للمرة الأولى في التاريخ، لن تستقبل السعودية حجاجاً من خارج البلاد، بل لن تسمح إلا لعدد محدود من المواطنين والمقيمين على أراضيها بأداء الفريضة الإسلامية. وهذا ما دفع بعدد من مطوري البرمجيات إلى محاولة تقديم "تجربة حج افتراضية" للمسلمين الذين يتعذر عليهم السفر إلى مكة هذا العام أو مستقبلاً.
في تقرير تطرق إلى مساعي تطوير "الحج الافتراضي"، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في 21 تموز/ يوليو، بأن عدداً من مطوري البرمجيات يتطلعون إلى تقديم "الحج الافتراضي" كـ "بديل عملي" للمسلمين الراغبين في الحج، لكن عن بعد، على نحو لا يتعارض مع تدابير مكافحة تفشي فيروس كوفيد-19 المستجد.
عادةً يتوافد نحو 2.5 مليون شخص إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة خلال موسم الحج. لكن، الشهر الماضي، أعلنت المملكة عدم استقبال حجاج من خارج البلاد، علاوةً على تقليص عدد الحجاج من داخل المملكة هذا العام إلى نحو ألف في الموسم الذي يبدأ في 28 تموز/ يوليو الجاري.
وقال وزير الحج والعمرة السعودي، محمد صالح بنتن، إن بلاده ستطبق معايير صحة صارمة لاختيار المؤهلين للمشاركة في الحج هذا العام من بين المواطنين والمقيمين، مضيفاً أنه لن يسمح لمن هم فوق 65 عاماً بالمشاركة.
"تحقق قدراً من السلام الروحي والعاطفي للمسلمين"... مطورو البرمجيات ينشطون لإصدار تطبيقات توفر تجربة الحج افتراضياً في ظل عدم استقبال السعودية حجاجاً من الخارج هذا العام
وفيما يعد القرار السعودي ضربةً مؤلمة لأولئك الحالمين بأداء هذه الفريضة، يرى متابعون ومعلقون ذلك "هديةً" لبرامج الحج الافتراضية، وسط تساؤلات من بعض المسلمين، أحدها: هل هذه التجربة البديلة من "الشعائر المقدسة" عمليةً؟
"دفعة روحية" و"تقرب إلى الله"
عن هذا يقول السعودي محمد الشريبي، مؤسس شركة "سنتليون إنك": "لسوء الحظ، كان تقبل التكنولوجيا في العالم الإسلامي أبطأ قليلاً من طموحاتنا. تبعاً لذلك، فإن قطاعات معيّنة من الأشخاص لا يستطيعون رؤية الفائدة المستقبلية التي يمكن أن يقدمها الحج الافتراضي".
اللافت أنه، حتى قبل جائحة كورونا، لا يستطيع الكثير من المسلمين السفر إلى مكة لأداء الحج لأسباب مالية أو طبية، لا سيما في ظل تكرار الحوادث الناتجة من الزحام والتدافع وحرارة الطقس المرتفعة أو انتقال الأمراض والعدوى.
ويرى الشريبي أن تقنية الحج الافتراضية ستتيح لهؤلاء التجول داخل المدينة للمرة الأولى.
وكان الشريبي قد دعا، في مقال عبر مجلة "نيوزويك" الأمريكية، نُشر في 24 حزيران/ يونيو الماضي، إلى أن يصبح الحج الافتراضي جزءاً من واقع المسلمين في الوضع الجديد الذي فرضته الجائحة، مؤكداً أن "العبادة الرقمية وجدت لتبقى".
الحج، في جوهره، مقصود فيه تحمل الحاج مشقة السفر، والترحال إلى مكة للتعارف مع المسلمين من مختلف بقاع الأرض… هل يمكن أن تُعوض تجربة الحج الافتراضية عن ذلك؟
وصرح المجلس الإسلامي البريطاني بأنه من المتفق عليه أن الحج الافتراضي ليس مثل الحج شخصياً. وفي السياق نفسه، أوضح علي الشهابي، المحلل السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، أن جزءاً من جوهر الحج هو معاناة الحجاج من مشقة السفر ولقاء مسلمين آخرين في مكة والتعارف بينهم، لافتاً إلى أن كلا الأمرين لن يكون متاحاً "إذا كنت تجلس في غرفتك الخاصة مع كمبيوتر Apple الخاص بك".
لكن جوناثان ويلسون، الأستاذ بجامعة ريجنت في لندن، والذي زار مكة لأداء العمرة عام 2009، قال إن القواعد العديدة المرتبطة بطقوس الحج، مثل ارتداء ملابس معيّنة والإحرام في توقيت محدد وعدم تقليم الأظافر، لا تقل أهمية عن الرحلة نفسها.
وأضاف: "إنها (تجربة الحج الافتراضي) تشبه إلى حد ما تجربة السباحة الافتراضية: لا يمكن أن تتطابق مع السباحة في البحر". إلا أنه في الوقت نفسه لم يرفض احتمال أن يوفر الحج الافتراضي "دفعة روحية للمسلمين الذين يريدون التقرب من الله" وأن يقدم "لغير المسلمين، نظرة من داخل مكان لا يسمح لهم بدخوله جسدياً".
ويوضح أيضاً أن هذه التجربة قد تُدرب وتؤهل الحجاج المحتملين لشعائر الحج الحقيقي.
تجارب سابقة
ليست هذه المرة الأولى التي تُثار فيها الدعوات إلى إصدار تطبيقات "الحج الافتراضي" إذ كان موقع "حياة ثانية" الإلكتروني قد عرض عام 2009، إبان تفشي جائحة أنفلونزا الخنازير، رحلة افتراضية من تصميم شبكة "إسلام أون لاين" تدمج المعلومات الكاملة عن الحج ومجسمات ثلاثية الأبعاد، وهذا ما يتيح للزائر التعرف على مناسك الحج مع التعايش الكامل، وكأنه داخل البقاع المقدسة.
متخصصون يقولون إن الحج الافتراضي قد يقدم "دفعة روحية للراغبين في التقرب من الله" أو يمكن حصره بالتدريب على أداء الشعائر للحجاج المحتملين. لكن مطوري برمجيات يراهنون على توفير "تجربة بالإشباع الروحي نفسه"
وعام 2017، أتاحت مؤسسة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، "مسك الخيرية"، للحجاج فرصة التنقل بين المشاعر المقدسة من خلال تقنية الواقع الافتراضي، عبر إطلالة بانورامية يدمج فيها الخيال التقني بالواقع. وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) آنذاك أن هدف الرحلة الافتراضية هو "تثقيف الحجاج وتعليمهم آلية التنقل بين المشاعر المقدسة". لكن تلك كانت تجربة تدريبية لا بديلة من الفريضة.
وطوّرت أيضاً شركة "آي عمرة. وورلد" (iUmrah.World)، تطبيقاً يُمكّن المسلمين من أداء العمرة في مكة، في أي وقت من السنة. وعلّقت السلطات السعودية أداء العمرة منذ شباط/ فبراير الماضي.
وقال المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، أحمد الحداد، إن تطبيق العمرة الافتراضية من شركته يُتيح للمستخدمين العثور على وكلاء داخل السعودية يمكنهم أداء العمرة نيابة عنهم بأجر متفق عليه مقابل بث الوكلاء رحلاتهم والشعائر التي يؤدونها من مكة إلى عملاء التطبيق.
وتابع: "هو نموذج يشبه أوبر. تقليدياً، إذا لم تتمكن من السفر إلى مكة، فربما تبحث وسط الأشخاص الذين تعرفهم حتى تعثر على شخص بإمكانه تأديته عنك". وأصاف: "نحن نوظف التكنولوجيا لما هو أكثر من ذلك وندع الناس يرون فريضتهم لدى أدائها".
يأمل الحداد أن تتمكن شركته، في العام المقبل، من إصدار تطبيق مماثل يسمى "iHajj" (أنا حاج)، بالاعتماد على تقنية الجيل الخامس (5G) لبث جميع شعائر الحج مباشرةً، في ترقية لتقنية الجيل الرابع (4G) التي تستخدمها راهناً لبث شعائر العمرة التي تستغرق بين ساعة وثلاث ساعات.
لعبة "مسلم ثري دي"، وهي لعبة فيديو طورتها شركة "Bigitec GmbH" في ألمانيا، تتيح كذلك للمستخدمين استكشاف أماكن العبادة الإسلامية في محاكاة ثلاثية الأبعاد والتدرب على الحج أثناء قراءة تاريخ شعائره، من بين العبادات الأخرى.
وعن سبب تدشين اللعبة، قال بلال شبيب، أحد مؤسسي الشركة: "قد يكون الأمر فوضوياً جداً عندما تذهب إلى مكة، ولا تريد أن تفعل شيئاً مخطئاً أثناء وجودك لأن حجك قد يصبح فاسداً".
من هذا المنطلق، صممت شركة "Labbaik VR Ltd" أداة تدريب قائمة على تقنية الواقع الافتراضي للحجاج المسلمين. ومع حظر الحج هذا العام على عدد محدود من الأشخاص داخل السعودية، حولت الشركة تركيزها إلى منتج جديد، يحمل اسم WUZU، ومن المقرر أن يتيح للناس إعادة استكشاف مكة على هواتفهم الذكية، بحسب مدير المشروع عدنان مقبول.
وقال مقبول: "لا نعتقد أنه يمكن أن يكون هناك بديل من تجربة الحج الشخصية. مع ذلك، إذا تمكنا من تحقيق قدر من السلام الروحي والعاطفي للمسلمين من جميع أنحاء العالم خلال هذه الأوقات العصيبة، فسنحقق أهدافنا".
أما الحداد، من "آي عمرة. وورلد"، فأعرب عن ثقته بأن تُعتبر تطبيقات الحج أو العمرة الافتراضية "ذات يوم، شرعية تماماً كالشيء الحقيقي".
وختم: "من الأفضل أن تذهب بنفسك. ولكن هل يمكنك أن تحصل على التجربة نفسها أو الإشباع عينه من خلال مشاهدة فريضة الحج؟ نعم، أعتقد أنك تستطيع".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...