ظهر في الآونة الأخيرة دواء دوستارليماب، وروّجت له العديد من الصحف والمواقع على اعتبار أنه العلاج النهائي والفعال لمرض السرطان، حتى أن بعض المصادر زعمت أنه ولّى عهد هذا المرض الخبيث، بعد أن أظهرت دراسة أجريت في مركز نيويورك التذكاري سلون كيترينغ للسرطان، اختفاء السرطان بنسبة 100% في المرضى.
ولكن ماذا عن نوع السرطان الذي يعالجه هذا الدواء والعيّنة المستخدمة في هذه الدراسة؟ وهل هو دواء حقيقي لعلاج مختلف أنواع السرطان أم مجرد ادعاء وبث آمال واهية؟
ما هو دواء دوستارليماب؟
يعد دواء دوستارليماب من الأدوية المناعية، وكان يُستخدم في علاج سرطان الجلد وأنواع أخرى من السرطان، ولكن استُخدم مؤخراً في علاج سرطان المستقيم.
لا يهاجم دواء دوستارليماب الخلايا السرطانية وإنما يجعل جهاز المناعة يكتشفها ويهاجمها، وقد استُخدم هذا الدواء على فئة محددة من مرضى سرطان المستقيم، والذين يعانون من خلل جيني يمنع رؤية الخلايا المناعية للسرطان.
يعطى هذا الدواء عن طريق الوريد 9 مرات لمدة 6 أشهر أي مرة كل 3 أسابيع، وبعد انتهاء هذه المدة أجرى العلماء فحصاً على المرضى ولم يجدوا أي أثر للخلايا السرطانية.
ماذا عن نوع السرطان الذي يعالجه هذا الدواء والعيّنة المستخدمة في هذه الدراسة؟ وهل هو دواء حقيقي لعلاج مختلف أنواع السرطان أم مجرد ادعاء وبث آمال واهية؟
تابع الأطباء المرضى بعد انتهاء مدة العلاج بعدة أشهر، لكشف ظهور أي خلايا سرطانية مرة أخرى كما يحدث في مختلف أدوية علاج السرطان، ولكن لم يظهر حتى الآن أي حالة انتكاس.
وعليه، شكل دواء دوستارليماب أملاً لدى الكثير من مرضى سرطان المستقيم، لأنهم كانوا سابقاً لا يستجيبون للعلاج الإشعاعي أو الكيميائي، وغالباً ما يلجأون إلى العلاج الجراحي، والذي كان ينطوي على عدة مشاكل، أبرزها:
1. يؤثر على وظائف المستقيم والمثانة، فقد يعاني بعض الأفراد من سلس البول.
2. يقلل من القدرة الجنسية، وقد يصاب الأفراد بالضعف الجنسي.
3. يحرم النساء من القدرة على الحمل والإنجاب.
4. يكوّن ندوباً في الرحم.
5. قد يحتاج بعض المرضى إلى تركيب كيس للإخراج بعد الجراحة ويكون متصلاً بفتحة في القولون خارج البطن.
في حوارها مع رصيف 22، أشارت الدكتورة مي طلبة، وهي باحثة متخصصة في علم أدوية الأورام وأستاذة مساعدة في قسم الأدوية والسموم، كلية الصيدلة في جامعة عين شمس، والمديرة العلمية لفريق أبحاث علم الأدوية ومعمل زراعة الخلايا في مركز أبحاث اكتشاف الدواء وتطويره في جامعة عين شمس، إلى أن "عقار دوستارليماب ينتمي لمجموعة العلاجات المناعية التي تكشف آليات تخفي الأورام السرطانية عن جهاز المناعة، ما يعطي فرصة لخلايا المناعة لاكتشاف الخلايا السرطانية وتدميرها".
وأضافت طلبة: "إن العلاج المناعي شكل بالفعل طفرة في علاج العديد من الأورام السرطانية المقاومة لبروتوكولات العلاج المتعارف عليها في العقد الحالي".
ماذا عن آلية عمل دواء دوستارليماب؟
يعتمد دواء دوستارليماب على تعديل خلل جيني يعرف باسم "نقص جين إصلاح عدم تطابق"، "Mismatch repair-deficiency" "MMRd" ووظيفته إصلاح وتعديل الخلايا المتحورة الناتجة عن الانقسام، وعندما ينقص هذا الجين بالجسم أو يحدث به خلل، فإنه يتسبب في حدوث عدة أنواع من السرطان ومنها سرطان المستقيم.
عند تعديل هذا الخلل بواسطة الدواء فإنه يتسبب في نشاط خلايا الجهاز المناعي داخل جسم المريض، ويبدأ بالتعرف على الخلايا السرطانية ومن ثم يهاجمها، فيعمل جهاز المناعة بصورته الطبيعية في مواجهة الأجسام الغريبة.
معوقات الدراسة
تقول هند (37 عاماً)، وهي امرأة مصابة بسرطان الدم وتعمل في مجال المحاسبة في الإمارات، لرصيف22: "أخبرني أحد أقاربي بوجود دواء فعّال لعلاج السرطان ونتائجه مبهرة ويختفي السرطان تماماً بعد 6 أشهر من أخذه، فاتصلت بطبيب الأورام الذي يتابع حالتي، وسألته هل بإمكاني أخذ هذا الدواء؟ فقال أنه لا يناسب حالتي فأصبت بالإحباط".
توجد عدة نقاط خاصة بالدراسة قد تجعلنا ننتظر أكثر للوصول إلى أمل حقيقي وفعال ومنها:
1. عدد الذين أجريت عليهم الدراسة كان قليلاً فهم يمثلون 18 مريضاً فقط.
2. قلة التنوع في الجنسيات والعرق والفئات المصابة بالمرض في عيّنة الدراسة.
3. اختبار الدواء لعيّنة محددة من المرضى وهم المصابون بخلل جيني محدد في سرطان المستقيم، ويمثلون فقط 5 إلى 10% فقط من المصابين بسرطان المستقيم.
4. عندما أجريت الدراسة كانت على عيّنة من المرضى في المراحل المبكرة من المرض، وهما المرحلة الثانية والثالثة، والتي يسهل التحكم بها في السرطان مقارنة بالمراحل المتأخرة.
5. لم تتابع الدراسة الحالات لمدة طويلة بعد انتهاء العلاج، فقد تابعتهم مدة تتراوح من 6 إلى 25 شهراً، وفي هذه الفترة لم يعاود المرض بالظهور، ولكننا نحتاج مدة أطول للمتابعة.
وبالتالي، فإن الآمال تعقد على إجراء هذه الدراسة على نطاق أوسع وعدد أكبر من المرضى، خاصة أن نتائجها ما زالت مبشرة، بالإضافة إلى متابعة المرضى لعدة سنوات للتأكد من عدم معاودة ظهور الخلايا السرطانية أو انتشارها في الجسم.
الأعراض الجانبية لدواء دوستارليماب
لم تسفر الدراسة عن أية أعراض جانبية خطيرة، فمعظم الأعراض التي شعر بها المرضى كانت بسيطة مثل:
• طفح جلدي.
• غثيان.
• الشعور بالحكة.
• الإرهاق.
تقول روث، وهي أول المشاركات في الدراسة، وكان لها تاريخ عائلي من الإصابة بأنواع أخرى من السرطان: "لقد صدمت عندما وجدت نزيفاً من المستقيم، اعتقدت أنه بسبب مضادات الالتهاب التي أتناولها، ولكن اكتشفت فيما بعد أن النزيف بسبب سرطان المستقيم".
وأكدت أنها تلقت العلاج الجديد ولم تشعر بأي أعراض جانبية خطيرة، بل كانت تخرج للتنزه وتجري كما يحلو لها.
هل دواء دوستارليماب يشكل حلاً نهائياً للعلاج من السرطان؟
بالعودة إلى الباحثة المتخصصة في علم أدوية الأورام، الدكتورة مي طلبة، فإنها أشارت إلى "أن التجربة السريرية المنشورة حديثاً والتي أجريت على عدد محدود من مرضى سرطان المستقيم الحاملين لنوع معيّن من الطفرات الجينية، تشكل علامة مبشرة لعلاج هذا النوع من الأورام السرطانية"، موضحة أن عقار دوستارليماب حصل على موافقة معجلة من قبل هيئة الدواء والغذاء الأميركية"FDA" في آب/أغسطس 2021؛ وذلك لاستخدامه في الأورام الصلبة المتقدمة والمقاومة للعلاجات المعروفة، والتي تحمل الطفرات الجينية المؤدية إلى ضعف إصلاح عيوب جزيء الحمض النووي بالخلايا "MMRd".
وأكدت طلبة إلى "ضرورة التنويه إلى أن هيئة الدواء والغذاء الأميركية تمنح الموافقات العاجلة؛ لتسهيل استخدام الأدوية التي أثبتت الدراسات المبدئية دليلاً يؤيد فعاليتها في علاج الأمراض التي تهدد الحياة، وبعد استنفاذ المريض للبدائل المعتمدة، على أن تؤكد الشركة المصنعة فعالية الأدوية وأمانها بدراستين سريريتين على الأقل حتى تُمنح الموافقة الكاملة".
وختمت حديثها بالقول: "لذلك فإن هذا العقار ما زال في هذه المرحلة، ونترقب النتائج المستقبلية للتجارب الإكلينيكية المؤكدة لفعالية وأمان هذا العقار من عدمه".
ظهر في الآونة الأخيرة دواء دوستارليماب، وروّجت له العديد من الصحف والمواقع على اعتبار أنه العلاج النهائي والفعال لمرض السرطان، حتى أن بعض المصادر زعمت أنه ولّى عهد هذا المرض الخبيث، بعد أن أظهرت دراسة أجريت في مركز نيويورك التذكاري سلون كيترينغ للسرطان، اختفاء السرطان بنسبة 100% في المرضى
تجدر الإشارة إلى إن هذا الدواء حتى الآن مخصص لفئة صغيرة تتراوح من 5 إلى 10% من مرضى سرطان المستقيم فقط، غير أن هؤلاء المرضى عادة ما ترفض أجسامهم العلاج الكيميائي، فوجود هذا الدواء يمثل أملاً في العلاج لهم، بشرط القيام بالمزيد من الأبحاث ومتابعة تأثير هذا الدواء على المدى البعيد.
يشير الباحثون أيضاً أن بالإمكان تجربة دواء دوستارليماب في الفترة القادمة على أنواع أخرى من السرطان التي بها خلل في جين إصلاح عدم التطابق للتأكد من فاعليته، مثل:
• سرطان المعدة.
• سرطان البنكرياس.
• سرطان البروستاتا.
تقول الممرضة المصرية ياسمين (45 عاماً)، وهي إحدى المصابات بسرطان الرئة، لرصيف22: "عندما قرأت الخبر في الصحف، سعدت للغاية بوجود علاج نهائي للسرطان، ولكن سرعان ما اكتشفت أنه علاج لنوع آخر من السرطان، ومخصص لفئة محددة منه، وهناك أخبار أخرى متداولة عن الدواء ولم تذكر هذه المعلومات الهامة، فرجاء تحروا الدقة عند نشر الأخبار، ولا تتلاعبوا بمشاعر المرضى فهم أشد من يتمسك بالأمل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
أحمد لمحضر -
منذ يوملم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 3 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 4 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري