"تم انتشال جثتي شابين، من جنس ذكر، يراوح عمراهما بين 20 و23 عاماً، بأحد أجزاء طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية كانت متوقفة على أرضية هواري بومدين الدولي بالجزائر العاصمة، وتم فتح تحقيق في القضية تحت إشراف وكيل الجمهورية (النائب العام) لدى محكمة الدار البيضاء شرقي الجزائر العاصمة حيث موقع المطار".
التفاصيل الواردة في بيان الشرطة الجزائرية أحدثت زلزالاً لدى الرأي العام، وتحولت إلى مادة دسمة لمواقع التواصل الاجتماعي، وأعادت إلى الواجهة الجدل القائم حول "التقاعس" والتسيب" اللذين باتا يعصفان بالطيران الحكومي الجزائري، خاصة أنه أصبح مطية لتنظيم رحلات الهجرة السرية إلى أوروبا.
فقبل أشهر من هذا التاريخ ضجت المنصات الاجتماعية بخبر نجاح قاصر من محافظة قسنطينة (شرق العاصمة الجزائرية) في الوصول إلى مطار "شارل دوغول" الدولي في باريس، بعد أن تسلل إلى صندوق عجلات طائرة تابعة للخطوط الجزائرية، وظهر الفتى المراهق لاحقاً في فيديو كشف فيه أنه تسلل إلى صندوق عجلات طائرة تابعة للطيران الحكومي الجزائري.
حادثة تسرب الشابين إلى مطار الجزائر الدولي والتي انتهت بوفاتهما ليست الأولى من نوعها، إذ تم العثور على متن إحدى رحلات الطيران من الجزائر إلى بروكسل على جزائريين غير حاملين جوازات السفر ووثائق الهوية
وهو نفس المكان الذي عثرت فيه فرقة من الدفاع المدني وأفراد من الشرطة الجزائرية على جثتي الشابين (ينحدران من محافظة بومرداس)، ويرجح أنهما تسللا إلى الطائرة التي قامت برحلة إلى مدينة برشلونة الإسبانية بهدف الهجرة غير الشرعية.
وغصت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بفيديو يوثق اللحظات الأخيرة للشابين "إبراهيم باشا" و "أمين زوبيري" اللذين تم العثور عليهما في مخبأ العجلات بالطائرة التابعة للجوية الجزائرية، ظهر فيه الشابان وهما يربطان نفسيهما بحزام أخضر أو كما سماه أحدهما ساخراً: "حزام الأمان"، بينما وجه الثاني رسالة تضمنت ألماً وأسى قال فيها: "تهلاو في رواحكم (اعتنوا بأنفسكم)، إن متنا ادعوا لنا بالرحمة، وإذا وصلنا ادعوا لنا أيضا"، ويبدو أن الشابين قد أحسا فعلاً بقرب موتهما، إذ ظهر أحدهما وهو يردد هذه العبارة: "راح نموت، راح نموت"، ووثق الآخر ساعة إقلاع الطائرة وقال إن: "لم يتبق لنا سوى ربع ساعة من الزمن وتقلع الطائرة، الساعة الآن الحادية عشرة وخمسة وأربعون دقيقة وموعد الإقلاع سيكون في حدود منتصف النهار".
على المنصات الاجتماعية، تساءل روادها عن ظروف تمكن الشابين من اختراق الطائرة، واعتبروا ما حدث "خرقاً أمنياً" خصوصاً أنها المرة الثانية التي ينجح فيها مهاجرون غير شرعيين في الوصول إلى داخل الطائرة وبلوغ أوروبا
على المنصات الاجتماعية، تساءل روادها عن ظروف تمكن الشابين من اختراق الطائرة، واعتبروا ما حدث "خرقاً أمنياً" خصوصاً أنها المرة الثانية التي ينجح فيها مهاجرون غير شرعيين في الوصول إلى داخل الطائرة وبلوغ أوروبا.
الصحافية الجزائرية حبيبة محمودي كتبت على صفحتها في فيسبوك: "مصالح الأمن الجزائري انتشلت جثتي شابين حراقة، كانا داخل موقع العجلات الخلفية لطائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الجزائرية، عملية الانتشال تمت صبيحة اليوم والجهات الوصية التزمت الصمت حيال القضية التي تستوجب محاسبة رؤوس كبيرة".
وتساءلت الناشطة الجزائرية ريم حسيبة على صفحتها في فيسبوك عن "المسؤول عن إيصال هذين الشابين إلى صندوق عجلات الطائرة"، وقالت: "هذه هي المرة الثالثة التي يركب فيها شاب بطريقة غير شرعية، يجب إعادة النظر في أمن المطار والخطوط الجوية الجزائرية، وحتى استعمال كلاب مدربة للبحث في عنبر الأمتعة ومعدات الهبوط وداخل الطائرة قبل كل رحلة".
ما كتبه هؤلاء عن الحادثة يتقاطع بشكل كبير مع الوضع الصعب الذي تمر به شركة الخطوط الجوية المملوكة للدولة الجزائرية، والتي شهدت مؤخراً سلسلة من الإقالات بسبب الفضائح التي تعاقبت على القطاع في السنوات.
وبدأت سلسلة الإقالات بإنهاء مهام الرجل الأول في قطاع النقل بالجزائر عيسى بكاي، مارس/ آذار الماضي، من قبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لارتكابه "خطأ فادحاً" في ممارسة مهامه، وكلف وزير الأشغال العمومية كمال ناصري بتسيير الوزارة بالنيابة.
وفي نهاية مايو/ آيار الماضي، أقيل الرئيس المدير العام لمطار الجزائر، طاهر علاش، وتم تعيين عمر حليس خلفاً له، وبعدها بيومين فقط أنهى وزير النقل عبد الله منجلي، مهام الرئيس المدير العام للشركة الجزائرية للنقل البحري للمسافرين بأمر من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وحسبما ورد في بيان للرئاسة الجزائرية، فإن قرارات الإقالة قد شملت أيضاً مسؤول محطة التوقف للشركة نفسها بالعاصمة الجزائرية كما إيداليا، وذلك بسبب سلوكهما المسيء لصورة الجزائر والمضر بمصالح الجزائريين، وجاء قرار الإقالة تزامُناً مع تسجيل فضيحة في التسيير بعد عودة باخرة جزائرية من مرسيليا تقل 75 ركباً فقط، في وقت رست باخرة فرنسية قادمة من نفس المدينة على متنها أكثر من 1000 راكب.
وإلى اليوم لم يصدر أي رد فعل من السلطات لاحتواء الحادثة، التي تجاوزت حدود البلاد، وأسالت الكثير من الحبر على صفحات الجرائد المحلية وحتى الأجنبية، وتؤكد أن "ورثة العصابة" لا يزالون متجذرين ويقاومون التغيير.
فالسؤال المطروح الآن هو: من ساعد الشابين على الوصول إلى صندوق عجلات الطائرة؟ ومقابل ماذا؟ ومن يستهدف الطيران الجزائري؟.
يقول رئيس الاتحاد العام للجزائريين بالمهجر سعيد بن رقية، لرصيف 22 إن "ما شهدته الخطوط الجزائرية مؤخراً ظاهرة حديثة تستدعي دق ناقوس الخطر، فهناك من يسعى إلى نقل الهجرة السرية من السواحل إلى مطارات الجزائر الدولية التي تعتبر بواباتها الرسمية، فما حدث في المطار الدولي للجزائر هواري بومدين لا يعتبر الأول من نوعه فقد سبق أن شهد مطار قسنطينة (مدينة تقع في مركز الشرق الجزائري على بعد نحو 400 كيلومتر عن العاصمة الجزائر)، اختباء شاب في الجزء السفلي للطائرة ونجح في الوصول إلى مطار شارل ديغول بفرنسا".
ويضيف: "وحتى نسمى الأمور بمسمياتها، يجب عدم إرجاع الفضيحة التي حصلت إلى التقصير أو الضعف الأمني مثلما يتردد على مسامعنا، وإنما يجب التأكيد على وحصول تواطؤ داخل المطار، فمن غير المعقول أن يتخرق ويتجاوز الشابان كل الحواجز الأمنية المقامة ويصلان إلى الطائرة ويتمكنان من الاختفاء في أحد أجزائها، وعليه فإن الوضع يتطلب فتح تحقيق أمني في ملابسات هذه القضية وتسليط أقصى العقوبات على المتورطين في الحادثة وكشف نتائج التحقيقات للرأي العام ليتبين للجميع حقيقة ما يحدث من مؤامرات خبيثة داخلية ضد الشعب ومؤسسات الوطن".
واللافت للانتباه بالنسبة لرئيس الاتحاد العام للجزائريين بالمهجر هو أن "ظاهرة الهجرة غير الشرعية لم تعد مرتبطة بالفئة المعوزة والهشة وبمشكلات اجتماعية كما يجري الحديث عنه في البلاطوهات التلفزيونية والجرائد الوطنية، بل أصبحت تشمل ميسوري الحال، فهناك من يغامر بأرواح النسوة والأطفال والشباب ويدفعهم نحو المجهول".
ويعلل سعيد بن رقية موقفه بالقول إن "الشابين وكل من يرغب في الهجرة نحو الضفة الأخرى من البحر المتوسط يدفع مبلغاً يتجاوز 100 مليون سنتيم أي ما يعادل 6000 دولار أمريكي، فمن غير المعقول أن يملك المحتاجون مثل هذا المبلغ".
وتكشف تقارير وزارة الدفاع الجزائرية تزايد الهجرة السرية بالجزائر، وربطت الأمر بزيادة شبكات المتاجرة بالمهاجرين غير الشرعيين مع ارتفاع تكاليفها.
وتمكنت مصالح الأمن الجزائري، في الأشهر الأخيرة، من تفكيك عدة شبكات تعمل على تنظيم رحلات الهجرة غير شرعية باتجاه الضفة الأخرى من البحر المتوسط، يتمركز نشاطها المكثف على المنصات الاجتماعية للترويج لتجارتها الرابحة.
وكشف تقرير حديث للحكومة قدمه الممثل الدائم لدى الأمم المتحدة نذير العرباوي، عن تفكيك 400 شبكة لتهريب المهاجرين بطريقة غير شرعية نحو الوجهة الأوروبية التي تبقى القبلة الأولى للراغبين في الهجرة من دول الجنوب نحو دول الشمال.
وحسبما ما ورد في التقرير فإن هذه العمليات تمت بين عامي 2020 و2021، أي خلال الأزمة الصحية التي تمثلت في انتشار وباء كورونا، وهو ما يعني أن الشبكات استغلت فترة الحجر الصحي الذي كان مفروضاً من أجل تكثيف نشاطها وتحقيق عوائد مرتفعة.
"الإهمال ليس وليد اليوم، ولا يمكننا تحميل الجوية الجزائرية مسؤولية الأمر لأنها شركة تجارية"، هكذا استهل النائب البرلماني إبراهيم دخينات، حديثه مع رصيف22 وهو أحد النواب المتابعين لملف الطيران الجزائري، ويتابع: "الظاهرة تحتاج لفتح تحقيقات معمقة من أجل تحديد هوية المتورطين في ما حدث بين أسوار إحدى أكبر مؤسسات الدولة الجزائرية".
ويقول إن "حادثة تسرب الشابين إلى مطار الجزائر الدولي والتي انتهت بوفاتهما ليست الأولى من نوعها، إذ تم العثور على متن إحدى رحلات الطيران من الجزائر إلى بروكسل على جزائريين غير حاملين جوازات السفر ووثائق الهوية".
ويضيف دخينات أن هناك محاولات لإلحاق الضرر وتشويه مؤسسات الدولة الجزائرية. فما حدث يفضح سوء التسيير وضعف الرقابة في الحركة الجوية الجزائرية التي تعاني اليوم من اختلالات مالية مزمنة، إذ قدرت خسائرها العام الماضي بنحو 300 مليون دولار وهو ما دفعها لطلب مساعدة عاجلة من الدولة الجزائرية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...