شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
المنظومة الحاكمة أكثر خبثاً من السرطان... مريضة لبنانية تبكي لعدم توفّر الدواء

المنظومة الحاكمة أكثر خبثاً من السرطان... مريضة لبنانية تبكي لعدم توفّر الدواء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 27 أغسطس 202105:01 م

لا شعر على رأسها، رموشها أيضاً غير موجودة، وصورها التي انتشرت تُظهر أن هذه المرأة المتعبة كثيراً والتي يجب أن ترتاح، تبكي من القهر وليس من السرطان.


يقول الأطبّاء إن مرضى السرطان تحديداً يحتاجون إلى بيئة مريحة خالية من القلق ومن الأفكار السلبية، كي يتمكنوا من إنجاح رحلة علاجهم والتغلّب على الورم. ويردّد البعض أن الأورام الخبيثة تأتي وتنشأ بسبب الأوجاع النفسية المكبوتة. هذه الأحاديث نسمعها حين نحاول نحن الذين لا نعرف أوجاع مرض السرطان، أن نفهمه قليلاً كي نفهم المسار الذي يخوضه أو خاضه هؤلاء الذين نحبّهم. لكنّنا لم نتخيّل يوماً، ولا يمكن لعقلنا أن يفهم رؤيتهم على الشاشات وهم يطالبون بحقّهم بالعلاج.

مرضى السرطان في بلدنا صار يتوجّب عليهم أن يخوضوا معركتين. واحدة ضدّ الورم، وأخرى ضدّ المنظومة، التي هي، أكثر خبثاً من السرطان

بحسب منظّمة الصحّة العالمية، يضم لبنان أكبر نسبة من إصابات مرض السرطان في منطقة غرب آسيا. وإذا ما نظرنا إلى المحيط البيئي الذي نعيش فيه نكتشف أن الأسباب واضحة. من مكبّات النفايات، والهواء الملوّث، والمياه غير الصالحة للاستحمام. وعليه، تحوّل لبنان إلى وكر لمرض السرطان الذي دخل إلى كل عائلة.

“تعذّبت، راح شعري، راحوا ضفيري، تغيّر جسمي، نفسيتي تعبانة، ما حدا سألان عنّي. شو المطلوب؟ أنا بدفع حقّه بس لاقولي ياه”.

بهذه الكلمات توجّهت مريضة السرطان في لبنان إلى السلطات المعنية بهدف أن تؤمّن لها الدواء الذي تحتاجه كي تبقى على قيد الحياة.

هذه المرأة الجميلة، التي يشبه وجهها وجه أمي، ووجه صديقتي ووجوه كل الذين يخوضون رحلة علاجهم، فُرض عليها أن تخوض رحلة إضافية وهي رحلة البحث عن الدواء، فقط لأنها تعيش في لبنان.

كل تفاصيل الماضي مرتبطة بواقعنا اليوم، فقبل سنوات حين نهب أحدهم أموال الناس، وحين بقيت النفايات في الشوارع، وحين غٌضّ البصر عن الأهالي الذين طالبوا بإزالة المكبّات وإيقاف المحارق، وحين لم يحاسب الذين أعطوا أدوية منتهية الصلاحية لمرضى السرطان. كل هذه الصفقات المتعاقبة عبر السنوات أدّت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى نزول مرضى السرطان وذويهم إلى الشارع، أمس، للتظاهر بهدف تأمين الأدوية اللازمة بأقصى سرعة ممكنة، في الوقت الذي يجب أن يرتاحوا داخل منازلهم.

هذه الفتاة المتعبة كثيراً والتي يجب أن ترتاح، تبكي من القهر وليس من السرطان

السرطان لمن يعرفه من الداخل، مخيف. مخيف جداً. المصاب لا ينام، يخسر شبابه وهو في عزّه. ينحني ظهره أمام الآلام، ويحارب حتى النفس الأخير بهدف البقاء واسترجاع جسده وحواسه. يلجأ البعض في الأيام العادية التي يتوفّر فيها الدواء إلى وسائلهم الخاصّة التي تؤمّن لهم الراحة بهدف الشفاء، لكن هذا الأمر صار مستحيلاً في وقتنا الحالي، لأن لا أيام عادية في لبنان. فبدلاً من التفكير بكيفية محاربة المرض، صار على المرضى أن يفكّروا بكيفية إدارة مؤسّسات الدولة بهدف تأمين حقوقهم التي صارت واجباتهم.

في كل بلدان العالم، يحظى مرضى السرطان بمساحات هادئة كي يرتاحوا قليلاً من المعركة ومن كل الوجع الذي يحاربون لإخراجه من داخلهم. إلا في لبنان، تبكي مريضة السرطان لأن نفسيتها تعبت لعدم قدرتها على تأمين دوائها.


“متل ما أنا شفيت من حق غيري إنهم يتعالجوا ويشفوا كمان. بدنا دوا للسرطان”. رُفعت هذه اليافطة أمس أثناء التظاهرة، في الشارع حيث الأهل يبكون على أولادهم، والأولاد يبكون على أهلهم. إذ إن كل عرقلة يشهدها توفّر الدواء تهدّد حياة المصابين بطريقة مباشرة، وتتسبّب بخسارتهم الأمل بالبقاء على قيد الحياة. ففي هذه المعركة كما في كل المعارك، يوم واحد من العلاج بإمكانه أن يشكّل فرقاً.

كانت الدولة اللبنانية قد أعلنت عن عدم رفع الدعم عن أدوية الأمراض المستعصية والسّرطانيّة، التي، ويا للأسف، لم تعد متوفّرة في الأسواق بسبب الاحتكار الحاصل من قبل التجّار والشركات. وكان وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن قد دَهم عدداً من المستودعات المُحتكِرة لكل أنواع الأدوية المفقودة في السوق، وعاد وبرّر فعلة أحد المحتكرين، علماً أن هذه المستودعات ليست سوى جزء من احتكارات أضخم يشهدها لبنان منذ بداية الانهيار الاقتصادي.

بدلاً من التفكير بكيفية محاربة المرض، صار على المرضى أن يفكّروا بكيفية إدارة مؤسّسات الدولة بهدف تأمين حقوقهم التي صارت واجباتهم

قبل الانهيار، كان مرضى السرطان في لبنان يخوضون رحلة علاج صعبة تتخلّلها العديد من المتطلبات، مثل تكلفة الأدوية، وتأمين الأطعمة الصحية، واللجوء إلى مستشفى أو منزل مريح يؤمّن لهم السلام النفسي والدعم الذي يحتاجونه، كل هذا ضمن محاولتهم لاستكمال حياتهم الطبيعية.

اليوم الحياة الطبيعية فقدها الجميع، ومرضى السرطان يعانون اقتصادياً أيضاً، وكلفة العلاج ارتفعت، إذ بات مفترضاً استيراد الأدوية من الخارج لعدم توفّرها في الداخل، في ظل انهيار اقتصادي شمل جميع الناس.

نحن الأصحاء أصبحنا ننهار يومياً أمام انقطاع الكهرباء والمياه والانترنت والخبز، وأمام عدم قدرتنا على خوض يوم عادي يخلو من المشاكل المفروضة علينا، كل هذه التفاصيل تهدّنا وتهد أجسادنا الخالية من السرطان. أمًا مرضى السرطان في بلدنا فصار يتوجّب عليهم أن يخوضوا معركتين، واحدة ضدّ الورم، وأخرى ضدّ المنظومة، التي هي، في نظر اللبنانيين، أكثر خبثاً من السرطان.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard