شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"مستحية أحكي تفاصيل أكثر"... تحرّشات جنسية وانتهاكات بحقّ عاملات في مصانع أردنية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 27 يناير 202111:44 ص

من الطبيعي أن يستفتح بعض العمّال صباح يوم عملهم فور وصولهم مكان العمل بموسيقى أو أغان خفيفة كأغاني فيروز مثلاً، أو يفضل البعض الآخر الاستماع لآيات من القرآن أو حتى الاكتفاء بالصمت والسكون، لكن من غير الطبيعي أن تكون افتتاحية بداية يوم العمل الاستماع لألفاظ تخدش الكرامة والإنسانية وتنتهك حقوق الإنسان، فمن غير المعقول ولا المقبول أن تكون أول كلمة تسمعها  عاملات هي "تطعيمة"، كما تسمى باللهجة الأردنية المحكية.

"تطعيمات"، أو إيحاءات جنسية، وسرد قصص من علاقة جنسية قام بها عامل، ويبدأ بسردها على الملأ أمام ديما علي (25 عاماً)، التي تحملت قذارة الاستماع إليها خلال الأربعة أسابيع عمل لها في مصنع سكاكر في إحدى مناطق العاصمة عمّان الشرقية، تحملتها على مضض بحسب قولها لرصيف22 قبل أن ترفع راية الاستسلام وتصرخ: "خلص لهون وبس" وتستقيل.

"وفي أكثر من موقف وتحديداً أثناء قيامي أنا وزميلتي بعمليات التغليف يقفون خلفنا بطريقة قريبة نكاد نسمع منها أصوات أنفاسهم القذرة".

ديما هي إحدى الفتيات الأردنيات العاملات في مصانع العاصمة وخارجها واللواتي تحدث معهن رصيف22، وروين بعض ممن استطعن التجرؤ بسرده من مواقف وانتهاكات من قبل زملاء لهن في المصنع، مارسوا بحقهن تحرشاً جسدياً وتحرشاً لفظياً ، فبحسب ما قالته ديما: "كنت أسمع جملاً وأحاديث أشعر فيها أنني في غرفة النوم مع زميلي".

"يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم" هكذا كانت تبدأ ديما يومها في مصنع السكاكر الذي كانت تعمل فيه، لكن في خلفية تلك الدعوة كانت تسمع: "صباح الخير يا أخوات..."  تصاحبها ضحكات تشجيعية من زملاء آخرين  لها في المصنع أكبرهم عمراً كان في العشرين، وتضيف: "يستلذ هو والكثير من زملائي بوجودي وزميلة أخرى فقط ممن يعملن في المصنع. إنهم يعبرون عما يعتقدون أنه رجولة في استعراض خبراتهم الجنسية سواء من خلال سرد قصصهم في علاقاتهم الجنسية أو حتى من خلال الإيحاء بذلك".

ماذا تقصدين بالإيحاء بذلك؟ سألت ديما، وأجابت: "كثيراً ما كان زملاء لي يستفزهم تجاهلي أنا وزميلتي قذارة ألفاظهم وقصصهم، فكنا نتظاهر أننا لا نسمع وننشغل بعملنا، ولأجل أن يثيروا انتباهنا لهم، كانوا يمسكون أدوات في المصنع كعصا ويستخدمونها كإيحاء بالصوت والصورة في أحاديثهم الجنسية، وفي أكثر من موقف وتحديداً أثناء قيامي أنا وزميلتي بعمليات التغليف يقفون خلفنا بطريقة قريبة نكاد نسمع منها أصوات أنفاسهم القذرة".

"ديما" هي إحدى الفتيات الأردنيات العاملات في مصانع العاصمة وخارجها واللواتي تحدث معهن رصيف22، وروين بعض ممن استطعن التجرؤ بسرده من مواقف وانتهاكات من قبل زملاء لهن في المصنع، مارسوا بحقهن تحرشاً جسدياً ولفظياً

"مستحية أحكي تفاصيل أكثر" تقول ديما، معتبرة أن ما سردته ممكن أن يجعل القارئ يتخيل ويدرك ويصدق "القرف الذي كنت أعيشه" كما تقول، لافتة في الوقت ذاته إلى أنه "بعد أسبوع من عملي في تلك البيئة المهينة لكل امرأة أصبحت أصطحب معي صاعقاً كهربائياً في حقيبتي تحسباً لأن تتحول تلك الإيحاءات اللفظية والجسدية إلى فعل اغتصاب، أنا لا أبالغ. كنت أعمل في مكان مغلق وبعيد وفيه الكثير من الوحوش البشرية وطبيعي أن أكون عرضة للاغتصاب فيه".

وتختم: "تحملت الكثير على مضض خصوصاً أن فرص العمل باتت شبه مستحيلة بسبب الأزمة الاقتصادية من جراء كورونا. لكنني خائفة جداً على زميلتي هناك فهي ليست بقوة شخصيتي وبسبب استمرارها بالصمت على ما تسمع (قويت عينهم عليها) وتجاوزت وقاحتهم الحدود ومنهم من تحرش بها جسدياً بحجة أن ذلك حدث من دون قصد مثل أن يصطدم بجسدها من الخلف... خائفة عليها جداً".

"ابن المعلم"

"مش حرام هالإيدين الناعمين يكونوا تحت ماكينة الخياطة؟" واحدة من عبارات كثيرة سمعتها وما تزال نهى (27 عاماً) تسمعها من قبل ابن صاحب مصنع الألبسة في شمال العاصمة حيث تعمل. مثل خوف ديما على زميلتها، كذلك نهى خائفة على نفسها من أن يتحول التحرش اللفظي الذي تتعرض له من قبل "ابن المعلم" إلى تحرش جسدي "لا أعرف إلى أي مرحلة ممكن أن يصل هذا الانتهاك"، تقول لرصيف22.

ما الذي يجبرك على تحمل ذلك؟ سألت نهى، "فقر عائلتي وعوزها، خصوصاً بعد وفاة والدي، فأنا أكبر إخواني وأخواتي ولا أريد أن يكون مصير أمي أن تنظف في البيوت، صحيح أنا في مكان عمل ظالم وكرامتي تهان فيه كل يوم، لكن أن ينام أخوتي وهم جائعون فهذا أمر يخدش كرامتي أكثر".

 وهنا تعود في حديثها إلى بعض ما تتعرض له من تحرش من قبل "ابن المعلم"، وتتابع: "خلال تجولي في طوابق المصنع وبين ماكينات الخياطة، أشعر أن ظهري له عينان، فأنا حتى لو كان ظهري خلال مشيي في وجه ابن صاحب المصنع، أراه وهو يراقب مشيتي وجسدي، نعم أراه بدليل الشعور الذي يوجع قلبي في تلك اللحظات".

وتختم: "هل تعلمين ما هو موجع أيضاً؟ الموجع أني أصبحت في نظر زميلات لي فريسة ابن المدير، فوقاحته خصوصاً عندما يقترب من جسدي وأنا جالسة إلى طاولتي وأخيط بحجة أنه يريد أن (يشيك) على عملي، جعلتني سيرة على ألسنة الزميلات، لكن صدقيني سيأتي يوم أتمنى أن يكون قريباً وقبل أن أصرخ كفى! ومن ثم سوف أضربه بحقيبتي على وجهه أمام الجميع".

العنف الاقتصادي

وعلقت الأخصائية الاجتماعية رشا ضمرة التي تعمل مع أكثر من مؤسسة نسوية في الأردن على تلك القصص بأنها ليست بـ"الغريبة"، فبحسب قولها لرصيف22: "من أصعب أشكال العنف ضد المرأة هو العنف الاقتصادي، خصوصاً بحق النساء غير المتعلمات واللواتي يقبلن بأي عمل متوفر حتى يؤمنَ قوت معيشتهن مثل العمل في المصانع، وهي من القطاعات غير المنظمة، والتي تستقبل العمالة  باستمرار بسبب الأجور المتدنية التي تقدمها، ومن المعروف أن فيها استعباداً وامتهاناً للكرامة الإنسانية".

وتتابع رشا: "أستقبل شكاوى على نحو يومي من عاملات أردنيات أو غيرهن يعملن في المصانع، وأغلبها تتعلق بالتحرش الجنسي الجسدي واللفظي بحقهن، وبات من الدارج أن المرأة التي تعمل في مصنع عرضة باستمرار لأن تكون محوراً للتحرش بها، ومادة سهلة للافتراس".

وتختم: "بحت أصواتنا كنساء مدافعات عن حقوق المرأة بغية إنقاذ عاملات المصانع والعاملات في القطاعات غير المنظمة بشكل عام، لكن لا حياة لمن تنادي، ولا حد لمسلسل التحرش بأولئك النساء اللواتي يبدأ التحرش بهن منذ ركوبهن وسائل مواصلات النقل العام إلى المصانع التي يعملن بها خلف أبواب موصدة تخفي ما يحدث من انتهاك لكرامة النساء".

"أستقبل شكاوى على نحو يومي من عاملات أردنيات أو غيرهن يعملن في المصانع، وأغلبها تتعلق بالتحرش الجنسي الجسدي واللفظي بحقهن، وبات من الدارج أن المرأة التي تعمل في مصنع عرضة باستمرار لأن تكون محوراً للتحرش بها، ومادة سهلة للافتراس"

واحدة من كل خمس نساء 

من جانب آخر، كشفت دراسة استقصائية حول العنف والتحرش في الأردن أجرتها منظمة "آكشن إيد" في تشرين الأول/أكتوبر 2020 أن واحدة من كل خمس نساء عانت من أحد أشكال العنف ضد المرأة أو أكثر في مكان العمل، وأنه كلما قل استقرار العمل زاد من خطر التعرض للعنف والتحرش، وأن المجموعات التي تواجه أعلى معدلات العنف ضد النساء والفتيات هي مؤلفة من العاملات بأجر يومي مثل عاملات المصانع. 

واستندت الدراسة إلى مقابلة 2323 عامل/ة في مصانع أردنية، وخلصت إلى أن 20% من العاملات تعرضن للحديث غير المرغوب به، و17% منهن تعرضن للتحرش الجنسي اللفظي و16% تعرضن لرسائل غير مرغوب بها و15% للمس غير مرغوب به.

وفي تقرير بحثي لمركز "تمكين للمساعدة القانونية" الذي حمل عنوان: "الحلقة الأضعف... العمال المهاجرون في قطاعي العمالة المنزلية والمصانع" شكاوى تفيد تعرض عاملات مصانع للتحرش الجنسي أو حتى للاغتصاب من قبل إدارات المصانع، وأفادت شهادة واحدة من العاملات في مصنع في شمال العاصمة عمّان أن "زميلتها من جنسية مهاجرة اغتصبها مدير الإنتاج في المصنع ورحّلها إلى بلادها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image