شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
15 عاماً من الحصار...

15 عاماً من الحصار... "غزة مليئة بالموهوبين، لكن المغادرة صعبة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحريات العامة

الثلاثاء 14 يونيو 202211:34 ص

"أشعر بأني عالقة في صندوق صغير... بالنسبة لنا في غزة، عقارب الساعة توقفت. يمكن للأشخاص في جميع أنحاء العالم حجز رحلات الطيران والسفر بسهولة وبسرعة، بينما نحن نموت في انتظار دورنا".

بهذه الكلمات تلخّص المخرجة السينمائية الفلسطينية ولاء سعادة (31 عاماً) شعورها إزاء الحياة في البقعة المحاصرة من قبل إسرائيل منذ تولي حركة حماس السلطة السياسية فيها عام 2007.

تقدمت المخرجة الشابة عدة مرات بطلب تصاريح للمشاركة في تدريبات خاصة بصناعة الأفلام في الضفة الغربية وتونس في أعوام مختلفة، لكن السلطات الإسرائيلية لم تستجب لطلباتها. بعد فقدانها الفرص التي كان من شأنها إحداث دفعة قوية لمسارها المهني، شعرت سعادة بأن "الدنيا ضاقت" عليها.

حُرِم مواطنها رائد عيسى (42 عاماً) هو الآخر من حضور معرض لأعماله الفنية في صالة عرض برام الله بين 27 كانون الأول/ ديسمبر 2015 و16 كانون الثاني/ يناير 2016 إذ لم ترد السلطات الإسرائيلية على طلبه تصريح تنقل.

المفارقة أن لوحات المعرض الذي حمل عنوان "ما وراء الحلم" تسلط الضوء على الوضع في غزة بعد حرب 2014. بسبب عدم التجاوب الإسرائيلي، شعر عيسى بإعاقة قدرته على التفاعل مع الجمهور، والترويج لعمله، وبالتالي تقييد وصول هذه الأعمال والإضرار بمبيعاتها. "أُنظّم معرضي الفني في وطني ولا أستطيع حضوره، ولا أستطيع التنقل بحرية"، قال بنبرة تكسوها الحسرة.

لنفس السبب، افتقد فريق "خدمات رفح" الفلسطيني لكرة القدم خدمات لاعبه الغزّي هلال الغواش (25 عاماً)، خلال مباراة مع فريق منافس في الضفة الغربية في تموز/ يوليو 2019 في نهائي "كأس فلسطين". علماً أن الفائز في تلك المباراة الهامة يحق له تمثيل فلسطين في "كأس آسيا".

عقب تقدم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بطلب للحصول على تصاريح تنقل للفريق المكون من 22 لاعباً و13 إدارياً، منحت السلطات الإسرائيلية تصاريح لأربعة فقط، بينهم لاعب واحد. اضطر الاتحاد الفلسطيني إلى إلغاء المباراة في نهاية المطاف لتتشدد السلطات الإسرائيلية في عدم منح تصاريح التنقل لقوام الفريق الأساسي.

يقول الغواش إن مباريات الضفة الغربية لها أهمية خاصة للاعبي كرة القدم في غزة إذ تتيح لهم الفرصة لعرض مواهبهم أمام أندية الضفة الغربية، التي تعد أكثر تفوقاً على أندية غزة وتدفع أجوراً أفضل.

"أشعر بأني عالقة في صندوق صغير" و"أُنظّم معرضي الفني في وطني ولا أستطيع حضوره"... "قصص إنسانية لا يوليها العالم الاهتمام الذي تستحق" في ظل حصار إسرائيلي شامل ممتد 15 عاماً

في وقت لاحق من نفس العام، تلقى الغواش عرضاً للانضمام إلى مركز شباب بلاطة بالضفة الغربية، الطرف الآخر في مباراة الكأس الملغاة. قدم الاتحاد الفلسطيني طلب تصريح تنقل نيابة عن الغواش، لكنه لم يتلق رداً وضاعت على اللاعب فرصة الانضمام للفريق.

عام 2021 أيضاً، وقّع الغواش عقداً مع فريق آخر في الضفة الغربية، هو نادي "هلال القدس"، وقدم الاتحاد الفلسطيني طلباً مرة أخرى، لكن الجيش الإسرائيلي رفض التصريح لأسباب أمنية لم يحددها. يؤكد الغواش أنه لا ينتمي إلى أي جماعة مسلحة أو حركة سياسية وليست لديه أي فكرة عن سبب رفض السلطات الإسرائيلية منحه التصريح.

في نهاية المطاف، أدى ضياع هذه الفرص إلى خسارة الغواش فرصة دخل أعلى، وإمكانية اللعب مع فرق أكثر تنافسية، وهذا ما كان من شأنه أن يقرّبه من حلم الانضمام إلى المنتخب الوطني الفلسطيني. "هناك مستقبل في الضفة الغربية. لكن هنا في غزة، لا يوجد سوى الحكم بالإعدام. الإغلاق يدمر مستقبل اللاعبين. غزة مليئة بالموهوبين، لكن المغادرة صعبة"، قال.

"قصص إنسانية لا يُليها العالم الاهتمام الذي تستحق"

قصة سعادة وعيسى والهواش هي "قصص إنسانية لا يوليها العالم الاهتمام الذي تستحق". وقد قررت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية تسليط الضوء عليها في ذكرى مرور 15 عاماً على حصار غزّة. وأكدت أن سياسة الإغلاق الإسرائيلية قلّصت السفر من القطاع بشكل كبير مقارنةً بما كان عليه قبل عقدين.

عقب مقابلات مع 20 فلسطينياً حاولوا الخروج من غزة عبر معبر بيت حانون (إيرز) الذي تديره إسرائيل أو معبر رفح الذي تديره مصر، جمعت المنظمة الحقوقية الدولية "أدلة تشير إلى أن الدافع الرئيسي (وراء حصار غزة) هو السيطرة على الديموغرافيا الفلسطينية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، التي تسعى إسرائيل للاحتفاظ بها، على عكس قطاع غزة".

علماً أن إسرائيل غالباً ما تبرر الإغلاق بأسباب أمنية. على سبيل المثال، قالت السلطات الإسرائيلية إنها تريد تقليص السفر بين غزة والضفة الغربية لمنع تصدير "شبكة بشرية إرهابية" من غزة إلى الضفة الغربية التي لها حدود غير مُحكَمة مع إسرائيل، ويعيش فيها مئات آلاف المستوطنين الإسرائيليين.

بينما تتذرع إسرائيل بالأسباب الأمنية، هيومن رايتس ووتش تجمع أدلة على أن "الدافع الرئيسي (وراء حصار غزة) هو السيطرة على الديموغرافيا الفلسطينية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، التي تسعى إسرائيل للاحتفاظ بها"

منذ 15 عاماً، تمنع إسرائيل، باستثناءات محدودة، الفلسطينيين من المغادرة عبر معبر بيت حانون الذي يمكن الوصول عبره إلى الضفة الغربية ومن ثمَّ الأردن. كما تمنع السلطات الفلسطينية من تشغيل مطار أو ميناء بحري في غزة. وتقيّد بشدة دخول البضائع وخروجها.

تحرم القيود الإسرائيلية الشاملة على مغادرة غزة سكان القطاع، أكثر من مليونَي نسمة، من فرص تحسين حياتهم بينما دمر الإغلاقُ الاقتصاد، وساهم في تشتيت الشعب الفلسطيني، في ما يشكل جزءاً من الجريمتين ضد الإنسانية اللتين ترتكبهما السلطات الإسرائيلية بحق ملايين الفلسطينيين وهما: الفصل العنصري والاضطهاد.

ترتب على هذه السياسات فقدان المهنيين، والطلاب، والفنانين، والرياضيين الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة فرصاً مهمة للتقدم غير متوفرة في غزة. علماً أن تقارير حقوقية سابقة عديدة وثّقت أثر الإغلاق في حرمان المرضى، بمن فيهم الأطفال من العلاج، ومنع أخصائيّي الأجهزة المساعِدة للأشخاص ذوي الإعاقة من فرص التدريب العملي، ومن تنقّل الحقوقيين والعاملين الصحيين في منظمات المجتمع المدني العاملة في غزة.

بصفتها سلطة احتلال تتمتع بسيطرة كبيرة على جوانب الحياة في غزة، يُلزم القانون الدولي لحقوق الإنسان إسرائيل بضمان رعاية السكان. وهو القانون عينه الذي يكفل حق الفلسطينيين في حرية التنقل، لا سيما داخل الأراضي المحتلة. إلى ذلك، تعمّم سياسة إسرائيل منع حرية تنقل الأشخاص في غزة، مع استثناءات ضيقة، بغض النظر عن أي تقييم فردي للمخاطر الأمنية التي قد يشكلها الشخص.

دور مصر في الحصار

يركز تقرير هيومن رايتس ووتش في جزء منه على دور مصر في حصار غزّة حيث يقول عمر شاكر، مدير إسرائيل وفلسطين في المنظمة الحقوقية: "بمساعدة مصر، حوّلت إسرائيل غزة إلى سجن في الهواء الطلق. بينما يستأنف العديد من الأشخاص حول العالم السفر بعد عامين من بدء تفشي فيروس كورونا، إذ ما يزال أكثر من مليونَي فلسطيني في غزة منذ 15 عاماً تحت ما يشبه الإغلاق الذي سبّبه الفيروس".

وتلفت المنظمة إلى أن القيود على معبر رفح مع غزة، بفعل السياسات المصرية، بما فيها التأخير غير الضروري وإساءة معاملة المسافرين، أدت إلى تفاقم الضرر الذي يلحقه الإغلاق بحقوق الإنسان. 

كما تشدد على أن السلطات المصرية فاقمت تأثير الإغلاق الإسرائيلي من خلال تقييد الحركة خارج غزة والإغلاق الكامل أحياناً لمعبر رفح الحدودي، مستدركةً بأن السلطات المصرية تبقي منذ أيار/ مايو 2018 معبر رفح مفتوحاً بشكل أكثر انتظاماً، ما يجعله، وسط القيود الإسرائيلية الشاملة، المنفذ الأساسي لسكان غزة إلى العالم الخارجي.

"بمساعدة مصر، حوّلت إسرائيل غزة إلى سجن في الهواء الطلق"... هيومن رايتس ووتش تقول إن السلطات المصرية فاقمت تأثير الحصار الإسرائيلي لغزة من خلال تقييد التنقل عبر معبر رفح، وتناشدها تسهيل حركة تنقل الغزيين

 برغم ما سبق، تقول المنظمة إن الفلسطينيين ما زالوا يواجهون عقبات شاقة في السفر عبر مصر، منها الاضطرار إلى الانتظار عدة أسابيع للحصول على تصاريح سفر، ما لم يكونوا مستعدين لدفع مئات الدولارات لشركات السفر التي لها علاقات قوية بالسلطات المصرية تمكنها من تسريع سفرهم.

وتعدّ الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق مصر تجاه سكان غزة محدودة للغاية، لأنها ليست سلطة احتلال. 

إنهاء الحصار ضرورة

في ختام التقرير، تطالب هيومن رايتس ووتش إسرائيل بـ"إنهاء المنع العام للسفر الذي تفرضه على سكان غزة والسماح بحرية تنقل الأشخاص من القطاع وإليه، والاكتفاء، في أقصى الحالات، بالفحص الفردي والتفتيش الجسدي لأغراض أمنية".

وهي تحثها على "أن تحترم الحقوق الإنسانية للفلسطينيين احتراماً كاملاً، باستخدام الحقوق التي تمنحها للمواطنين الإسرائيليين كمعيار" و"أن تتخلى عن النهج الذي يمنع التنقل إلا في ظروف إنسانية فردية استثنائية تحددها هي، لصالح نهج يسمح بحرية التنقل إلا في ظروف أمنية فردية استثنائية".

ودعت السلطات المصرية إلى النظر في تأثير إغلاقها للحدود على حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، والذين لا يستطيعون السفر من غزة وإليها عبر طريق آخر، وناشدتها إزالة العقبات غير المعقولة التي تقيّد حقوق الفلسطينيين والسماح بعبورهم أراضيها، مع مراعاة الاعتبارات الأمنية، وضمان أن تكون قراراتها شفافة وغير تعسفية وأن تأخذ في الاعتبار الحقوق الإنسانية للمتضررين.

ويختم شاكر: "إغلاق غزة يمنع الموهوبين وأصحاب المهن، الذين لديهم الكثير ليقدموه لمجتمعهم، من السعي وراء الفرص التي يعتبرها الناس في أماكن أخرى من المسلّمات. منع الفلسطينيين في غزة من التنقل بحرية داخل وطنهم يعيق حياتهم ويؤكد الواقع القاسي للفصل العنصري والاضطهاد (الإسرائيلي) بحق ملايين الفلسطينيين".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image