شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"نُريد حقنا" صرخة قد تشعل حرباً... إلى أين تتجه أزمة المياه بين إيران وأفغانستان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 15 يونيو 202211:44 ص

"نُريد حقنا في المياه"؛ بهذه الشعارات بدأت النار تشتعل تحت الهشيم، بين إيران وأفغانستان، إذ تجمّع عدد من الفلاحين من أهالي منطقة سيستان في محافظة بلوشستان الإيرانية، منددين بمنع طالبان حصصهم المائية من نهر هلمند الذي ينبع من الأراضي الأفغانية.

إنذار بصدام وشيك بين الجانبين، إذ تُعدّ قضية تقاسم المياه وبناء السدود بين أفغانستان وإيران واحدةً من أهم القضايا السياسية والاجتماعية والبيئية بين البلدين، منذ سنوات طويلة، وكانت مصدر نزاع وصراع منذ قرن ونصف. وللنزاع حول مياه نهر هلمند جنوب أفغانستان، تاريخ طويل من المناقشات والمفاوضات حول تقسيم المياه بين البلدين، فما هي القصة ومن المستفيد من سلاح مياه؟

الخطة الإيرانية

انصبّ النزاع الأفغاني-الإيراني لعقود طويلة حول مياه نهر هلمند جنوب أفغانستان، والذي ينبع من جبال هندوكوش في الشمال الشرقي لأفغانستان، ويصب في بحيرة هامون التي يقع قسم كبير منها داخل الأراضي الإيرانية، وتُعدّ مصدراً مهماً للمياه العذبة داخل إيران وذات أهمية كبيرة للبيئة والاقتصاد الإيرانيين على السواء.

تجمّع عدد من الفلاحين من أهالي منطقة سيستان في محافظة بلوشستان الإيرانية، منددين بمنع طالبان حصصهم المائية من نهر هلمند الذي ينبع من الأراضي الأفغانية

يقول الباحث في مركز الخليج للدراسات السياسية والإستراتيجية، محمود رأفت، لرصيف22: "عمل النظام الإيراني في العقود الماضية على الاستيلاء على مصادر مياه الدول المجاورة، ووصل الأمر إلى تحويل مجرى نهر الكارون الذي يصب في شط العرب، إلى نهر بهن شير الإيراني، ما نتجت عنه كارثة بيئية في محافظة البصرة العراقية، كما تعاني محافظتا السليمانية وديالى المحاذيتان لإيران من تفاقم مشكلة شح المياه، وسط شكوك حكومية عراقية بقيام إيران بتحويل مجاري أنهار أخرى لتعويض خسارتها لكميات كبيرة من المياه الأفغانية، وهو ما سيؤثر على البيئة في مناطق في الخليج العربي".

برأيه، "إيران تتمسّك بحصتها التي اتفقت عليها مع الحكومة الأفغانية في اتفاقية وُقّعت أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وبالتحديد عام 1972، لكن الحكومات الأفغانية المتعاقبة أكدت أن الأمر لم يعد متاحاً بسبب انخفاض مستوى تدفق النهر، خاصةً أن أفغانستان لم تكتفِ بسد "كجكي" الذي شيّد عام 1953 على نهر هلمند، بل عملت على الاستفادة من ثرواتها المائية عبر تشييد سد "كمال خان" في ولاية نيمروز على النهر نفسه، والذي افتُتح العام الماضي، وحينها قال الرئيس الأفغاني السابق أشرف عبد الغني: "سنعطي إيران المياه مقابل النفط".

في السياق ذاته، ادّعت وسائل الإعلام المقربة من النظام الإيراني في بداية سيطرة طالبان على أفغانستان، أن كميات زائدةً من المياه تتدفق نحو إيران، وأن طالبان فتحت مصارف إضافيةً في سد كمال خان. وما أثار حنق إيران كان قيام مهندسين أتراك بترميم التوربين الثالث في سد كجكي في ولاية هلمند وتشغيله، ما أثر على كميات المياه المتدفقة إلى إيران، وتالياً عانت محافظتا سيستان وبلوشستان السنّيتان الإيرانيتان والحدوديتان مع أفغانستان وباكستان من الجفاف الذي أدى وفقاً لبيانات مجلس الشورى الإيراني إلى أن يهجرها في العشر سنوات الأخيرة 25 إلى 30 في المئة من السكان متجهين نحو ضواحي المدن الكبيرة المركزية في إيران.

تحاول إيران تعويض خسائرها من مياه أفغانستان من خلال تحويل مجاري المزيد من روافد الأنهار الإيرانية إلى الداخل الإيراني، في الوقت ذاته تعتبر الحكومات الأفغانية المتعاقبة أن الاتفاق الموقع مع إيران عام 1972 لم يعد متاحاً، فإلى أين تتجه الأزمة في ظل شحّ المياه في البلدين؟ 

وتحاول إيران تعويض خسائرها من مياه أفغانستان من خلال تحويل مجاري المزيد من روافد الأنهار الإيرانية إلى الداخل الإيراني، كما حدث من قبل مع نهر بهن شير، حين أغلقت في العام 2009 مجرى نهر الكارون الذي يصب في شط العرب، ووقفته على بهن شير.

وتسببت السياسات الإيرانية ومنها تشييد السدود على الأنهار في الأحواز، في تجفيف مياه الهور العظيم الذي يقع ضمن الحدود المشتركة بين العراق وإيران، الأمر الذي ستصل آثاره الخطيرة والكارثية إلى الكويت خاصةً، وبلدان الخليج العربي عامةً، بعد منطقة الأحواز. وكان منها أزمة الغبار، كما أن نقص الأكسجين في المياه والحرارة الشديدة في المنطقة تسببا في حرائق ونفوق أعداد هائلة من الأسماك، والأبقار.

ورقة ضغط

يقول الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، يوسف بدر، لرصيف22: "مشكلة نهر هلمند، واحدة من حروب الماء التي تواجهها إيران والمنطقة، ويبدو أن حكومة طالبان التي أمسكت بزمام الأمور في أفغانستان بعد رحيل القوات الأمريكية، تستخدم هذه الورقة للضغط على إيران لأسباب عدة، خاصةً أن طالبان قد أعلنت أن الماء لم يعد مجاناً بعد اليوم".

فالجفاف الذي يصيب المنطقة يجعل كل دولة حريصةً على امتلاك أكبر حصة من الماء، ويعزز ذلك أزمة الغذاء التي يواجهها العالم في الوقت الحالي؛ وطالبان ماضية في استكمال بناء سد نهر هلمند (كمال خان)، بعد الحكومة الأفغانية السابقة، لهذه الأسباب.

ويضيف بدر: "الأزمة الاقتصادية التي تواجهها أفغانستان بسبب تجميد أموالها في الخارج، تدفع حكومة كابول إلى استخدام ورق الماء للضغط على إيران من أجل الحصول على مكاسب اقتصادية، ودعم لحكومتها الوليدة؛ فهناك معابر حدودية وتجارية منتشرة على حدود البلدين، وتغذي أفغانستان بالواردات من إيران وموانئها، فضلاً عن أزمة اللاجئين التي تستخدمها أيضاً إيران كورقة ضغط متبادلة مع أفغانستان".

بالنسبة إلى دول الخليج، فهذه الأزمة ما هي إلا أحد أسباب الضغط والأزمات التي تعيشها حكومة طهران بعد تفشي حالة الجفاف والقحط في المحافظات الجنوبية في خوزستان وبلوشستان

ويرى الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أن "إيران تصرّ على الحل الدبلوماسي والضغوط الاقتصادية لحل هذه الأزمة؛ لأن الخلاف سينتهي حول حصة إيران من مياه النهر، خاصةً أن الجفاف قد أثّر على منابع النهر وتالياً على حصصه".

ومياه هذا النهر هي أحد روافد المياه العذبة للشرب والري في منطقة بلوشستان الواقعة بين إيران وأفغانستان، والاضطرابات في هذه المنطقة لن تأتي بالسلب على إيران وحدها.

وبالنسبة إلى دول الخليج، فهذه الأزمة ما هي إلا أحد أسباب الضغط والأزمات التي تعيشها حكومة طهران بعد تفشي حالة الجفاف والقحط في المحافظات الجنوبية في خوزستان وبلوشستان، وهو ما يعزز بيئة التطرف والاضطرابات ضد الحكومة المركزية في طهران.

تعيش الجارتان حالةً من الترقب، لكن التصعيد هو السيناريو الأقرب حدوثه نظراً إلى ندرة المياه في المنطقة، إذ تتشارك إيران موارد المياه مع 12 دولةً مجاورةً، ومع تفاقم مشكلات المياه في المنطقة، سيكون هناك المزيد من التوترات بين إيران وأفغانستان وغيرهما من الدول المجاورة في المستقبل.

يستند هذا السيناريو أيضاً إلى أن التغير المناخي بات أرضاً خصبةً لنمو الإرهاب والتطرّف، فالجفاف وسوء إدارة الثروات المائية، أمور دفعت بالفلاحين المتضررين إلى الارتماء في حضن الجماعات المسلحة والمتطرفة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image