شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
إيران

إيران "تستثمر" في الغزو الروسي لأوكرانيا... هل تنجح في فك عزلتها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 10 مارس 202212:04 م

على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا، تجري في العاصمة النمساوية فيينا، مفاوضات بين إيران ومجموعة القوى الدولية بهدف إحياء خطة العمل المشتركة الشاملة المبرمة بين طهران ومجموعة 5+1 عام 2015، والمعروفة بالاتفاق النووي، الذي مهّد له اتفاق إطار بين واشنطن وطهران عام 2013، بالإضافة إلى عدد من اللقاءات السرية والعلنية في كل من مسقط وباريس وبروكسل ولوزان، قبل أن يعود وينسحب منها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في أيلول/سبتمبر 2018.

قبل دخول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وبعده، أعلن عن رغبته في العودة إلى اتفاق أقوى وأطول مع طهران. وبعد ما يُقارب السنة من العودة إلى طاولات المفاوضات في فيينا، يبدو أن الاتفاق أصبح وشيكاً، أو هكذا توحي تصريحات المعنيين من الجانبين، فما الذي تغيّر اليوم وسرّع إمكان الوصول إلى اتفاق؟ وما علاقة ما يجري في شرق أوروبا بالمضي قدماً في الاتفاق النووي مع طهران؟

حرب سرّعت الاتفاق؟

يقول الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، سمير تقي الدين، لرصيف22، إنه "من المحتم أن ما يجري في أوكرانيا له تأثيره على المحادثات في فيينا، وعلينا أن ندرك أن الولايات المتحدة لا تعدّ إيران عدواً حيوياً مباشراً لها، بل دولة مارقة خالفت القانون الدولي من خلال خرقها توقيعها على اتفاقية حظر الأسلحة النووية، والمَهمّة الرئيسية لواشنطن هي ضبط برنامجها النووي".

ويضيف أن "واشنطن تنظر إلى طهران وأنقرة في المدى الإستراتيجي على أنهما جوهرتا التاج الأمريكي في الشرق الأوسط، لذا تعمل لضمان منع سقوطهما في محور التحالف مع موسكو".

قبل دخول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وبعده، أعلن عن رغبته في العودة إلى اتفاق أقوى وأطول مع طهران

وكان لافتاً عدم تصويت إيران في 2 آذار/ مارس الجاري على قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة، إذ امتنعت عن التصويت ولم تصوّت ضد القرار، وبرّر المندوب الإيراني الدائم في الأمم المتحدة، مجيد تخت روانجي، عدم تصويت بلاده بأنه "لم تتم إتاحة الفرصة لجميع أعضاء الأمم المتحدة للمشاركة في صياغة القرار".

وتخوض إيران حرباً بالشراكة مع روسيا في سوريا، للدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتدخلت روسيا لمساندة طهران والنظام في العام 2015، بعد أن طلب منها الأسد ذلك.

ويشير مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات، اللواء الركن ماجد القيسي، إلى "الهامش الكبير الذي أعطته الحرب الأوكرانية لطهران، من خلال كسر العقوبات وتقوية التحالف الصيني الروسي مع إيران. ونظراً للبراغماتية الإيرانية ومهارتها في انتهاز الفرص، يعمل ساستها على فرض شروطهم مستغلين انشغال الغرب والناتو في الحرب الأوكرانية، وعدم رغبة واشنطن في فتح جبهات كثيرة على الساحة الدولية، ما سيقلص الخلافات بين الطرفين الرئيسيين في مفاوضات فيينا على الرغم من وجود بعض الكوابح فيها".

وحسب تقي الدين، فإن "المركزية في مفاوضات فيينا، تندرج في إطار عجز أو عدم رغبة الولايات المتحدة في الذهاب إلى حرب إقليمية من دون طائل، كما كان يطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو، لذا لا بد من التوصل إلى اتفاق يؤخر البرنامج النووي الإيراني في المدى المنظور".

تحاول إيران استغلال العقوبات على روسيا لتعود إلى سوق الطاقة العالمي كبديل مُحتمل، كما أن إدارة الأمريكية الحالية لا تعتبر إيران عدوّاً بل هي تسعى لإرضائها ومنع انغماسها في تحالف استراتيجي مع موسكو حالياً

ويشرح أنه "حتى في التقديرات الإسرائيلية، فإن إيران قد طوّرت قدرات بشريةً وتقنيةً ذاتيةً، بحيث أنها ستكون قادرةً على إعادة إطلاق برنامجها في غضون سنوات، في حال تدميره فيزيائياً. إذ قد تستطيع تدمير المنشآت بقصفها، لكن لن تستطيع أن تدمر المعرفة ما لم تحتل الأرض وتفكك البنية المعرفية كما حصل مع ألمانيا بعد الحرب الثانية. وهذا أمر لا تنوي الولايات المتحدة الذهاب إليه، بالإضافة إلى قناعة سائدة لديها، وفي إسرائيل الآن، أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، قد سمح لإيران بالتراجع عن التزاماتها، وتسريع برنامجها النووي بشكل منقطع النظير".

وعلى الرغم من نفيه تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا على مفاوضات فيينا، يرى القيسي إمكانية أن "يتساهل الغرب مع طهران في ما يتعلق ببرنامجها الصاروخي وسلوكها الإقليمي المزعزع في المنطقة، على الرغم من المطالبات الداخلية الأمريكية بتضمين الاتفاق هذين الملفين".

بدائل الطاقة الروسية

على الرغم من عدم استخدام موسكو سلاح الطاقة الإستراتيجي في معركتها المفتوحة مع الدول الأطلسية على الأراضي الأوكرانية، أو حتى في حقبة الحرب الباردة خلال أزمتَي برلين 1958 و1961، إلا أن إيجاد بديل عن إمدادات الطاقة الروسية للسوق الأوروبية أصبح هاجس الساسة الغربيين، وتجلّى ذلك في المباحثات التي أجراها الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني، خلال لقائهما في البيت الأبيض مطلع الشهر الماضي، وتوجّه واشنطن نحو تصنيف قطر كـ"حليف رئيسي من خارج حلف الناتو".

ويرى تقي الدين، أن "طهران بحاجة إلى رفع العقوبات عنها بشكل حيوي جداً، ونظراً إلى أنها غير معجبة بنمط الدولة الروسية ولا تعول كثيراً علي الصين، لذا ستسعى إلى أن تحتل مكانةً مميزةً في سوق الطاقة العالمية، من خلال الانخراط السريع في السوق الدولية من دون عوائق، وهو ما يوفره لها الاتفاق، كما توفره لها العقوبات المفروضة على روسيا نتيجة غزوها أوكرانيا، بالإضافة إلى استمرار الدول العربية النفطية في رفض رفع سقف إنتاجها بسبب توافقاتها وعلاقاتها العضوية مع روسيا، ما يؤهلها إلى أن تكون بديل موسكو في مجال إمداد الطاقة إلى أوروبا".

كان لافتاً عدم تصويت إيران في 2 آذار/ مارس الجاري على قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة، واكتفت بالامتناع وليس معارضته

وفيما يرى تقي الدين أن العلاقة الروسية الإيرانية قائمة على زواج مصلحة، يرى القيسي أن هامش المناورات الإيرانية في مجال الطاقة سيكون مضبوطاً تحت سقف الهواجس الروسية، للحفاظ على تحالف مشترك مع موسكو، ضمن الهدف المشترك للدولتين والمتمثل في معاداة الغرب، مما يعزز التفاهم والتوافق بينهما.

ويضيف أن "إيران أكبر المستفيدين من الحرب الأوكرانية، من خلال زيادة التقارب مع موسكو وبكين، وما يمكن أن تفتحه لها موسكو من مجال حيوي كونها دولةً ارتكازها في المنطقة، بالنظر إلى بسط نفوذها على العراق وسوريا، وما تتضمناه من موارد الطاقة، بالإضافة إلى موقع جيوستراتيجي على خرائط طرق الإمداد العالمية".

المساومة الروسية

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يوم السبت الماضي، أن بلاده طلبت من واشنطن ضمانات بأن العقوبات التي تستهدفها على خلفية عملياتها العسكرية لأوكرانيا لن تطال تعاونها مع إيران، قبل إعادة العمل بالاتفاق النووي.

وأضاف خلال مؤتمر صحافي: "هناك مشكلات لدى الجانب الروسي، وطلبنا من زملائنا الأميركيين تقديم ضمانات مكتوبة بأن العقوبات لن تؤثر على حقنا في التعاون الحر والكامل التجاري والاقتصادي والاستثماري والتقني العسكري مع طهران".

إلا أن تصريحات لافروف لم تُعجب طهران كثيراً، والتي على ما يبدو تسعى إلى إنجاز الاتفاق سريعاً، وتحييد كُل ما يُعيق ذلك الهدف، إذ رأى مسؤول إيراني كبير، رفض الكشف عن هويته، أن المطالبة الروسية بضمانات مكتوبة من واشنطن بأن العقوبات على موسكو لن تضر بتعاونها مع إيران، "غير بناءة" للمحادثات الجارية في فيينا.

وأضاف المسؤول الإيراني، حسب ما نقلت وكالة رويترز، أن "طرح الروس هذا الطلب على الطاولة قبل يومين، غير مفيد للمفاوضات النووية"، عادّاً أن موسكو تريد بطلبها هذا تأمين مصالحها في أماكن أخرى، في إشارة إلى الملف الأوكراني والعقوبات المفروضة عليها.

حسب تقي الدين، لعبت روسيا دوراً حيوياً في إنجاز الاتفاق عام 2015، مشيراً إلى قبول موسكو بمرور حلقة التخصيب الإيرانية في مراحلها الأدق على الأراضي الروسية، "حيث يُفترض أن تنجز بعض الحلقات الأدق فيها، مما يجعل مجمل البرنامج النووي الإيراني رهينةً في يد روسيا، لذا تطلب موسكو، في ظل الأزمة الأوكرانية، من واشنطن، ألا تؤثر العقوبات المفروضة عليها على العمليات المفترض القيام بها في ما يخص الاتفاق النووي، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة وتعترض عليه طهران".

لعبت روسيا دوراً حيوياً في إنجاز الاتفاق عام 2015،وهي قبلت بمرور حلقة التخصيب الإيرانية في مراحلها الأدق على أراضيها

ويتفق القيسي مع تقي الدين، في عدم رغبة موسكو في امتلاك طهران للقوة النووية، ويرى أن "موسكو دخلت إلى أوكرانيا للقضاء على بقايا القوة النووية لديها، لذا فإنها تمانع وجود هذه القوة في طهران، لا سيما بالنظر إلى تاريخ إيران وطموحاتها الدائمة في الشرق الآسيوي والقوقاز، كما أن امتلاك القوة النووية من قبل طهران سيجعلها تكسر محددات مستوى القوة على الساحة الإقليمية والدولية".

ويرى تقي الدين أن "روسيا لا تطمئن حتماً إلى إيران نووية على حدودها، غير أن الرقع الإستراتيجية في الإقليم تتحرك بسرعة، لذا ستنظر موسكو إلى قنبلة في يد إيران، وهي قريبة إلى روسيا، بشكل أفضل من رؤيتها إيران بلا قنبلة وقريبة إلى أمريكا".

في المحصلة، يبدو أن العودة إلى الاتفاق النووي باتت أقرب من أي وقت مضى، ويشير القيسي إلى أنه " لا خلافات جوهرية في المفاوضات، إذ تطالب طهران برفع جميع العقوبات المفروضة عليها، فيما توافق واشنطن على رفع جزئي، والأخيرة أعطت موافقةً لبعض الدول على تحرير ما يقارب الـ29 مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمّدة لديها حسب بعض المصادر الإيرانية والأمريكية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image