمة ربى لم تكن الأولى من نوعها بالنسبة لتعب الحمل، غير أنها الوفاة الأولى الناتجة عن الأمر.
ومن جانبها، تقول إحدى المنسقات في حملة قم مع المعلم، باسمة خليل، لرصيف22، إنَّ وزارتَي التربية والتعليم، والعمل مسؤولتان عما تمّر به المعلمات والمعلمون في المدارس الخاصة، خاصةً بعد حلّ الحكومة لنقابة المعلمين المعنيّة بالدفاع عنهم.
يصل عدد المعلمين والمعلمات في المدارس الخاصة إلى 37 ألفاً، يتعرضون لانتهاكاتٍ تتراوح بين تدني أجورهم/ ن دون الحد الأدنى للأجور، والفصل التعسفيّ، وعدم الحصول على إجازاتٍ مرضيةٍ أو سنوية، بحسب خليل.
لا سرّية في الشكاوى
وتضيف خليل أنَّ الجهات الحكوميّة تستمر في التهاون في ما يتعلق بالعاملين في هذا القطاع "إذا إحنا ما زنيناش الموضوع بطوّل"، وعدم متابعة الشكوى والقضية من قبل الجهات المعنيّة، بالإضافة إلى عدم المحافظة على سرّية الشكوى في وزارة العمل، وهو ما يدفع المعلمات للخوف من هذه الناحية.
ويتفق معها الرمحي، بقوله إنَّ نقابة التعليم الخاص اقترحت على وزارة العمل أن يكون هناك ضابط ارتباطٍ من النقابة يقوم بإيصال الشكاوى إلى الوزارة، منبهاً إلى أنه "من الضروري أن تكون الشكاوى سرّيةً إلا أنَّ العديد من مفتشي العمل يقومون بإيصال أسماء صاحب الشكوى إلى إدارة المدرسة".
أما الناطق باسم وزارة العمل، محمد الزيود، فيقول لرصيف22، إنَّ "المادة 24 من قانون العمل حفظت حق العامل عند تقديم شكواه، بحيث لا يجوز لصاحب العمل اتخاذ أي إجراء تأديبي بحقه لأسباب تتعلق بالشكوى التي تقدّم بها العامل للجهات المختصة".
تقول إحدى المنسقات في حملة قم مع المعلم، باسمة خليل، لرصيف22، إنَّ وزارتَي التربية والتعليم، والعمل مسؤولتان عما تمّر به المعلمات والمعلمون في المدارس الخاصة، خاصةً بعد حلّ الحكومة لنقابة المعلمين المعنيّة بالدفاع عنهم
ويضيف أنَّ العامل يستطيع طلب سرّية الشكوى باستثناء إذا كانت طبيعتها لا تقبل أن تكون سرّيةً ، كما زودت الوزارة مفتشيها في الميدان بكاميرات وأجهزة لوحية إلكترونية مرتبطة بغرفة سيطرة رئيسية في الوزارة لمتابعة إجراءات كل مفتش خلال الجولات التفتيشية.
ويتابع الزيود أنَّ الأصل تقديم العامل شكواه بنفسه من دون وجود وسيط، حتى يستطيع مفتش العمل التحقق من بعض البيانات المطلوبة للنظر في موضوع الشكوى، فالعامل هو الأقدر على إيصال معلومته.
التنسيق بين الوزارات والنقابة
أما رئيس لجنة المعلمين في نقابة التعليم الخاص، فيشير إلى ضرورة تواجد تنسيق بين الجهات المعنيّة بأمر المعلمين والمعلمات في المدارس الخاصة عن طريق وجود لجنةٍ مشتركةٍ بين الوزارات والنقابة تتابع أوضاع العاملين في هذه المدارس والانتهاكات الواقعة عليهم والتعامل معها.
ماذا يقول أصحاب العمل؟
ينفي نقيب أصحاب المدارس الخاصة، منذر الصوراني، لرصيف22، علاقة النقابة بالانتهاكات التي يقوم بها أصحاب المدارس؛ إذ تتمثل مهمتها في تنظيم العمل والحماية، وتُرجِعُ الانتهاكات إلى وزارة العمل المعنيّة بهذا الشأن.
ويضيف محاولة النقابة تنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل من خلال وضع عقد عملٍ موحد يفرض على أصحاب المدارس الالتزام به، معلّقاً على الانتهاكات التي تتعرض لها المعلمات بقوله: "هي بتقدر تقول أنا من حقي تعطيني حقوقي، إذا ما قالت فهذا برجعلها".
وتتحدث المعلمة خالدة عن محاولتها التوقيع على عقدٍ عملٍ فارغ، إلا أنَّ المديرة ضغطت عليها عاطفياً من خلال طمأنتها إلى أن من المحال خداعها، بالإضافة إلى محاولة تخويفها من الفصل أو طردها في حال رفضت التوقيع، وهو ما اضطرها إلى ذلك في ضوء عدم جدوى الشكاوى لدى وزارة العمل.
لماذا يرسل الآباء أبناءهم إلى المدارس الخاصة؟
يفضّل العديد من الآباء والأُمهات إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة بالرغم من الضغوط التي تمارس على المعلمين والعاملين فيها، وعن هذا تقول نيفين -وهي والدة لطفلين- لرصيف22، إنَّ اختيارها للمدارس الخاصة كان بسبب "الأمان، أي وجود الأمن في المدرسة وعدم السماح للطلاب بالخروج منها إلا بعد انتهاء الدوام". قد تبدو هذه الأمور بديهيةً، إلا أنها من الصعب أن تطبّق في المدارس الحكوميّة.
في حين ترى شيرين -أمٌ لأطفال- خلال حديثها إلى رصيف22، أنَّ المدارس الخاصة تقوم بتأهيل الأطفال الصغار وتعليمهم وفتح المجال أمامهم للتنافس مستقبلاً، خاصةً مع افتقار المدارس الحكوميّة إلى التأهيل الناتج عن عدد الطلاب الكبير الذي يصل إلى 60 طالباً في الشعبة الواحدة، وتدنّي أجور معلميها، بالإضافة إلى عدم توفر وسائل الحماية في المدارس.
وتؤكد: "مستحيل أحط أولادي بالحكومة لو بدي أشتغل أنا وأبوهم شغلين"، معللةً ذلك بسوء التدريس في المدارس الحكومية، وتردي السلوكيات والبيئة التي يعيش فيها الطلاب، موضحةً: "خريج المدرسة الخاصة لديه فرص أكبر في الجامعة والتخصص واللغات والعمل مستقبلاً".
وتتفق معهما المنسقة في حملة قم مع المعلم، باسمة خليل، بأنَّ التعليم في المدارس الخاصة أكثر جودةً من غيرها، وهو ما يدفع الأهالي إليها، إلَا أن الانتهاكات تكثر بشكلٍ أساسيّ في مدارس البرنامج الوطني لا الدولي.
لماذا تتكرر الانتهاكات مع استمرار الحملات؟
يشير مسؤول الاتصال والإعلام في المرصد العمالي الأردني مراد كتكت، خلال حديثه إلى رصيف22، إلى أنَّ الحملات فعّالة وتسير في الطريق الصحيح غير أنَّ مهمتها تكمن في إيصال صوت المواطن بصفتها ليست من ضمن أصحاب القرار.
ويتابع أنَّ من واجب الوزارة عدم انتظار الشكاوى، وخاصةً من معلمي المحافظات، بل عليها أن ترسل مفتشيها وتقوم بتوعيّة المعلمين والبحث عن الشكاوى والانتهاكات، بالإضافة إلى وجود لجنةٍ مشتركةٍ بين وزارتي التربية والتعليم والعمل، لافتاً "الجهتين مسؤولتان وكلٌ منهما يرمي المسؤولية على الآخر، هناك تهرّب من المسؤوليّة".
ومن جانبه، يوضح الناطق باسم وزارة العمل الزيود طرق ضبط التجاوزات في منشآت القطاع الخاص والمتمثّلة في الجولات التفتيشية الميدانية التي تنفذها الوزارة، أو من خلال نظام الشكاوى الإلكتروني عبر منصة "حماية" التي يتم من خلالها تصنيف الشكاوى حسب القطاعات ونوع الشكاوى وتفاصيلها، بالإضافة إلى تدخل الوزارة في أي خلاف في حال تقديم شكوى رسمية من المشتكى والتواصل معه للتحقق من الشكوى بالإضافة إلى التواصل مع صاحب العمل.
ويلفت إلى رصد وزارة العمل 37 مخالفةً عمّاليةً بعد قيامها بـ551 زيارةً تفتيشيّةً خلال العام الحالي في المدارس الخاصة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع