فجّرت مجموعة من طلاب وطالبات إحدى الجامعات الأردنية صدمةً مدوّية في المجتمع الأردني باتهام أستاذ جامعي بالتحرش ببعض طالباته على مدار سنوات، على غرار حملة "مي تو" العالمية لفضح المتحرشين.
بدأت القصة، وفق ما ترويه لرصيف22 الطالبة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، صبا، عندما نشر طالب على أبواب التخرج، يُدعى أحمد، مقطعاً مصوراً لحادثة تحرش مزعومة من الأستاذ بطالبة على مجموعة خاصة بطلاب الجامعة على فيسبوك تُدعى "مادة حرة".
في الفيديو الذي صوره ونشره أحمد تظهر صور لحرم الجامعة، بينما يُسمع صوت الطالبة ضحية التحرش وهي تروي ما تعرضت له مع بعض التأثيرات لإخفاء الصوت الأصلي. بعد تهديد الطالب على ما يبدو بالفصل من الجامعة، حذف الفيديو.
لكن محاولات تخويف الطالب لم تفلح في "لم الطابق" - وهو تعبير أردني كما يقصد به دفن القصة - لأن "ما حدث مع زميلنا ساعد في فتح باب اعترافات من زميلات تعرضن لتحرش من قبل نفس الأستاذ، واعترافات لزملاء شهدوا على مثل هذا النوع من الحوادث من قبله"، وفق ما تقول صبا.
عبر حسابها في تويتر الذي يتابعه أكثر من 40 ألف شخص، أعادت صبا نشر الفيديو ليتصدر وسم #متحرش_التكنو في غضون دقائق معدودة. كما بدأت تنهال عليها قصص وصور لمراسلات مزعومة بين الأستاذ وطالبات عديدات، نشرتها بدورها عبر الوسم.
"نزلي البنطلون" و"تعي عندي بريح نفسيتك"... شهادات واتهامات بالتحرش ضد أستاذ في إحدى الجامعات الأردنية. الجامعة تحقق في الموضوع والمتهم يزعم أنه يتعرض لـ"حملة شرسة" لكشفه مجموعات غش
اللافت أنه بالرغم من عدم ذكر اسم الأستاذ صراحةً، وبينما اكتفى البعض بالإشارة إليه باختصار "أ. س"، خرج الأستاذ نفسه، ويدعى أحمد السعد، ببيان عبر حسابه في فيسبوك يزعم خلاله تعرضه إلى "حملة شرسة" من "حسابات وهمية" وأشخاص "مغرر بهم" بهدف "اغتيال الشخصية"، مصوراً ذلك بأنه محاولة انتقام منه لكشفه "مجموعات الغش" عبر تيليغرام وتطبيقات أخرى. نفى الأستاذ التهم الموجهة إليه واعتبرها محض "أكاذيب واضحة وروايات مفبركة".
إغراء الطالبات بمنح وعزائم
إلى ذلك، تقول صبا: "وصلتني قصص تعرض لتحرش من نفس الأستاذ منذ العام 2010"، متابعةً "عندما سألت لماذا تم السكوت عنه منذ ذلك الوقت، تبين أن هناك الكثير من الطالبات كن قد اشتكين على الأستاذ لكن كان الموضوع (يتلملم)، وأغلب الفتيات شعرن بالخوف من البوح أو حتى تقديم شكوى ضده".
من القصص والمحادثات التي نشرتها صبا، يتضح أن الأستاذ كان يشارك رقم هاتفه مع طالبات ويطلب منهن التواصل لغرض السؤال أو الاستفسار عن أمر دراسي، فيحاول استدراجهن إلى "عزيمة على العشاء" مثلاً أو محادثة فيديو بذريعة "بث الراحة" في نفس الطالبة المتوترة من الامتحان أو ما شابه.
استطاع رصيف22 الوصول إلى فتيات قلن إنهن تعرضن لحوادث تحرش مماثلة من الأستاذ عينه، بشرط عدم الكشف عن هوياتهن. بينهن لمى (اسم مستعار) التي تقول: "كنت سنفورة عندما تعرضت لمحاولة تحرش من الأستاذ"، مبينةً أن الأستاذ طلب منها مراجعته في مكتبه في ساعة متأخرة من النهار عام 2012 للرد على ملاحظتها للعلامة الراسبة التي منحها إياها في الامتحان.
تتابع: "استغربت جداً طلبه بأن آتي لمكتبه في وقت متأخر، الساعة الخامسة مساءً. لكنني لم أهتم لأنني كنت بحاجة لمعرفة سبب ترسيبي في المادة. وعندما ذهبت إلى هناك طلب أن أغلق باب المكتب علينا، وبدأ بفتح حوار كان أغلبه كلاماً قذراً وله علاقة بالجنس. لا أدري كيف استطعت بسرعة البرق أن أفتح الباب وأهرب".
تلفت لمى إلى أنها أخبرت زميلتها في الجامعة عن هذا الموقف لتفاجأ بأن زميلتها تعرضت لموقف مشابه معه بل "ومارس معها ما هو أقذر من التحرش، إذ طلب منها إيميلها واستطاع أن يخترقه ويرصد محادثات بينها وبين حبيبها. بعدها بدأ يبتزها بفضحها لأهلها في حال لم تذهب إلى مكتبه". "لا أدري ما إذا كانت صديقتي قد خضعت لابتزازه، لكن أعتقد أنها مثلي خافت وفضلت الصمت بدلاً من أن تشكي عليه"، تُعقّب.
مخاوف من أن "تتحول القصة من فضح أستاذ متحرش إلى قضية إساءة وتشهير به"... دعوات إلى ضحايا #متحرش_التكنو بتقديم شكاوى رسمية عقب تهديد الأستاذ بملاحقة من "شهّر به" والتحقيق مع الطالب الذي فجّر القضية في "الجرائم الإلكترونية"
"وينك حبيبتي بتكوني أون لاين وما بتردي؟" هكذا بدأ الأستاذ حواراً مع طالبة أخرى، بحسب "سكرين شوت" وصلت رصيف22 من قبل صديقة الطالبة التي حاولت التهرّب من سؤال أستاذها بالقول إنها تدرس، ليواصل حديثه: "بتحبي أحكي معك؟ أصير أرنلك فيس تايم"، وترد هي بـ"لا ما بصير".
يزيد الأستاذ: "أنت مستغربة ليش أنا اخترتك رغم أنه بدرس آلاف الصبايا؟ لما ربنا بده اتنين يكونوا لبعض بخليهم يحبوا بعض، وأنا بدي أسعدك، وبدي أكون معك يعني بحبك!". وبعد محاولات عدة من قبل الطالبة لصده، يخبرها أن "الحب مش عيب!" فتجيبه: "مبلا عيب".
وتخبرنا طالبة ثالثة كيف روت صديقات لها مواقف مشابهة مع الأستاذ، بما في ذلك طالبة تقول إنه أرسل لها حل امتحان مادته قبل موعده "مقابل أن ترسل إليه صورها بأوضاع مخلة"، على حد تعبيرها، وأنه أرسل لطالبة أخرى: "يا الله شو مشتاق أشوفك، أنا عايش لوحدي يعني ما في داعي تنحرجي كتير بحب تبعتيلي".
وبينما أرسلت له طالبة: "نفسيتي تعبت عندي امتحانين"، رد عليها: "تعي عندي بريح نفسيتك". وورد أن من أساليبه الأخرى لاستدراج الطالبات، الوعود بمنحهن علامات مرتفعة و"بوعدك وعد رجال أطلعك منحة".
وتردد كثيراً على وسم #متحرش_التكنو أسلوباً قيل إن الأستاذ كان يتبعه حتى أصبح معروفاً لطلابه، بأنه يعلق بنطالاً خلف باب مكتبه، وعند دخول طالبة المكتب "يختبر" تجاوبها مع تحرشاته بالقول لها: "نزلي البنطلون"، فإذا أبدت غضباً من عبارته، يرد عليها "أنا قصدي بنطلوني المعلق، عيب عليك أنا قد أبوك!".
خوف من الملاحقة القضائية
لم يستطع رصيف22 الوصول إلى الأستاذ المتهم بالتحرش الذي أغلق حسابه في فيسبوك على ما يبدو. لكنه خرج في مقابلتين مصورتين مع قناة العربية السعودية وشبكة رؤيا المحلية، مساء الأحد 5 حزيران/ يونيو، متوعداً بملاحقة كل من "شهّر" به قضائياً.
في الأثناء، أكدت صبا تلقي زميلها أحمد، أول من فجّر القضية، استدعاءً للتحقيق من وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية بشكوى من الأستاذ المتهم بالتحرش، معربةً عن دهشتها لأنه "ما شهر بالدكتور ولا حط صورته ولا اسمه". قبيل نشر هذه السطور، أعلنت صبا نقلاً عن محامي أحمد أنه أدلى بإفادته وغادر دون أن يتم إيقافه.
"أنا خايفة"، تقول لرصيف22 طالبة أخرى في نفس الجامعة قامت بنشر قصص عدد من صديقات لها تعرضن لتحرش من الأستاذ أحمد السعد. تضيف الشابة التي فضّلت عدم ذكر اسمها: "أنا والله هدفي نبيل، وأريد أن أساعد الفتيات الضحايا، من خلال إيصال أصواتهن، بس خايفة يوقع الموضوع على راسي".
وتوضح أن قصدها من وقوع الموضوع على رأسها، هو أن "تتحول القصة من فضح أستاذ متحرش إلى قضية إساءة وتشهير به، بالتالي تُفصل من الجامعة". وهو ما دفع بعض الأصوات إلى مطالبة ضحايا الأستاذ بالتقدم بشكاوى لدى الجهات الأمنية لتفادي حدوث ذلك.
على وقع قضية #متحرش_التكنو في #الأردن، مجموعة نسوية تحذر من أن غياب آليات واضحة لمكافحة التحرش، والتكذيب، وعدم توفير الحماية، وثقافة المجتمع القائمة على إنكار هذه الجرائم وجلد النساء، كلها عوامل تجبر الضحايا والناجيات على الصمت
برغم ذلك، تقول صبا لرصيف22 إنها لم تتعرض لأي تهديد بعد نشر الوسم، مبرزةً أن عمادة شؤون الطلبة في الجامعة تواصلت معها الأحد وطلبت منها إطلاعهم على ما لديها من "سكرين شوتس" من طالبات تعرضن لتحرش من الأستاذ.
وكانت إدارة جامعة التكنولوجيا، عقب تصدر #متحرش_التكنو قائمة المتداول في الأردن، قد أصدرت بياناً أكدت خلاله تشكيل لجنة تحقيق في المزاعم. وأعلنت لاحقاً تلقيها ست شكاوى من طالبات قلن إنهن تعرضهن لتحرش من الأستاذ، وكشفت مباشرتها التحقيق واتخاذ الإجراءات المطلوبة.
وعن التكييف القانوني للتهم الواردة بحق أحمد السعد، تقول المحامية الأردنية لين الخياط لرصيف22: "هناك أكثر من مخالفة قانونية تدخل في الوقائع المتاحة حتى الآن، منها استخدام الأستاذ سلطته والاستقواء على طالباته، وإذا لم تتجاوز أفعاله التي وصفت بأنها تحرش من العبارات والرسائل فذلك يندرج تحت مسمى فعل مناف للحياء العام وإذا ما كانت الأفعال ملموسة قد تصل إلى جريمة هتك العرض".
وتضيف الخياط: "الأكيد في هذه القضية أن هناك إخلالاً بالواجبات الوظيفية، لكن لا نستطيع أن نجزم بأي شيء قبل تقديم شكاوى بحق الأستاذ وأن تصل إلى القضاء. في هذه المرحلة يُحدد الفعل الجرمي".
من جهتها، توضح الصحافية الأردنية ربى المراشدة أنها تسمع عن حوادث تحرش بطالبات في الجامعات الأردنية "منذ تسعينيات القرن الماضي"، معتبرةً أن "الفرق بين الأمس واليوم أنه أصبح هناك مواقع تواصل اجتماعي تفضح جرائم التحرش وهي أكثر جرأة من واقعنا في الماضي رغم أنه ما يزال حتى الآن حالة من الخوف من البوح بدليل أن ما أشيع عن أستاذ جامعة التكنو يكشف أنه مارس التحرش منذ أكثر من عشر سنوات".
"أتأمل هذه المرة أن يتغير الحال، من خلال معاقبة المتحرش بصرف النظر كان الأستاذ أو غيره، وأن يطبق القانون بطريقة صارمة بالإضافة إلى حملات توعية للفتيات بأنهن إذا فضحن المتحرش سيكن محميات باسم المجتمع والقانون"، تختم.
وعلى وقع قضية "متحرش التكنو"، حذّرت "تقاطعات"، وهي مجموعة نسوية مقرها الأردن"، من أن "أفواه الناجيات/ الضحايا تكمم، ويجبرهن غياب آليات واضحة لمكافحة التحرش، والتكذيب وعدم توفير الحماية وثقافة المجتمع القائمة على إنكار هذه الجرائم وجلد النساء، على الصمت".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 11 ساعةمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.