"حصلتُ سنة 2001 على تأشيرة من السفارة السعودية في تونس، وذهبت وحدي إلى الحج وليس مع البعثة التونسية الرسمية التي حددت الدولة حينها تسعيرة الحج في حدود 4،500 دينار (1،500 دولار)، ولم أجد يومها تذكرةً مباشرةً في اتجاه السعودية، فسافرت إلى روما ثم إلى جدة ودفعت 3،000 دينار (1،000 دولار)، يعني أقل من تسعيرة الدولة"، يقول عمار الصوفي، أستاذ تعليم متقاعد، لرصيف22.
منذ أكثر من عشر سنوات وإلى اليوم، يتقدم عمار وزوجته سنوياً بطلب للمشاركة في الحج مجدّداً من دون أن يحالفهما الحظ إذ كانت التسعيرة تبلغ 7،000 دينار (2،300 دولار) بينما بلغت اليوم 16،400 دينار (5،400 دولار)، "فهل هذا معقول؟ أي إقامة تكلف 13،300 دينار (4،400 دولار)؟ هل سيقيم الحاج في إقامة من فئة 5 نجوم؟ لقد ذهبنا سابقاً ونعرف الحج"، يتساءل.
بعد تكتم وتأخر على غير العادة، أفرجت وزارة الشؤون الدينية التونسية عن تكلفة الحج موسم 2022، وحددتها بـ5،400 دولار، وتشمل الإقامة والخدمات وتذكرة السفر التي حدّدتها بمبلغ 3،100 دينار (1،000 دولار).
حددت السلطات السعودية حصة تونس من الحجاج بـ4،972 حاجاً، مقابل 11 ألف حاج في المواسم الماضية، كما اشترطت عدم بلوغ عمر الحاج 65 سنةً بتاريخ 30 حزيران/ يونيو 2022، كشرط للحصول على التأشيرة.
تضييق "خفيّ"
يحمّل الصوفي (65 سنةً)، وكالات الأسفار المنظمة للحج في تونس المسؤولية عن ارتفاع التسعيرة ويتوجه باللوم أيضاً إلى السلطة السعودية ويعيب عليها التضييق على الحجاج في حال هي من فرضت هذه التسعيرة، "فلا يكفي الحجاج البقاء في قائمة الانتظار لعشر سنوات و15 سنةً ليواجهوا هذه الأسعار الخيالية"، يؤكد.
بدأ عمار وزوجته يفكران في التخلي عن فكرة الذهاب إلى الحج، بسبب تسعيرة الحج "المرتفعة"، "فبمجموع المصاريف سيتكلف الحج في حدود 20 ألف دينار (6.5 آلاف دولار)، وأنا موظف متقاعد أعوّل على راتبي البسيط ولجأت سابقاً إلى بيع بعض ممتلكاتي لأنني مسؤول عن أبناء ولدي وبناته، ولدي مسؤولياتي، أما التسعيرة فتعجيزية"، يؤكد.
"هل هذا معقول؟ أي إقامة تكلف 13،300 دينار (4،400 دولار)؟ هل سيقيم الحاج في إقامة من فئة 5 نجوم؟ لقد ذهبنا سابقاً ونعرف الحج". تونسيون غاضبون من أسعار الحج
آخرون يرون أن مصاريف الحج عادية، "هي تسعيرة طبيعية مقارنة بالسنوات الماضية، وأتصور أن الحجّاج كانوا يتوقعون تسعيرةً أكبر"، يقول مؤطر ومرافق للحج والعمرة محمد ساسي الزريبي، لرصيف22.
بحسب الزريبي، فإن عوامل عدة ساهمت في هذا الارتفاع، على رأسها تراجع قيمة الدينار التونسي مقارنة بالدولار الأمريكي والريال السعودي وتردّيها، "أنا كنت أقيم وأعمل في السعودية وأعلم أن الدينار كان يساوي 4 ريالات، بينما الآن يساوي ريالاً واحداً".
ما يفسر هذا الارتفاع وفق محمد ساسي، هي قيمة الخدمات العالية التي توفرها الدولة لحجاجها، من ذلك سعي البعثة التونسية دائماً إلى حجز فنادق في المنطقة المركزية في المملكة محيطة بالحرم المكي، وتبعد عنه مسافة 500 متر "حتى لا يضيع الحجاج التونسيون ولا يبذلوا جهداً مضاعفاً خاصةً كبار السن منهم".
وذكر أيضاً قرب مخيمات البعثة التونسية في عرفات من محطات الحافلات، "حتى يكون خروجهم سلساً ويكونوا من أوائل الخارجين إلى مزدلفة، وهذه تُعدّ ميزةً حتى لا يتأخر الحجيج في الخروج".
يحمّل الصوفي (65 سنةً)، وكالات الأسفار المنظمة للحج في تونس المسؤولية عن ارتفاع التسعيرة ويتوجه باللوم أيضاً إلى السلطة السعودية ويعيب عليها التضييق على الحجاج
أما مخيم منى، "فيشتكي العديد من الحجيج من ضيقه لكن الدولة التونسية اختارت المخيّم الأقرب للجمرات على الشارع الرئيسي حيث يجد الحاج التونسي نفسه يمشي في شارع انسيابي كبير عريض وواضح وتالياً لن يضيع ونحن في المرتبة الثانية بعد الإمارات من حيث قرب مخيم الحجيج من مخيم منى"، يؤكد.
وأشار إلى دور الأوضاع التي فرضتها جائحة كورونا والتي فرضت على الحجاج السكن في غرف منفصلة وليس جماعية، كما في السابق، في إطار سياسة التباعد الجسدي "ما ضاعف تسعيرة الإقامة في الفنادق".
كما أن كورونا ساهمت في غلاء أسعار تذكرة الطائرة من تونس إلى المدينة المنورة، "لأن رحلة الحجاج مختلفة عن الرحلات العادية إذ تذهب طائرة الحجاج ملأى وتعود فارغةً وتذهب فارغةً للعودة بهم"، يوضح المؤطر والمرافق للحج والعمرة.
"ليست في المتناول"
في المقابل، يرى الأستاذ والإمام الخطيب بلقاسم حجلاوي، أن تسعيرة الحج في تونس "ليست في متناول الفئة الأكبر من الناس الراغبين في الحج"، ويعزو هذا الارتفاع إلى أسباب مالية واقتصادية محلية وخارجية.
بالنسبة للأسباب المحلية، فتتمحور أساساً في الانخفاض المستمر لقيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، بالإضافة إلى احتكار خدمات الحج من طرف شركة واحدة في تونس وهو ما يزيد من الاحتكار ويمنع التنافس في خدمة الحاج من خلال التخفيض في الأسعار، يقول لرصيف22.
أما خارجياً، فيعود هذا الارتفاع في التسعيرة إلى الجانب السعودي الذي تأثر كبلدان العالم كلها بجائحة كورونا، "وهو يريد أن يعوض شيئاً من الخسائر التي مُني بها في مداخيل الحج في السنة الماضية، إذ رفعت السلطات السعودية من نسبة الأداء على القيمة المضافة من 5 في المئة إلى 15 في المئة"، يضيف حجلاوي.
"ليس لدي أي تعليق عليهم، لأن الله قال ‘لمن استطاع إليه سبيلا’، ويعني الاستطاعة المادية والبدنية والعقلية، ومن يريد الحج فهو حرّ وماله الخاص هو حرّ فيه، فلماذا هذه الدعوات؟"
كما لفت إلى دور الإجراءات الصحية الإضافية بسبب كورونا التي تتطلب مصاريف إضافيةً أضيفت إلى تسعيرة الحج استثنائياً مثل توسيع الخيم وضمان التباعد الصحي فيها، إلى جانب الوضع الاقتصادي العالمي الذي في عمومه يشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، حسب المتحدث نفسه.
ووفق الزريبي، توجد أطراف عدة متدخلة في ارتفاع تسعيرة الحج التي يحددها عادةً البنك المركزي، بالإضافة إلى وجود عقود بين تونس والسعودية تتمثل في حجز الفنادق ووسائل النقل وخدمات عدة أخرى تهم الحجاج "خاصةً مع ارتفاع الضريبة على الدخل في السعودية من 7 في المئة إلى 15 في المئة، وأصبح كل شيء فيها عليه ضريبة".
أما الإمام حجلاوي، فيحمّل الحكومة السعودية المسؤولية الأولى، "ففي ما يسمى برؤية 2030 تعتمد السعودية على الرفع من المداخيل غير النفطية مقابل التقليص من الأخيرة، وتالياً تدخل هذه الزيادة في تسعيرة الحج في هذه الخطة"، يؤكد.
ويشدد على أن الدولة التونسية مطالبة بالترخيص لأكثر من شركة أو وكالة أسفار لدخول سوق الحج حتى تفتح الباب للتنافس في تحسين الخدمات وتخفيض الأسعار.
"لمن استطاع إليه سبيلاً"
رداً على الأصوات التي تنادي بإلغاء شعيرة الحج، مبررةً مطلبها بارتفاع تسعيرة الحج في تونس، يقول الزريبي، "ليس لدي أي تعليق عليهم، لأن الله قال ‘لمن استطاع إليه سبيلا’، ويعني الاستطاعة المادية والبدنية والعقلية، ومن يريد الحج فهو حرّ وماله الخاص هو حرّ فيه، فلماذا هذه الدعوات؟".
ويتساءل: "أغلب حجيجنا بسطاء وتجد الحاج ينتظر 20 عاماً حتى يرى بيت الله ويزور قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فلماذا ندعو إلى حرمانهم من هذه الشعيرة؟". بالنسبة للزريبي، فإن الداعين إلى إلغاء الحج هم فئة معيّنة وليس كافة الشعب التونسي.
يشدد حجلاوي من جانبه على أن الدعوة للمقاطعة "لا تجوز لأنها عبادة تتعلق ‘بمن استطاع إليها سبيلا’، والرفع من التسعيرة سيخفض آلياً من نسبة الحجاج وهو ما سيدفع السلطات السعودية ربما إلى مراجعتها في المواسم المقبلة "خاصةً إذا تجاوزنا أزمة النفط والغذاء التي نعيشها بسبب الحرب في شبه القارة الروسية".
في المقابل، يؤكد أن الاحتجاج على رفع التسعيرة "أمر مطلوب حتى يعلم القيّمون على الحج أن المسألة ليست ربحاً مادياً بقدر ما هي شعيرة وجب عليهم أن يقدموا خدماتها لحجاج بيت الله".
تعليقاً على الانتقادات اللاذعة الموجهة إلى الوزارة بسبب ارتفاع كلفة الحج، قال وزير الشؤون الدينية إبراهيم الشائبي، إن جميع الأطراف المتداخلة ومن بينها وزارته، حاولت الضغط على هذه الكلفة "التي لا تقبل الضغط إطلاقاً لنبيّن أننا لا نتاجر ولا نسمسر بموسم الحج لأنه ليس ربحيّاً، وغايتنا هي حفظ كرامة الحاج التونسي ليؤدي عباداته مرفوع الهامة لأنه ينتمي إلى الراية التونسية".
وصف الشائبي في تصريح صحافي هذه الانتقادات "بالواهية والعارية من الصحة وبأنها مقارنات ومقاربات لا تستقيم" لأن "الانتقاد سهل والناس لا يعلمون ماذا فعلت الوزارة علناً وخلف الكواليس حتى تخرج هذه التسعيرة بالشكل الذي خرجت عليه".
وشدّد على أن الحج "يبقى في نهاية الأمر على المستطيع، وهذا بنص القرآن، وإذا كان غير مستطيع يسقط عنه الحج وهو غير مكلف بذلك، وأنتم تعلمون جيداً الوضع العام وكلفة الوقود والمحروقات والنقل والإعاشة والإقامة، ونحن لا نمنّ على حجيجنا وأبناء شعبنا بأي خدمة نقدّمها ولا نأبه بكل هذه الانتقادات"، وفق تعبيره.
الشائبي كان حمّل، في تصريح إعلامي سابق يوم 26 آذار/ مارس 2022، مسؤولية ارتفاع تسعيرة الحج إلى وكالات الأسفار "التي تحصلت على التراخيص وعددها 11 من جملة 49"، عادّاً ذلك "احتكاراً ومضاربةً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع