بدأت جمعيات نسوية تونسية تحركات احتجاجيةً لدعم القضاة وخاصةً القاضيات اللواتي تعرضن لحملة تشويه وهتك لأعراضهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أيام قليلة من صدور مرسوم رئاسي يقضي بعزلهن بتهمة "الزنا".
بداية شهر حزيران/ يونيو الجاري، عزل الرئيس التونسي قيس سعيّد، 57 قاضياً وُجّهت إليهم تهم بالفساد والتستر على قضايا إرهابية وتعطيل فتح ملفات قضائية تتعلق بأحزاب وشخصيات سياسية، كما تحدث الرئيس عن تورط قاضيات في تجاوزات "أخلاقية".
وبعد ساعات قليلة من صدور قائمة القضاة المعزولين في الجريدة الرسمية التونسية، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي محاضر بحث لقاضيتين، تضمّن الأول شهادةً طبيةً جاء فيه أن القاضية المعزولة "مُفتضّة البكارة"، و"متعودة على ممارسة الجنس المهبلي"، كما تم نشر محضر قضائي لقاضية ثانية متهمة بالتهمة نفسها، وهي "الزنا".
أثار التقرير الطبي المتداول لفحص العذرية للقاضية المذكورة، صدمةً لدى التونسيين ومنظمات المجتمع المدني والحقوقيين في بلد كان سبّاقاً في تحرير المرأة وضمان حقوقها وحمايتها، خصوصاً أنه كان يعتقد أن مثل هذه الفحوصات يتم إجراؤها فقط في حال تعرض المرأة للاغتصاب.
غضب وصدمة
الأسبوع الماضي، نظّم عدد من القاضيات والمحاميات والناشطات الحقوقيات تحركاً احتجاجياً بدعوة من الجمعيات النسوية التونسية رفضاً لما أسموه "هتك أعراض القاضيات ودفاعاً عن كرامة النساء وانتصاراً لحقوقهن ودفاعاً عن استقلالية القضاء"، في وقت تعيش فيه تونس أزمةً سياسيةً حادةً.
رفعت المحتجات والمحتجون شعار "هز يديك على القضاء وضم فمك على النساء" (ارفع يدك عن القضاء وأغلق فمك عن أعراض النساء)، وشعار "أجساد النساء ليست وسيلةً لمحاسبة القضاء"، كما عبّروا عن رفضهم "إقحام الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية للنساء في المعارك المتعلقة بالقضاء وبالشأن العام".
نددت ناشطات بتداول مواقع التواصل الاجتماعي لمحاضر بحث لقاضيتين، يتضمن معلومات عن حياتهن الجنسية ويتهمهن بتهم اعتقد المجتمع التونسي أنها اختفت بعد المكتسبات الدستورية التي تضمن حرية الأجساد
وترى جمعيات حقوقية نسوية أن "قضايا 'الزنا' لا تهم الرأي العام والمجتمع في شيء، حتى من الناحية القانونية، بالإضافة إلى كونها من الجرائم التي تجاوزها الزمن لمخالفتها روح القانون والمنطق السليم وتعلقها بالحياة الخاصة للأفراد وحرياتهم.
وأكدت الجمعيات في بيان مشترك، أن "تداول وثائق تثير إجراء كشف العذرية تدلّ على الممارسة القروسطية التي تمثل اعتداءً على حرمة الجسد بل شكلاً من أشكال العنف التي يمنعها القانون عدد 58 لسنة 2017".
وقالت إن "انتهاج أعلى مؤسسة في الدولة (في إشارة إلى الرئاسة)، خطاب الوصم الاجتماعي والأخلاقي والتشهير بجوانب تتعلق بالحياة الخاصة للأفراد، هو مؤشر خطير يدلّ على تعفن الحياة السياسية في البلاد".
ورأت أن "الخطورة تتعاظم حين يتعلق الأمر بوصم نساء أخلاقياً، مما يفتح الباب أمام الإقصاء الاجتماعي ويبيح الحملات الممنهجة للعنف الرمزي وللتشهير بالنساء بصفتهن نساءً".
وطالبت الجمعيات الرئيس التونسي بـ"تقديم اعتذار علني للقاضيَتين المعنيّتين وللنساء التونسيات اللواتي تعددت الانتهاكات التي تطال كرامتهن وحرمتهن المعنوية في إفلات تام من العقاب أحياناً، كما دعت القوى التقدمية والنسوية إلى التصدي لـ"استعمال النساء في الصراعات السياسية باسم الشرف الذكوري وإقحام الرقابة على أجسادهن".
سحل النساء
في حديثها إلى رصيف22، قالت رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات، نائلة الزغلامي، إنه تم منذ 25 تموز/ يوليو 2021، وهو تاريخ إعلان الرئيس التونسي إجراءات استثنائيةً في البلاد، تسجيل انتهاكات خطيرة ضد النساء من خلال تسريب ملفات سريّة تخصهنّ وتوظيف صفحات للتحرش بهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أضافت الزغلامي في حديثها أن نشر محاضر بحث لقاضيتين هو بمثابة "سحل" لأعراضهن وكرامتهن في تونس، مؤكدةً أن "ما حدث لا يشرّف تونس ولا يمكن القبول به أو السكوت عنه".
فحوصات كشف العذرية هي "فحوصات العار". يجب التخلي عن مثل هذه الفحوصات التي تنتهك الحرمة الجسدية للذات البشرية وتعتدي على خصوصيات النساء واستعملت لسحل النساء في التطاحن السياسي
وأكدت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، أنه 'لا يمكن بناء جمهورية ثالثة على أنقاض أعراض النساء وشرفهن، مشيرةً إلى أن عضوات الجمعية لن يشاركن في الاستفتاء التي يعتزم الرئيس التونسي إجراءه في الـ25 من تموز/ يوليو المقبل إلى جانب رفضهن "المشاركة في الحوار الوطني الصوري"، حسب قولها.
ووصفت الزغلامي فحوصات كشف العذرية بـ"فحوصات العار"، عادّةً أنه يجب التخلي عن مثل هذه الفحوصات التي تنتهك الحرمة الجسدية للذات البشرية وتعتدي على خصوصيات النساء.
من جهتها، قالت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، روضة القرافي، إن تسريب وثائق ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تم من قبل جهات رسمية تساند الرئيس التونسي وتدعمه من أجل احتكار السلطة القضائية وضرب استقلالية القضاء.
وأضافت القرافي لرصيف22، أن صفحات على فيسبوك تدعم الرئيس وتوجهاته بدأت قبل أشهر بالتحرش بالقضاة وانتهت بسحل قاضيات تونسيات وهتك أعراضهن وسط صمت السلطات الرسمية.
واتهمت القرافي مسؤولين بارزين في الدولة باللجوء إلى السحل الأخلاقي لترويع الخصوم وتخويفهم، عادّةً في السياق ذاته أن "إقدام الرئيس على عزل القضاة هو بمثابة مذبحة لحقوق التونسيين وحرياتهم والتمهيد للسيطرة بصفة كلية على القضاء وتطويعه لخدمة السلطة"، وفق قولها.
فحص العذرية... مسٌّ بالكرامة
حول مدى قانونية مثل هذا الفحص، يرى المحامي التونسي، محسن صويلح، أن فحص العذرية فيه مس بكرامة الذات البشرية والحرمة الجسدية للإنسان خصوصاً عندما يتم رغماً عن إرادة المعني بالأمر، عادّاً أن مثل هذه الاختبارات مخالف للدستور وللمعايير الدولية.
يُذكّر المحامي بأن الفصل 23 من الدستور، ينص على "حماية الدولة للحرمة الخاصة وحرمة المسكن وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية ولكل مواطن حرية اختيار مقر إقامته وحرية التنقل داخل الوطن وله الحق في مغادرته"، كما جاء في المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان، أنه "لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته".
وأكد الأستاذ صويلح أن "فحص غشاء البكارة عادةً ما يأذن به قاضي التحقيق في الجرائم الجنسية، ويقع إخضاع المظنون به للاختبار الطبي للتحقق مما إذا تمت العملية الجنسية بالإكراه".
وأضاف في حديثه إلى رصيف22، أن "نشر الوثائق الخاصة يعاقب عليه القانون لأن فيه مسّاً بسمعة المعني بالأمر وبشرفه، وله أيضاً الحق في المطالبة بجبر الضرر المعنوي خاصةً، مشيراً في السياق ذاته إلى أن إفشاء المعطيات الشخصية للناس مخالف للقانون الدولي وحتى الدستور وقانون حماية المعطيات الشخصية وفيه مسّ بشرف المعني بالأمر وسمعته.
ويرى في السياق نفسه، أن فحوصات العذرية مثلها مثل الفحص الشرجي لمجتمع الميم-عين، مرفوضة تماماً وفيها مس بالكرامة البشرية.
ويخوض الرئيس التونسي صراعاً مع القضاة منذ إعلانه رسمياً في شباط/ فبراير الماضي، حل المجلس الأعلى للقضاء، الهيئة الدستورية المستقلة التي تأسست في 2016، بينما يوجه إلى أعضاء المجلس المنحل، اتهامات "بالفساد" و"خدمة أجندات سياسية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون